القوة الناعمة: معركة كسب القلوب والعقول

تعريف

الإعلام هو مصطلح يطلق على أي وسيلة أو تقنية أو منظمة أو مؤسسة عامة أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، مهمتها نشر الأخبار ونقل المعلومات وتشكيل وتوجيه الرأي العام.

ويُطلق مصطلح السلطة الرابعة على وسائل الإعلام عموماً وعلى الصحافة بشكل خاص، ويستخدم المصطلح اليوم في سياق إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي العام وتوجيه الجماهير، والإفصاح عن المعلومات، وخلق القضايا، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة، وتمثيل الأمم لدى بعضها البعض.

الإعلام والرأي العام

ولا يختلف اثنان على العلاقة الوثيقة بين الرأي العام والإعلام، فكلما قام الإعلام في صياغة رسالته بشكل مؤثر كلما كان أثره في الرأي العام أكبر وأوسع، وكلما زاد نشر الوعي السياسي والثقافة المجتمعية كان تفاعل الجمهور أكبر مع الإعلام.

وعن طريق الرسالة الإعلامية يمكن تحويل الرأي العام الساكن إلى رأي عام ظاهر، مثل الاهتمام الإعلامي بالقضية أو الموضوع وطرحه بدرجة تزيد من اهتمام الأفراد به، كما تسهم وسائل الإعلام عن طريق تقديم المعلومات والحقائق والبيانات في زيادة معرفة الأفراد بمجريات الأمور مما يساعد على تحقيق المزيد من القدرة لدى الرأي العام على الفهم والحكم الصحيح على القضية أو قضايا موضوع الرأي وصعوبة خداعه.

دور الإعلام وتأثيره بالرأي العام

القوة الناعمة للسيطرة على الإعلام
  • المحافظة على الوضع القائم وإبقائه على حاله.
  • تغيير آراء الجمهور باختيار نوع الأخبار وطريقة عرضها والتعليق عليها أو تغيير الاتجاهات بشكل معاكس.
  • تحديد الأولويات وترتيبها لدى الجمهور من خلال إبراز بعض الموضوعات وتجاهل أخرى، أو التضخيم والمبالغة في قضية ما، أو تهويل حدث معين أو تهوينه وإهماله كليا.
  • تختار وسائل الإعلام ما تراه هي مناسبًا للجمهور وتطرح من خلاله فكرها وفلسفتها وأجندتها ورؤيتها للأحداث.
  • إبراز شخصيات وإعلاء شأنهم وتحقيق الشهرة لهم.
  • تحليل الأحداث الداخلية والدولية والعمل على تنظيم الرأي العام وتهيئته مسبقًا من خلال إلمامه بتلك القضايا للحكم عليها.

كيف نتعامل مع وسائل الإعلام والتصريحات السياسية

عادة ما تهدف التصريحات الإعلامية إلى وضع الرأي العام في صورة الموقف والتوجه السياسي للحكومة كما أنها تهدف إلى تجميع الرأي العام وراء سياسات الحكومات، وبالتالي فهي التعبير المباشر عن موقف الدولة أو الحكومة أو الجهة الرسمية التي تصدرها.

وتأتي التصريحات الإعلامية على نوعين:

  • إما أن تكون عبارة عن تصريحات رسمية من جهات ذات تفويض بالإدلاء بها، مثل تصريح رئيس الدولة أو وزارة الخارجية أو وزارة الإعلام.
  • وإما أن تكون من مصدر غير رسمي وتدخل ضمن ما يسمى (التسريبات الإعلامية)، يكون هدفها نشر رسالة أو فكرة أو توجه سياسي دون أن يكون لهذا التوجه صفة رسمية، وذلك من أجل اختبار الرأي العام، أو أن الحكومة ترغب بالكشف عن توجه معين وهي تريد توجيه الرأي العام بهذا الاتجاه دون أن تكون ملتزمة به.

أما التصريحات الرسمية

فمن المفترض أنها تعكس الموقف الحقيقي للجهة التي تصدرها وهي ملتزمة بمضمونها ومسؤولة عنها سواء كان التصريح صادقا أم مغايرًا للحقيقة.

أما كيفية التعامل مع التصريحات الرسمية يجب النظر إلى هذه المواقف والتصريحات وفق ما يلي:

  • إنها تصريحات تعبر عن موقف سياسي وليس موقف مبدئي بمعنى أنه إعلان عن جانب من العمل السياسي الذي تقوم به الحكومات، وليس تعبيرا عن مجمل الاستراتيجية التي تمارسها، فمثلا عندما يقول رئيس الولايات المتحدة أن بلاده مع إقامة الدولة الفلسطينية فهذا موقف سياسي لكنه لا يوضح أي دولة يريد وما شكلها وما علاقتها مع إسرائيل، وهكذا يبقى الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات وكل جهة لها علاقة بهذا الموضوع تفسره وفق معلوماتها أو تصوراتها أو وفق ما جرى الكلام عنه في الغرف المغلقة. وهذا بخلاف التصريحات التي تلقى عادة أمام الجهات الرسمية كمجالس النواب؛ فهي تعبر عن توجه استراتيجي للحكومة لأن المسؤول يكون هنا مسؤولا عن كلامه ومحاسب على خطته وعمله.
  • إن التصريحات ليست مواقف نهائية وإنما هي متغيرات تخضع للظروف والوقائع والمصالح وليست مبنية على المبادئ، فعندما يصرح رئيس ما أنه لن يسكت على تصرفات الدولة الأخرى فهذا يعكس موقف قابل للتغير، إلا أنه قد يرمي إلى إظهار نوع من التهديد الذي يهدف إلى تحريك مفاوضات أو تنازلات معينة من الطرف الآخر مما يسمح له مع الوقت أن يغير موقفه ويتراجع عنه.
  • إن التصريحات لا تنشئ عملا بالضرورة وإنما قد تنشئ توجها وقد تسبق التصريحات العمل وقد تكون تالية له.
  • يجب أن يوضع التصريح الإعلامي دائما في الجو والظروف السياسية الدولية والخاصة بكل دولة، وعدم اعتباره تصريحًا منفصلًا عما حوله، لذلك يجب دائما الأخذ بعين الاعتبار البيئة التي جرى التصريح فيها: أين، متى، لماذا، كيف، إذ يجب أن نعلم لماذا كان التوقيت لكلام أوباما عن (تنحي مبارك فورًا) سابقًا لتنحيه بيوم واحد، بينما لم يترك الرئيس اليمني السلطة بالرغم من ذكره لكلمة الآن عدة مرات، والسبب أن المقصود من هذه العبارة إشعار الرأي العام بأن تنحي الرؤساء إنما هو بيد أميركا وأنه قرار يتخذ في الولايات المتحدة، وليس المقصود منه هو إعطاء أمر لهذا الرئيس أو ذاك بترك السلطة، لأن عملية ترك السلطة تتطلب أعمالا متعددة، إنه إشارة إلى الرأي العام بأن أميركا أصبحت متقبلة أو دافعة أو عاملة على تخلي هذا الرئيس عن السلطة.
  • يبقى أمرًا أخيرًا:
  • إن تعاملنا مع أي تصريح إعلامي يجب أن يكون وفقًا لتحليلاتنا ورؤيتنا المبدئية وفهمنا العميق للعمل السياسي والدراسة الدقيقة لكل الظروف والملابسات التي تحيط به.

وبالتالي يجب أن يكون تعاملنا مع التصريحات الإعلامية على شقين:

  • شق يحلل التصريح والدوافع والظروف والاحتمالات التي يمكن أن تحدث بناءًا عليه، وهذا يتم وفق جمع للمعلومات والدراسة الميدانية الواقعية لكل ما يجري حول هذا التصريح.
  • وشق يقوم على تحديد الموقف السياسي وهذا يبنى على الفهم الحقيقي للسياسة ومواقف الدول المبدئية وحقيقة الدور الذي تلعبه الدول ومصالحها وأهدافها سواء المعلنة أم غير المعلنة، الاستراتيجية أم المرحلية.

يجب أن ندرك أن التصريحات في النتيجة لا بد أن تصب في الأهداف الاستراتيجية للدول وخاصة الدول الكبرى، وبالتالي يجب أن نضع التصريح في ضوء ما نفهمه من رؤية لواقع هذه الدول وأهدافها. فنحن نعلم تماما أن الغرب بكل أطيافه إنما ينطلق في كل أعماله من مبدأ حماية أو تحقيق مصالحه في المنطقة، ومصلحته المعتبرة هي المصلحة المادية باستمرار، ونهبه وسيطرته على ثروات ومقدرات العالم بأسره وخاصة العالم الإسلامي لما يحتويه من طاقات وثروات هامة خاصة في ظل الحاجات والأزمات الاقتصادية اليوم.

المصالح

وأن ضمان هذه السيطرة المادية يكون باستمرار الهيمنة الفكرية والسياسية عليه ومنع إقامة أي حكم أو سلطة تعبر عن الإرادة الحقيقية لشعوب هذه المنطقة والتي تقوم على الإسلام والإسلام وحده؛ لذلك تعمل التصريحات الإعلامية الغربية كسلاح حقيقي في المعركة الحضارية بين الغرب والإسلام، وليس بين الغرب والحكومات أو الأنظمة القائمة التي هي تابعة للغرب بشكل أو بآخر.

إنها معركة  الإرادة الحرة للأمة الإسلامية مع الإرادة الطاغية للغرب ممثلا اليوم بالولايات المتحدة، لذلك من الاستحالة بمكان أن نفهم التصريحات ونقيّمها بناء على المفاهيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة التي تتبجح بها أميركا أو غيرها، يجب أن نفهم كل التصريحات والأعمال والمواقف السياسية وفقا لمعرفتنا اليقينية بالمبدأ الذي تنطلق منه السياسية الغربية وهو تحقيق مصالحها ومنع قيام إرادة حرة حقيقية تعبر عن حقيقة هذه الشعوب وآمالها وتطلعاتها.

فإذا أدركنا كل هذا إدراكا واعيًا عميقًا، كانت مواقفنا تجاه كل هذه التصريحات مواقف المواجه والمبادر إلى اتخاذ العمل والتوجه المناسب بدلًا من أن يكون موقفنا موقف المتفرج أو الملاحق أو المتتبع لهذه التصريحات؛ وبالتالي نكون فاعلين، عاملين، محركين للأحداث، بدلا من أن نكون منفعلين أو متفرجين أو تابعين.


مصادر

  • في ظلال القرآن سيد قطب.
  • كتاب مدخل إلى الرأي العام كامل خورشيد.
  • مقالات مفاهيم سياسية د. غانم رسلان

بقلم: علاء حلبوني

علاء حلبوني

كاتب وباحث في نهضة الأمة - كلية الاقتصاد، جامعة دمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى