الروهينغا.. إبادة مع سبق الإصرار والترصد

“الروهينغا” الأقلية المسلمة التي تعيش في ميانمار (بورما) وأراكان. قد استنزفت كل ألوان الأسى، منذ تسلط عليها البوذيون والقوات الميانمارية في حملات إبادة مدروسة متوالية وعنصرية بلا حدود. شعب مسلم يعيش في أرضه، تعرض لأبشع طرق القتل والتنكيل والإذلال والإهانة والتشريد، تهمته الوحيده أنه مسلم غير مرغوب فيه. كمّ هائل مروّع من الصور والتقارير والحوادث والشهادات وكل ما يمتّ للمأساة بصلة ويوثق هذا الإرهاب البوذي المتعمد والباغي على أطفال ونساء وشيوخ لم يعرفه العالم كما في هذه البقعة المضطهدة، بات روتينا متداولا بين مواقع التواصل الإجتماعي.

لن نبالغ إن قلنا أننا بتنا لا نصدق أن هناك بشر يقدمون على مثل هذه الجرائم اللامصنفة لشدة بشاعتها، إننا نتحدث عن جرائم البوذيين بحق المسلمين الروهينغا، وتآمر الحكومة الميانمارية (البورمية) في هذه الجرائم بلا أدنى رحمة.

التجريد من الجنسية وباقي الحقوق

532142588

جُرد المسلمون الروهينجا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية لسنة 1982. وجردوا معها من كل حقوق أخرى كالسفر -إلا بإذن رسمي- وامتلاك الأراضي والولادات فلا يسمح لهم بأكثر من طفلين وقد أجبروا على توقيع إلتزام بذلك. إنهم مسلمون يعانون من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978 عرفوا حملات الإبادة والقتل والتشريد ففر منهم الملايين إلى مصير الأسر والقتل وأنواع القمع وأجبرت نساؤهن على الإجهاض القسري!

حملات الإبادة

كانت أولى حملات الإبادة الجماعية عام 1942، نفذتها الحكومة البورمية وراح ضحيتها أكثر من (100000) مسلم ومسلمة، ولم تكتفي بذلك بل سعت منذ ذلك الحين إلى تطبيق سياسة (البرمنة) في التعامل الشرس مع القبائل غير المنضوية تحت سلطة المعابد البوذية، ورغم تمكنها من فرض البوذية بين أغلب القبائل إلا أنها فشلت فشلا ذريعا مع القبائل المسلمة، فلم يرتد أحد منهم عن دينه بل زادوا تمسكا بالتوحيد وكان جواب البوذيين الموت ذبحا وحرقا في حملات إبادة استهدفت الاختطاف لأطفالهم والنهب لثرواتهم، والنسف لتراثهم، والمحو لآثارهم وشعائرهم، والمصادرة لحقوقهم.

أما آخر حملات الإبادة فكانت في بداية هذا العام، عندما قامت المليشيات البوذية المسلحة بإحراق وتدمير قرى المسلمين، وقتل السكان، ومطاردة الفارين منهم في الحقول والبساتين، فسقط جراء هذا البغي خمسمائة قتيل، وأكثر من ألفي جريح، ثم تكرر الهجوم بعدها بشهرين، وكان الهدف سكان مدينة (تونغو) ليلاقوا نفس المصير المروّع.

أسئلة مشروعة

  • أين هو المجتمع الدولي الذي ما فتأ يسارع لدفع قوات ما يسمى “حفظ السلام” لاحتلال كل بلد مسلم يعلن فيه إرهاب وفيه ضحايا زعموا؟!
  • أين هي جيوش الغرب التي لا تتأخر في التدخل لإحاكم السيطرة حين يكون البلد مسلما أو الإرهاب إسلاميا أوهموا؟!
  • أين هي قرارات مجلس الأمن التي تصدر سريعا بنكهة القلق لفرض الهيمنة الغربية على دولة مسلمة اضطربت لارتفاع حالات القتل ومعدلات الهجرة ولأن من ورائها أنواع الفائدة كشفوا؟!

اليوم نشاهد جميعا المجازر الدامية المبكية التي يعيشها المسلمون في أراكان ولم يتحرك المجتمع الدولي بخطوة فعلية جادة واحدة لإعلان هذا العدوان إرهابا وتصنيف المعتدي في قائمة الإرهابيين بل وإرسال الأرتال العسكرية لحماية هؤلاء المستضعفين..!

لا بد أنه لن يفعل لأن ميانمار ليست دولة مسلمة!

ولابد أنه خيال حالم ذلك الذي ينتظر تحركا من منظومة دولية تم تشييدها خصيصا لتحكم العالم وتتسلط على رقاب المسلمين لصالح الدول العظمى الغربية الكافرة!! هذا ما حفرته نوازل المسلمين في أذهاننا.

إن كلّ مسلم شاهد الظلم الذي يعيشه إخوانه في أراكان لابد أن ينتفض، أن يستنكر، أن تحمله عزة الإسلام وأخوة الإسلام لا إلى الشجب فحسب بل للعمل بجد على تغيير هذا الواقع المرير وهذه المنظومة المفروضة وهذا الظلم المستمر حتى يتمكن المسلمون المستضعفون من تحصيل حقوقهم دون تسلق على مآسيهم ومتاجرة بقضاياهم باسم الديمقراطية وحريات الشعوب التي لم تقدم إلا الظلم الحقيقي تحت شعارات كاذبة.

اللاجئون الروهينغا

Picture2

كان لابد للمجازر المروعة والعدوان المنظم أن يهجّر آلاف بل ملايين المسلمين الروهينغا إلى أي بلد يطمعون فيه بعيش آمن يربوا فيه أبناءهم بحريتهم الدينية، إلا أن مأساة اللاجئين أصبحت عقبة أخرى في وجه هذا الشعب المسلم المضطهد، فحالتهم أسوء من أن توصف، وإن كانت تعتبر ماليزيا أفضل ملجأ كونه الأقل سوء مقارنة مع غيرها من أمصار عمدت إلى احتجاز اللاجئين وإذلالهم، فإن المقابر الجماعية للروهينغا التي عثر عليها العام الماضي على طرفي الحدود الماليزية التايلندية دون أن يتم التحقيق فيها أو تقديم أحد للمحاكمة أو استنكار الحادثة، سوى استخراج الجثث المقتولة من القبور و إعادة دفنها دون التعرف على هوية أصحابها . هي دلالة على عمق المأساة.

مصير من في الداخل

665001584001_4600505825001_VideoStillImage6d4a97

أما من آثر البقاء في بلده وموطنه على الخروج إلى مصير مجهول، فهو عرضة للقتل والتنكيل والوقوع تحت أغرب وأبشع طرق الإبادة البشرية والإذلال اللاإنساني هذا من جهة ومن جهة أخرى، بين اعتداءات واستفزازات القوات الميانمارية التي لا تتوانى في التحرش بالروهينغا المسلمين في الطرقات والتعدي عليهم بالضرب والسلب والنهب والإهانة والقسوة دون أدنى محاسبة..فضلا عن المكر من الحكومة الميانمارية التي تماطل في حل المشكلة وتأمين المستضعفين الروهينغا وكفّ يد المعتدين البوذيين، والاعتراف بهم كمواطنين لهم كامل الحق في هذه الأرض.

ورغم إعلان الحكومة الميانمارية مؤخرا مشروع تسجيل أبناء عرقية الروهينغا في إقليم راخين بأراكان، شككت منظمات روهنغية في نوايا الحكومة وقصة منحهم بطاقات خضراء تزعم أنها تهدف إلى تصحيح أوضاعهم القانونية.

ويكمن المكر في مشروع البطاقات حسب رئيس جمعية الروهنغيا في ماليزيا نيانغ فيصل في أن الاستمارة التي توزع على الروهنغيين تطلب منهم الإجابة عن أسئلة تنتزع منهم إقرارا بأنهم أجانب، مثل البلد الأصلي وتاريخ الوصول إلى ميانمار ووسيلة النقل، وهي معلومات تطلب عادة من الأجانب عند وصولهم نقاط العبور للدول. مما دفع بمنظمات الروهنغيا إلى دعوة الناس في الإقليم إلى عدم ملء الاستمارات، كونها لا تعدو خدعة أخرى كسابقتها وهي البطاقات البيضاء التي أعطيت لأبناء عرقية الروهينغا عام 1982، بعد استنكار العديد من البلدان تجريد عرقية الروهنغيا من المواطنة، فكانت حيلة حكومة ميانمار تقديم الوعود لمن يتسلمون البطاقة البيضاء بالحصول على بطاقات هوية كمواطنين، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن. وها هي اليوم تعدهم نفس الوعد بالبطاقة الخضراء! واختلفت الألوان والمكر واحد!

حملات الإبادة مستمرة

Burma_0020

إن كان ما يعيشه الروهينغا من مجازر ينتظر تقييما فإنه على سلم البشاعة الإنسانية الأول بلا منازع، ورغم نداءات الإستغاثة المتتالية التي صدرت من بقعة أرض تكاد أن تباد تحت أسماع وأبصار العالم وبسبق الإصرار والترصد، لا زالت الجريمة من طور إلى طور تتحدى ثبات المسلمين في أراكان، وآخر تهديد يحاصر هؤلاء العزّل، موجة إبادة جديدة تتبع سابقاتها، أعرب عنها رئيس جمعية الروهنغيا البورميين في تايلاند ميانغ تشيا مو بعد اختفاء نحو ألف شخص في أيام قليلة.

وحين يؤكد بيان الجمعيات والمنظمات الروهنغية في تايلاند بأن معظم ضحايا الهجمات الأخيرة التي يشنها البوذيون هم من النساء والشيوخ والأطفال، وأن الشباب فروا نحو الغابات والجبال، فعلينا أن نتخيل حجم الجرأة من البوذيين على إخواننا المسلمين في أراكان.

جرائم متواصلة

لن يتوقف مسلسل الجرائم في أراكان، وآخر ما استجد فيه وليس أخيرا قيام عصابات من منظمتي “969” و”ماباتا” بهدم مسجد تاريخي للروهنغيا شرقي أراكان بتواطؤ من القوات الأمنية الميانمارية.
وجاء تدمير هذا المسجد مع تصاعد التوترات في ميانمار بشأن الاسم الذي يجب إطلاقه على الروهينجا المسلمين الذين يضطهدون بعنصرية منذ سنين حيث ترفض الحكومة الميانمارية إسم (الروهينجا المسلمون).

الحل

ليس على المسلمين أن ينتظروا شفقة من حكومة متواطأة مماطلة هي سبب مأساة المسلمين الروهينغا بل عليهم أن يقووا أنفسهم في كل الميادين، فلو كانت الجمعيات الخيرية مثلا قادرة على سد حاجات المسلمين الروهينغا لخففت بالتأكيد من معاناتهم، ولو أن المسلمين شكلوا دعما خاصا لتقوية المستضعفين هنالك بإيصال صوتهم والذبّ عنهم وتأجيج الرأي العام لتفعيل قضيتهم بما تستحقه من اهتمام، وفرض الضغط السياسي بل والتهديد العسكري لحفظ حياة ملايين المسلمين، فإن المعادلة بكل تأكيد ستتغير.

لو كان الروهينغا من اليهود، هل كان سينساهم أحد؟ لابد أن نعيد لهذه الأمة مكانتها، ونعلّم الأمم قيمة دماء أبنائها وأعراض نسائها وصرخات الهلع التي أرعبت أطفالها، لا بد أن نعزز مكانتها من جديد بالعمل بشكل جماعي موحد لنهضتها وتحررها واسترجاع حقوق المسلمين في زوايا الأرض.. وإلا فسنقبع فريسة سهلة يتربص بها ضباع البشر من شر ما خلق، ولا بواكي علينا إلا من أنفسنا، فيا أيها المسلمون من لثارات الروهينغا المسلمين من لهؤلاء المستضعفين من البشر .. من يوصل الصوت ليلبى النداء!

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى