قراءة للأحداث الجارية في معركة الشام

* الموضوع هنا يأتي استكمالًا للمقالات التي نُشرت تباعًا كقراءة في واقع الأمة والأحداث الجارية في الشام والعراق واليمن.

[1] قراءة للأحداث في اليمن.
[2] واقع الأمة والأحداث في معركة الموصل.


الصراع في سوريا

تعلم كل أطراف الصراع بالشام أن هناك ثلاثة مراكز ثقل للثورة تكمن فيها قوة أي طرف يسيطر عليها، وهي الساحل –حلب – دمشق، وتختلف أسباب القوة في كل واحدة عن الأخرى، أما غيرهم من المدن فمع أهميتها لكنها لن تمنح الثورة أي قوه ذاتيه ما لم تكن مترافقه مع هؤلاء الثلاثة، لذلك حاول النظام وحلفائه حصر الثورة بإدلب عن طريق تهجير الجميع لها فيسهل القضاء عليهم بعد ذلك مع ضياع مراكز القوة تلك منهم.

حال جبهات الشام

كما يعلم الجميع أن جبهات الساحل هي أهم جبهات الشام لطبيعتها الجبلية ولتملكها خط إمداد طبيعي عن طريق البحر يجعل حصارها أمر غير ممكن في حال السيطرة عليها بشكل كامل، لكن يلزم لتوسع الثورة بالساحل تأمين حلب وإدلب بالكامل كخطوط خلفيه له تزيد من قوته وتُضمن معه استمرارية الثورة وعدم حصرها بجبال الساحل فقط وهذا ينقلنا لأهمية معركة حلب فيما بعد.

لا ينكر أحد أن صمود المحاصرين في دمشق كان من أعظم ما سطر في الثورة، كتب الله أجرهم بذلك، لكن للأسف هذا الصمود لم يتجاوز لدى قيادات دمشق حدود الصبر على نقص الطعام والشراب، فلم يعملوا طيلة تلك السنين على إيجاد أي وسائل لكسر الحصار كالأنفاق وغيرها بل ولم يعملوا حتى على المستوى العسكري على تجميع قوتهم وتطوير عدتهم أو على الأقل توحيد صفهم، فكانوا كالمنتظرين لقرار التهجير بالنهاية أو مساهمين فيه بعجزهم .

ووضعهم هنا يختلف عن وضع حمص التي كان الصمود فيها أصلا خطأ لكون الأولوية العسكرية لها جعلها نقطة استنزاف لحزب اللات اللبناني فلم يكن التهجير منها حينها إلا خطوة لصالح الثورة على خلاف وضع دمشق، لكن عدم إدراك ذلك الفارق كان عامل نفسي استخدم ضد الثورة عموما وضد دمشق خصوصا مع محاولة تكراره بحلب، وأقل ما يجب على هؤلاء الآن هو معالجة ذلك الأثر النفسي بقيامهم بأعمال باسم دمشق وفي طريقها وإحياء حروب العصابات داخل تلك المناطق لتشتيت النظام النصيري وإشغاله عن معركة حلب.

معركة حلب

ومما لا يخفى على كل صاحب وعي أنه عند فك حصار حلب الأول تخوف النظام الدولي من تحريرها بالكامل لذلك جاءت درع الفرات كخطوة لمنع تحرير حلب، فبانسحابات تنظيم الدولة -داعش- من الشمال الحدودي التركي لصالح ملاحدة الكرد، شعرت تركيا بخطورة استمرار ذلك، فأطلقت عملية درع الفرات لمنع ملاحدة الكرد من عمل شريط حدودي يهددها، فلم يكن لدى تركيا من قبل أي مشكلة من تواجد تنظيم الدولة _داعش _على حدودها بل ظلت سنين تنتفع من النفط الذي يتم تهريبه للداخل التركي كما ينتفع التنظيم هو الآخر بدخول عناصرها للأراضي التي يسيطر عليها عن طريق تركيا.

وبالطبع لم تكن درع الفرات تنازل من أمريكا عن المشروع القومي لملاحدة الكرد، لكنه ربما فقط تغير نسبي للمصالح أو حسن استغلال للفرص من طرف تركيا، جعل مشروع ملاحدة الكرد يتراجع قليلا وربما مؤقتا عن حدودها دون أن يلغيه كمشرع  فهو المعول عليه أمريكيا بعد فشل أمريكا في إيجاد ما تطمح له من مستوى للمعارضة المعتدلة السنية في سوريا أو العراق، وأما على المستوى الروسي فليس هناك خلاف بينهم وبين أمريكا في ضرورة عدم تحرير حلب وتغيير ديمُغرافيتها ولكن الخلاف بينهم فيمن الذي ستكون حلب من نصيبه في النهاية.

لذلك  كان أحد تجليات التصالح الروسي التركي الأخير يكمن في عدم التعرض لدرع الفرات مقابل تنازل تركيا عن موقفها السابق تجاه حلب، فبعد أن كان تصريح أردوغان بشأن حلب أنها خط أحمر تحولت لخط أخضر عند اتخاذه نفس الموقف الروسي والأممي تجاهها بمطالبته جبهة فتح الشام بالخروج منها، دون أن يتعرض لذكر أي من المليشيات الصفوية مع فارق أن فتح الشام جلها من أصحاب الأرض على خلاف تلك الميلشيات.

ولضعف الوعي الثوري لدى عموم فصائل الثوار وقعوا في ذلك الفخ الدولي المتمثل في درع الفرات، فنقلت العديد من الفصائل ثقلها للريف الشمالي بحلب، وعلل بعضهم ذلك بحرصه على حرب تنظيم الدولة_داعش_ واسترداد الريف، وأصحاب هذا التعليل غفلتهم لا تكمن فقط في ترك حلب وتخليهم عن مركز قوتهم وإنما في أنهم لم يعوا أصلا غاية درع الفرات وظنوا أن ما أعلنته تركيا عن حرب تنظيم الدولة فيها حقيقة بل لم يفيقوا من غفلتهم تلك حتى أمام انسحابات تنظيم الدولة_داعش_المتكررة وأكبرها في دابق التي طالما استخدمتها التنظيم إعلاميا لحشد العناصر لصفه.

أما البعض الآخر فعلل مشاركته بأنها جاءت لمنع استيلاء ملاحدة الكرد على أراضي تنظيم الدولة _داعش_ وحفظ أعراض المسلمين وحمايتهم من الملاحدة أمام انسحابات التنظيم، ولو اختلفت تعليلاتهم إلا إن النهاية كانت واحده فقد حوصرت حلب مره أخرى بعد تخفيف عدد المرابطين على جبهات الراموسة وغيرها، وتحول هؤلاء المشاركين بدرع الفرات سواء أدركوا أم لا لبيادق تقاتل بالوكالة لحماية حدود تركيا، ولو كانوا أصحاب وعي لأدركوا أن بقائهم في حلب وتحريرها يمنحهم ويمنح الثورة قوة ستجعل تركيا بعدها تعاملهم كند يحترم ويطلب منه العون لا كبيادق يستأجر، ولو كانوا يستطيعون صناعة الأفعال لا الاقتصار على رد الفعل لعملوا على تحريك عوام المسلمين من الريف باتجاه المدينة فيكونوا حموهم من خطر ملاحدة الكرد وفي نفس الوقت كسبوا زيادة كثافة بحلب تتصدى لمشروع الغرب الهادف لإفراغها، وعند ذلك يتحد صفهم لتحرير حلب كامله ومنها ينطلقون للريف ليستردوه، ويكون وضع الريف قبل تحرير حلب سواء عندهم انتقاله من يد التنظيم ليد ملاحدة الكرد بعد إخراج عوام المسلمين منه باتجاه المدينة، لكن للأسف هذا كله لم يكون واجتمعوا تحت قائد من الجيش التركي بدرع الفرات وعجزوا أن يتحدوا للآن مع بعضهم البعض تحت قيادة خيرتهم واختيارهم.

ورغم إعلان تركيا المتكرر أن عملية درع الفرات عمقها حتى مدينة الباب، إلا أن من شاركوا فيها من الثوار ما زالوا يعلقون الآمال على أنهم سيتقدمون منها باتجاه حلب لفك حصارها ولا أعلم هل سألوا انفسهم من قبل ما الذي يجعل تركيا تقدم لهم ذلك؟! وما الذي يملكوه أصلا من قوه تجعلهم يعرضون عليها ذلك؟! وقد تركوا أحد اهم موازين القوة في ثورتهم بترك حلب، اللهم إلا غفلتهم بحقيقة توصيف الدور التركي وتعاملهم العاطفي مع تركيا على أنها المُخلص لهم في الوقت الذي التزمت تركيا في تعاملها معهم بتحقيق مصالحها فقط لا غير وهو مالا يعيبها ولكنه يعيبهم، ثم تعاملت تركيا مع ما تم تحريره من الريف الشمالي معاملة المحتل في كل الأعراف، فأنشأت مشفى بجرابلس ومدت خطوط المياه والكهرباء لها كل ذلك بدون وجود أي ممثل للطرف السوري ودون إبرام أي عقد بين الطرف السوري والطرف التركي كما زارت رئيسة بلدية عنتاب جرابلس زيارة رسمية دون وجود أي نظير سوري لها ولو حتى من تلك الحكومة والائتلاف القائمين داخل تركيا والذين تم إعدادهم لتلك المواقف الهزلية فضلا أن يكون ذلك الممثل السوري هو أحد ممن ذهبوا لدرع الفرات!

عملية درع الفرات


ومما لا تخفيه تركيا من البداية أنها تسعى لإيجاد منطقة عازلة على حدودها بالشمال تتخلص فيها من اللاجئين السوريين لديها وبالوقت نفسه تكون استخدمتهم لحماية حدودها من مشروع ملاحدة الكرد، لكن حكومة أوباما رفضت أكثر من مرة مشروع تلك المنطقة، وفي الوقت نفسه لم تجعل حكومة أوباما ملاحدة الكرد يتقدمون قبل مدينة الباب وربما تسمح لهم بإعادة تقدمهم بعدها ليصلوا طرفي مناطقهم ويجد ثوار درع الفرات انفسهم حينها معزولين عن ثورتهم بالشمال في حالة من الحصار الثوري أو حالة أشبه بالحصار الكامل لولا بقاء طريق تركيا مفتوح لهم.

لكن رفض حكومة أوباما لم يجعل تركيا تقف موقف المستسلم للأمر الواقع وإنما استغلت التصالح الأخير مع الروس في محاولة فرض ذلك على أمريكا فقد نشرت جريدة «يني شفق» التركية أن تركيا عرضت على روسيا أن تعمل على إخراج فتح الشام وأحرار الشام من حلب مقابل أن تسعى روسيا مع تركيا في إفشال المشروع الأمريكي الذي يهدف لوجود كيان لملاحدة الكرد في الشمال السوري والعراقي، على أن تسحب روسيا قوات الأسد من حلب لطرطوس وتسمح لمرتزقة درع الفرات أن يتقدموا باتجاه حلب بعد إخراج فتح الشام وأحرار الشام منها بمعاونة تركيا.

ومع بدء معركة الموصل صرحت أمريكا والحشد الشعبي بأن العملية ستمتد للرقة، وأعلنت تركيا استعدادها للمشاركة في محاولة منها لزيادة تأمين حدودها، وهو ربما ما لن تسمح به أمريكا لها تماما كما قيدت دورها في الموصل بالتزام تلعفر فقط وعدم زيادة طموحها عن ذلك، في الوقت الذي ربما يصل فيه طموح المليشيا الرافضية وإيران بتحالفهم مع الروس إلى الأردن.

وخلال تلك الفترة كانت تهدف روسيا للسيطرة على حلب بشكل كامل، وكانت تسعى لتحقيق ذلك إما بالاقتحام المباشر للمدينة والذي فشلت فيه الميليشيات البريه كثيرًا، أو بتهجير أهلها والذي حاولته أخر مره بمسرحية الهدنة الهزلية من طرف واحد وفتح ممرات مؤديه للنظام ، لذلك فعملية فك حصار حلب الثاني لم تقف فيها روسيا موقف العاجز كما يتصور البعض، وإنما الحرب خدعة، وأقرب تلك الخدع هو ما أعلن في سياق التفاهم الروسي التركي لتحرير حلب.

فعلى المجاهدين الثائرين بحلب اليوم والمشاركين في عملية فك الحصار الثاني عنها أن ينتبهوا لخطورة أن يتوقف عملهم عند فك الحصار مره أخرى، فيكررون بذلك الخطأ الأول ويضيعون الفرصة للمرة الثانية، فلم يعد أمام الأمة المسلمة خيار آخر غير تحرير حلب كاملة لمحاولة امتلاك شيء يغير من موازين القوى في سوريا خصوصا وفي الشام والعراق واليمن عموما، فإن معركة حلب اليوم معركة للأمة المسلمة بأكملها ، في حين نجح النظام الدولي أن يجعل معركة الموصل معركة تنظيم وينحي منها الأمة.

وعليهم كذلك أن ينمو وعيهم في التعامل مع تركيا فلا يتجاهلون دورها في الناتو وأن جيشها هو ثاني جيوش حلف الناتو في العدد بعد الجيش الأمريكي ولا يكررون خطأ من ذهبوا لدرع الفرات فيتعاملون معها كصديق دائم مخدوعين بما قدمته للثورة من قبل لتقاطع مصالحها به، بل عليهم أن يتعاملوا مع تركيا وفق مصالحهم كما تتعامل هي معهم ومع الثورة لتحقيق مصالحها فقط لا غير، كما عليهم أن يوحدوا صفهم في كيان واحد يجمعهم وأن يحذروا من مخطط عدوهم لتفريقهم وسعيه لإخراج بعضهم من حلب، والذي قد يزكيه بينهم الآن ليضمن توقف عملهم أو حصره في فك الحصار فقط فيكونون قد فتحوا بذلك باب تهجير للأهالي وتغير ديمغرافيتها لكن بدون أي ضغوط  فتخرج البقيه الباقية من أهالي حلب منها -إلا من رحم ربي- فرارا من تكرار نموذج الحصار مرة ثالثه ..

وقد هدد بوتين أكثر من مره عن احتمالية استخدامه للرؤوس النووية لحسم الأمر في حلب، موجها بذلك رسالة لأمريكا وتركيا وقد استخدم أعوانه التهديد نفسه في محاولة لحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب.

مناورات عسكرية روسية مصرية

وذلك السعي الروسي لتلك الحرب يفسر قيام روسيا بمناوراتها العسكرية الأولى من نوعها في مصر وأفريقيا، فتلك المناورات وإن كانت تحمل رسالة غير مباشرة من السيسي لأمريكا بانه سيكون نموذج يجمع بين بشار والقذافي في حال حدوث أي انتفاضة أخرى في مصر أو في حال فكرت أمريكا في استبداله، وكان السيسي في ذلك أسرع إنقاذا لنفسه أمام أمريكا من رفقائه عملاء آل سعود بتحالفه الجديد مع الروس و إيران، إلا أن تلك المناورات  الروسية لا يغيب عنها رسالة الحرب التي ترسلها روسيا، وتلك الحرب هي ما تؤمن به أمريكا والغرب إيضا فقد نشرت الغارديان البريطانية مقال بعنوان “فرض حظر جوي بحلب يهدد بحرب شاملة“، وربما هي ما قصده كسنجر منذ 2012 عندما قال:

طبول الحرب العالمية تدق ومن لا يسمعها فهو مصاب بالصمم.

لكن على صعيد الأمة المسلمة فربما تجعلها تلك الحرب تدرك ما لا تراه للآن من موت فعلي للنظام الدولي وتفكك جميع مرابطه، لكنها لن تضمن بذلك الإدراك المتأخر حينها أن تعود إلى المركز من جديد، إن ظلت في ذلك التيه وعدم الوعي بحقيقة قوتها وحقيقة الأمور من حولها وترابط معاركها مع النظام الدولي في اليمن والعراق والشام ومصر وكل شبر منها.

وما لم تستحضر في حربها  ذلك الإنذار الصائح بها :

إذا ما أضعنا شامها وعراقها        فتلك من البيت الحرام مداخله.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.

* كتب المقال بتاريخ 30 أكتوبر 2016.

حياة خطاب

طالبة علم مهتمه بالوعي بقضايا الأمة وجهادها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى