الاستعمار الأيديولوجي الجديد في القرن الحادي والعشرين .. قراءة في كتاب إفريقيا المستهدفة
تُعرف قارة إفريقيا بكونها واحدة من القارات الغنية الزاخرة بالثروات بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى طبيعتها الخلابة من الجبال والغابات والسهول، وكونها موطنا للعديد من الحيوانات الغريبة والنباتات النادرة، بالإضافة إلى الموارد الطبيعة نادرة الاستغلال مثل احتياطات الألماس، والذهب، والحديد، والفضة، والبترول، وقد أدركت الدول الغربية الاستعمارية الكبرى هذه المميزات وقدرتها على النهضة ببلادهم منذ وقت طويل، ما جعل من دول القارة السمراء مطمعا مغريا؛ لذا تجري العديد من الصراعات للسيطرة عليها، حتى مع انتهاء الاحتلال وعودة الدول الاستعمارية إلى بلدانها لم تنتهِ المطامع، بل تولدت سياسات جديدة غير استخدام الحروب والقوة المسلحة -وإن لم يكن ذلك في كل الدول- للتحكم في القارة الإفريقية وأهلها، وهو الأمر الذي جاء كتاب: (إفريقيا المستهدفة .. الاستعمار الأيديولوجي الجديد في القرن الحادي والعشرين) لبيانه بالشرح والتحليل.
عن المؤلفة والكتاب والترجمة
مؤلفة كتاب إفريقيا المستهدفة هي عالمة الأحياء الطبية النيجرية “أوبيانوجو إكيوتشا”، وهي من مواليد عام 1979م، وقد تلقت تعليمها الثانوي في كلية البنات الحكومية الفيدرالية “أويري”، قبل الانتقال إلى جامعة نيجيريا “نسوكا” حيث حصلت على البكالوريوس في علم الأحياء الدقيقة، كما حصلت على الماجستير في العلوم الطبية الحيوية من جامعة شرق لندن، وتعمل وتعيش في وقتنا الحاضر في المملكة المتحدة، وهي مؤسِسة ورئيسة منظمة (ثقافة الحياة إفريقيا)، والتي تسعى من خلالها لتعزيز ثقافة الحياة في إفريقيا، وذلك من خلال التعليم ونشر المعرفة.
ويأتي كتاب (إفريقيا المستهدفة: الاستعمار الأيديولوجي الجديد في القرن الحادي والعشرين) في نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية ويتكون من (225) صفحة من الحجم المتوسط، وقد تمت ترجمة الكتاب على يد المترجمة “أسماء عبد الرازق ساتي”، التي تعمل كباحثة ومؤلفة في قضايا الأسرة والتنمية، وتم ذلك من خلال مجلة (قراءات إفريقية) التي ظهرت على الساحة الثقافية في العام 2004م، وهي مجلة ثقافية فصليّة محكّمة متخصّصة في شؤون القارة الإفريقية.
يهدف الكتاب بشكل عام إلى توضيح حجم الخطر الذي يهدد القارة الإفريقية، سواء كان ذلك للأفراد أم لهوية القارة كلها، وتم ذلك من خلال تناول مجموعة من القضايا المختلفة التي يعاني منها المجتمع الإفريقي، ضمن ثمانية فصول، يتناول كل منها إحدى القضايا الشائكة وأبعادها المختلفة.
وتناولت المؤلفة في مقدمة الكتاب ما مرت به قارة إفريقيا بدولها المختلفة خلال فترة الاحتلال التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، حين قررت الدول الكبرى في أوروبا اكتشاف إفريقيا، والاستفادة منها في التجارة، والاستيطان وذلك خلال مؤتمر برلين (1884-1885م)، واستمر ذلك الاحتلال حتى شهر فبراير من العام (1941م)، عندما التقى كل من الرئيس الأمريكي “فرانكلين د. روزفلت” ورئيس الوزراء البريطاني “وينستون تشرشل”، لمناقشة رؤيتهما للعالم للمرحلة التي تلي الحرب العالمية الثانية، والتي كانت إحدى نتائجها تخلص الدول الإفريقية تباعا من الاحتلال الاستعماري.
الفصل الأول: التحكم في عدد السكان
تستهل المؤلفة هذا الفصل بعرض الإحصائية التي أعلنت عنها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، والتي تظهر أن الإسهام الإفريقي في عدد السكان العالمي سيرتفع ليصل إلى (25%) بحلول العام 2050م، ويصل إلى (39%) في العام 2100م، وهو الأمر الذي سيشكل قلقا للمسؤولين لكون هذا التنامي السكاني -في الأحوال المناسبة- سيمثل قاعدة كبيرة من القوى العاملة التي ستجعل من إفريقيا السوق الأكبر في العالم، ومؤثرا كبيرا على الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تظهر فيه ذات الأبحاث أن ثمان وثلاثين دولة بما فيهم الدول العظمى مثل (الصين، ألمانيا، روسيا) شهدت انخفاضا كبيرا في معدل الخصوبة منذ العام 2010م وحتى العام 2015م، مما جعل القادة السياسيين مسموعي الكلمة يعملون على دق ناقوس الخطر من القنبلة السكانية الإفريقية القادمة.
وبناء عليه بدأ قادة العالم في وضع خطة محكمة للسيطرة على النمو السكاني الإفريقي بدءً من العمل على تجاهل رغبة النساء في الإنجاب والسعي إلى تقليص معدلات الخصوبة الخاصة بهن، ونشر ثقافة استخدام العقاقير وأدوات منع الحمل المختلفة، دون الالتفات للأضرار السلبية التي قد تنتج عنها مثل ارتفاع خطر الإصابة بأمراض السرطان والقلب، أو كون هذه الوسائل سببا أساسيا للأمراض التي تنتقل بشكل جنسي.
وتظهر المؤلفة اعتراضها الشديد على استخدام هذه الأساليب معللة ذلك بأن العمل على تنظيم الأسرة يجب أن يكون في حقيقته فكرة جيدة وسليمة وصحية، وأن يكون بشكل طبيعي وصحي لكل من الزوجين لا أن يكون مدمرا لصحة الروح والجسد كما تفعل موانع الحمل، والتي ينتج عنها العديد من المخاطر والضرر، ويتعامل معها المسؤولون بالسكوت المطلق، وذكرت من أبرزها الإصابة بجلطات الدم، والتهاب الجيوب الأنفية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى تكيسات المبايض، أو حدوث الطمث الغزير وغيرها.
الفصل الثاني: إغراق الشباب في الشهوات
توضح المؤلفة خلال هذا الفصل أن الفئة المستهدفة من نشطاء الحقوق الجنسية خلال السنوات الأخيرة هي فئة الأطفال؛ زعما منهم أن ذلك يعتبر حقا دوليا يحميه القانون في المقام الأول، وفي حال تحقيقه للنجاح المطلوب فإن الأجيال القادمة ستكون على وعي كامل بما يطلق عليه اسم الأيدولوجية الجنسية الأصولية، وتضمن هذه الدعوى تشجيع العديد من الأفكار المخلة مثل الاستنماء، الأفعال المثلية، والإباحية.
ويزعم أصحاب هذه الرؤية أنهم يسعون إلى حل واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الدول النامية، وأن تحقيق الأهداف المطلوبة سيضمن الصحة والرفاهية للأسر، وسيشجع المساواة بين كلا الجنسين، ويقضي على تنميط المهام للرجل والمرأة، ويقلل من معدل وفيات الأمهات والرضع، ويقضي على عمليات الإجهاض غير الآمنة، مما يساهم في تشكيل كيان ديمقراطي تعددي، ولم يراعِ القائمون على هذا الفكر الطبيعة الثقافية والدينية للناس في قارة إفريقيا، والتي تتمثل في رفض الغالبية العظمى لسكانها لعمليات الإجهاض، ومنع الحمل، وإقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج، بالإضافة إلى رفض المثلية الجنسية والطلاق.
نتيجة للفكر السابق أصبحت معدلات انتشار مرض الإيدز في القارة الإفريقية توصف بالكارثية، وبدأ أصحاب الحكمة في السعي لإيجاد حل لهذه المشكلة، كان من أبرزها خطة اي بي سي الوقائية (ABC prevention plan)، وكل حرف منها يرمز إلى خطوة من الخطوات التي سيتم اتباعها وهي على الترتيب:
- A = Abstinence before marriage (الامتناع عن الممارسات الجنسية قبل الزواج).
- B = Be faithful in marriage or to one partner (الإخلاص في الزواج، أو الاكتفاء بشريك واحد).
- C = Condom use if A and B are impossible (استعمال الرفالات إن استحال تطبيق الخطوتين السابقتين).
وقد حقق هذا البرنامج نجاحا عظيما في “يوغندا” عند بدايته -والتي كانت مستويات الإصابة بالإيدز فيها قياسية- حيث انخفض أعداد من يمارسون الجنس من الشباب غير المتزوجين، وفي السنوات التالية سجلت الدولة انخفاضا ملحوظا في حالات الإصابة بمرض نقص المناعة وصلت إلى (70%) منذ انتشار الوباء، وفي المقابل فإن الدول التي استمر سكانها في استخدام وسائل منع الحمل والرفالات بشكل مكثف -استجابة للدعاوي العالمية- بقي معدل الإصابة فيها مرتفعا.
الفصل الثالث: بذور الأنثوية الأصولية
تعقد المؤلفة في بداية هذا الفصل مقارنة مصغرة بين النساء في إفريقيا اللاتي شاهدَتَهنّ منذ الصغر، واللاتي كن من معدن صافٍ، تتمثل الحرية والقوة لديهن في أداء فروضهن الدينية، وحب أزواجهن وأولادهن من وُلد منهم ومن لم يُولد.
أما في النموذج الأنثوي في الغرب فالحرية فيه تتمثل في التحرر الجنسي، والقوة فيه تعني الأنانية والفردية والاستقلال المتوحش.
ثم توضح المؤلفة المراحل التي مرت بها الحركة النسوية الغربية، ففي المرحلة الأولى ركزت الحركة على حصول المرأة على الحقوق الأساسية مثل التعليم واختيار المهنة، وخلال الموجة الثانية أصبح الهدف هو الابتعاد عن جوهر الأنوثة والتركيز على تعريف الحقوق الإنجابية و تأكيدها، بينما جاءت الموجة الثالثة لتعرض وجهات نظر شخصية تتعلق بقضايا الجنس المختلفة، والحركات النسوية الإفريقية التي ظهرت بالتوازي مع الحركة النسوية الغربية، ولكن مع الاختلاف الجوهري بين كل منها في الهدف والمضمون من أمثلتها: صندوق تنمية المرأة الإفريقية (AWDF)، وشبكة النساء الإفريقيات للتنمية والتواصل (FEMNET)، وغيرها مما ورد بيانه بشكل مفصل.
الفصل الرابع: الحث على تقنين الإجهاض
تستهل المؤلفة هذا الفصل بالجزم بأن النفس البشرية نفيسة وقيّمة وسامية، وهذه الرؤيا هي من صميم المعتقدات لدى سكان إفريقيا، ولذلك ينظر الجميع إلى الإجهاض بكونه ظلم عظيم لا يحق لأحد الإقدام عليه، وقد تم إثبات ذلك من خلال العديد من الدراسات المختلفة مثل دراسة “مؤسسة ابسوس” (Ipsos) في العام 2014م، والتي خلصُت إلى أن (87%) من الشعب الكيني يرفضون عملية الإجهاض بناء على رغبة الأم فقط دون وجود حاجة طبية لذلك، كما أوضحت دراسة “مركز بيو” (pew) التي أجريت في نفس العام في (40) دولة مختلفة في إفريقيا وشارك فيها ما يقارب من (40117) مشارك، أقروا بأن الإجهاض يعد جريمة أخلاقية، وقد أصدرت معظم الدول الإفريقية قوانين تمنع عمليات الإجهاض إلا في ظروف محددة مثل: الاعتلال في الصحة البدنية أو العقلية، أو في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، أو وجود عيوب في الجنين وغيرها من الأسباب المشروعة.
وعلى الرغم من أن هذه طبيعة الشعب الإفريقي، إلا أن ذلك قوبل بالاعتراض من قبل بعض المنظمات من أبرزها (المنظمة المروجة للإجهاض – Ipas)، التي قامت في العام 2014م، بإصدار دليل (حقوق وقوانين الإجهاض في إفريقيا)، وهو دليل خاص للقضاة يتناول القيود الإفريقية الموضوعة على الإجهاض والتي يجب إزالتها، كما أن منظمة الصحة العالمية تدعم وبشكل كبير عملية الإجهاض في الدول الإفريقية بناء على مطالب عالمية؛ زعما منهم بأن ذلك هو السبيل الأفضل لتقليل معدل وفيات الأمهات، وهو الأمر الذي تؤكد المؤلفة عدم صحته لأن نسب وفيات الأمهات مرتفعة أيضا في العديد من الدول التي تعمل على تقنين الإجهاض منذ عقود.
الفصل الخامس: تطبيع الشذوذ الجنسي
توضح المؤلفة في هذا الفصل أن الطبيعية الخاصة ببنية الشعب الإفريقي وثقافته، ترفض بشكل قاطع الاحتفاء بزواج امرأتين، أو الدعاء بالذرية لرجلين، والسعي لبرهنة إمكانية الاقتران والتزاوج بين امرأتين أو رجلين يتطلب هدم هذه الثقافة وهو ما يسعى النشطاء الداعمون للشذوذ الجنسي تحقيقه في إفريقيا.
وقد تم إثبات رفض الأفارقة للشذوذ الجنسي من خلال العديد من الدراسات الاستقصائية مثل تلك التي أجريت من قبل “مركز بيو” في العام 2013م، التي أثبتت أن (98%) من الغانيين، و(93%) من اليوغنديين، و(92%) من التونسيين، و(88%) من الكينيين، و(85%) من النيجريين، يرفضون السلوك الجنسي المثلي، وذلك على الرغم من الدعوى المباشرة التي قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما التي قام من خلالها بدعوى الأفارقة لتقبل السلوك الجنسي المثلي في المجتمعات الخاصة بهم، وإلغاء العقوبات القانونية التي تُفرض على أصحابه.
وتؤكد المؤلفة أن الواجب على الأمم المتحدة عدم اتخاذ قرارات، خاصة في القضايا الحساسة التي تناقض معتقدات وثقافة وعرف وقوانين العديد من الدول، وتضيف أن إفريقيا التي تريد السير في طريق التقدم والنمو والاستقرار، لن تصل لذلك من خلال تعبيد الطريق للحقوق الجنسية، بل سيتم ذلك من خلال تشجيع الحقوق الأصلية التي تشجع ازدهار الإنسان، وتضمن تحقيق الصالح العام، وأن الرفض الإفريقي بالتطبيع مع المثلية الجنسية في الوقت الحالي أصبح أكثر صلابة من أي وقت مضى.
الفصل السادس: السادة المستعمرون المعاصرون
في هذا الفصل توضح المؤلفة حالة التدخل الجائر التي يقوم بها المجتمع الغربي في الدول الإفريقية بشكل متكرر رغم مرور ما يزيد عن نصف قرن من تحرر القارة من الاستعمار، وأوردت المؤلفة بيان العديد منها، والتي كان من أبرزها ما وُصف بالتطفل الأمريكي في العام 2009م، الذي ظهر في المراسلات الإلكترونية المتبادلة بين الموظفة الفيدرالية الأمريكية بتنظيم الأسرة (لوري روبنر – Laurie Rubiner)، وبين وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون – Hillary Clinton) تحثها فيها على استخدام نفوذها لإيقاف الحكومة الكينية من إجراء تعديل في قوانينها الخاصة التي تتعلق بالشخصية الاعتبارية للأجنة (عمليات الإجهاض)، وعلى الرغم من أن الإجابة على المطلب السابق تمثلت في نفي امتلاك وزيرة الخارجية الأمريكية لأي ارتباط بالنشاطات الصحية أو النسائية الموجودة في كينيا، إلا أن ذلك ما زال يعتبر دليلا على المحاولات المستمرة للقادة الأمريكان في تغيير العديد من القوانين الصارمة التي تتبعها دول إفريقيا فيما يتعلق بعملية الإجهاض.
الفصل السابع: إدمان المعونات
تناقش المؤلفة في هذا الفصل الفساد المالي الذي يحدث في المؤسسات الحكومية في القارة الإفريقية، والذي يَظهر بشكل جلي في الحياة الرفيعة لبعض المسؤولين الحكوميين الأفارقة المنتخبين والمعينين، والتي وصفتها بعيشة الملوك، وترجع هذه الرفاهية بشكل جزئي إلى الرواتب الخاصة بهم، والتي تعتبر أعلى بكثير من متوسط الرواتب القومية للمهنيين في غيرهم من البلدان، بل إن بعض البرلمانيين -في نيجيريا على سبيل المثال- تصنف رواتبهم بكونها الأعلى على مستوى العالم بقيمة تصل إلى (189.000) دولار، أي أن متوسط راتب البرلماني النيجيري يساوي (116) ضعف من نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي تقريبا.
وعلى الرغم من ذلك فقد تورط العديد من أعضاء الحكومة النيجيرية في قضايا فساد، فخلال العام 2017م اتهمت مفوضية الجرائم الاقتصادية والمالية النيجيرية عضوا سابقا في الحكومة بجمع (487.5) مليون دولار نقدا، بالإضافة للعديد من العقارات من خلال أرصدة حكومية منهوبة، كما تم في العام 2003م اعتقال الرئيس الزامبي السابق “فريدريك شيلوبا” (Frederick Chiluba) ووجهت له تهمة سرقة وغسل ملايين الدولارات من المال العام أثناء فترة رئاسته، كما أوردت المؤلفة العديد من الأمثلة الأخرى التي تؤكد على ما ذهبت إليه.
ثم تقوم بطرح سؤال هام عن سبب استمرار المانحين في منح القادة الإفريقيين المال وهم على دراية تامة بأنهم يستحوذون عليه لأنفسهم.
والإجابة تتمثل في عدم اهتمامهم في الأصل بالفساد الإفريقي ما داموا قادرين على تحصيل ما يريدونه فعلياً من وراء هذه المنح أو الصفقات، فاستعدادهم لإعطاء المال يقابله استعداد المسؤولين الفاسدين السماح بنوع جديد من الاستعمار الأيديولوجي للشعوب الإفريقية.
وتختم المؤلفة الفصل السابع من الكتاب بالتأكيد على أن المستفيدين الأصلاء من الرعاية الأجنبية لمختلف البرامج في إفريقيا، هم مدمنو الإعانات من المسؤولين الحكوميين أصحاب المراتب العليا، وذلك لأن فرص اعتمادهم على أموال الدعم جعلهم غير قادرين على تخيل حياتهم من دونها، حتى وإن كانت النتائج المترتبة على ذلك استعمارا من نوع جديد، فالمعونات بالنسبة للطبقة الحاكمة في إفريقيا أصبحت كإدمان الأفيون.
الفصل الثامن: نحو تخليص إفريقيا من الاستعمار
أوضحت المؤلفة في فصل كتابها الأخير، أن رحلة الحرية والازدهار الحقيقي للشعوب الإفريقية لن تبدأ قبل تعرفهم على الضرر الذي نتج عن الاستعمار الأيديولوجي لمجتمعاتهم، وارتباطها بشكل مباشر بما يتم تقديمه من معونات خارجية، وتبدأ هذه الخطوة من خلال إمعان النظر فيما يختفي وراء الكلمات الناعمة التي تتظاهر بالوداعة مثل الشراكة، والمساواة، والاختيار، والتنوع، والحقوق وغيرها.
وتُرجع السبب في ذلك لأن هذه اللغة تم تفكيكها وإعادة بنائها لتصبح أنسب لرؤية محددة يمكن من خلالها تحويل المحظور إلى مباح، فيتحول قتل الأجنة إلى إجهاض آمن، واعتبار العلاقات الجنسية بين رجلين زواجا، وهو الأمر الذي يترتب عليه تفتيت المعايير الأخلاقية الجنسية تحت مسمى الحقوق الجنسية.
وتضيف أنه ينبغي على الأفارقة الوقوف في وجه المعاملة المتعالية، والاستخفاف الغربي بصحة تجاربهم، وتؤكد أن فهمهم للزواج والحياة الأسرية، يسنده العلم الطبي، وأن أثمن هدية يمكن أن يقدمها الشعب الإفريقي للعالم في الوقت الحاضر، هي ثقافة الحياة المتأصلة لديهم، حيث أن الدين والعرف لديهم يعرف حرمة النفس البشرية، وجمال الأنوثة، ورحمة الأمومة، ونعمة الحياة الزوجية، وهبة الأطفال؛ ومعرفة مدى قيمة كل ما سبق، سيكون سببا في جعل العديد من قادة الدول الإفريقية على استعداد للكلام بصراحة كاملة وثقة كبيرة عن كنوز الثقافة الإفريقية.
أخيرا أوردت المؤلفة في نهاية الكتاب ملحقا تضمن رسالتها إلى “مليندا جيتس” -الزوجة السابقة لمؤسس شركة مايكروسوفت والتي لديها مؤسسة خيرية تعمل بنشاط ودعم مالي كبير في إفريقيا- طالبتها فيها بأن تحوّل أموالها لما يخدم شعوب إفريقيا بشكل فعلي، واقترحت عليها لتحقيق ذلك عددا من الأمور كان من أبرزها:
- توفير نظام رعاية صحي جيد لاسيما ما قبل الولادة، وحديثي الولادة، ورعاية الأطفال.
- برامج غذائية للأطفال الصغار.
- فرص تعليم عالى الجودة.
- برامج العفة.
- دعم فرص الأعمال التجارية الصغيرة للنساء.
- تقوية المنظمات غير الحكومية القائمة.
وفي النهاية فإن هذا الكتاب سبيل لفتح آفاق جديدة لم تكن معروفة أو متداولة بشكل كبير، ليس لكونه يتناول مجموعة من القضايا شديدة الحساسية التي يسعى قادة العالم الغربي لجعلها خفية عن الأنظار قدر الممكن، بل لكونه يتناول هذه القضايا بشكل حقيقي من خلال تجارب مرت بها وعاصرتها مؤلفته بشكل شخصي خلال مراحل حياتها المختلفة، مما يجعله أكثر مصداقية وواقعية، ويُمَكن القارئ من إدراك حجم الكارثة المنظمة التي تقوم بها عدد من الدول الغربية في حق الشعوب الإفريقية، والتي تعمل بشكل دؤوب لهدم الأديان والأعراف والأفكار والثقافات المتأصلة لدى مواطنيها منذ قرون، وقد أجادت المؤلفة في عرض صور هذا الاستعمار الأيدلوجي الجديد الذي تقوم به الدول والمؤسسات الغربية، وهي حرب جديدة بغير سلاح ولا قتال ولكنها شديدة التأثير والفاعلية.
نسخة الكتاب الأصلية يمكن الاطلاع عليها: من خلال الرابط التالي.