اقتراح ورقة عمل لثوار الشام بخصوص المفاوضات
كل من له دراية بالسياسة والسياسة الشرعية على الخصوص ومتابع لأحداث ثورة الشام، يدرك إخفاقات كبيرة وخطيرة في الجانب السياسي للثورة. لم نرى مثلا من أيٍّ من الفصائل برنامجًا سياسيًا منبثقًا من عقيدة الإسلام، مفصلًا، قويًا، متكاملًا، يضع بشكل واضح أهداف الثورة والتي تتمثل مثلا في كيفية الحكم والإدارة ما بعد إسقاط نظام آل الأسد.
إذ يتم غالبا الحديث عن إسقاط النظام كهدف للثورة، دون الحديث عن نظام الحكم البديل والتفصيل فيه. فيُقتصر على شعارات إسلامية عامة وتصريحات غامضة يفسرها كلٌّ حسب هواه (كدولة عدل وحريات الخ)، دون وضع برنامج سياسي شرعي متكامل، يشمل دستورًا لدولة الإسلام المُزمع إقامتها، وكيفية اختيار الحاكم ومجلس الشورى، وصلاحيات كل منهما، والخطوط الحمر والثوابت التي لا يجوز لأي رئيس أو خليفة منتخب الخروج عنها (حتى يضمن الثوار أن لا يأتي للحكم من يغير عقيدة الدولة ويتنازل عن ثوابتها، ويعود بالدولة للتبعية للغرب والخضوع لإملاءاته)، وتحديد مسودات لكيفية إدارة مصالح الناس والمدن والمحافظات، وبرنامج مالي واقتصادي، ومسطرة للسياسة الخارجية وكيفية التعامل مع دول الجوار والعالم، وتخصيص لجان بحث وتأصيل من أهل التخصص في الفقه الإسلامي والإدارة والاقتصاد وشتى العلوم اللازمة لوضع تلك البرامج في كل ما ستحتاجه الدولة الخ … ، تماما كما تفعل الأمم المتحدة حين تطرح حلولها السياسية، إذ تضع برنامجا سياسيا متكاملًا عمليا تفرضه على البلد الذي وقع تحت رحمتها!
فمن الواجب على الثوار القيام بأعمال سياسية من حجم أعمالهم العسكرية الجبارة على أرض القتال. فالعمل السياسي لا يكمن في متابعة ما يقوم به الغرب والعدو وما يسعى إليه وتحليله فحسب، فهذا وحده لا يغير واقعا ولا يفرض إرادة على ارض الواقع، ولا يجلب انتصارا سياسيا. فالعمل السياسي أكبر بكثير من ذلك، وأهمه أن يكون للثوار مشروعًا سياسيًا متكاملا منبثق من عقيدة الإسلام، والقدرة على تكتيل أكبر عدد من الفصائل المقاتلة في سوريا عليه، وتكون لهذا التكتل السياسي القدرة على صراع الغرب وأعوانه سياسيا، وله القدرة على توعية الناس على حقيقة الصراع الدائر في سوريا وتهيئة الناس وتعبئتهم لتبني الأهداف المحددة للثورة ولِتَحَمُّل تبعات الهدف العظيم الذي يريدون تحقيقه!
فبدون برنامج سياسي شرعي متكامل والعمل على إيصاله لكل الناس وشرحه في مناطق نفوذ الثوار في سوريا، ونشره على أوسع نطاق على عامة المسلمين، وعلى علماء المسلمين ووجهائهم في كل العالم، والدعاية له، وتعيين فريق سياسي وإعلامي ينوب عن الثوار والفصائل المتكتلة في كيان سياسي موحد، ليخاطب المسلمين والعالم ويقدم برنامج وأهداف الثورة بطريقة مقنعة للمسلمين وخطاب شعوب الغرب.
فبدون أعمال سياسية من هذا النوع وغيره، يترك الثوار فراغًا سياسيًّا يستغله النظام الدولي فيملأه مثلا بما يُسمى ب”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، يفرض على الثوار من خلاله حلولا سياسية مخالفة للإسلام ومبقية على هيمنة النظام الدولي على الشام.
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية
فما يقدمه “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أو الفصائل المقاتلة التي تتفاوض مع نظام آل الأسد وحلفائه، لا يمكن بحال تصنيفه على أنه عمل سياسي، بل هو مهزلة وتهريج من الطراز العالي وسمسرة. فأداء هؤلاء يقتصر على التوقيع على أوراق عمل وحلول تصيغها مخابرات النظام الدولي وأعوانه، والترويج لتلك الأوراق وتسويقها لدى المسلمين!
فالفصائل تذهب إلى المفاوضات دون هدف واضح، ودون ثوابت لا تسمح لها أن تكون محل نقاش وتفاوض. فإذا كان الهدف الرئيسي لثورة الشام هو إعادة تطبيق أحكام الشرع في كل جوانب الحياة، واسترداد سلطة المسلمين الكاملة على بلدهم وخيراتهم وسياستهم، وتمكين المسلمين من ممارسة دين الإسلام، وعلى رأسه العمل السياسي (الشرعي)، دون خوف واضطهاد، فإن أي مفاوضات وحلول سياسية لا تحقق هذا الهدف هي استسلام لإرادة الأعداء، وتفريط في الدين وفِي دماء الشهداء!
ومن ثم فإن المقدمات التي يدخل على أساسها الثوار المفاوضات، ارتجالية وعبثية، باطلة جملة وتفصيلا، تناقض روح الثورة وهدفها، إذ يجعلون الهدف هو الحفاظ على وحدة سوريا (على أساس حدود سايكس وبيكو) وليس الحفاظ على سيادة شرع الله ولو على جزء من سوريا. فالثوار مستعدين للتضحية بحكم الإسلام وبسيادتهم على المناطق التي اكتسبوها بالقوة، مقابل الحفاظ على وحدة سوريا ومقابل الحفاظ على حياةٍ، أيِّ حياة! هذا أمرٌ يدل على غياب العقيدة تماما عن حسابات وتطلعات الثوار (بالخصوص الفصائل التي قبلت الدخول في مفاوضات مع نظام آل الأسد).
الحفاظ على وحدة سوريا يعني بداهة التوصل إلى حكم مشترك بين الثوار ونظام آل الأسد على مجموع الأراضي التي تقع تحت سيطرة الطرفين. فهل سيُسلم نظام آل الأسد مناطق تقع تحت نفوذه ليضيفها الثوار إلى مناطقهم ويفرضوا عليها كلها نظام حكم الإسلام، أم الأرجح أن الثوار، بعقيلة التنازل والتمييع التي عودونا إياها وكونهم خاضعين لإملاءات الممول والمسلح، هم من سيسلم مناطق نفوذهم لنظام آل الأسد لتُحكَم بغير ما أنزل الله، ويكتفي الثوار بإدماج أفراد من صفوفهم في بعض مؤسسات الدولة!؟
تقسيمات سايكس بيكو
لذلك من الغباء السياسي والتفريط في الدين التفاوض مع نظام آل الأسد على حل مشترك على كل بقاع سوريا، وإنما إذا كان ولابد من حل سياسي ومفاوضات، فمن الحنكة السياسية والشرعية أن لا يكون على أساس التوصل إلى حل مشترك بين الثوار ونظام آل الأسد على مجموع الأراضي التي تقع تحت سيطرة الطرفين، وإنما ليكون للتوصل إلى إقرار الوضع على ما هو عليه على ارض الواقع واعتراف كل طرف بسيادة الطرف الآخر على الأرض التي تقع تحت سيطرته، والتعامل كدولتين مستقلتين تعيش في هدنة وحسن جوار، ثم تحدد المفاوضات تفاصيل كيفية التعامل بين الدولتين!
فشرعا لا نعترف بتقسيمات سايكس وبيكو، وبالتالي ليس ثمة أي شيئ يلزم الثوار بتحديد الهدف في تحرير كل أرض سوريا (حسب الخريطة التي حددتها تقسيمات سايكس وبيكو)، وإنما يكفي التمكن من مناطق كافية لتوفير قدرة ذاتية للعيش، وهذا شبه متحقق بالأراضي التي تقع اليوم تحت نفوذ الثوار رغم ما خسروه من مناطق في السنة الماضية. والصحابة لما فتحوا بلاد الشام لم يفتحوها كلها دفعة واحدة، لم يفتحوها ويحكموها على أساس الحدود التي نعرفها اليوم، وإنما أقاموا حكم الإسلام على كل مدينة ومنطقة فتحوها، وأعادوا فتح ما خسروه، وامتد الفتح منذ عهد خِلَافَة أبي بكر إلى خِلَافَة عثمان أو معاوية.
فليس ثمة أي سبب شرعي يوجب السيطرة على كل سوريا كما حددتها خريطة سايكس وبيكو، لاعتبار الثورة انتصرت وإعلان قيام دولة إسلامية عليها، بل الأهم هو إيجاد نقطة ارتكاز لدولة إسلامية ذات سيادة حقيقية تامة، لا تخضع لإملاءات أي جهات خارجية، دولة إسلامية تحمي المسلمين في مناطق نفوذها وتفتح الأبواب لكل مسلم أراد الهجرة إليها، وتمكنهم من ممارسة دينهم في كل جزئيات حياتهم الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، تماما كما كانت المدينة نقطة ارتكاز لإقامة دولة الإسلام الأولي على يد رسول الله، مع ان المدينة لم تتوفر فيها عشر أعشار المقومات التي تتوفر في المناطق التي يسيطر عليها الثوار اليوم في الشام.
فإقامة دين الله وتحكيمه في كل شؤون الحياة، ورفع الظلم ومنعه، ومحو العصبية الوطنية والعرقية، وفتح باب الهجرة لكل مسلم أراد الالتحاق بدار الإسلام واعتبار رغبته في الإقامة في دولة الإسلام حقا شرعيًا وليس منحة، هذا كله كفيل بدحر العصبية الوطنية وإنهاء التفرقة، وإحياء الأخوة والولاء بين المسلمين والولاء لدينهم، هذا كفيل بحشد هِمَم المسلمين على أساس العقيدة الإسلامية، فيكِدُّون ويجتهدون ويتعاونون على بناء الدولة وتقويتها في كل المجالات، لتكون الدولة مستعدة إيمانيا وعسكريا واقتصاديا لجولات الصراع الإقليمية في المستقبل، والتي ستفرضها ولا شك الدول الإقليمية والنظام الدولي دون أن يسعى لها المسلمون، فمثلا فتح مكة تحقق لنقض قريش لمعاهدة الصلح. فإذا ما كانت للمسلمين دولة ارتكاز في الشام، مهما كان حجمها، فستكون تلك الدولة نقطة انطلاق في المستقبل، لأسباب ونقضٍ للعهود تقع من الدول الإقليمية والنظام الدولي، لتحرير -خطوة خطوة- باقي البلدان الإسلامية وتوحيدها في دولة واحدة تحت خليفة واحد. كما أن دولة الارتكاز للمسلمين ستكون محط إلهام ورفعِ هِمَّةٍ لباقي الشعوب المسلمة، حين يروا فيها ما يشتاقون إليه من تطبيق عملي مثالي للإسلام!
فإذا رأى الثوار أنه يصعب حاليا استكمال القتال على نفس الوتيرة التي كانوا عليها قبل ثلاث سنوات، وليس لديهم القدرة حاليا لتحقيق انتصارات نوعية والسيطرة على مناطق جديدة، فيمكن التفاوض مع نظام آل الأسد على انتزاع اعتراف منه ومن دول الجوار بانفصالهم في دولة مستقلة على الأراضي التي تحت نفوذهم وإعلان هدنة وحسن جوار. إذا استطاع الثوار تحقيق هذا الاعتراف والهدنة على هذا الأساس، لتكون لهم دولة مستقلة تمامًا عن كل دول العالم ولا تخضع إلا لما تمليه عقيدة الإسلام وتبيحه، فهذه هي الحنكة السياسية وهذا هو النصر. أما دخول مفاوضات دون هدف وإنما يُترك للأطراف الأخرى تحديد الهدف وتفاصيله، والمصادقة على أوراق عمل تصيغها المخابرات الدولية، والقبول بنظام مشترك بين الثوار وبين آل الأسد تكون اليد العليا فيه للأخير ولا شك، فهذا تطفل على السياسة، وانهزام واستسلام، وخيانة لله ورسوله ولتضحيات وتطلعات ملايين المسلمين.
كيف يكون التفاوض؟!
إذن التفاوض يجب ان يكون على أساس الحفاظ على سيادة الثوار الكاملة على المناطق التي يسيطرون عليها، وليس تسليمها لحكم آل الأسد والنظام الدولي. فيُنتزع اعتراف بالثوار في دولة مستقلة عن مناطق سيطرة آل الأسد، دولة كاملة المعالم، وليس كيان ذات حكم إداري ذاتي محدود تابع لنظام آل الأسد وتحت وصاية الأمم المتحدة، كما فعلت إسرائيل مع الفلسطينيين في معاهدة أوسلو، حيث لم يسمح الكيان الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة بتكوين جيش وبتسليح قوي، ولا بسياسة خارجية مستقلة، فتخضع كل علاقاتها مع الخارج لرقابة لسرائيا، فلا يدخل لغزة والضفة الغربية إلا ما تسمح به إسرائيل ولا يُسمح السفر لأهل فلسطين إلا بإذنٍ من إسرائيل، وليست للفلسطينيين سيادة على مياههم على ضفاف غزة ولا على فضائهم، فلا يجوز لهم إنشاء ميناء، ولا استقبال بواخر وطائرات، الخ ….
وإقامة دولة مستقلة للثوار على مناطق نفوذهم أمرٌ واقعي جدا ويمكن تحقيقه مادام للثوار قوة ضاربة على الأرض ويظهرونها للعدو ويضعوا العدو أمام خيار استكمال الحرب أو السلم على أساس شرط الاستقلال. وكيف لا يمكن للثوار أن يستقلوا في دولة خاصة بهم على مناطق نفوذهم، وقد استقل، على سبيل المثال لا الحصر، النصارى بدولة لهم في جنوب السودان، واليهود استقلوا بدولة خاصة بهم على غالب ارض فلسطين، والنصارى الكاثوليك والوثنيين اقتطعوا تيمور الشرقية من اندونيسيا وأقاموا عليها دولتهم المستقلة وهم لا يتجاوز عددهم المليون والنصف مليون نسمة ولا تتجاوز مساحة تيمور الشرقية خمسة عشر ألف كيلومتر مربع!
الثوابت والمبادئ
فالسياسة هو الانطلاق من ثوابت ومبادئ عقائدية تحدد هي الهدف وليس العدو، وهي التي تحدد الهامش الذي يجوز المناورة والمساومة فيه، فلا يجوز بحال جعل كل شيئ محل مساومات وتفاوض، فالسيادة والحكم بما انزل الله وقلع هيمنة الكفار ليسوا محل تفاوض ومساومات، وإنما الهلاك دونها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال قُبيل دخوله في مفاوضات مع قريش في الحديبية “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا”(صحيح البخاري)، فالرسول شرط شرطا مهما لكل المفاوضات التي سيجريها المسلمون في المستقبل، وهو أن لا يُعطى للعدو ما فيه انتقاص لحرمات الله، والحكم بغير ما أنزل الله وسيادة الكفار على المسلمين يُعتبر أعظم اعتداء على حرمات الله، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)}(المائدة)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)}(المائدة)، وفتنة تحكم الكفر والكفار في بلاد المسلمين أعظم من قتل المسلمين وهلاكهم {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (٢١٧)}(البقرة).
فبِقدْرٍ من الثقة بالنفس والتمسك بثوابت العقيدة كما رسمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوكل على الله والإيمان بأن النصر من عند الله وحده، يمكن للثوار معرفة كيفية استعمال الأوراق التي بيدهم ليفرضوا إرادتهم على الأطراف الخارجية الإقليمية، بدلا من الاستسلام لمشاريع النظام الدولي وتركيا! فالحقيقة أن تركيا في حاجة للثوار السُّنة أكثر مما هم في حاجة إليها، فقيام دولة سنية على حدود تركيا أأمن لتركيا من دولة كردية لحزب الاتحاد الديمقراطي، فبدلا من الدخول في “درع الفرات” الذي يخدم حصريا مصالح تركيا ويستعمل الثوار أداة لذلك، يُعرض على تركيا أن يتكفل الثوار لوحدهم بالتصدي لحزب الاتحاد الديمقراطي، ويقنعوا تركيا بأن الضامن الوحيد لمنع، على المدى البعيد، حزب الاتحاد الديمقراطي من إقامة دولة في سوريا تهدد وحدة تركيا، هو إقامة دولة سنية في سوريا على الحدود التركية.
دولة تشمل الأكراد المسلمين وتدمجهم فيها ليس كأقليات ولكن كأبناء الدولة وأصحابها وأهلها لا فرق بينهم وبين العرب السنة، فدولة سنية هي وحدها الكفيل بإيقاف تمدد الأكراد المتطرفين اتجاه تركيا بدعم من أمريكا وأوروبا، والضامن أيضًا لإيقاف التمدد الشيعي اتجاه شمال أفريقيا والخليج، وبالتالي تكون هذه أيضاً ورقة ضغط على دول الخليج للاعتراف بدولة سنية في سوريا وعدم محاربتها! فهل في صفوف الثوار سياسيين محنكين يعرفون كيفية استعمال ما بيدهم من أوراق؟ فدول الشرق الأوسط وتركيا يعيشون توترات وضغوطات كبيرة، وهم في أضعف حال وبالتالي ليس لديهم فسحة اختيار كبيرة، فهم في وضع مرغمين فيه على الاختيار بين ترك الحرية للمسلمين السنة لإقامة دولة سنية في سوريا ولا يتدخلون فيها ولا يحددون شيئا فيها، أو يندحر الثوار السنة في سوريا، ويجتاح بعد ذلك الطوفان، ولو بعد حين، تركيا ودول الخليج قاطبة!
دولة مستقلة للثوار على مناطق نفوذهم
إذًا المفاوضات يجب أن تكون على أساس إقامة دولة مستقلة للثوار على مناطق نفوذهم، وليس على أساس الحفاظ على وحدة سوريا كما عرَّفتها خريطة سايكس وبيكو والتي لا تتحقق إلا بإدماج الثوار تحت نظام آل الأسد العلماني (ببشار الأسد أو بدونه). وعلى الثوار أن يُحيِّدوا النظام الدولي بكل أدواته من المفاوضات، يحيدوا الأمم المتحدة وروسيا والغرب. هذا هو العمل السياسي وهو الانتصار الحق! وإذا وُضعت الخطوط العريضة للهدف المتمثل في قيام دولة مستقلة للثوار على المناطق التي تقع تحت نفوذهم، ساعتها يُناقش مع نظام آل الأسد تفاصيل الهدنة والصلح، كتحديد الحدود بين الدولتين، وكيفية التعامل على المستوى الاقتصادي وغيره، كالسماح مثلا لرعايا الدولتين للتنقل بحرية بين البلدين بدون حاجة لتأشيرة، والتبادل التجاري الحر الخ …..
كان هذا اجتهاد واقتراح يمكن للثوار اعتماده أو اعتماد المهم منه للتوسع فيه، لصياغة ورقة عمل عملية يتبنوها لتحديد أهداف ثورتهم، ومن ثم تحديد هدف المفاوضات وما يجب اكتسابه من العدو، والهامش الذي يجوز لهم المساومة فيه، والثوابت التي لا يجوز البتة وضعها على مائدة التفاوض! وادعوا كل ذي رأي وحكمة من المسلمين أن يساهم في توعية الثوار على مخاطر المفاوضات إذا لم تكن منطلقة من عقيدة ثابتة تحدد هي الأهداف وليس العدو، وأن يقدموا برامج عملية لما يجب على الثوار القيام به، وأطلب من الثوار أن لا يستكبروا على السماع لإخوتهم في الدين، فالأولى تبني أوراق عمل يقدمها مسلمون يريدون نصرة الإسلام، وليس أوراق يتم صياغتها في دهاليز المخابرات الدولية، فالمسلمون يريدون الخير لكم، لكن الكفار يريدون هلاككم وهلاك دينكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)}(ال عمران)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}(آل عمران)!
لكن ليكن معلوما أن المفاوضات لا يمكن الاعتماد عليها أو اللجوء إليها دون وجود قوة مادية محسوسة ملموسة على أرض الواقع، ودون إدراك الخصم المفاوض بجدية الثوار وعزمهم على استعمالها لتحقيق مصالحهم إذا لم تتحقق بالسلم والتوافق! فالمفاوضات تسعى لإِقْرَارِ نتيجة أو واقع مُتَوَقع أو يغلب على الظن الانتهاء إليه بالقوة والحرب، فيتم تجاوز الحرب وتبعاتها وأضرارها، وإقرار نتيجة يبدو لكل الأطراف المتفاوضة انه لا مفر منها! فالمفاوضات لا تاتي بأكثر مما يستطيع طرفٌ تحصيله بالحرب.
ولذلك لا يجوز ترك القتال واعتماد الحل السلمي فقط، ولا يجوز الذهاب لمفاوضات برأس مُنْحَنٍ وقلوب مرجفة، هدفها إيقاف القتال بأي ثمن، بل يُدخل للمفاوضات بثقة عالية بالنفس، وبطرح واضح قوي لما يريده الثوار من العدو، وتحديد خطوط حمر للعدو لا يجوز له تجاوزها ولا الخوض فيها!