الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. حياته – مواقفه – شجاعته – فتوحاته

“إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه”. هذا ما قاله عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حين أسلم عمر. وقال أيضًا: “ما زِلْنا أعزَّةً منذُ أسلَم عُمَرُ”، أي أن المسلمين ما عبدوا الله جهرة إلا حين أسلم عمر.

كم كان هذا رجلًا قويًا مهيبًا حتى يعز الله به -وهو رجل واحد فقط- دينًا كاملًا بمعتنقيه، وفي حقيقة الأمر لا تكفيني سطور قليلة لأقدم مثل هذه الشخصية المركبة العظيمة تقديمًا يليق بها؛ إذ لم تتحقق للدولة الإسلامية صورتها المثالية الكاملة في عهد أي من الصحابة والخلفاء والحكام كما تحققت في عهد ابن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين، الذي كان يمتلك ما يكفي من النزاهة والحزم، الرحمة والعدل، الهيبة والتواضع، الشدة والزهد، ما نسطره في مجلدات ضخمة.

ولئن رجعنا بالتاريخ إلى عهده المبارك لعلنا نظن أنه حكم عمرًا، لكنه في الواقع لم يحكم سوى عشرة سنوات فقط، كل هذه الإنجازات تمت في عشر سنوات فقط، تأسيس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ امتدت من حدود الصين شرقًا حتى إفريقية غربًا، ومن بحر قزوين شمالًا إلى السودان واليمن جنوبًا، وإسقاط أقوى إمبراطوريتين في التاريخ؛ الفرس والروم، كل هذا استطاع أن يحققه عمر في هذه السنوات القليلة.

يقال دائمًا إن المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف، لأن العبد القوي ينصر الدين ويحفظ المسلمين، ويرد كيد الكافرين. وقد كان عمر -رضي الله عنه- هو ذاك المؤمن، فقد كان أقوى وأصلب الرجال، وأكثرهم شجاعة، فجاء إسلامه عزة للإسلام ونصرة للمسلمين، وخزيًا وقهرًا على الكافرين. وقد كان الرسول يعلم هذا، وربما كان إسلام عمر استجابة لدعوة رددها رسول الله حين قال: “اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك (وكان يقصد عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام)” رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

وقد قال ابن إسحاق : “ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله ، وردهما النجاشي بما يكرهون، وأسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلًا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله وبحمزة حتى عازوا قريشًا، وكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة، حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله إلى الحبشة .

ولكم كان عمرًا سياسيًا حكيمًا، وقائدًا عظيمًا، وحاكمًا عادلًا رحيمًا، إذ كان يقول -رضي الله عنه-: “إِنَّ النَّاس ليؤدُّون إِلى الإِمام ما أدَّى الإِمام إِلى الله، وإِنَّ الإِمام إِذا رتع رتعت الرَّعية”، وكان شديد المحاسبة لنفسه وأهله، فما أن ينهى الناس عن شيء حتى يتقدم إلى أهله قائلًا: “إِنِّي نهيت النَّاس عن كذا، وكذا، وإِنَّ النَّاس ينظرون إِليكم، كما ينظر الطَّير إِلى اللَّحم؛ فإن وقعتم؛ وقعوا، وإِن هبتم؛ هابوا، وإِنِّي والله لا أوتى برجلٍ وقع فيما نهيت النَّاس عنه إِلا أضعفت له العذاب، لمكانه منِّي، فمن شاء منكم أن يتقدَّم، ومن شاء منكم أن يتأخَّر”.

اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزَاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي. إذ يجتمع نسبه مع رسول الله في كعب بن لؤي بن غالب، أمه هي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية، وقيل في رواية أخرى إنها حنتمة بنت هشام، لكن الأصوب هو الأول، ووالده هو الخطاب بن نفيل. وكان عمر يُكنى بأبي حفص، وقد وردت عدة أقوال أن من كناه بهذا الاسم هو الرسول ، منها ما روي أن عمر -رضي الله عنه- سمع امرأة تبكي على ميت لها، فنهاها عن ذلك فقال الرسول له: “دعها يا أبا حفص فإن العهد قريب والعين باكية”.

وقد لقب عمر أيضًا بالفاروق، وهو أشهر ألقابه، وإنه لجدير بهذا اللقب فعلًا، لأن الله فرق به بين الحق والباطل، أي بين الإسلام والكفر، إذ إن الإسلام قويت رايته وانتشر في أرجاء المعمورة بعد إسلامه. وقد اختلف العلماء فيمن أطلق عليه هذا اللقب، إذ يقال إن من لقبه بهذا اللقب هم أهل الكتاب، حيث قال الزهري -رحمه الله-: وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئًا”، وقيل أيضًا إن الرسول هو من لقبه بذلك، وإنه قال:

إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل.

لكن كلا الروايتين لم تثبتا، لذا فلعل الصواب أن من لقبه بذلك هم المسلمون، لأنه أعز الإسلام وأظهره. وقد لقب عمر أيضًا بأمير المؤمنين، وهو أول خليفة يلقب بهذا اللقب، وتتعدد الروايات عن سبب ذلك، منها أن المسلمين كانوا ينادون أبا بكر بخليفة رسول الله، ولما جاء عمر استثقلوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله، فاتفقوا على  أن يدعوه بأمير المؤمنين.

مولد عمر بن الخطاب

الفاروق عمر بن الخطاب

تختلف الآراء حول تحديد عام ميلاد الفاروق عمر -رضي الله عنه-، فقيل إنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عامًا، وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه رسول الله ، والدليل على هذا ما ثبت في الصحيح من أن النبي وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- ماتوا وهم أبناء ثلاث وستين، حيث مكث عمر بعد وفاة الرسول ثلاثة عشر عامًا، وبهذا يكون عمره يوم وفاته مساويًا لعمر الرسول عند وفاته، وهناك العديد من الأقوال الأخرى التي ذكرت خلاف ذلك، لكنها غير صحيحة على الأغلب.

صفات عمر بن الخطاب الشكلية

كانت صفات عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الشكلية تدل على قوته وشدته وصرامته وهيبته، إذ قيل إنه كان آدم اللون، وذكرت بعض الروايات أنه كان أبيض اللون، لكن صفة الأدمة والسمرة أقوى، وربما كان أبيض ثم طغت عليه السمرة بسبب المسؤوليات والجهود والفتوحات وغيرها. وكان عمر أصلع الرأس طويل القامة ضخم الجسم عريض المنكبين، وكان صوته عاليًا، وإذا غضب فتل شاربه ونفخ، وكان أعسر لكنه يستخدم كلتا يديه. وكان يتمتع بجسم وبنية قوية ولحية كبيرة. وتورد الأخبار أنه كان سريع الخطا؛ أي سريع في مشيته، وأن الشيب كان يملؤه. ويقال إنه كان حسن الخدين والأنف والعينين، وكان يخضب بالحناء، وكانت ضربته قوية فكان يقال إنه إذا ضرب أوجع.

حياة عمر بن الخطاب في الجاهلية

نشأ عمر -رضي الله عنه- وتربى في مكة، وشب كغيره من فتيان وشباب قريش وهو يدين بدين الوثنية، بل إنه كان ممن يضطهدون ويعذبون من آمن بدين محمد ، ويعود ذلك إلى قوة جسده وصرامته وبأسه وتمسكه بالتقاليد. وكان يطبق هذا على الغريب والقريب، حتى على أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأمه.

وكانت واحدة من مساوئ الحياة في الجاهلية هي شرب الخمر، وكانت هذه صفة يتصف بها عمر في جاهليته، روي عنه قوله: “وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية”. ولأن العرب في هذا الوقت كانوا يحبون الخمر ويتلذذون بها بشكل كبير، لم يحرمها الله دفعة واحدة، بل حرمها بالتدريج، وعلى الرغم من ذلك فإن عمر ما إن دخل الإسلام حتى كان أكثرهم بعدًا عنها. وكان يدعو الله -عز وجل- قائلًا: “اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا”، حتى نزل قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة المائدة: 91-92، فقال عمر حينها: “انتهينا انتهينا”.

وكان العرب في الجاهلية يشتهرون بعادة وأد البنات، وقد وردت قصة عن عمر -رضي الله عنه- أنه كانت له ابنة ووأدها في الجاهلية، لكن صحة هذه القصة مشكوك فيها، لأن عادة الوأد لم تكن من العادات المشهورة عند بني عدي وأسرة الخطاب خصوصًا، التي عاشت منها فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر بناته، حيث ولدت الأخيرة قبل البعثة بخمس سنوات ولم يئدها عمر، فلماذا وأد الصغرى المزعومة؟ ولماذا لا يذكر التاريخ أو أسرتها عنها شيئًا أبدًا؟ لذا من غير المرجح أن تكون هذه القصة حقيقية.

وكان عمر في الجاهلية يعمل في الرعي والتجارة؛ إذ إنه عاش في صغره حياة الفقر والبؤس والقسوة، لذا شب عوده صلبًا وقلبه مقاومًا للصعاب، وكان متحملًا للمسؤولية أبعد ما يكون عن حب الراحة والترف، وكان يرعى إبل الخطاب، لذا يذكر عمر بيت حين تذكر هذه الفترة من حياته يقول فيه:

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته *** يبقى الإله ويفنى المال والولد

كما اشتغل عمر في الجاهلية بالتجارة، وكانت هذه من المهن المشهورة عند العرب، لذا اشتهر الكثير منهم بالغنى بفضلها، وحين هاجر عمر من مكة للمدينة كان يمتلك ثروة كبيرة. وقد قال لعياش بن أبي ربيعة حين أراد الرجوع لمكة بعد هجرته: “والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالًا، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما -يقصد أبا جهل والحارث بن هشام-“. ويروى أيضًا أن عمر في زمن الجاهلية كان سفيرًا لقريش، فقد كانت قريش -إذا وقعت بينهم حرب أو عداوة مع غيرهم- تبعث عمر سفيرًا لهم، وعلى الرغم من أن هذا الخبر وارد من طرق ضعيفة لكن احتمالية تكليف قريش لعمر بمثل هذه المهمة الكبيرة والهامة لهو شيء وارد جدًا ومنطقي، لما كان يتمتع به من مكانة ومنزلة رفيعة بينهم، وبفضل ما كان يتمتع به من صفات خُلقية وخلقية.

إسلام عمر بن الخطاب

إسلام عمر بن الخطاب

ذُكر العديد من الأقوال عن وقت إسلام ابن الخطاب، لكن أقرب الروايات للصواب أنه أسلم في السنة السادسة أو السابعة من الهجرة. أما طريقة إسلامه وكيفيتها فقد وردت في حقها العديد من النصوص المختلفة، لكنها جميعًا تفضي إلى شيء واحد، وهو أن إسلامه قد جاء بعد سماعه للقرآن الكريم وتأثره به، وسنذكر أشهر هذه الروايات:

عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلدًا السيف، فوجده رجل من بني زهرة. فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه. فمشى عمر ذامرًا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت. فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم، قال وكانوا يقرأون طه فقالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئًا شديدًا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فاقرأه، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ. فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}، فقال عمر دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك ليلة الخميس: ” اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام”. قال ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار. قال وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله ﷺ. فلما رأى حمزة وجل الناس من عمر، قال حمزة نعم هذا عمر فإن يرد الله بعمر خيرًا يسلم ويتبع النبي وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا، والنبي داخل يوحى إليه فخرج رسول الله حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف. فقال: “أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب”، فقال عمر أشهد أنك رسول الله، فأسلم”.

هجرة عمر بن الخطاب للمدينة

بعد إسلام عمر بدأت قريش في زيادة حربها على الرسول وأصحابه، لذا بدأ المسلمون يهاجرون إلى المدينة فرارًا من أذى المشركين لهم، وكانوا يهاجرون في الخفاء، وقد هاجر عمر أيضًا إلى المدينة المنورة، وهناك روايات تقول إنه هاجر مثلهم متخفيًا، بينما تقول روايات أخرى إنه هاجر جهرًا، وإنه حين هاجر تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة، فطاف بالبيت سبعًا، ثم أتى المقام فصلى، ثم نادى جموع المشركين. وقال: “من أراد أن يثكل أمه وييتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي”. وكانت حياته في المدينة مختلفة تمامًا، حيث ظهرت جوانب عدة من شخصيته لم تكن ظهرت في مكة، وأصبح له دور بارز ومهم في المدينة المنورة.

أسرة عمر بن الخطاب

تزوج عمر بن الخطاب حوالي أربع عشرة امرأة، وهن: أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، قريبة بنت أبي أمية المخزومية؛ وكانتا زوجتيه في الجاهلية وقد طلقهما عمر، ثم تزوج زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية؛ التي هاجرت معه للمدينة، وجميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية؛ كانت زوجته في السنة السابعة من الهجرة وطلقها عمر بعد ذلك، وابنة حفص بن المغيرة بعد طلاقها من زوجها عبد الله بن أبي ربيعة، وكانت عاقرًا، وقد طلقها عمر، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية بعد الخلافة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية بعد استشهاد زوجها خالد بن سعيد بن العاص في موقعة مرج الصفر في الشام، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سنة سبعة عشرة من الهجرة، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام المخزومي وقام بتربية ابنها عبد الرحمن، كما تزوج عمر من أم هنيدة الخزاعي وسبيعة الأسلمية ولهية أو نهية اليمنية، وسعيدة بنت رافع بن عبيد الله بن عمرو بن عبيد الأنصارية وفكيهة.

أما أبناء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فهم: عبد الله بن عمر رضي الله عنه؛ وهو أكبر أولاده من زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، وعبد الرحمن الأكبر وأمه هي أم عبد الله أيضًا، وعبيد الله بن عمر وزيد الأصغر؛ وأمهما هي أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وعاصم؛ وأمه هي جميلة بنت ثابت بن الأقلح، وزيد؛ وأمه هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن الأوسط وعبد الرحمن الأصغر الملقب بأبو المجبر؛ وأمهما لهية، وعبد الله الأصغر؛ وأمه هي سعيدة بنت رافع الأنصارية، وعياض؛ وأمه هي عاتكة بنت زيد. أما بناته -رضي الله عنه- فهن: حفصة بنت عمر “أم المؤمنين”؛ وأمها زينب بنت مظعون، فاطمة؛ وأمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وعائشة بنت عمر؛ وأمها لهية، وكذلك صفية، وجميلة، ورقية؛ أمها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وزينب؛ أمها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.

فترة خلافة عمر بن الخطاب وفتوحاته

فتوحات عمر بن الخطاب
الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب.

بعد أن توفي الرسول خلفه أبو بكر الصديق، وكان عمر وزيره ومستشاره، يحمل عن أبي بكر الكثير من الأعباء بالفعل. وبعد وفاة أبي بكر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-؛ بويع عمر على الخلافة في اليوم التالي للوفاة مباشرة؛ وذلك في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة عام 13 هجرية الموافق الثالث والعشرين من أغسطس عام 632م. ومنذ اللحظة الأولى لتوليه الخلافة وهو يواجه الصعاب والتحديات، لا سيما مع موقف قوات المسلمين في الشام، وكان أول ما فعله عمر أن أرسل جيشًا للعراق على الفور بقيادة أبي عبيدة بن مسعود الثقفي، لكن الأخير دخل معركة مع الفرس دون تفكير أو ترتيب، ولم يستمع لنصائح من حوله، كان نتيجتها هزيمة جيش المسلمين في موقعة الجسر، واستشهاد أبي عبيدة مع أربعة آلاف من جيش المسلمين.

معركة القادسية وفتح العراق

بعد الهزيمة التي حلت بالمسلمين في معركة الجسر، حاول المثنى بن حارثة رفع الروح المعنوية للمسلمين ومسح آثار هذه الهزيمة التي لحقت بهم، لذا قام باستدراج الفرس لكي يعبروا غربي النهر، وبعد أن دفعهم للعبور، لاسيما بعد أن غرهم النصر السريع الذي ألحقوه بالمسلمين، فاجأهم المثنى بقواته وألحق بهم هزيمة منكرة على حافة نهر البويب، وقد أطلق على المعركة اسم البويب لهذا السبب.

وحين وصلت الفاروق هذه الأنباء كان يريد الخروج لقتال جيش الفرس بنفسه، لكن الصحابة أشاروا عليه بإرسال قائد آخر من قادة المسلمين على رأس الجيش، فأرسل سعد بن أبي وقاص، الذي اتجه إلى الشام وعسكر في القادسية، ومن هناك أرسل سعدًا وفدًا من رجاله لملك الفرس؛ بروجرد الثالث، لكي يعرض عليه الإسلام على أن يبقى له ملكه، أو يبقى على دينه ويدفع الجزية، أو يختار الحرب، واختار الملك الحرب، فنشبت الحرب بين الفريقين واستمرت أربعة أيام، وانتهت بفوز المسلمين في القادسية وهزيمة الفرس وقائدهم رستم، وكانت هذه المعركة واحدة من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، لأنها أعادت العراق للعرب والمسلمين بعد أن كانت خاضعة للفرس قرونًا طويلة، كما أنها فتحت الطريق أمام المسلمين لفتوحات كثيرة.

فتح المدائن ونهاوند

بعد معركة القادسية أصبح الطريق إلى المدائن؛ عاصمة الفرس، ممهدًا أمام المسلمين، لذا أسرعت الجيوش بعبور نهر دجلة، وفتحوا المدائن بعد أن هرب ملكها الفارسي، ودخل سعد بن أبي وقاص القصر الأبيض وصلى في إيوان كسرى صلاة الشكر على هذا النصر العظيم، ثم أرسل رسالة إلى عمر يبشره بهذا النصر العظيم ويسوق إليه ما غنمه المسلمون من غنائم في المعركة. بعد أن هرب ملك الفرس من المدان ذهب إلى نهاوند، واحتشد مع مائتي ألف جندي هناك، وحين علم عمر بذلك استشار أصحابه، فنصحوه بتجهيز جيش لردع الفرس والقضاء عليهم أولًا، لذا أرسل عمر جيشًا كبيرًا بقيادة النعمان بن مقرن قوامه أربعون ألف مقاتل متجهين إلى نهاوند، ودارت هناك معركة كبيرة انتصر فيها المسلمون وألحقوا هزيمة ساحقة بالفرس، وأطلق على هذا الفتح العظيم اسم فتح الفتوح.

فتح مصر

فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب

لقد نجح الفاروق عمر بن الخطاب في توسيع رقعة الدولة الإسلامية في عهده، بعد أن تمكن من القضاء نهائيًا على الفرس في معركتي القادسية ونهاوند، لذا تهيأت له السبل لفتح الشام وفلسطين، واتجهت الجيوش الإسلامية بعدها ناحية الغرب إلى إفريقيا، حيث تمكن عمرو بن العاص من فتح مصر بجيش قوامه أربعة آلاف مقاتل، فدخل إلى العريش من دون قتال، ثم فتح الفرما بعد معركة صغيرة مع حاميتها الرومية، ومن ثم اتجه ناحية بلبيس؛ وهناك تمكن من هزيمة الرومان بقيادة أرطبون، ثم حاصر حصن بابليون حتى تمكن من فتحه، وبعدها اتجه إلى الإسكندرية ففتحها، وفي غضون عامين فقط أصبحت مصر كلها جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية، وقد كان فتح مصر سهلًا يسيرًا، إذ لم يحارب أقباط مصر المسلمين الفاتحين، بل ساعدوهم وقدموا لهم يد العون لما وجدوه فيهم من فرصة للخلاص والنجاة من طغيان الرومان الذين أذاقوهم ألوان الاضطهاد والكبت والاستبداد، وفرضوا عليهم الكثير من الضرائب.

رحمة عمر وعدله

على الرغم من أن عمر كان دائمًا ما يظهر القوة والثبات والغلظة، إلا أنه كان يحمل قلبًا رقيقًا مملوءًا بالرحمة، وقد كان نموذجًا فريدًا لحاكم يستشعر حجم ومقدار مسؤولياته أمام الله -سبحانه وتعالى-؛ إذ كان رمزًا للزهد والورع والتواضع، وكان يخرج ليلًا ليتفقد أحوال المسلمين ويرى ما إذا كانوا بحاجة لشيء.

ومن أشهر القصص التي وردت عنه أنه كان ذات يوم يتفقد أحوال الرعية، فإذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلًا جالسًا فاقترب منه وسلم عليه، وسأله ما الخبر، فأخبره الرجل أنه جاء من البادية، وأن امرأته جاءها المخاض وليس معها أحد، فانطلق عمر مسرعًا إلى بيته وقال لامرأته؛ أم كلثوم بنت علي: “هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت”، وانطلقت معه حاملة معها سمنًا وحبوبًا وطعامًا، ودخلت على المرأة، وبدأ عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر به وعلامات التعجب على وجهه ولا يعلم من هذا، فلما ولدت امرأته نادت أم كلثوم عمر قائلة؛ يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل ما قالته أخذ يتراجع للوراء وقد أخذته الهيبة والدهشة في آن واحد، فهدأ عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته كي تطعم المرأة، ثم وضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول: “كل ويحك فإنك قد سهرت الليل”.

وكان عمر يترفع عن أموال المسلمين، حتى أنه جعل نفقته ونفقة أسرته كلها درهمين في اليوم، في حين أن الخراج كان يأتيه كل يوم لا يدري له عدًا، فيوزعه كله على المسلمين ولا يبقي لنفسه شيئًا. وكان يقول: “أنزلت مال الله مني منزلة مال اليتيم، فإن استغنيت عففت عنه، وإن افتقرت أكلت بالمعروف”. وقد خرج ذات يوم حتى أتى إلى المنبر، وقد كان يشتكي من ألم في بطنه، فوصف له العسل، وكان في بيت المال آنية منه، لكنه لم يأخذها حتى يستأذن من الرعية، وقال: “إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام” فأذنوا له فيها.

وقد كان أكثر ما يشتهر به عمر رضي الله عنه من صفات؛ العدل والوروع، فكان دائمًا يراقب نفسه ويشعر بالمسؤولية حتى تجاه أصغر الأشياء. فكان يقول: “والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولًا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد لها الطريق”. وكان يستشعر خطورة منصبه ومسؤوليته، فكان حين يأتيه خصمان يبرك على ركبتيه ويقول: “اللهم أعني عليهما، فإن كل واحد منهما يريدني على ديني”.

إنجازات عمر بن الخطاب الإدارية والحضارية

كان عهد الفاروق ممتلئًا بالإنجازات الإدارية والحضارية، فلنعم القائد والحاكم والسياسي كان عمر. وربما يكون من أهم الإنجازات التي تمت في عهده؛ أنه اعتمد الهجرة في التقويم الإسلامي بدلًا من التقويم الميلادي، وكان أول من دوَّنَ الدواوين -المقتبسة من الفرس-، وأول من اتخذ بيت المال، كما أنه أول من اهتم بإنشاء مدن جديدة، وكان يطلق عليها اسم (تمصير الأمصار)، كما كانت أول توسعة لمسجد رسول الله في عهده، وكان هو أول من قنن الجزية على أهل الذمة، وأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال، وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء، وأربعة وعشرين على متوسطي الحال، واثني عشر درهمًا فقط على الفقراء.

استشهاد عمر بن الخطاب



كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسأل الله الشهادة طوال الوقت، وكان يأمل أن يموت في بلد رسوله ، فقال: “اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ، فقالت حفصة رضي الله عنها: وأنى ذلك؟ فقال: إن الله يأتي بأمره أنى شاء”، ولما كبر سنه وشعر أن أجله قريب قال لما قام بآخر حجة حجها: “اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط”، وكان يدعو أيضًا: “اللهم توفني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وقني عذاب النار، وألحقني بالأخيار”.

وجاءت ساعة الأجل المحتوم، حيث كان -رضي الله عنه- في مسجد رسول الله يصلي صلاة الفجر، وكان ذلك في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة عام 23 هجرية، الموافق الثالث من نوفمبر عام 644م على الأغلب. فتقدم ليؤم الناس ويسوي الصفوف، ثم كبر ودخل في الصلاة، فاخترق أبو لؤلؤة المجوسي صفوف المسلمين وأشهر خنجره المسموم، وراح بكل غل وحقد بيده الغادرة يسدد الطعنات في جسد الفاروق حتى خرجت أحشاؤه وسقط على الأرض مدرجًا في دمائه مغشيًا عليه. وقد طعن المجوسي وهو يحاول الهرب؛ ثلاثة عشر من رجال المسلمين، مات سبعة منهم، وحين قبض عليه نحر نفسه ومات.

وأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه وصلى بالمسلمين آخر صلاة، ولما انصرف الناس من الصلاة وذهب عمر لبيته، طلبًا طبيب ينظر في جرحه، فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقى عمر نبيذًا -غير مخمر- فخرج من مكان الطعنات، فدعوا طبيبًا آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقى الفاروق لبنًا فخرج اللبن من مكان الطعنة، فعلموا أنها النهاية. وفي اليوم التالي فاضت روح عمر إلى بارئها، بعد أن رشح ستة من العشرة المبشرين بالجنة ليكون أحدهم خليفة المسلمين الجديد، وهم: علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف.

وكان عمر قد أمر ابنه عبد الله أن يذهب ليستأذن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في أن يدفن في بيتها بجوار الرسول وصديقه أبي بكر الصديق. فقال لابنه: “انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، فقال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت، فاحملوني ثم سلم، فقل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين”.

وبعد الوفاة غُسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكُفن، وصلى عليه صهيب الرومي -رضي الله عنه- في مسجد النبي ، وفي رواية أخرى أنه صلى عليه وهو على سريره، ثم أدخل -رضي الله عنه- لحجرة عائشة ودفن بجوار صاحبيه؛ رسول الله وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-. قالت عائشة -رضي الله عنها- بعدها: “كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي، فأضع ثوبي، فأقول إنما هو زوجي وأبي. فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي حياء من عمر”.

وقد توفي الفاروق وهو في الثالثة والستين من العمر تقريبًا. وبعد وفاته خيم على المدينة الحزن والغم والكرب الشديد، فالذي رحل لم يكن رجلًا كباقي الرجال، بل كان الفاروق العادل، الخليفة القائد، البار الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- حينها وهو يخطب في أهل الكوفة: أما بعد، فإن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب مات، فلم نر يومًا أكثر نشيجًا من يومئذ”.

المصادر

  1. كتاب فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب
  2. كتاب شهيد المحراب الفاروق عمر بن الخطاب
  3. الفاروق عمر بن الخطاب .. دولة العدل والفتوحات
  4. تأملات في حياة عمر بن الخطاب مع أسرته
  5. كتاب الإصابة في تمييز الصحابة
  6. كتاب صفة الصفوة
  7. كتاب موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي
  8. جواب شبهة حول حديث (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك..)
  9. موقع الإمام ابن باز
  10. الموسوعة الحديثية

سارة سعد

كاتبة محتوى حصري منذ 2016م. حاصلة على ليسانس الآداب، دبلومة التربية ودورة في اللغة العربية.… المزيد »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى