هل سنشهد اختفاء صناعة الأسلحة النووية؟
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: REPORT: BIT BY BIT, THE NOOSE IS TIGHTENING AROUND THE NUCLEAR WEAPONS INDUSTRY لكاتبه: Jon Schwarz في موقع: theintercept.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
على مدار سنواتٍ طويلة، كانت منظمة PAX الهولندية تصدر تقاريرًا تفصيلية عن يوم الملحمة الأخيرة المختبئة على مرأى من الجميع. إن تجارة الأسلحة النووية -وهي في الحقيقة تجارة- لا تتم في الغالب في مخابئ سرية تحت الأرض، بل إنها في كل مكانٍ حولنا، تُديرها الشركات والبنوك، التي قد تُصنِّع بطريقةٍ أخرى الهواتف المحمولة أو رقائق الذرة أو المكانس الكهربائية.
يجب أن تكون الورقة البحثية الأخيرة التي أصدرتها PAX بعنوان “الاستغلال المحفوف بالمخاطر” في الصفحة الأولى في جميع المنصات الإخبارية في العالم. لماذا ليست في الصفحات الأولى؟ سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام!
لاتزال الحرب النووية تشكل تهديدًا للبشرية. صحيحٌ أنها اختفت بشكلٍ عامٍّ من الثقافة الشعبية وخيالنا منذ نهاية الحرب الباردة قبل 30 عامًا، لكن ما لا يعرفه أحدٌ تقريبًا هو أن العديد من الخبراء والمراقبين الجادّين يعتقدون أن الخطر الفعلي للصراع النووي هو اليوم أكبر مما كان عليه في أي وقتٍ في التاريخ.
أو خذها من هؤلاء المناهضين للسلام مثل وزيري الخارجية السابقين “هنري كيسنجر” والراحل “جورج شولتز”، لقد حذّروا معًا لسنواتٍ من الخطر الهائل للحرب النووية، ودعوا إلى “عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية”.
لذلك، يجب على الجميع قراءة تقرير PAX؛ لفهم القوى التي تدفع البشرية نحو إبادة نفسها، ولأنه يشرح لماذا اتخاذ الإجراءات المناهضة للسلاح النووي ليس نضالًا بلا معنى، في الواقع، إن التقرير متفائلٌ بشكلٍ مدهش: فقد أدى الضغط العام مؤخرًا إلى انتصارات ملموسة على صناعة الأسلحة النووية، مما يُعلمنا أنه لم يُكتب علينا تدمير أنفسنا!
يوضح تقرير PAX أن هناك 25 شركة حول العالم تشارك بشكلٍ خاص في إنتاج وتصنيع وتطوير الأسلحة النووية. تجني شركة “نورثروب غرومان” الأمريكية أكبر قدرٍ من الأموال من صناعة الأسلحة النووية، مع ما لا يقل عن 24 مليار دولار من العقود النووية الحالية. الشركة الأمريكية الأخرى مثل “رايثيون” للتكنولوجيا و”لوكهيد مارتين” لها مداخيل متقاربة. لكن صناعة الأسلحة النووية هي صناعة عالمية، حيث تستفيد شركاتٌ في أوروبا؛ مثل “إيرباص”، والهند؛ مثل “لارسن وتوبرو”، وروسيا؛ مثل “روستيك”، والصين؛ مثل الشركة العمومية المعروفة بـِ “علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية”، من صناعة نهاية العالم.
كما يدرس التقرير عن كثب البنية التحتية المالية التي يقوم عليها الإنتاج المادي للأسلحة النووية، فهناك ما لا يقل عن 338 شركة مستثمرة أو مُيسِّرة للصناعة النووية. قد تمتلك هذه الشركات أسهُمًا في الشركات النووية، أو تحتفظ بسنداتها، أو تضمن للشركات المصنعة عروض الديون من البنوك، في أي حال، لا يمكن لهذا النظام أن يعمل من دونهم.
أعظم مستثمر في الصناعة النووية هو شركة “فانغارد Vanguard”، بمبلغ 51 مليار دولار، تليها شركة “بلاك روك BlackRock” ببضع خطوات، بمبلغ 45 مليار دولار.
لا تشتمل هذه الحالات على عددٍ قليلٍ من الأفراد الذين لهم استثماراتٌ ضخمة في مجال الأسلحة النووية، بل تشمل ملايين الأشخاص الذين استثمروا في صناديق فانغارد وبلاك روك المشتركة، وبالتالي يمتلكون كميّات صغيرة من العديد من الشركات، بما في ذلك شركات مثل “نورثروب غرومان” الأمريكية.
إنه هنا أين يحدد تقرير PAX التأثير والنفوذ الحقيقي الذي يمكن للناس العاديين أن يمارِسوه ضد عمالِقة النووي هؤلاء. في حين أن الحقائق والأرقام كلها مثيرةٌ للاهتمام بما يكفي بحد ذاتها، فإن عمل PAX لا يهدف إلى وضع الجمهور في قوقعة الاستهلاك السلبي للمعلومات، وإنما إلى توفير الأدوات المناسبة للجميع لاتخاذ الخطوات الحقيقية في سبيل تضييق الخناق على الصناعة، مع وجود أملٍ منطقيٍّ في أنه يمكننا في الواقع ببطءٍ ولكن بثبات إرسال هذه الصناعة إلى مزبلة التاريخ.
PAX هي جزءٌ من الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة، المعروفة بـِ “آيكان” اختصارًا. وقد فازت آيكان بجائزة نوبل للسلام عام 2017 لدورها في الترويج لمعاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تم تبنيها في ذلك العام في الأمم المتحدة.
وافقت الدول الـ 56 التي صادقت على المعاهدة حتى الآن على عدم “تطوير أو اختبار أو إنتاج أو تصنيع أو اقتناء أو امتلاكِ أو تخزين أسلحة نووية”، ولكن ليس هذا فقط؛ فقد تعهّدوا أيضًا بعدم “السماح بأي تمركزٍ أو تركيبٍ أو نشرٍ لأي أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية من أي نوع في أراضيها”.
تكمن أهمية ذلك في أنه بينما لم تصادق أي دولةٍ من الدول التسع التي تمتلك السلاح النووي على المعاهدة، إلا أنها تعتمد على العديد من الدول الأخرى التي لا تمتلك أسلحة نووية في تصنيعها ونقلها. على سبيل المثال؛ إذا صادقت هولندا على المعاهدة، فلن تستطيع شركة إيرباص -التي يقع مقرها الرئيسي هناك- المساعدة في صناعة الصواريخ النووية الفرنسية.
تؤمن آيكان أنه يمكن للضغط الشعبي إجبار حكومات هذه الدول على التصديق على المعاهدة وقطع العلاقات مع صناعة الأسلحة النووية. كما تعتقد أن الحملات التي تدعو صناديق المعاشات التقاعدية إلى التخلي عن الاستثمار في الصناعة النووية يمكن أن تكون أدوات تنظيم قوية لتوليد ضغطٍ مؤثر. هذا ليس حلمًا عابِثًا، انظر -على سبيل المثال- كيف أن حملات سحب الاستثمارات لعبت دورًا مُماثلًا في العزلة الدولية على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
في حين أن هذا قد لا يكون معروفًا عند الأمريكيين، إلا أن حملة سحب الاستثمارات النووية تحدث بالفعل. على سبيل المثال؛ لقد باع ثاني أكبر صندوق تقاعدٍ على وجه الأرض في النرويج استثماراته في الصناعة النووية، وقام برنامج ABP في هولندا -وهو خامس أكبر صندوق معاشات تقاعدية في العالم- بالمثل. كما أوضح أحد المسؤولين التنفيذيين في برنامج ABP السبب: “التغييرات في المجتمع، وأيضًا على المستوى الدولي، كلها تسير نحو قناعة واحدة، وهي أن الأسلحة النووية لم تعد تتلاءم مع سياسة الاستثمار المستدامة لدينا”.
ويشير التقرير إلى أن الاتجاه العام للصناعة في هبوط. انخفض عدد المؤسسات المالية التي تستثمر في الصناعة النووية أو تسهلها من 390 إلى 338 مؤخرًا، وانخفضت قيمة الأسهم بمقدار 67 مليار دولار، وانخفضت حيازة السندات بمقدار 2 مليار دولار. من الممكن رؤية مستقبل تسري فيه سُنّة ما حدث للأسلحة البيولوجية والكيميائية على أخطر سلاحٍ للدمار الشامل.
هذا إذًا يجب أن يكون معركة شاقّة وطويلة، لكن احتمالية الفوز فيها كبيرة. ليس من المحتّم أن يقضي البشر على أنفسهم! ولكن لتجنب هذا المصير، يتحتم علينا دراسة هذا النوع من البحوث الذي أنتجته PAX والبدء في العمل.