الاستعمار الأوروبي للعالم الجديد وقيام دول الولايات المتحدة الأمريكية العنصريّة

كان الإنسان الأوروبي قبل النّهضة الأوروبية يعيش في ظلام دامس وجهل مطبق لدرجة أن تلك العصور سميت بعصور الظّلام، وكانت الكنيسة يومها تحتكر مصادر العلم، فقامت بمنعها عن الشعوب، خاصة تلك المصادر التي تخالف آراءها أو تدعوا لمعتقد غير الذي تحمله، فاستطاعت بذلك استغلال النّاس لمصلحتها، فكان هذا سببا لانتشار الجهل والفقر والحروب. في القرن الخامس عشر وبعد سقوط القسطنطينية وهجرة العلماء البيزنطيين إلى إيطاليا، عرفت إيطاليا بداية عصر جديد وهو عصر النهضة الذي عرف تطورا كبيرا في مجال الفنون والعمارة والفكر والفلسفة والجغرافيا.

ساعد هذا التطور العلمي في صناعة سفن كبيرة قادرة على خوض البحار واكتشاف العالم، ولعدة أسباب ودوافع، ركب الأوروبيون البحر وسعوا لاكتشاف أراضي أخرى في العالم كانت مجهولة، فسميت هذه الرحلات بالكشوف الجغرافية، وتعد الفترة من 1420-1621 فترة الازدهار للكشوف الجغرافية، في هذه الفترة نشط الأوروبيون في كشف مناطق عديدة من العالم، وأصبح في مقدورهم الإبحار في أي مسطح مائي والعودة مرة أخرى إلى مواطنهم[1].

اكتشاف أمريكا

يَعتبر الأوربيون “كريستوف كولومبوس” الرّحالة الإيطالي أول من اكتشف العالم الجديد، ولكن الحقيقة أن أمريكا كانت معروفة منذ زمن بعيد، وهذا ما وضحته الباحثة الألمانية “هاينكه زودهوف” في كتابها (معذرة كولمبوس، لست أول من اكتشف أمريكا)، حيث قالت:

معذرةً يا كولومبوس، أنت لم تكن الأول، ولم تكن أمريكا تنتظرك بكرًا غير مكتشفة، بل عرفت شواطئها قبلك بعضًا من بحارة العالم القديم. إنها النجوم نفسها التي اهتديت بها ونفس التيارات البحرية التي استخدمتها، ونفس الرياح التي قادتك عبر الأطلسي؛ هي نقلت قبلك بزمن بعيد بحارةً لم تكن سفنهم أقل شأنًا في البحر من سفينتك (سانتا ماريا)»[2].

ظن الإسبان -أو هكذا أرادوا- أن بواخرهم أول بواخر وصلت إلى تلك الأرض، وأن رجالهم أول رجال عرفوا تلك المنطقة، ولكن الحقيقة تدحض رأيهم وتكذب ما أرادوا نشره[3].

كان كولومبوس أشهر من توجه بسفنه نحو أمريكا وتكررت رحلاته إليها أربعة مرات، لكنه لم يتمكن من التغلغل في غاباتها واكتشاف أنحائها وأرجائها. وفي سنة 1499 رافق مغامر فلورنسي اسمه “أميريجو فسبوتشي” إحدى الرحلات الإسبانية اللاحقة إلى الأراضي التي اكتشفها كولومبوس، وأعلن للعالم أن ما وصل إليه كولومبوس عالم جديد يقع بين قارة أوروبا وبلاد البهار في الشرق، وعليه فإن هذا العالم الجديد قد سُمي باسم أميريجو (أو أميريكو)، وهكذا ولدت أمريكا[4].

الجشع الأعمى وإبادة الهنود الحمر باسم الرّب.

رجح الفيلسوف والمؤرخ البلغاري “تيزفيتان تودوروف” أن رحلة كولومبوس كانت لغرض نشر المسيحية وملاقاة ملك الصين الذي سماه الخان الأعظم، ورفض فكرة أن الرحلة كانت لجشع كولومبوس وتكلم بكلام طويل في المسألة، ولكن الحقيقة أن الغرض الأول لهذه الرحلة كان رغبة منه في الشهرة وحصد المال. وما كانت رحلته لتحصل لولا وعوده التي قدّمها للملوك الكاثوليك الإسبان الذين قبلوا مشروعه، وكان الاتفاق أن يعترف الملوك الكاثوليك بكولومبوس كمكتشفٍ للجزر والقارات في البحر والمحيط؛ وانطلاقًا مما سبق، سيُمنح رتبة أمير البحار والمحيطات كقرار ملكي يسري في جميع أنحاء البلاد، ويُضاف إلى ذلك أنه سيُمنح 10% من الذهب والبضائع التي سيُحضرها معه بدون أية ضرائب.

لا شك أن نشر المسيحية كان أيضًا من دوافع الكشوف الجغرافية، ولكن في نفس الوقت أيضًا كانت من أجل المال والذهب بشكل أولي وهذا ما دلت عليه كتابات كولومبوس، ففي ذات اليوم التالي للاكتشاف 13 أكتوبر 1492، يسجل بالفعل في يومياته:

لقد أبديت اللإنتباه واجتهدت لمعرفة ما إذا كان هناك ذهب…

وهو يعود إلى موضوعه بشكل متواصل:

لا أرغب في التوقف عن الذهاب إلى أماكن أبعد بل أرغب في اكتشاف الكثير من الجزر والذهاب إليها، بحثا عن الذهب…

بل إن صلاته قد أصبحت:

يا إلهي العميم الخير، سدد خطاي حتى يتسنى لي العثور على الذهب[5]

وهكذا كانت نوايا الإسبان من بعد كولومبوس، فقد عملوا على سرقة ذهب العالم الجديد ونهب أموال الهنود الحمر المستضعفين. أما الإنجليز فلم يختلفوا كثيرا عن الإسبان. فما إن وطأت أقدامهم أرض العالم الجديد، حتى بدأوا يبحثون عن الذهب والكنوز. وقد دفعهم جشعهم إلى نهب ثروات العالم الجديد وحتى ثروات الهنود الحمر وارتكبوا إبادات وجرائم ستظل مكتوبة في الجزء الأسود من تاريخ البشرية.

جزاء الهنود الحمر

لقد كان الهنود الحمر على قدر عظيم من المسالمة وتقبل الآخر رغم الاختلاف الكبير بين الهنود الحمر والإسبان، وهذا ما أكده كولومبوس بنفسه في بادئ الأمر، أي قبل أن يتعرضوا لوحشية الإسبان فيثوروا ضد الظلم والطغيان، فكولومبوس يعلن منذ البداية أن هؤلاء الناس طيبون:

إنهم أفضل أناس في العالم كما أنهم الأكثر مسالمة… قال الأميرال إنه لا يمكن أن يصدق أن إنسانًا سبق له أن رأى أناسًا بمثل هذه السماحة[6].

لقد قابل الإسبان هذه الأخلاق التي اعترف بها كولومبوس بوحشية لا نظير لها؛ مما دفع بالهنود الحمر للدفاع عن أنفسهم، وقد تكلم المطران “برتولومي دي لاس كازاس” عن هذه الوحشية التي تخطت كل الحدود وهو الذي سافر إلى العالم الجديد عام 1502، وكان أبوه ممن صاحب كريستوف كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام 1493. قال في رسالته إلى ملك إسبانيا “دوق فيليب”:

فما تلقاه الشعوب الهندية المسالمة المتواضعة المرهفة ليس إلا طغيانًا وجورًا يدينهما كل قانون، وضعيًا كان أم إلهيًا. إنها أفعال مرذولة ملعونة، ولهذا عزمت أن أبرئ ساحتي من هذه الجريمة بأن لا أسكت عنها، وأن أحدثكم عما جناه الطغاة وعما أزهقوه من أرواح وآذوه من أجساد

وقال في موضع آخر:

ثمة استهتار وطيش يتعاظمان في أنفس هؤلاء الذين يسفكون كل هذه الدماء، ويستأصلون هذه الأراضي الشاسعة من أهلها وأصحابها بقتل مليار من البشر، ونهب الكنوز التي لا تقدر بأثمان، إنهم يحتالون بأساليب مختلفة من أجل أن تسمحوا لهم بالمضي في الفتوح

وقال:

جاء طاغية إلى منابع هذا النهر (يايا باري) يصحبه أكثر من أربعمئة رجل، وارتكب جرائم عديدة، فأحرق كثيرًا من البشر أحياءً، وذبح بشفرة السيف عددًا كبيرًا من الأبرياء الذين كانوا يعيشون في تلك المنطقة لا يؤذون أحدا ولا يكنون شرا لأحد[7]

ولعله يجدر الإشارة إلى أن كتاب (الهنود الحمر رسائل المطران برتولومي دي لاس كازاس) أوثق شهادة للجرائم النّصرانية في العالم الجديد خلال الاستعمار فقد كان كازاس حاضرا ودون شهادته بيده.

أما الاستعمار عند الإنجليز، فله قصة أخرى

أما الإنجليز الذين كوّنوا أول مستعمرة لهم تحت اسم “جمستون” في أمريكا الشمالية سلكوا طريق الشر متسترين باسم السماء، مطلقين على أنفسهم اسم “الحجاج”. تمت مجزرة رهيبة أدت إلى إبادة هنود الناراغنستس عام 1637، بقيادة الكابتن جون أنديكوت الذي أراد التحرش بهنود “البيكو” أيضًا، والتسلي بقتلهم.

ومع أن الهنود استقبلوهم بالترحاب –حسب شاهد عيان معاصر- إلا أن الإنجليز غدروا بهم. فبعد أيام قاد الكابتن “جون مايسون”، قبل الفجر، جيشا من جيوش الاستعمار من الميليشيا قسمه إلى فرقتين، تولى قيادة إحداهما بنفسه بينما تولى “جون أندرهيل” الفرقة الثانية… وهاجموا الهنود النائمين من جهتين. وكان ذلك بتعبير جون مايسون «آخر نوم لهم»، يصف مايسون تلك الليلة بقوله:

لقد أنزل الرب في قلوب الهنود رعبًا شديدًا، فحاولوا أن يطيروا بين أسلحتنا، ويقفزوا في اللهب الذي التهم كثيرًا منهم. كان الرّب يضحك من أعدائه وأعداء شعب الله المختار … يضحك حتى الاستهزاء والاحتقار، ويجعل منهم وقودًا لهذا الفرن الذي تحولت إليه قريتهم. هكذا ينتقم الله منهم، ويملأ الأرض بجثثهم … ليعطينا أرضهم[8]

ويقول المؤرخ “منير العكش” عن الإنجليز:

خلال الزحف باتجاه الغرب، أباد الغزاة الإنجليز أكثر من أربعمئة أمة وشعب في هذه المنطقة التي يطلق عليها اليوم اسم الولايات المتحدة، لكنهم نذروا كل ذلك لربهم الذي كان يكلمهم قبل كل مذبحة ويخوض بهم في دم أعدائهم ويضفي على (فكرة أمريكا) وما تتضمنه من إبادات عرقية وثقافية بعدًا أخلاقيًا نبيلاً مستعارًا بكل تفاصيله من (فكرة إسرائيل) التاريخية[9].

لقد خطب زعيم هنود دواميش عام 1854 بعد تسليم أرضه لقاتلي شعبه فقال:

ينهزم الإنسان الأحمر أمام زحف الإنسان الأبيض مثلما ينقشع ضباب الجبال أمام شمس الصباح. لكننا نرى رماد آبائنا مقدسًا، وقبورهم بقيعًا مقدسًا. وهكذا نرى الهضاب والأشجار، ونعتبر هذه البلاد قسمتنا، ونعرف أن الرجل الأبيض لا يفهمنا. تستوي هذه الأرض عنده والأرض المجاورة، لأنه الغريب الذي تسلل في ظلمات الليل فنال من هذه الأرض كل ما تمنى … إن جشعه يلتهم الأرض فلا يغادرها إلا صحراء[10]

طبعا بعد سنوات من خطبته المميزة البليغة، انتهت معاناة الشعب الهندي المسكين أمام طغيان الاستعمار الإنجليزي، وليس لأن الرحمة قد عانقت قلوب هؤلاء الإنجليز المجرمين المتوحشين، بل لأن الهنود أصبحوا قتلى تحت الأرض في مقابر جماعية بيد هذا الاستعمار ، وبُنيت الولايات المتحدة الأمريكية على جماجم وبقايا عظام هذا الشعب المظلوم حيا وميتا بعد أن أباده الإنجليز وخانه أشباه المؤرخين.

العنصرية ضد السود ولا جديد بعد قيام الدولة الشيطان أمريكا.

تعود قصة العبيد السود إلى اكتشاف البرتغاليين للسواحل الغربية لإفريقيا، حيث أنشأت البرتغال مراكز وحصون لتموين السفن القادمة من الشرق، فبدأت تجارة العبيد السود بعد الاستعمار والذهاب بهم إلى البرتغال واستغلالهم في الأعمال الشاقة من زراعة وحمل الأثقال وتجديف السفن، وبعد اكتشاف العالم الجديد أصبح السود يُنقلون إلى هناك ليستغلوا ويسترذلوا ثم يعذبوا ويقتلوا.

لما راجت تجارة الرقيق، تأسست شركات لنقلهم من أفريقيا، منها شركة “غينيا الفرنسية” وشركة “البحر الجنوبي الإنجليزية”، وكانت هذه الشركات تشتري الرقيق من السواحل الغربية لأفريقيا لتنقلهم في سفن خاصة نحو أمريكا في ظروف صعبة جدًا مما يؤدي إلى موت ما يقارب 20 بالمائة منهم قبل بلوغ أمريكا، والحقيقة المُرّة التي لا يستطيع التاريخ أن يتجرعها لخستها ودناءتها أن الرقيق يباعون في أغلب الأحيان من إخوانهم السّود بثمن بخس.

فيتم وضعهم في أقفاص كالحيوانات، وعندما يقترب موعد تسلّم الأوروبيين لهم، يتم إحضارهم إلى مكان واسع، حيث يقوم أطباء السفينة باختبارهم جميعا، رجالا ونساء وهم عراة تماما، ويُفصل من يثبت الكشف الطبي أنهم أصحاء، ثم يتم ختمهم في منطقة الصدر عن طريق الكي بختم حديدي أُخرج لتوه من النار، ويحمل هذا الختم أسماء الشركات الفرنسية أو الإنجليزية أو الهولندية. ويعود العبيد بعد ذلك إلى السجون لكي ينتظروا إجراءات شحنهم التي أحيانا ما تستغرق أسبوعين[11].

تفنن الأوروبيون المتوحشون في تعذيب هؤلاء العبيد المساكين وقتلهم لأتفه الأسباب، والقصص في هذا الباب تكاد لا تحصى فلمجرد ركوب أحدهم فرس سيده تمت تصفيته، وآخر مص قصب السكر فاقتلعوا أسنانه، وتم جلد آخرين حتى الموت لقيامهم بأخطاء بسيطة، وكانوا يمنعون من الأكل الجيد ويحرم عليهم، ولا يجوز لهم التحرك إلا بإذن سيدهم، وفي حالة اعتداء أحدهم على سيده فإنه يقتل مباشرة ويجوز قتل العبيد بدون سبب ولا مشكل في ذلك.

الاستعمار والاستعباد تحت تصريح من الكنيسة!

وقد كان هذا الاسترقاق للأحرار بالباطل من قبل دولة الاستعمار ، وهذا الظلم والجور في حق المستضعفين مؤيد من الكنيسة ومن رجال الدين الكاثوليك والبروتستنت، يقول أحد رجال الدين المسمى “لويس براندون” في رده على القس الكاثوليكي “ساندوفال” السائل عن حكم استرقاق السود حسب مبادئ الكنيسة:

تقول في خطابك أنك تود معرفة ما إذا كان أسر الزنوج الذين يتم إرسالهم إليكم شرعيًا. وعن هذه القضية أقول أنني أعتقد أنه يجب ألا يكون لديك أدنى شك في ذلك. لأن هذا الأمر قد تمت مناقشته من قبل في “مجلس الضمير” في لشبونة، وكل أعضاء هذا المجلس من أهل العلم والإخلاص، كما أحيطك علمًا أن الأساقفة في “ساو توم” أو “كيب فيرد” أو هنا في لواندو وكلهم أهل علم وفضيلة – لا يرون أي خطأ في ذلك. ونحن نعمل هنا منذ أربعين عامًا وبيننا آباء عالمون، لم ينظروا قط إلى هذا الأمر على أنه غير مشروع. وبالتالي فإننا وآباء آخرين في البرازيل نقتني هؤلاء العبيد لخدمتنا دون تردد أو حيرة[12].

ولادة الطاغية الجديدة

لقد تمكنت إنجلترا منذ دخولها إلى أمريكا الشمالية من إنشاء عدة مستعمرات، وكان الساكنون في هذه المستعمرات يعملون بجد وكد، أما المحاصيل كانت تذهب إلى إنجلترا وتدخل عائداتها إلى دولة الاستعمار ، وهكذا ازداد جشع الدولة الأم ففرضت ضرائب أكثر على المستعمرات وألزمتهم بعدة قوانين جائرة، فدفع الأمر بهذه المستعمرات إلى الثوران ضد إنجلترا والمطالبة بالاستقلال، فأنشؤوا تحالفًا بين  هذه المستعمرات تحت قيادة جورج واشنطن واستطاع هذا الأخير أن يلحق الهزائم بالإنجليز، وانتصر على الجيش الإنجليزي في معركة (يورك تاون) واستسلم له قائد الجيش في 19 يوليو (تموز) 1781.

كان على الحلف أن ينحل بعد انتهاء الحرب وإعلان الاستقلال والقضاء على الاستعمار ، فقد انعقد لمحاربة  انجلترا التي استغلتهم، فلما تمكنوا من النجاح في ذلك، لم يعد ما يوجب بقاءه، ولكن عصبة من الرجال حالوا دون حله وأقنعوا مندوبي المستعمرات بوجوب بقائه وتحويله إلى اتحاد دائم، ومن أولئك الرجال: جورج واشنطن وبنجامن فرانكلين، توماس جيفرسون وجون آدمز وجيمس ماديسون. وتم الاتفاق على إقامة اتحاد دعي باسم (اتحاد الولايات الأمريكية)[13].

اللاعب الجديد يكمل ما بدأه الإنجليز

لم يتغير الكثير بعد قيام اتحاد الولايات الأمريكية بعد الاستعمار ، فالهنود الحمر بعدما كانوا يقاتلون ضد مستعمر واضح أصبح نفس المستعمر هو الحاكم الذي يجب الخضوع لقانونه بعد الانفصال، إذ أن الحرب أعطت شرعية معينة للأمريكيين الذين هم في الحقيقة أوروبيون، وأما السود فيكفي أن يُعلم أن أول اجتماع لوضع دستور الاتحاد الذي عقد في فيلادلفيا برئاسة جورج واشنطن عرف مناقشة عنيفة بين زعماء الاتحاد حول الرّق بين مؤيد ومعارض، وقد أوشك هذا الاختلاف أن يؤدي إلى تفكك الاتحاد، وانتهى المؤتمر بإقرار استرقاق الأحرار في اتحاد الولايات الأمريكية عمومًا، وإمكانية منعه من طرف الولايات الرافضة للاسترقاق، فقررت ولايات الشمال منعه فيما أقرته ولايات الجنوب.

وفي عام 1861 وبعد سنوات من الصراع حول مسألة الرقيق، اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب ولم يكن سبب الحرب من أجل الرق فقط بل كانت لعدة عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية، وقد عرفت الحرب مشاركة الرقيق وكانوا إلى جانب أبراهام لينكولن زعيم اتحاد الولايات الأمريكية الذي كان ينادي بتحرير العبيد، وفي عام 1865 انتهت الحرب باستسلام جنود الجنوب وأعلن لينكولن نهاية الرّق في الولايات المتحدة الأمريكية ليتم اغتياله بعدها.

يعتقد البعض حاليا أنه لا عنصرية ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت أيام الاستعمار ، ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك. فالمشكلة تكمن في التطبيق الفعلي لتلك الكلمات المكتوبة على الورق، إن الواقع يقول أن السود يتعرضون لعنصرية رهيبة في بلد وحشي لا يستطيع إلا أن يعيش على العنصرية، فأفقر الناس في الولايات المتحدة من السود، وأكثر المسجونين سود، ومعاملة الشرطة للسود تختلف عن معاملتها للبيض، حتى الإعلام يصور الأسود على أنه المجرم وقائد العصابات، وأن الأبيض هو الشرطي مخلص المدينة من المجرمين السود.

خاتمة

إن الولايات المتحدة الأمريكية عار على البشرية كلها، وإن حكام هذه البلاد حاليا لم يحاولوا محو عار أجدادهم بل واصلوا على نحوهم وفي طريقهم، فكلما ماتت العنصرية و الاستعمار أقاموا أخرى، وها هي الآن عنصريتهم تدفعهم نحو المسلمين فقتلوا وشردوا وارتكبوا المجازر في حقهم، وإن ما يحدث ليس من التاريخ لنرويه أو نبحث في الكتب ونقتصيه ولكن هي مشاهد حيّة تبث من أرجاء بلدان الشعوب المسلمة فمن أفغانستان إلى الصومال، ثم العراق ثم سوريا وهكذا القائمة تطول.

انتهت قصة الهنود الحمر تحت التراب أذلة، وانتهى أمر السود تحت أقدام الإنجليز الأمريكيين أذلة، ولكن الأمة الإسلامية الموحّدة عزيزة وستبقى كذلك، تمرض ولكن لا تموت أبدا بإذن ربها تبارك وتعالى، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 08].


المصادر

[1]– عيسى علي إبراهيم، الفكر الجغرافي والكشوف الجغرافية، دار المعرفية الجامعة، الإسكندرية، 2000م، 93.

[2]– هاينيه زودهوف، ترجمة حسين عمران، معذرة كولومبوس، لست أول من اكتشف لأمريكا، مكتبة العبيكان، الرياض، 2001م، ص7.

[3]– محمود شاكر، الكشوف الجغرافية دوافعها- حقيقتها، المكتب الإسلامي، بيروت، 1988، ص.44.

[4]– إسحاق عبيد، عصر النهضة الأروبية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2006، ص52.

[5]– تزفيتان تودوروف، ترجمة بشير السباعي، فتح أمريكا مسألة الآخر،الطبعة الأولى، سينا للنشر، القاهرة، 1992، ص. 14

[6]– تزفيتان تودوروف، المرجع السابق، ص.42

[7]– محمد الحسيني، مذابح الهنود الحمر، دار الفضيلة، القاهرة، ص. 32، 33، 86.

– ناصيف ياسين، الإرهاب الأمريكي المعولم، دار الفرابي، بيروت، ص.46-47.

[8]– منير العكش، تلموذ العم سام، الطبعة الأولى، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2004، ص.12. [9]

[10]– منير العكش، حق التضحية بالآخر أميركا والإبادات الجماعية، الطبعة الأولى، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص.165.

[11]– هوارد زن، ترجمة شعبان مكاوي، التّاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية، ج1، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005، ص.65-66.

[12]– هوارد زن، المرجع نفسه، ص.67-68.

[13]– عبد السلام الترمانيني، الرّق ماضيه وحاضره، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1979، ص.158، (بتصرف).

أبو ذر القصراوي

كاتبٌ صحفيٌ وباحثٌ إسلاميٌ مستقلٌ، كاتب صحفي لعدد من المواقع والمدونات والصُحُف المطبوعة. وكذلك حاصل… More »

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى