الأمة الإسلامية والحاجة إلى إعلام قوي
الإعلام والاحتلال؟
لطالما تعددت أسلحة الحروب وتنوعت حسب قوة أطرافها المتصارعة، وفي القرون الأخيرة بدأت دول بالانتباه إلى كون أخطر سلاح هو الذي يدمر الخصوم من الداخل، فبدأت التوجهات الجديدة تنحو نحو ابتكار هذا السلاح الذي يضمن الفوز والانتصار بأقل الأضرار الناجمة عن كل حرب تخاض به، فكان استهداف عقيدة الشعوب المحاربة ودوافعها إضافة إلى ما يجمعها هو الغاية والحل، فبدأت الأيدي تشتغل والعقول لها مصباح حتى وقع الاختيار على استغلال الإعلام.
الإعلام كما نعرفه هو تلك الأداة التي تنقل لنا الأخبار وتمنحنا نظرة على العالم عبر ما تقدمه من إنتاجات تختلف باختلاف نوع الأداة الإعلامية-سمعية، بصرية أو مكتوبة-واعتدنا على رؤيته على هذا الشكل بل ووثقنا فيه لدرجة أننا صرنا نعتمد عليه لتكوين آرائنا حول العالم وأحداثه، ومن هنا بدأ الخلل.
فمن أوائل ما كان المحتل يقوم به فور دخوله أراضي غيره هو نشر تصوره ولملمة من يشاطره إياه كي يستغلهم لفرض سيطرته، ولبلوغ تلك الغاية كان الاعتماد على وسائل إعلامية كالمنشورات الورقية والأخبار المنقولة شفويا وغيرها من الطرق التي تعتبر بداية الاحتلال الحديث للعقول؛ فكان أن يخص الاحتلال تلك الطبقة الموالية له بإمكانية تقديم منابر إعلامية همها ما ذكرته سابقا استهداف عقيدة الشعوب المحاربة وما يجمع أفرادها فيوفر لها الإمكانيات اللازمة ويقف بجانبه ويمهد له الطريق إما بشكل علني أو خفي حتى يوطنه في المجتمع المستهدف ويجعله ذا ضرورة بالنسبة للشعوب ( للمزيد، اقرأ موضوع 11 طريقة يأثر بها الإعلام على المتابع )، وفور تحقق ذلك يصبح للمحتل سلطة وأداة يمكنه استخدامها لإنجاح احتلاله.
وكرد فعل على هذا الأمر، ظهرت عدة محاولات لتغيير الوضع، نجح بعضها نجاحا اضطر الاحتلال أن يتدخل أكثر من مرة إما لاستمالة هؤلاء المشوشين، أو مضايقتهم، أو تعذيبهم أو حتى قتلهم ( للاستزادة، اقرأ موضوع تفريغ الأمة من حماتها)، و يصاحب ذلك بدعم الإعلام المناوئ للمحتل وتصوراته بالمال والقوة العاملة حتى يضمن تفوق منابر نشر الأيديولوجيا المفيدة له، وبمجرد نجاحه يوسع من مجال وصوله للناس فيؤسس فروعا له في القرى و الضواحي و الأماكن شبه المنعزلة حتى يضمن انتشارا أكبر لأفكاره عبر تنظيم فعاليات مختلفة والاعتماد على الأنشطة ذات المظهر السلمي كاستغلال الجمعيات السلمية، وبالتالي يضع الشعوب على مسار يؤدي بهم إلى تغيير عقيدتهم لضمان تمتعهم بما يعدهم به الإعلام العميل.
إلى ماذا نحتاج إذن؟
بعد التوكل على الله ووضع خطة واضحة تأخذ في عين الاعتبار واقعنا المعاش، إمكانياتنا القليلة، وطبيعة أنظمتنا الحاكمة، تكون الخطوة التالية هي أن نفهم أننا نحتاج أن ننشئ جسدا إعلاميا واضح العقيدة، متعدد الأذرع، قوي الرسالة والمادة المقدمة للمتابعين، أنيق المظهر لا يتقوقع ضمن مجال الفقه في أمور الدين فقط أو تلميع صورة الإسلاميين دون غيرهم؛ ما نحتاجه هو إعلام ينفع الإسلام و ليس الإسلاميين لوحدهم، ما يجب العمل على إنتاجه هو إعلام يحمل هم النهوض بالأمة بأيد أبنائها وليس مجرد وسيلة لتأثيث الساحة الإعلامية ومحاولة منح أمل زائف لكل متابع ومهتم.
إن ما على إعلامنا أن يكون عليه هو أداة تعكس أيديولوجية الإسلام وتسمح للفرد أن يكبر متأثرا بها، ينمو لا يعرف «سبونج بوب» وإنما يعرف «خالد بن الوليد»، إعلام لا يحركه هدف الربح المادي؛ يجعله يناقش تفاهات العالم بغية جلب المشاهدات العديدة التي تمكنه من تحقيق دخل يكفيه تأدية أجور العاملين فيه، بل ما يوجهه هو الرغبة في تحقيق الحق وتوجيه الأمة لبلوغه. نحتاج إعلامًا يستخدم المصطلحات الشرعية لتسمية الأمور ولا يستعيض عنها بمصطلحات الغاية منها تمييع المجتمع تحت مسمى تقديم «بدائل إسلامية»، بل ينتج مواده حسب حاجة الأمة وبغرض بنائها على كافة المستويات يتقدمها وعي أفرادها الذين لابد وأن ينضووا أيضا تحت رايته فيصنعوا مواده ويقدموها عوض أن يكونوا هم مادته اليومية بين مقتول ومتهم.
كيف لنا أن نصنعه؟
لن أكذب مشيرا إلى أن الأمر سهل وأنه يحتاج إلى قدر معين من المال فقط، فالمطلوب صعب جدا إن نحن فكرنا فيه على أنه مؤسسة إعلامية كبيرة تصف الأمور كما هي دون أن تجد من يحاسبها، لكن الصعوبة قد تَقِلُّ إن نحن ركزنا جهودنا على شيء أبسط لكن ذا فعالية مقاربة في التأثير ألا وهو استغلال الأنترنت نفسه لبناء شبكات لنقل الأخبار ونشر الوعي الضروري بأقل التكاليف الممكنة وأسرع الطرق الموجودة.
وربما أن المثال الذي سأقدمه تاليًا لن يعجب الكثيرين لكنه أثبت قوته قبل أن تتم مواجهته بالقوة المادية التي وجدت لها مستندا لدى مجتمعاتنا وطرحي هنا عن إعلام الدولة الإسلامية –داعش– والذي تمكن من إعداد شبكات منتشرة حول العالم تقوم بنقل الخبر فور حدوثه بجودة بل ومصداقية دفعت بالقنوات العالمية للاعتماد عليها (تعتمد مؤسسات إعلامية كالسي إن إن، سكاي نيوز، الجزيرة وغيرها على وكالة أعماق لنقل أخبار المعارك مثلا) بل والاعتماد كذلك على الأفراد الذين ينقلون هذه الأخبار وينشرونها لمتابعيهم الذين ينشرونها بدورهم لغيرهم. وما أن يحدث أمر في العراق حتى يعلم به متابع في أمريكا بعد لحظات قليلة.
والأمر لا يتوقف هنا، بل إن الفيديوهات التي تنتجها سواء المؤسسات التابعة للدولة الإسلامية –داعش– أو أنامل الداعمين لها، ما تزال تجد لها انتشارا سريعا يسهل إشراك من يسكن في قارة مغايرة في الحدث، فمثل هذه التجربة وإن اختلفنا حول غايتها إلا أننا لا نملك إلا أن نسلم بقوتها وإمكانية القيام بها لعدم تعويلها على سلطة مركزية يكفي ضربها للتخلص من أذرعها.
في الإمكان بناء نواة وظيفتها الإعداد والتدريب، ثم تقديم مفهوم *المسلم الصحفي* كوسيلة لنقل الأخبار، وتوظيف المكتسبات المختلفة لإنتاج أعمال مكتوبة، سمعية أو مرئية تكون غايتها الأولى تكوين وعي إسلامي صحيح، فإنشاء هذا الوعي هو ما سيسمح لشباب أمتنا أن يعوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم والعمل المنتظر من طرفهم، فيصيروا هم أذرع المشروع على أرض الواقع بين كاتب، ناصح، منتج أو ناقل للأخبار، يصبح للأمة إعلام تصنعه أيدي أبنائها ليحرك جثتها لعل ذلك يفضي لاستيقاظها.
خاتمة
ما علينا أن نفهمه هو أن الحرب الحديثة هي حرب أيديولوجيات أساسا، وسلاح هذه الحرب الأخطر هو الإعلام، ونحن في حاجة إلى صنع سلاحنا الخاص إن أردنا أن نواجه العدو،