جوهر دوداييف.. جوهر الأمة الإسلامية والفكرة التي لا تموت
لم يخلق الله -عز وجل- أحدًا عبثًا؛ حيث يقول سبحانه في كتابه العزيز: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ). خلق الله -عز وجل- عباده لأسباب كثيرة أهمها ترك أثر جميل وطيب في نفوس الآخرين، وأن يكون للشخص دور فعال في الحياة. وهذا ما قام به القائد “جوهر دوداييف” الذي استطاع المساعدة في تحرير بلده من الاحتلال.
من هو جوهر دوداييف؟
جوهر دوداييف هو قائد الشيشان، والذي حارب من أجل تحرير بلاده وشعبه واستعادة أرضه من الروس، وعلى الرغم من مرور سنوات كثيرة تتخطى عشرين عامًا، لا يزال بطلًا من أبطال الشيشان الذي يساعد الجنود ويحفزهم ويضيء دروبهم. وأطلق على جوهر دوداييف العديد من الألقاب أهمها “جوهر الأمة الإسلامية والشيشانية”، مُذكرين بذلك أن البطل والقائد لا يموت؛ وإنما يقتل أو يغتال غدرًا من قبل الظالمين والمحتلين كما هو الحال مع دوداييف.
نشأة جوهر دوداييف
ولد البطل والقائد “جوهر دوداييف” في قرية يالخوري بدولة الشيشان يوم 15 فبراير عام 1944، وانتقل دوداييف مع أهله الذين هاجروا بعد ولادته مباشرةً، ونشأ وترعرع في دولة كازاخستان. وفي عام 1957 ميلاديًا عندما بلغ دوداييف 13 عام من العمر عاد إلى موطنه وأرضه “الشيشان”، وأكمل دراسته حتى تخرج من المدرسة ثم درس في جامعة الطيران العسكري، وحصل دوداييف على العديد من الأوسمة والألقاب.
وكان ناجحًا وأثبت جدارته في التعليم، جدير بالذكر أنه كان أول مسلم يحصل على العديد من الأوسمة والمناصب المهمة؛ مثل “قائد القوات العسكرية السوفيتية الجوية”. وكان يضرب به المثل في الأمانة والصدق، فلم يكن يستغل منصبه من أجل مصالح شخصية؛ بل على العكس تمامًا، كان دوداييف يختار الطريق الحق الحر الذي يبتعد كل البعد عن النفاق السياسي والأمور الخاطئة المتعارف عليها في المناصب السياسية.
حياة جوهر دوداييف
تخرج جوهر دوداييف من الكلية العسكرية للطيران عام 1962، ثم تخرج عام 1966 من كلية الطيران وإعداد الطيارين والمهندسين الجويين. أما في عام 1974 ميلاديًا حصل على درجة عليا وهي “مساعد طيار ومهندس”، وجدير بالذكر أن دوداييف حصل على 12 وسامًا من قبل الحكومة الروسية، وكانت هذه الأوسمة عبارة عن وسام شرف، ووسام تقدير، وغيرها من الأوسمة، ثم حصل على رتبة فريق.
الحياة السياسية والعسكرية لجوهر دوداييف
كان جوهر دوداييف أول مسلم يتم تعيينه لقيادة القوات العسكرية السوفيتية، وكان أول رئيس لجمهورية الشيشان، وقام جوهر بالانضمام إلى الحزب السوفيتي الشيوعي في عام 1968 ميلاديًا، وظل جوهر في هذا الحزب حتى عام 1991، وفي عام 1990 استقال دوداييف من الجيش بعد حصوله على رتبة جنرال بالجيش السوفيتي، وأثناء خدمته في الجيش قدم جوهر العديد من الإنجازات.
حيث عمل مساعد قائد لسرب القاذفات الثقيلة في روسيا، ثم بعد ذلك عمل كقائد لسرب القاذفات الروسية، وبعد ذلك تم تعيينه مساعد قائد لهيئة الأركان، وبعد ذلك تم تعيينه قائد لها حتى عام 1979، ومن عام 1979 إلى 1980 حصل على رتبة قائد فيصل، ومن عام 1980 إلى عام 1982 تم تعيينه قائد فوج، وأخيرًا تم تعيينه رئيس هيئة الأركان ثم قائد فرقة.
بداية الخلاف بين روسيا وجوهر دوداييف
كان جوهر قائدًا عظيمًا في ذلك الوقت؛ حيث كان يمتلك قوة عسكرية كبيرة، لذا طلبت روسيا منه أن يقوم بالتصدي لبلاد البلطيق والتي كانت مكونة من “إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا”؛ حيث كانت تشن هذه البلاد حملات استقلال ضد روسيا.
وعلى الرغم من قوة دوداييف وجيشه في ذلك الوقت إلا أنه رفض طلب روسيا، ثم قال:
لن أحارب شعبًا يناضل حتى يحصل على الاستقلال، فالعبد الذي لا يقاوم ويتصدى من أجل التحرر يستحق العبودية بشكل مضاعف.
لتعلن روسيا الحرب عليه وتقوم بنفيه إلى “غروزني”، وفي هذا الوقت تقدم جوهر دوداييف بطلب استقالته.
جوهر دوداييف رئيسًا لجمهورية الشيشان
بعد استقالة دوداييف عام 1990 من منصبه؛ تمت دعوته لحضور اجتماع لمجلس الشورى الشيشاني، وأجمع أعضاء المجلس على تولي دوداييف رئاسته، ليتحول اسم المجلس من “مجلس الشورى” إلى “مجلس الكونجرس الشيشاني القومي”.
وقد تصدى دوداييف للعديد من الحركات القومية التي كانت تريد إسقاط جمهورية الشيشان وانغوشيا. وفي يوم 27 أكتوبر عام 1991 ترشح دوداييف للانتخابات الرئاسية، وحصل على أصوات بنسبة 85%، ليصبح بعدها رئيس جمهورية الشيشان، وقاد دوداييف الشعب الشيشاني وتصدى لهجمات وغزو روسيا حتى تم اغتياله.
المعارك بين روسيا والشيشان
في شهر مايو عام 1990 كانت بداية معركة جديدة بين روسيا وجمهورية الشيشان. وفي ذلك الوقت قرر الطيار والجنرال السوفيتي دوداييف العودة إلى بلاده ومسقط رأسه الشيشان والوقوف بجانب شعبه للتصدي إلى الاحتلال الروسي والسير نحو الحرية والاستقلال. فقام دوداييف بتولي رئاسة المجلس القومي، وجمع تنظيمًا مسلحًا -أو كما يطلق عليه “جماعة الميليشيا”- من شعب الشيشان، وقاموا بالهجوم على مقر الحزب الشيوعي، ثم قاموا بحصار مبنى التلفزيون. وأعلن دوداييف أن جمهورية الشيشان مستقلة ذات سيادة.
قام “بوريس يلتسين” الرئيس الجديد لروسيا في ذلك الوقت بإرسال قوات إلى غروزني لمحاصرتها وضمها إلى روسيا لتصبح منطقة روسية، ولكن تصدى لهم التنظيم المسلح بقيادة دوداييف وأمرهم بالرجوع والاستسلام. ونظرًا لوضع روسيا في ذلك الوقت اضطرت إلى الانسحاب بهدوء، وحصلت جمهورية الشيشان على الهدوء النسبي بين عام 1992 إلى عام 1994، وكان الوضع في روسيا معاكسًا تمامًا، فكانت تخطط للسيطرة على الشيشان مرة أخرى.
محاولة اغتيال الروس للرئيس جوهر دوداييف
في عام 1994 قامت روسيا بإرسال جماعات من الميليشيا إلى الأراضي الشيشانية، ودخلوا إلى الشيشان بأوراق مزيفة. واستطاعت روسيا تكوين جيش قوي شيئًا فشيئًا. ثم قام الروس بإدخال المدرعات والدبابات والطائرات العسكرية في أوسيتيا، وبدأ هجوم كبير وقوي من الميليشيات الشيشانية بمساعدة خبراء من روسيا على مقر جوهر دوداييف في يوم 26 نوفمبر. ولكن نجحت القوات في صد الهجوم والدفاع عن دوداييف وقتل 350 من الأعداء. وجدير بالذكر أن القوات الشيشانية التي صدت الهجوم كانت بقيادة “شامل باساييف”.
وبعد هزيمة الروس أنكروا علاقتهم بالانقلاب الذي حدث في الشيشان وأكدوا إخلاء مسؤوليتهم، ولكن قام دوداييف بإظهار الأسرى على شاشات التلفاز ومعهم الأوراق المزيفة التي دخلوا بها إلى الشيشان، وقام بإرسال تهديد إلى روسيا إن لم تعترف بأنهم روس سيقوم بإعدامهم، كما طالب موسكو بالاعتذار بشكل رسمي عن تمويلها للانقلاب العسكري الذي حدث في الشيشان.
تهديد روسيا لجوهر دوداييف
أمر رئيس روسيا “يلتسين” من جوهر دوداييف إطلاق سراح الأسرى الروس، بالإضافة إلى فض جماعات الميليشيا في خلال أسبوعين، وقام بتهديده بشكل واضح وصريح، ولكن رفض دوداييف بالطبع. وفي يوم 29 نوفمبر أصدر يلتسين أمرًا للقوات العسكرية الروسية للسيطرة على جمهورية الشيشان، وفي يوم 1 ديسمبر بدأت القوات الروسية في قصف العديد من الأماكن في الشيشان، وأعلن وزير الدفاع “بافيل جاتشيف” أن هذه المرة لا مفر للقوات الشيشانية وأنها ستكون نهاية دوداييف وسيتم الإطاحة به خلال أيام فقط.
وفي ذلك الوقت كان الوضع في روسيا غير جيد ومذبذبًا؛ حيث قدم الكثير من كبار الضباط استقالاتهم لرفضهم التدخل في أمور الشيشان، وعلى مدار 30 يوم لم تتمكن القوات الروسية التقدم، وفشلت فشلًا ذريعًا في السيطرة على الشيشان. وفي 31 ديسمبر قامت روسيا بقصف العديد من المدن وهدم المنازل وقتل الآلاف، واضطر جوهر دوداييف في ذلك الوقت إخلاء مبنى الرئاسة والاختباء في مخازن الصواريخ، وسيطرت روسيا على الشيشان إلى أن قام “شامل باسييف” باحتجاز رهائن من الروس في المستشفى لتعلن القوات الروسية انسحابها من الشيشان.
اغتيال جوهر دوداييف
تم اغتيال دوداييف من قبل القوات الروسية، حيث أطلقت عليه مقاتلة روسية صاروخًا أثناء تحدثه عبر الهاتف. وقد قامت روسيا بالوصول إليه عن طريق القمر الصناعي واستطاعت تحديد مكانه وقصفه، ليقع دوداييف قتيل على يد القوات الروسية يوم 21 أبريل عام 1996، وتوفي في قرية حيخي جنوب الشيشان.
المصادر
- “جوهر دوداييف” فكرة.. والفكرة لا تموت، موقع الجزيرة، هيا توركو.
- قصة جوهر دوداييف: الدرس الشيشاني في حرب العصابات، موقع إضاءات، سامح رفعت.
- جوهر دوداييفن ويكيبيديا.