الهيمنة الفكرية على الأمة الإسلامية-الجزء الثاني

 بعد أن تحدثنا في الجزء الأول من “الهيمنة الفكرية على الأمة الإسلامية” عن الغزو الفكري للشعوب الإسلامية والعربية؛ ذهبنا للحديث حول طرق الهيمنة الفكرية على الأمة الإسلامية، وذكرنا منها “الاستشراق” نتابع معًا الآن باقي تلك الطرق.

محاربتهم للفكرة الإسلامية:

إن أكثر ما كان يغيظ الغرب ويحول بينه وبين سيطرته على الأمة الإسلامية هو تمسك الأمة الإسلامية بفكرتها التي تقضي أنّ الإسلام فكرة وطريقة، بمعنى أنه: دين منه الدولة، دين فيه نظام يعالج جميع شؤون الحياة بأحكام مستمدة من القرآن والسنة وفيه كيفية لتنفيذ الأحكام، لذا لم يجد الغرب طريقًا للوصول إلى هدفه إلا عبر محاربة الفكرة الإسلامية وتمزيق الأمة، فبدأ بتشويه فكرة الدولة الإسلامية، ويشيع أن الإسلام لا علاقة له بالسياسة، وأن النظام الذي يُحكم به الناس يمكن أخذه من أنظمة الدول الأخرى.

وعلى الجانب الآخر بدأ ببث القوميات والعرقيات، فبدأ المستشرقون يحدثون الأقليات بضرورة أن يحكمهم شخصٌ من عرقهم أو من قوميتهم نفسها! فحرّكوا العرب الموجودين في بلاد الحجاز، والمسيحين الموجودين في لبنان وفلسطين وسوريا، وهنا قام الذين ربّاهم ورعاهم الغرب بوظيفتهم فقاموا بطعن الإسلام في ظهره، وتمزقت الأمة، وكان هذا مساهمة كبيرةً في سقوط آخر دولة للأمة الإسلامية بعد أن تطوع غصنٌ أن يكون عصا للفأس التي قطعت جذع الشجرة التي سقته وأنبتته.

الخلافة العثمانية

وتنفس عندها الغرب تنفس الصعداء فقد كانت دولة الخلافة سدًا منيعًا أمام الغرب تمنعه من الوصول إلى فكر الأمة وعقيدتها وتحافظ على ولاء الأمة للإسلام، وبسقوط دولة الخلافة أصبحت ديار الإسلام مستباحة من قِبل الغرب، يُعمل فيها مبضع التقسيم والإفساد الفكري الذي قدمه للأمة على أنه من التقدم تارةً، ومن الحداثة والتحرر تارةً أخرى، وهكذا أصبحت الأمة الإسلامية تحت الهيمنة الغربية، ونصّب عليها الغرب نواطير على الأجزاء التي قامت بتقسيمها فكانوا حرّاسًا يحافظون على الوديعة التي تركها الغرب بين أيديهم وكانوا أمناء عليها ورعوها حق رعايتها.

الهيمنة على الإعلام:

في البداية لا بد لنا من معرفة ما هو الإعلام حتى نصل إلى حقيقته ومدى تأثيره، إنّ الإعلام هو: الإخبار، فيقال: أعلَمَ لغةً يعني أخْبَر، ويُعلِم: يُخبِر. ولكن الإخبار هنا عن الحدث يكون في وقت مقصود وأسلوب معين وهدف خفي، لا مجرد نقل لخبر مجرد كما حدث دون إبداء رأي، لذلك نقول ” وسائل الإعلام ” لا ” وسائل الأخبار “.

Media-as-warmongers الهيمنة على العقول

لذلك كان دور الإعلام من أخطر الأدوار التي تلعبها الدول وحكامها في سبيل الترويج لسياستها وأفكارها لإقناع الرأي العام بها وتمرير مشاريعها وبواسطة الإعلام يتم التلاعب بالعقول وجعل الأبيض أسْودَ و الأسود أبيضَ، وبالإعلام يُعيّش الناس على الآمال و الأوهام والخداع، و بالإعلام تنشر الأفكار السامة و المفاهيم المغلوطة، فالإعلام يكاد يشكل نصف المعركة في حال تم إتقان استعماله.

ولقد برع الغرب في استعماله في سبيل بسط هيمنته على المسلمين، فسخر الإعلام القائم في دول المسلمين لهدفه فنحن نرى أن الإعلام القائم في العالم الإسلامي هو إحدى المصائب التي يعيشها المسلمون، فهو إعلام تابع للغرب كليًا وهو إعلام يوقظ العنصرية من مرقدها، ويشيع الانقسام والتمزق بين المسلمين، ويتجاهل قضايا الأمة المصيرية، ويركز على الأمور التافهة، فهو أداة فعالة في يد الغرب لكي يبقى مهيمناً على كل مفاصل الحياة التي يعيشها المسلمون.

ما هي وسائل الإعلام التي يستخدمها الغرب للهيمنة على الأمة الإسلامية؟

إن الوسائل التي يستخدمها الغرب كثيرة، ولكن كان من أبزرها الصحف والمجلات (المقروءة) والراديو والتلفاز (المسموعة والمرئية).

1-الصحف والمجلات:

تكلمنا سابقًا عن (الاستشراق) وقلنا: إن الغرب أسس جامعات في مصر ولبنان وسوريا، وفي عام1866م قام باستدعاء خريجي هذه المدارس والجامعات لتأسيس صحف ومجلات في مصر وبالتحديد في مدينتي الإسكندرية والقاهرة، حتى أنّه تم تأسيس اثنتي عشرة صحيفة في عام 1898م، ثم تلاحقت الصحف والمجلات الأخرى، والمدقق في هذه المجلات والصحف التي صدرت يرى أن نسبة 97 % منها تقريبًا أسسها نصارى أما ما تبقى منها فكان مؤسسوها دعاة الحضارة الغربية أو المتأثرين بها، فقد كانت الصحف والمجلات مصرية الإصدار، ونصرانية الإشراف، وغربية التخطيط، أذكر هنا بعض الصحف والمجلات المشهورة مع اسم المؤسس ومكان الصدور على سبيل المثال لا الحصر:

  • الأهرام

الأخوان بشارة تقلا وسليم تقلا، وتعاقب على رئاستها ثلاثة عشر رئيسًا للتحرير بينهم خمسة نصارى، الإسكندرية، 1875م.

  • مرآة الشرق

خليل يازجي وأمين ناصيف، القاهرة، 1844 م.

  • الهلال

جرجي زيدان، القاهرة، 1892 م.

  • العائلة

لليهودية استير مويال، القاهرة 1899 م.

  • تحرير سوريا

جورج عساف، القاهرة 1901 م، ويقصد تحرير سوريا من الخلافة العثمانية.

  • وغيرها

كالمجلة الماسونية ومجلة السيدات والبنات لروز انطون، ومجلة فرعون لحبيب جاماتي، ومجلة مرشد الأطفال لانجلينا أبو شعر، مجلة الرابطة لمتخرجي الكلية العلمانية.

وقد كانت المجلات والصحف هي الوسيلة الثقافية السائدة في ذلك الوقت، فاعتمد الغرب عليها كي يبث أفكاره وسمومه منها ثم جاء دور الإعلام المسموع والمرئي.

2-الراديو والتلفاز:

من المعروف أنّ المستعمرين هم من استحدث وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، وقد أسسوا هذا البنيان على شاكلتهم وحصنوه بحرّاس لفكر الغرب وحُماة لمصالحه من أبناء المسلمين، وبصورة أوضح فإن إنكلترا وفرنسا وإيطاليا حينما استعمروا البلاد الإسلامية، وضعوا الخطط طويلة الأمد لربط المسلمين فكريًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا لضمان استمرار الهيمنة عليهم حتى تصبح هذه البلدان مستعمرات وجزرًا نائية عن الغرب ولكنها بالوقت نفسه جزءٌ منه.

الإعلام

وبقي الارتباط المباشر في بعض البلدان قائمًا مثل إنكلترا وبعض دول الكومنولث، وأوهمت الرأي العام أنها أعطتهم الاستقلال، ولكن الاستقلال في الحقيقة لم يحصل إلى الآن، فدولنا هي مستعمرة من قِبل الغرب، وإن كانت جيوش أمريكا وإنكلترا وفرنسا قد رحلت من بلادنا، فإنها أبقت وراءها جيوشًا من المضبوعين بالثقافة الغربية من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وأبقت البنية الأساسية التي بنتها، وأبقت رجالاتها وعرّابيها في السلطة من قمة الهرم إلى قاعدته؛ لأنه من المستحيل أن تسلم الأمانة لأناس يحملون لها العِداء.

3-وكالات الأنباء الكبرى:

لم يُبقِ الاستعمار للمسلمين دورًا في بناء إعلامهم! بل استمر دوره في كونه المصدّر للبرامج والأخبار التي تُذاع وتنشر، فـــــ 80 % مما تنشره وسائل إعلامنا في الوطن العربي والقارة الإفريقية منقول من وكلات الأنباء الكبرى التي يسيطر عليها الغرب[1]، بالإضافة إلى آلاف الصحف والكتب ومجلات الأطفال التي توزع في بلادنا، وبعقليات وأفكار ومفاهيم دخيلة تحت عناوين مختلفة، حيث يعمل الإعلام على تكريس التجزئة في الأمة والتعرض للأخبار والوقائع ذات الأهمية المحدودة على أنها قضايا مصيرية ، وتضخيم بعض القضايا وإثارة المخاوف حيالها وهي في الحقيقة تأخذ دائرة ضيقة غير مؤثرة، وذلك لأنه احتكر إذاعة الأخبار العالمية في وكالات أنباء الدول الكبرى فقط، وهذا يوضح مدى هيمنة الدول الغربية على ما يذاع في العالم.

tv-media-octopus

4-الشركات العالمية التي تحتكر الأخبار:

إذاعة الخبر العالمي ونقله تحتكره شركات عالمية كبرى منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • رويترز:

تأسست في لندن ومؤسسها هو تومسون رويترز، ويبلغ عدد العاملين 55 ألف عامل متوزعين على نحو 100 دولة حول العالم، ويعتبر البعض أن المعلومات التي تقدمها رويترز عالية الموثوقية ويبني عليها العديد من متخذي القرارات في العالم قراراتهم.

  • أسوشيتد برس:

تأسست في نيويورك ومن أهم المؤسسين فيها غازي بي بروت، ويبلغ عدد الموظفين فيها 3400 موظف وتوزع الأخبار لـــ 155 صحيفة وتجمع الأخبار من 70 مكتب في أنحاء العالم وتقدم خدماتها إلى 300 مؤسسة إعلامية مثل: (CBS-CNN-NBC – ABC).

  • يونايتد برس:

تأسست في واشنطن، أسسها إدوارد ويليس اسكربس، لهذه الوكالة نحو 230 مكتبا خارج الولايات المتحدة، إضافة إلى 180 مكتبا داخل الولايات المتحدة.

  • فرانس برس:

تأسست في باريس، وهي أكبر وكالة أخبار فرنسية، يعمل فيها 1200 صحفي ومصور بالإضافة إلى المراسلين فضلاً عن المتطوعين وعددهم 2000 شخص منهم 1200 صحفي، وميزتها أن هناك 102 مراسل متمركزين في الدول الهامشية.

http://gty.im/72494964

وعليه فإن 80 % من الأنباء الموزعة يوميًا في العالم تتولى إنتاجها هذه الوكالات، وهذا يعني أنّ صياغة تلك الأخبار وتسليط الأضواء على أخبار معينة والتعتيم على غيرها هو عمل مقصود ومتّبع من تلك الوكالات المرتبطة بأجهزة المخابرات التابعة لتلك الدول، وإذا أضفنا لذلك أن وسائل الإعلام المنتشرة في بلدان العالم الإسلامي تنقل الخبر والدراسات والتقارير حرفيًا عن المصدر التابعة له الذي يلفق لها الأخبار، ندرك مدى التسمم الإعلامي الذي نتعرض له، علاوة على ذلك: وسائل الإعلام الموجودة في بلداننا تنقل الكثير من التقارير والدراسات والتحليلات التي تُعدها هذه الوكالات والمراكز للمسلمين، وغالبًا ما يتم نشر التقارير والدراسات كما هي بحذافيرها دون اهتمام بمدى صحة الأبحاث والإحصاءات التي تعتمد عليها.

    وفي النهاية نقول: إنّ هذه الهيمنة لم تكن لتجد طريقًا لجسم الأمة وتفتك به لولا قلة المناعة وضعف الجسم، لذا كان لزاماً على العاملين من أجل استئناف الحياة الإسلامية أن يعملوا على مكافحة هذا المرض والعمل مع الأمة للتخلص منه وتقوية مناعة الأمة، وذلك عن طريق كشف خطط الغرب وأساليبه في الهيمنة على الأمة وفضح عملائه الذين جعلهم رموزًا للأمة، والعمل على نشر الفكر النقي الصافي الذي ينهض بالأمة من كبوتها ويُعيد لها مكانتها؛ فتكون الأمة التي تحمل الإسلام للأمم الأخرى.

إعداد: أحمد هلال أبو إياس

المصادر

  • الدكتور رفيق سكري. مدخل في الرأي العام والإعلام والدعاية – جروس برس، طرابلس الشام، 1984.ص111.

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى