درجْتُ على التعليم المنزلي لثماني سنوات: إليكم ما أنصح به
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: I was homeschooled for eight years: here’s what I recommend لكاتبته: Mordechai Levy-Eichel في موقع: aeon.co. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
كاتب المقال هو مردخاي ليفي ايشيل؛ أستاذ محاضر في العلوم السياسية بجامعة ييل بالولايات المتحدة.
في زمنٍ تفشّت فيه الفتن كقطع الليل المظلم، خشي العديد من الآباء على دين أبنائهم من المدارس والثانويات؛ التي لا تعطي من العلم إلا بقدر ما تسلب من الدين في حالات كثيرة. وفكّروا في تغيير النهج التعلُّمي لأبنائهم، وبحثوا في التعلّم المنزلي. فهذا مقالٌ يوجِّه ويؤصّل ويرسم خارطة الطريق لمن يفكر جدّيًا في اتخاذ هذا النهج.
لقد تلقّيتُ تعليمًا منزليًّا لمدة ثماني سنوات، من سن الحادية عشر حتى وصلتُ إلى الجامعة، قبل أن يصبح التعليم المنزلي نهجًا جديدًا لأولياء الأمور لإظهار التزامهم بتعليم أطفالهم وحرصهم الشديد على مراجعة مناهج التلقّي وسُبُل التعليم.
اليوم، مادام الواقع قد فرض على الملايين من الآباء والأُسر البدء في تعليم أطفالهم بالمنزل خلال الأسابيع المقبلة (ولنكن صادقين.. قد يطول الأمر أكثر، فالقضية كلها رهْنٌ بالوباء)، فإن الأمر يستحق التفكير في كيفية القيام بذلك بطريقة سلسلة وصحية وناجحة، وحكيمةٍ قدر الإمكان.
التعليم المنزلي يختلف تمامًا عن التعلم في المدرسة؛ إنه يتطلب منا إعادة توجيهٍ شاملة لتفكيرنا حول التعلم بشكل عام، وتغييرٍ لِكيفية تعاملنا مع عملية “التعليم” مع أطفالنا، وربما حتى مع أنفسنا. تاريخيًا، كان التعليم مهمة الآباء، لكن اليوم، السؤال عن كيفية قضاء الأطفال لوقتهم، وتعلمهم، ونموهم؛ هو السؤال الذي يجب أن يوليه المجتمع ككل مزيدًا من الاهتمام الموضوعي، بدلًا من تركه للخبراء ومناقشاتهم غير المنتهية حول المدارس والمدارس المستقلة والنقابات والزي الرسمي… إلخ.
إن التعليم المنزلي هو أمر تقليدي، جذري، تمكيني، محبطٌ، وكاشف.. والأهم أنه قد لا يكون أيًّا مما سبق؛ هذا لأنه بطبيعته يعتمد بشكلٍ كبير على الأفراد المعنيين (الأم والأب والابن). بالنسبة لي، قضاء فترات طويلة جدًا من الوقت مع والديّ كان الجزء الأكثر صعوبةً، وكان في نفس الوقت الجزء الأكثر إيجابية في التعليم المنزلي.
إيجاد الدوافع للتغلب على النكسات كان صعبًا، ولكن تصفّح أي فكرةٍ أو موضوعٍ أثار فضولي كان الأمر الأكثر متعة وفائدة. لهذا السبب ولأسباب أخرى، حاول ألا تجعل معدل ما يقرأه ولدك من كتب وما حفظه منها قضيّةً للتنافس مع أصدقائك والتباهي أمامهم، فهو ضارٌّ من الناحية الأخلاقية والفكرية؛ فهو يُلقِّن الطفل مفاهيم خاطئة حول فضائل طلب العلم وابتغاء المعارف.
هناك أربع نقاطٍ أساسية يجب أن يعلمَها كل عازم على تجربة التعليم المنزلي؛ أولًا، سيتطلب الأمر وقتًا حتى تعثر على الإيقاع الصحيح. قد يبدو هذا أمرًا بيِّنًا، لكن البرنامج الأول الذي يكون عادة مُفرطًا في الطموح، والثاني الذي يكون في العادة مُختَزَلًا، وربما حتى الثالث الذي ستجربه، من غير المرجح أن يكون سلِسًا كما تريده. وستدرك ذلك بعد كل الإحباطات والفشل والمضايقات التي ستُواجهها أنت وأطفالك.
في الغالب، سوف تعرف ما يصلح عندما تكتشف ما لا يصلح، ثم التكيف. لأننا جميعًا بشر، فإن التغيير صعب دائمًا تقريبًا. لا تقم ببساطة بفرض برنامجك المثالي على أطفالك، ثم تشعر بالإحباط عندما لا يستطيعون الالتزام به. لقد وجدتُ الرياضيات صعبة، لذا تجنّبتُها لأشهر، بعد ذلك، من أجل كسر الجليد والمباشرة في تعلمها، ما قمت بفعله هو أن جعلتُها أول شيءٍ أدرسه كل صباح، وتدريجيًّا، قلّ تخوفي منها، وتقدّم فهمي لها شيئًا فشيئًا.
بالفعل، قضيت الكثير من الوقت في تعلم علم المثلثات، فالأمر لن يستغرق وقتًا فحسب، بل لن يستغرق وقتًا طويلًا فحسب، بل سيستغرق العديد من الإخفاقات لمعرفة كيفية ترتيب كل شيء بشكلٍ مُرضٍ. توقع أن ترتكب أخطاء، وأن تعيد ترتيب أولوياتك مرة بعد مرة.
ثانيًا، تحدث مع أطفالك حول ما يرغبون في تعلمه وما الذي يناسبهم (نعم، يريدون المزيد من التلفزيون؛ لكن لا، ليس هذا ما أعنيه). العديد من الأنظمة التعليمية جذبت لنفسها سمعة سيئة بسبب ضعفها في جذب اهتمام الطلاب وإشراكهم وتحفيزهم. غالبًا ما يكره الطلاب المدرسة، فكم منهم يختار الكتب التي يقرؤونها، أو المجال الذي يودون تعلّمه؟ اسأل أطفالك عما يثير اهتمامهم، وتأكد من تكرار ذلك مع مرور الوقت؛ لأن إجاباتهم ستتغير كلما تعلموا أكثر.
في الرياضيات، امنحهم إحساسًا بالأفكار والبراهين التي تستند إليها الرياضيات الحديثة فعليًا، ويوجد العديد من الكتب الحديثة في هذا الباب، فنذكر على سبيل المثال: “الحب والرياضيات” لكاتبه “إدوارد فرنكل”، و”رفيق عاشق الرياضيات” لكاتبه “إدوارد شاينرمان”.
وفي الأدب، اقرأ معهم بعض القصص القصيرة الكلاسيكية، وأظهر لهم مدى تأثّرك بالأدب الذي تأمل أن يتعلّموه، وإذا وجدتَ أنك غيرُ مُعجَبٍ بقصة اخترتها لسبب أخلاقيٍّ أو مشاهدَ غير مناسبة، فأظهِرْهم على هذا السبب واشرحه لهم.
ثالثًا، ربما يكون أصعب جانبٍ في التعليم المنزلي هو العلاقة بين الوالدين والطالب، والصعوبات التي لا حصر لها والتي تنتج حسب نوع العلاقة. بالطبع، سوف تجد التعليم المنزلي صعبًا، فأنت تحاول تجسيده جنبًا إلى جنبٍ مع عملك اليومي! من المحتمل أن تكون ثقافة “إدمان العمل” الغربية هي المسؤولة عن ذلك، والمسؤولة عن الفصل بين دور الوالدين ودور المعلم.
فإن التعامل مع التعليم في المدارس اليوم يتم في الغالب على أنه اكتسابٌ للحقائق والتقنيات، هذه هي المدرسة، ومع ذلك، فإن الحقائق والتقنيات المجردة ليست هي ما تشكل بعمق ماهية الإنسان وشخصيته أثناء كونِه طالبًا، ولا في وقتٍ لاحق أثناء حياته المهنية، فإلى جانب تعلم القراءة والكتابة والحساب، يأتي التعلم الحقيقي، والأبلَغُ تأثيرًا، والحاسم بشكلٍ أعمق؛ وهو تعلم الأطفال من قدواتهم، آبائهم ومن حولهم ممن يكبرونهم سِنًّا.
ما الكتب والمجلات التي تتركها موزعةً في البيت؟ ما الموضوعات والأفكار التي تناقشها مع أصدقائك عندما تلتقي بهم؟ كيف تتعامل مع الناس من حولك؟ وفيمَ تتعامل معهم؟ يتعلم الأطفال بشكلٍ أساسي عن طريق المُحاكاة، إنهم يُحاكون من يكبرهم سِنًّا، والأمثلة التي تقدمها كل يوم وإن كانت صغيرة؛ الكتب التي تضعها على الطاولة، المواقع الإلكترونية التي تزورها، المواضيع التي تتحدث فيها وتتناقش فيها مع أصدقائك وزوجتك، سواء كنت محاميًا، أو طبيب أسنان، أو ممرضة، أو سائق حافلة، تُعطي دروسًا أكثر من معظم الفصول الدراسية.
يعتمد تعليم أطفالك على الكتاب الذي اخترته لهم بدرجةٍ أقلّ من اعتماده على الموضوع الذي تتحدث فيه على العشاء. في منزلي، على سبيل المثال، كان الراديو يعمل معظم الوقت، ويتم ضبطه على كل شيء من إيمي جودمان إلى راش ليمبو، مع وجود الكثير من الإذاعة الوطنية العامة في المنتصف، لقد تعلمت الكثير حول السياسة وفهمتُ مُدخَلاتها ومُخرجاتها بهذه الطريقة أكثر مما قد كنت سأتعلّمه في فصل التربية المدنية لو أنا دخلتُ المدرسة الثانوية.
النقطة الرابعة والأخيرة، نظرًا لأنك ربما لا تزال تتساءل محتارًا عن الكتب المدرسية التي يجب أن تحصل عليها وأن تُبرمِج مُدارستَها لأطفالك، يمكنني أن أؤكد لك أنه أيًّا كان الكتاب الذي ستختاره لهم، يَنْدُر جدًّا أن يكون هو الكتاب المناسب، فعوِّدهم على التكيف معه إن أمكن، وتعوّد أنت على التكيف مع إمكانية تغيير المُقرّرات والكُتب في البرنامج الذي وضعته. بالنسبة لي، أول وُلوج للتاريخ كان عبر كتاب “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية” للمتمرد “هوارد زين”.
لقد فتح الكتاب عيني عن أعمال النهب الأمريكية وجرائمها، فلم أستطع تحمّل الكتاب، ولقد شجعني والدي -بغض النظر عن آرائه السياسية- على قراءة الآراء الأخرى. لكن ما أريد قوله هنا؛ هو أن الكتب التي تنحاز نحو وجهة نظرٍ ما، قد ترغب في مدارستِها مع أولادك إن كانت وجهة النظر هذه تتفق مع ما تؤمن به، لكن الكتب التي تحوي تحيّزًا حزبيًّا ما قد تكون صعبة جدًا في عملية التعلّم، وقد لا يستسيغها أطفالك، وبالتالي، الكتب الحيادية والتي تحوي على قدرٍ أقلّ من التحيّز والحماسة تجاه رأي مُعين، تكون في بعض الأحيان مفيدة وفعّالة بشكل عميق.
إن التعليم في جوهره هو عبارة عن تجربة مستمرة. يقول الحاخام “اللورد جوناثان ساكس” في مقدمته لكورن سيدور: أن “الصلاة لا تتعلق بالحصول على ما نريد بقدر ما تتعلق بتعلّم ما هو الذي نريده”. بالنسبة لأولئك الذين يعهدون بتعليم أطفالهم لجهاتٍ أخرى، عليهم اعتبار أن بضعة أسابيع أو أشهر من التعليم المنزلي هي فرصة لِتشجيع طلابنا على القيام بشيء جديد ومختلف وغير متوقع، لنتعلم ما يمكننا وما يجب أن نسعى إليه وما نريده لهم ولأنفسنا. إننا كمجتمع، أصبحنا بارعين بشكل استثنائي في اتهام كل ما هو مميز ومستقل وخارجٌ عن المألوف.
صحيحٌ أنه لا يتم قياس جودة ما حققه التعليم المنزلي لطفلك بالقياس، لكن التعليم المنزلي تجربة اجتماعية لا تقل أهمية عن لقاح الكوفيد. إن البقاء في المنزل لبضعة أسابيع أو أشهر، وإجبار الأولياء والأبناء على الدراسة في المنزل، هو أمر مخيف بالفعل، ولكنه في نفس الوقت فرصة هائلة لتنمية فضائل الاستقلال بالنفس، واستغنائِها عن المقررات الحكومية وعن التوقعات الاجتماعية، كما هو فرصة لتنمية التفكير النقدي الخالص والأصيل.
أعلمني بالمواضيع الجديدة بواسطة البريد الإلكتروني
احتاج لمزيد المصادر عن التعليم المنزلى وادواته..ومشكلاته
سلام عليكم ورحمه الله وبركاته جزاكم الله خيرا ارجو منكم القيام بتلخيص لكتاب شبهات حول الاسلام و مذاهب فكرية لمحمد قطب وشكرا