خريطة توازن النظام الدولي وكيفية فهم الصراعات – الجزء الأول
خلال ربع القرن المنصرم وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي برز نموذج جديد للنظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تمثل فيما سمي بنظام القطب الأوحد؛ أي تحكُّم الولايات المتحدة الأمريكية المنفرد بالنظام الدولي الذي يحكم العالم كله، ولفهم هذا الوضع لابد من معرفة الدوائر أو الطبقات التي يتشكل منها هذا النظام الدولي، و أن لكل منها حدودًا للصلاحية وللنطاق الجغرافي تم تحديدها بناءً على الفهم الضمني أو التوضيح المباشر، وهذا يتبع لحجم ونفوذ كل دولة.
أولًا: طبقة الحاكم أو القائد
وتتربع فيها أمريكا منفردة، وهي أشبه ما تكون بحاكم أو قائد للنظام الدولي، وتتمتع بنفوذ وصلاحيات كاملة في معظم الأوقات والأماكن.
ثانيًا: طبقة الشريك
حيث يمكن للدولة الموجودة في هذه الطبقة القيام بمناورات أو تحركات منفردة للحصول على مكاسب أو مصالح، ولكن بشرط هام وهو عدم الإخلال بتوازن القوى الإقليمي أو الدولي الذي تحكمه أمريكا، وعدم الإضرار بمصالح أمريكا الاستراتيجية، وقد يكون هذا الشريك على المستوى الدولي أو الإقليمي حسب قوته ومجال تأثيره الجغرافي، ومن الأمثلة على هذه الطبقة:
- إسرائيل: شريك إقليمي على مستوى المنطقة العربية أو ما يسمى بالشرق الأوسط.
- الصين: شريك إقليمي في جنوب وشرق آسيا.
- روسيا: ارتفعت مكانة روسيا في عهد بوتين بعد غياب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، فهي تحاول فرض نفسها كشريك دولي.
ثالثًا: طبقة الحليف
يحق للدول التي في هذه الطبقة المطالبة بحقوق ومكاسب ومصالح والحصول عليها، ولكن لا تستطيع القيام بالمناورات المنفردة أي من غير تنسيق مع الحاكم في سبيل الحصول على هذه المصالح أو المكاسب، ولذلك تكون معظم تحركاتها بالتنسيق المسبق مع الحاكم أي أمريكا، من الأمثلة على هذه الطبقة:
- المجموعة الأوربية: ألمانيا وفرنسا وانجلترا حلفاء إقليميون في منطقة أوربا وحوض البحر المتوسط.
- كندا: حليف إقليمي في أمريكا الشمالية.
- إيران: حليف إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الحليف هو حليف ضمني في كثير من ملفات المنطقة رغم التراشق الإعلامي والشعارات المرفوعة.
- الهند: حليف إقليمي في آسيا.
رابعاً: طبقة الأتباع
لا يحق للدول التي في هذه الطبقة المطالبة بالمكاسب أو المصالح ولكن تأخذ ما تسمح به أمريكا لها، وبالطبع فإنها تخضع في معظم شؤونها خصوصًا الشئون العليا للإدارة الأمريكية المباشرة أو غير المباشرة، ومثال على هذه الطبقة الدول العربية جميعًا، ومعظم الدول الأفريقية، ومعظم دول أمريكا الجنوبية، وقد توجد بعض الدول مثل الصين أو روسيا لها نفوذ قوي في بعض الدول الصغيرة من هذه الطبقة ولكنها تدور في الإطار العام ولا ترقى إلى مستوى ما تتمتع به الولايات المتحدة من قدرة على التأثير والإدارة.
ملاحظات على هذا النموذج
- هناك دولتان لم تخضعا لهذا النموذج وهما أفغانستان (في عهد طالبان)، وكوريا الشمالية؛ فمصير طالبان كان الحرب الشاملة أما كوريا الشمالية فلديها احتمال وهو الأكبر أن تندمج بالتدريج في النظام الدولي، والاحتمال الآخر هو الحرب الشاملة ولكنه ضعيف، واحتمال وسيط وهو فرض حصار مطبق عليها ولكن يصعب تنفيذ هذا الأمر بفاعلية بوجود الصين.
- ليس هناك تساوي في القدر بين الدول بمجرد وقوعها في طبقة واحدة، فهناك كبار الأتباع وصغار الأتباع وهناك حلفاء أقوى أو لهم مدى تأثير أكبر من الآخرين ولكن وجودهم في طبقة واحدة تبعًا للمعيار المذكور سابقًا، وهناك أيضًا بعض الدول في مرحلة وسيطة بين التابع والحليف أو بين الحليف والشريك.
- هناك علاقات بينية بين الدول في الطبقة الواحدة أو في الطبقات المختلفة، سواء كانت تحالفات ومصالح مشتركة أو صراعات، وتقوم أمريكا بصفتها الحاكم بقيادة هذه العلاقات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالقيام في بعض الأحيان بدور المايسترو، وفي كل الأحوال يكون هدف أمريكا السيطرة على هذه العلاقات البينية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وللحفاظ على توازن القوى الدولي والإقليمي، بما يحفظ النظام ودورها الحاكم ويحقق أهدافها.
- هذا النموذج ديناميكي فيما يخص موقع الدول فيه بناء على التغيرات والأحداث، ولكنه ثابت في إطاره العام ومرشح للاستمرار في الأعوام القادمة، مع احتمالية التغير البطيء والتدريجي بناءً على انحسار النفوذ الأمريكي في بعض المناطق وملء هذا الفراغ بواسطة قوى أخرى. أما التغيير الجذري في شكل هذا النموذج فمستبعد حاليًا ما لم تحدث أحداث كبيرة وجذرية وعلى نطاق دولي تقارب الحربين العالميتين أو انهيار الاتحاد السوفيتي.
خريطة القوى الدولية
روسيا
تعد دولة روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي؛ فبعد فشل سياسة “غورباتشوف” المسماة “البيريسترويكا” أو “إعادة البناء”، وإعلان استقلال معظم الجمهوريات الروسية، والانهيار الكامل لبنية الدولة الصلبة، ووصل الأمر إلى وجود مراقبين أمريكيين داخل مصانع ومخازن السلاح النووي والاستراتيجي الروسي، انظر مثلًا بنود معاهدة “ستارت 1 للحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية الهجومية 1991”.
هبطت روسيا إلى مكانة ضعيفة جدًا، وتجلى ذلك أكثر في هزيمتها في حرب الشيشان الأولى كحدث خارجي، غير الكم الهائل من المظاهر الداخلية التي تعبر عن الانهيار الكامل لدولة عظمى بشكل مفاجئ وسريع على غير المتوقع، ومع مجيء بوتين إلى الحكم في البداية كرئيس وزراء حاول كسب الشعبية بحرب الشيشان الثانية، وبالفعل نجح في ذلك وفي الانتخابات الرئاسية عام 2000 م.
وحققت روسيا بعد ذلك بفترة معظم أهدافها في حرب الشيشان الثانية، وحاول بوتين في البداية التقرب من أمريكا على اعتبار أن روسيا جزء من أوروبا ويمكنه التقارب مع الاتحاد الأوروبي والناتو، ولكنه وجد الصلف والغرور الأمريكي والتحسس الأوروبي بحكم التاريخ والموروث منه، فانكفأ على نفسه محاولًا إعادة بناء الاقتصاد الروسي، وانشغلت أمريكا منذ عام 2001 بحرب أفغانستان، ثم حرب العراق 2003، وانغمست هي وحلف الناتو في المعركتين الأفغانية والعراقية، ولم يلتفت العالم إلى روسيا سوى في حرب أوسيتيا عام 2008 بين روسيا وجورجيا، واكتفت أمريكا برد ضعيف لاعتبارات عدة، منها انشغالها بحروبها، ومنها قلة أهمية منطقة جورجيا، واكتفت بتحجيم روسيا ووقف الحرب.
أحداث أوكرانيا والضغط الأمريكي
ولكن كانت هذه البداية، ثم تلتها أحداث أوكرانيا بنجاح المرشح الموالي لروسيا في الانتخابات الرئاسية، ساعتها تدخلت أمريكا بشكل قوي، وذهب “جون ماكين” على رأس وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أوكرانيا، وقامت كل من أمريكا ودول أوروبا بدعم المعارضة والمظاهرات في الشوارع، وشبه انقلاب من الجيش، وتمت إعادة الانتخابات وتنحية المرشح المدعوم روسيًّا.
ولكن بوتين رد بشكل غير متوقع واحتل شبه جزيرة القرم بمناورة سياسية ناجحة تم دعمها عسكريًا فيما بعد، علمًا بأن روسيا تمتلك قاعدة عسكرية في “سيفاستوبول” عاصمة القرم، وبالمقابل ردَّ العالم الغربي بفرض عقوبات واسعة على روسيا، وشبه عملية حصار اقتصادي، علمًا بان أوكرانيا هامة جدًا للاقتصاد الروسي، ونتيجةً لهذه الضغوط قامت روسيا بدعم انفصال مقاطعتي “دونيتسك” و”لوغانسك” عن أوكرانيا، ودعمت المتمردين فيهما ضد الحكومة الأوكرانية، وقامت فيما بعد بالاتفاقية التجارية المنفردة مع الصين على التبادل التجاري بالعملات المحلية بين البلدين، فروسيا تمثل أكبر مصدر للبترول والغاز الطبيعي، والصين أكبر مستورد لهما.
فلذا مثلت حرب جورجيا ثم أحداث أوكرانيا ثم الاتفاقية التجارية مع الصين أحداثًا فرضت بها روسيا نفسها كشريك وليس كدولة تابعة أو تسعى للتحالف وتنتظر الإذن بذلك لسنين (كما حدث لتركيا مع الاتحاد الاوربي).
وتحت الضغوط والحصار الاقتصادي من العالم الغربي، وبعد توسيع حلف الناتو إلى حدود روسيا مع نشر شبكة رادارات وأنظمة دفاع جوي مضادة للطائرات والصواريخ بالقرب من الحدود الروسية الأوروبية حاولت روسيا البحث عن توسيع للنفوذ، أو خروج من الضغوط بعيدًا عن الجانب الأوربي؛ لأنه أصبح لا يحتمل أي مناورات أخرى بعد الإجراءات المتخذة من العالم الغربي، فسعت في اتجاه وسط آسيا عن طريق محاولة بناء علاقات سياسية واقتصادية إلى جانب النفوذ الأمريكي الكبير هناك، وحاولت التوجه ناحية الصين وكوريا الشمالية، ولكن لحساسية وضع كوريا الشمالية مع أمريكا اكتفت بمحاولة تطوير العلاقات مع الصين، ومساندتها في مواقفها تجاه الموضوع الكوري.
الورقة السورية
ثم منحت الحرب السورية قبلة الحياة من جديد لروسيا، وذلك بعد هزيمة الثوار للنظام واقترابهم من هزيمة حلفائه الإقليميين ايران وميليشياتها، ورفض أمريكا التدخل المنفرد والمباشر بالرغم من احتياج الأوضاع لتدخل قوى أكبر من إيران؛ لمنع سقوط سوريا بيد الثوار مما يدمر توازن القوى في المنطقة، ويهدد أمن إسرائيل وباقي الأنظمة العميلة، تم السماح لروسيا بالتدخل كحلٍّ مُرٍّ فرضته الظروف على القوى الدولية الغربية، ومثلت هذه الخطوة بداية إنهاء للعزلة والحصار المفروض على روسيا منذ الأزمة الأوكرانية.
كانت هذه أهم المحطات التي تبين وضع وحجم القوة الروسية في النظام الدولي، وإن كانت روسيا صعدت صعودًا سريعًا لكن لا يمكن اعتبارها حتى الآن قوة عالمية، أو أنها تقترب حتى من مستوى أمريكا في المدى القريب، ولكن الطموحات السياسية الروسية والنجاحات التي حققتها في أوقات صعبة، وقدرتها على الصمود في مواجهة مشكلات صعبة، والسبب الأهم هو بداية انحسار النفوذ الأمريكي أو ضعفه في بعض الأماكن، وإعادة بناء أمريكا لاستراتيجيتها ومناطق الأولوية لديها، فالأكيد أنه هناك العديد من القوى التي سوف تستفيد من ذلك في المناطق التي تسمح بها الظروف والأحداث.
نستطيع أن نقول أن روسيا تحاول فرض نفسها كدولة شريكة بدلًا من التبعية المطلقة أو التحالف المجحف، ويتوقف نجاحها في المستقبل على عوامل كثيرة، منها قدرتها على تنمية اقتصادها، واستمرار بوتين في الحكم، والظروف الملائمة على الصعيد الدولي، وعدم تورطها في نزاعات عسكرية تقوض تقدمها، وسوف نناقش الدور الروسي في منطقتنا العربية والاسلامية لاحقًا إن شاء الله.
الصين
تعد الصين دولة عظمى ذات قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، وتسيطر مع الولايات المتحدة على غالبية الاقتصاد العالمي، وهي دولة نووية ذات مساحة شاسعة وعدد سكان لا يقارب، ومع كل هذه العوامل تتميز الصين وسياستها ببعض الخصائص سواء حاليًا أو على مر تاريخها.
فالصين دولة منغلقة بمعنى أنها لا تحمل طموحات استعمارية أو توسعية بعيدًا عن حدودها الكبيرة، ولا تسعى لفرض الهيمنة عبر البحار مثل دول كبرى أخرى عبر التاريخ، يحيط بالصين جيران أقوياء مثل روسيا والهند، وتحاصرها الولايات المتحدة في اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا وفي بحر الصين الجنوبي.
نفوذ الصين العسكري أو الفكري خارج حدودها قليل جدا.
الأفكار الشيوعية الصينية تختلف عن الأفكار الشيوعية للثورة الروسية، أو لمدرسة أمريكا اللاتينية، وتمثل في أغلبها منهج إصلاح محلي ليس عابرًا للحدود والقارات.
تعرضت الصين عبر تاريخها الطويل للاحتلال من عدة دول وقوميات؛ فقديمًا ملوك المغول والتتار قبل وبعد إسلامهم، وحديثًا اليابان، لذا تجد استراتيجية حكامهم دفاعية دائمًا تهدف للمحافظة على أراضي الصين موحدة في الأساس، وصد الأخطار المحتملة داخليًا أو خارجيًا.
تأثير الصين أو مشاركتها في الأحداث الكبيرة على الساحة العالمية والدولية بعيدًا عن منطقتها يكاد يكون معدومًا، فمنذ تحالفها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حتى نيلها الاستقلال من الاحتلال الياباني نجد مشاركاتها الدولية بعيدًا عن الإقليم الآسيوي القريب منها نادرة، هذا باستثناء شبه الجزيرة الكورية.
مشكلة كوريا الشمالية تمثل صداعًا في رأس الصين أكثر من أي دولة أخرى بما فيها أمريكا، لأن أي توتر أو نزاع أو حرب في شبه الجزيرة الكورية سوف يؤثر على الصين تأثيرًا كبيرًا.
لذا فإن مستقبل الصين لا ينبئ عن صلاحيتها كبديل أو منافس للولايات المتحدة في العالم، بالرغم من الإمكانيات الرقمية العسكرية والاقتصادية، ولكن من الممكن أن تشارك الصين في تحالف مع الروس أو غيرهم بشكل لا يصل لمرحلة الصدام العسكري مع أمريكا، وتقوم بذلك لتحقيق توازن مع أمريكا، ولكسب ورق ضغط يمكنها من إبقاء الأمور هادئة في شبه الجزيرة الكورية، والاحتمالية الأخرى أنها مع انحسار النفوذ الأمريكي لأسباب أو ظروف مستقبلية قد تتمكن من توسيع نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا، أو في بعض الدول الصغيرة القريبة منها، وهناك العديد من الأبحاث والدراسات عن العلاقات الأمريكية الصينية يُرجع لها لمن أراد التوسع في التفاصيل.
مجموعة الدول الأوربية: ( بريطانيا – فرنسا – ألمانيا )
أدت الحرب العالمية الثانية إلى عدة نتائج أهمها تراجع الدول الاستعمارية الكبرى تراجعًا كبيرًا لعدة أسباب من أهمها:
- فقدان الدول الأوربية لمستعمراتها عبر البحار في آسيا وأمريكا وأفريقيا والتي كانت تمثل مصدر القوة والنفوذ الرئيسي لهذه الدول.
- الاستنزاف العسكري الكبير لهذه الدول مع انعدام القدرة على التعويض المادي أو العددي خصوصًا بعد فقد المستعمرات، فقد تدمرت القوة العسكرية الألمانية تمامًا نتيجة الهزيمة، وكذلك فرنسا، واستهلكت قوة بريطانيا بشكل كبير، وفقدت الدول الثلاثة مميزاتها القديمة في احتكار التفوق التقني في المجال العسكري.
- تدهور الاقتصاديات الأوروبية بصفة عامة نتيجة للعاملين السابقين، طبعًا كدول منفردة وليس كاتحاد أوروبي.
تسابقت أمريكا وروسيا بعد الحرب العالمية في الاستيلاء على النفوذ الاستعماري للدول الأوروبية في جميع أنحاء العالم، واستمر الانقسام إلى معسكرين شرقي وغربي بفعل القطبين العالميين، وكانت الدول الأوروبية في كفة أمريكا بالطبع، وقاومت الدول الأوروبية في البداية تقلص نفوذها ولكن معظمها دول مهزومة ما عدا بريطانيا المنهكة، ولذا كانت محاولاتها يائسة فاختارت المضي مع القطب الأمريكي الأفضل لها في مواجهة الاتحاد السوفيتي وطموحاته التوسعية والأخطار التي يمثلها، ومثلت حرب السويس 1956 شهادة وفاة لهذه الدول حين أجبرت أمريكا مع الاتحاد السوفيتي بريطانيا وفرنسا على الانسحاب من مصر بشكل مهين بعد الإعلان الثنائي والتهديد من أمريكا وروسيا.
لم تشارك بريطانيا ولا فرنسا في أي حدث عالمي بشكل منفرد، أو في أحداث تدل على وجود نفوذ معتبر لها بشكل فردي بعيدًا عن أمريكا إلا في حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين، والمساعدات الفرنسية في القضاء على الجهاد الجزائري في بداية التسعينات، أما باقي مشاركاتها في حروب البلقان، والخليج الثانية والثالثة، وحرب أفغانستان، وفيما سمي بالحرب العالمية للقضاء على الإرهاب، فكانت كلها تحت قيادة أمريكا وبضغط منها في كثير من الأحيان، وبعد ثورات الربيع العربي برز دور المجموعة الأوروبية في أحداث ليبيا، عندما قامت بهجمات جوية لتسهيل إسقاط القذافي.
وتبدو الآن الصورة وهي لم تتغير كثيرًا خصوصًا مع فشل فكرة الاتحاد الأوروبي كقوة موحدة لها ثقل ونفوذ تستطيع الحضور به كقوة دولية، وخروج بريطانيا من الاتحاد، وعدم القدرة على الاتفاق بين الدول الأوروبية، ومشاكل كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي أدت إلى وجود الناتو فقط كقوة تأثير تقودها الولايات المتحدة.
ولكن يبدو أن فرنسا تحاول الحصول على نفوذ أكثر في بعض مناطق نفوذها القديمة في أفريقيا مثلًا، ولكن بشكل محدود، وبما يتماشى مع مصالح النظام الدولي الذي تقوده أمريكا، أما ألمانيا مع أنها تقريبًا أقوى اقتصاد أوروبي إلا أنها لم تستطع إلى الآن العودة لهويتها أو قرارها المستقل منذ الحرب العالمية الثانية، ومصدر قوتها في النظام العسكري المميز وجودة التعليم لم يمكنها سوى من محاولة إعادة قوتها التعليمية فقط، وعمومًا وعلى مر تاريخها فإن تأثيرها ونفوذها في أفضل أوقاته كان في جيرانها الأوروبيين بشكل حصري.
أصبحت الموضوعات المهمة الموجودة الآن على طاولة المجموعة الأوروبية تتمثل في
- الحرب على التنظيمات الجهادية بالتعاون مع وتحت قيادة أمريكا.
- محاولة ضمان استقرار الشرق الأوسط بعد موجة الربيع العربي من الناحية السياسية خصوصًا، لأن المنطقة تمثل أهمية استراتيجية لها أكثر من أمريكا، ولكنها تظل محدودة القدرة، ولذا تحاول دائمًا من داخل المظلة الأمريكية إعادة إحياء بعض العلاقات القديمة، ولكن لم تظهر أي أحداث معتبرة تدل على قدرتها أو إمكانيتها على تحقيق ذلك منفردة.
- مواجهة المخاوف من تنامي قوة ونفوذ روسيا، تقوم بذلك تحت قيادة أمريكا المتحكمة والمسيرة لحلف الناتو وغيره.
كما يمكنكم تحميل الإصدار كاملًا عبر هذا الرابط: كيف نفهم الصراع؟
بارك الله بكم الاخوة جميعا وجزيتم خيرا
جزاكم الله خيرا
مقال ممتاز . وتحليل منطقي ورائع للاحداث …..بارك الله فيك
تحليل رائع من دكتورنا الحبيب