كيف تواجه الإحباطات والمحن التي تواجه طريق الدعوة؟

تحرُك الأشواق إلى تاريخ عِزِّ المسلمين ومجدهم في خضم هزائم وإحباطات مُني بها المسلمون اليوم، لهو نور وسط العتمة يأذن ببزوغ فجر انتصار وعِز ومجد قريب. لكن من ينزل به كرب من الكروب يطول عليه ليله، ويستبطئ خطوات فَجْره، فكيف به إذا كان طريقه إلى الفجر محفوفًا بالحتوف والمنايا، يُسلب من سالكه متاع الدنيا وزينتها؟!

فمضينا في طريق شائك نتخلى فيه عن كل الرغابِ

نأمل مع كل محنة أن تكون هي الأخيرة، فها هي قد أسهمت في انجلاء غمامة الباطل، وامتاز الخبيث من الطيب… فها نحن على مشارف الخروج إذن! ولكن إذا بالناس لا تستجيب، وإذا بهم يُجادلون في الحق بعد ما تبيّن، يشككون في المقاصد ويرمون المخلصين بشق الصف. وإذا بالمصائب تنزل، وبالمِحن تتوالى.

فينصب الإحباط سجونه حول المسلمين، يكسر من عزائمهم، يُهوِّون عليهم أنفسهم، يشعرهم بانعدام جدوى طريقهم وأفعالهم، يوهمهم أن الباطل عَلَا وانتفش وما له من زوال. إحباط وهزيمة فكرية ونفسية، وخوار وانعدام خطط ورؤى.

فتدخّل الإسلام ليضبط ويصحح الموازين، ويضبط الانفعالات ويُذهب بالهزيمة النفسية، ويرسم منهجه لتدريب المسلمين على تلقي الصدمات وتحصينهم من آثارها، وعلاجهم مما قد يطولهم منها. فالنفس وإن عولجت أفكارها فهي ما زالت بحاجة لطاقة لحمل الحق، فإذا ما استكملت طاقتها لحمل الدين وتكاليفه وتبعاته، فإنها بحاجة لمنهج للتعامل مع تبعات هذا الحق، وخطة للعمل والقيام بتكاليف هذا الحق وإظهاره على الناس.

صلاح حال الأمة

مفاهيم وفكر ومنهجيات وثقافة وعقائد يغرسها الإسلام داخل نفوس المسلمين ليُعلِّهم كيفية مواجهة الإحباط، ويمُدّهم بالقوة النفسية اللازمة ليكون الواحد فيهم أقوى من المجتمع بكل مكائده وانحرافاته وقبيح أعرافه.

أولًا: علاج الإحباط الفكري

فكانت الخطوة الأولى معالجة الإحباطات الفكرية: لأن استقرار الفكر والفهم والإدراك، وتمام التصور لما يحمل المسلم من منهج، لهو أساس رباطة الجأش وثبات القلب. لذلك كان لا بد من إصلاح ما كان عليه المسلمون من أفكار. إلى أن يصلوا إلى:

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

توضيح حقيقة المنهج

وإنه لمن أول ما يصيب الإنسان بالإحباط ألا يكون مُدرِكًا أبعاد منهجه، غير متبصّر بحقيقته جاهلًا بآثاره ومقتضياته، فيُصاب بالذُعر مع أول اختبار وتمحيص، وأول علو للباطل، واستعلاء وجهر بقوته وبطشه وجوره، فيظن المسلم في منهجه الظنون، ويخال أنّ هناك لبسًا وريبة فيما يحمله من منهج.

فيُعالج الإسلام سبب هذا الإحباط ويؤكِّد للمسلمين أنهم على الحق المبين ليستقر في وجدانهم أنه ليس معنى ما نقابله من المحبطات والعقبات أن هناك زيغًا، وليس معنى انصراف الناس عن دعوتي وانصراف الداعمين من حولي، أنّ الخطأ في المنهج، فيخرجهم من هذا الالتباس إلى اليقين بقوة ما يحملون، وأنه وحده هو الحق لا زيغ. فيكملون الطريق مطمئني النفس أن هذه هي سبيل الدعوات وهذا هو طريق الحق.

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم

وبعد أن أظهر الإسلام حقيقة دعوته، سار المسلمون في طريق دعوتهم موقنين بأن العقبات آتية لا محال، فهذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، ولكن مع هذا ما زالوا يقيسون الأمور بموازينهم هم، فيقولون إنه ما دام معنا الحق فما هو إلا صبر ساعة من الدنيا، وستُفتح القلوب لدعوتنا ويُقْبل الناس عليها مؤمنين مُصدقين، كما آمنا نحن عندما سمعنا منادي الإيمان.

فيُصدمون بقلة الناصر، وتكذيب كل سفيه لدعوتهم، فيظنون أنّ هذا سببه تقصير منهم في حق الدعوة، وأنهم ما أحسنوا عرض بضاعتهم، فيتملكهم الإحباط، ولربما يودي بهم للتوقف عن المسير.

فيخبرنا الدين بإشكاليتنا في فهم حقيقة المنهج إذْ كنا نظنه منهجًا سريع النتائج، فلما رأينا أن الحق معنا انتظرنا سرعة النتائج. ولكن من قال إن من عرف الدين على حقيقته سيؤمن ويَكُفّ يديه؟ فإبليس يعرف الحق، ويصد الناس عن سبيله، ولا يؤسس عمله إلا بناءً على صدِّ الناس عن سبيل الله، وإضلالهم.

فيُعالج الإسلام هذه الفكرة، ويؤكد أن هذا الدين لا ينال شرف الانتساب إليه إلا من هم على استعداد للعيش والبذل في سبيله، وأن أعداء الدين بل وأؤلئك الذين يزعمون تكذيبه، يعرفون أنه الحق، ولولا أنهم لا يريدون لتعاليم هذا الدين أن تسير عليهم، وتنتزع منهم حق كل ضعيف ومظلوم، لآمنوا به، ولدخلوا فيه. ولكن السبب يكمن في زيغ قلوبهم ومرض نفوسهم، وكبرهم واستعلائهم اللذين يجب أن يُتخلص منهم على أعتاب هذا الدين.

فيقول تعالى: “وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا”   “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ” “فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ”.

ما هو الواجب الذي قصرت فيه؟

إن مشاعر الإحباط تتملك من عانى تكرار الفشل، وعجز عن أداء مسئولياته وحيل بينه وبين ما يريد، فيُعلِّمنا الإسلام أن الدعوة عبادة عمل وليس كحساب نتيجة، ويُفصِّل لنا كيف يكون حساب الذات إذا ما تعلق الأمر بالدعوة والعمل في سبيل الله وأنّ الحساب يكون على العمل لا على النتائج. لذا فالمسلم مُكلَّف فقط بالصدع بالحق من غير مواراة ولا كتمان، صدع يهلك بعده من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينه.

فتطمئن نفس المسلم، فلا تحدثه عن أعداد المنضمين لدعوته، ولا يفت في عضده قلة الناصر والمُعين، ولا كثرة فريق الباطل وعلوه وزهوه. فيقول تعالى تسلية لرسوله وللمسلمين وشدًّا من أزرهم، لئلا يُهلكوا أنفسهم بالحزن: “لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ” “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ” “إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ”

ويقول رسولنا الكريم: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك”

ثانيًا: علاج الإحباط النفسي

ولم يغفل الإسلام علاج الأسباب النفسية للمحبطات بعد أن عالج الفكر وأصَّل لكيفية إنشاء العقلية التي لا تعبأ إلا بمنهجها وسبيل تبلغيه، فلا يُدركها إحباط النتائج ولا يؤثِّر فيها مِحن تخلي الداعمين، ولا تكذيب المكذِّبين.

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الإعراض عن الكافرين وبيئتهم

وإن من وسائل إضعاف نفسية المؤمنين وتسلل الإحباط إليها، ما يمارسه أعداؤهم من تهوين للمسلمين وشأنهم ومنزلتهم، فيسخرون من منهجهم ويستهزئون بأحكامه، فيقطعون الصلة والثقة بين المسلم وعقيدته التي هي مكمن قوته وعزته. فلا يستطيع المسلم حينها أن يُدافع عن دعوته ومنهجه لأنه تشرَّب التشكيك فيما بين يديه، ولا هو يستطيع أن يترك دينه ويصطف مع المستهزئين، لأنه يوقن أنه على الحق.

فكان ردّ الإسلام بقطع الصلة بين المسلم وهؤلاء، لا لضعف المنهج الإسلامي في مواجهة شبهاتهم واستهزائهم، ولكن حفاظًا على هيبة الدين في نفس المسلم، فيقول تعالى: “وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا”

وكذلك يجب أن يكون ردّ المسلم على ملايينهم التي تُصرف على إعلامهم الذي يسعى لصد المسلم عن دينه، فلا لن نستمع إليهم، وسنُبعد أنفسنا عن وسائل تأثيرهم، ولن نصرف أوقاتنا على متابعة برامجهم التي تسمم أفكارنا وتستهزئ بشعائر ديننا وعقائده.

فالمؤمن قد يحزن ويفتر لعدم رضى الجاهلية وأهلها عن دعوته، فيأسى لإعراض أصحاب المناهج الوضعية عن رسالته، ويحزن لاتهامهم إيَّاها بما لا يليق بها، فيواري ويكتم ويتأول منهجه طمعًا في إرضائهم، فيُحرج من الصدع بدينه، وتهون عليه دعوته، ويُقدّم التنازلات ويتذلل إرضاء كل ذي سلطة.

فيضع الإسلام الحدود الواضحات التي ترسم علاقة المسلم بمن يدعوهم إلى دينه، تلك العلاقة التي تمنع نفاذ هيبة أعدائه إلى قلبه، وتمنع عنه ما يحطّ من عزيمته “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ”

 مَثَلُ الذين خلوا من قبلكم

تمهيد طريق صلاح الدين إلى القدس

ولصلة الإنسان بماضيه هي ما تبقيه مُحصَّنًا من الإحباط، متبصِّرًا بصراعه ومراحله وصفات كل مرحلة منها، وعوامل النصر والهزيمة، وما سنّه الله من سنن لقيام الحضارات وزوالها، يوقن بأن هذه المِحن إلى زوال، وأن جوالات الباطل مهما علت وطالت إلا إنه لا بد من يوم كيوم قارون ويوم فرعون وكل من على شاكلتهم.

ولذلك لم يعزل الإسلامُ المسلمَ عن تاريخه ولم يضعه بمعزل عن السنن الكونية ما يبقيه في حالة وعي بحاضره يستشرف مستقبله. فكان لا بد من تعليم الفئة المؤمنة أنّ هذا الذي أحبطها، هو ظنها بأن هذا الذي يحدث هو استثناء. ولكن الحقيقة أن هذا دائمًا هو طريق الحق، وهذا دائمًا هو فعل أهل الباطل.

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ

ثالثًا: المنهج العملي في مواجهة الإحباط

ولأن أغلب النفوس دائمًا ما تهتز عندما تحتد المواجهة ويلتقي الفريقان، فكان لا بد من تدريب عملي يوقظ روح الإيمان والتسليم، ويُعِدّ النفوس لمعركتها الكبرى والأمانة المنوط بها القيام بها، لقيادة البشرية ودعوتها إلى دين الله حتى قيام الساعة.

تهيئة المسلمين للتعامل مع الصدمات والمِحن

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ

إن هذا المنهج الموحى به إلينا، هو منهج واضح يرسم لمتبعيه حاضرهم وينبئهم بما سيُلاقونه في سبيل تبليغ هذا المنهج، ولا يخدع متبعيه بخيالات هي أبعد ما يكون عنه، فيغرس فيهم أن طريقهم ليس مُعبَّدًا، بل فيه الكثير من العقبات والابتلاءات في الأموال والأنفس والثمرات، وأنّ أعداءهم لن يتركوهم ينعمون ولن يسمحوا لهم بسعة لنشر مناهجهم.

فما يحملون من منهج يمنع كل تعايش مع باطل أو ظلم، لذا فأعمارهم ونفوسهم هي ثمن هذا المنهج، وأن ما يواجههم من عقبات ليست استثناءً جَدَّ على تلك الفئة من المؤمنين، بل هي جزء أساسي من المنهج يتربى عليه المسلم، كذلك يتربى على معرفة كيفية تخطيه.

لذا فالتدريب داخل المنهج الإسلامي هو تدريب داخل فيه احتساب وجود عوائق، فلن يُفاجأ بها المسلم حين المِحن. وتِبعًا لهذه التربية يزداد إيمان المسلم بمنهجه حين ينزل الضرر. “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا”.

فلم يوحى إليهم بأنهم أصحاب دعوة تعتزل الطغاة، وتُبعد نفسها عن مواطن الصدع الحق، بل هي دعوة خير الجهاد فيها “كلمة حق عند سلطان جائر” فما الذي يدفع الموقن بهذا المنهج الذي اختاره وهو يعلم تبعاته أن تصل به الحال إلى اليأس والإحباط؟! فحاله دائمًا “هذا ما وعدنا الله ورسوله”

المُبشِّرات

ومع هذا فنحن بشر تُمنِّينا أنفسنا بالنصر، ويعدنا الله به حين نحقق تمام العبودية له سبحانه، ونوقن بأن العاقبة للمتقين، فننتظره ونستعجله، فلما يطول بنا الأمد نيأس.

فيمضي الإسلام في طريقه لعلاج الإحباط والهزيمة النفسية، بالتسلية عن نفوس المسلمين أحيانًا عن طريق النصر المؤيّد؛ فيستبشر المسلمون وترتفع ثقتهم في العون الإلهي وصحة الطريق الذي يسلكون.

ويمضي أحيانًا بإخبارهم المبشِّرات بالنصر والتمكين والتأييد “والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون” ويقول تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا” وهكذا يمضي قدر الله وفق سنته لا يتخلف ولا يحيد.

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

ويُحذِّرنا تعالى من اليأس لظننا طول الأمد، لئلا نسلك مسلك أهل الكتاب. فكيف ييأس المسلم وهو مؤمن بأن الله كما يُحيي الأرض الجدبة بعد موتها بالمطر، يحيها بالعدل بعد الجور؟

فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

ولربما يكون حزن المسلم وإحباطه نابعًا من تصوره أن هذه العوائق والمحبطات هي معوقة للمنهج والدعوة وللرسالة. فينبه الله المسلمين أن سبب شعورهم بالإحباط أنهم كانوا يظنون معلومات عن المنهج هي ليست فيه أصلًا، وكانوا يتصورون أفكارًا ليست فيه.

فيعلمنا أن هذه المُحبطات هي عنصر تكوين للرسالة والنصر، فلن ننتصر بدون أن تتحقق فينا صفة الصبر “وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ” ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” ولن ننتصر حتى يميز الله الخبيث من الطيب، ليهلك من هلك عن بيِّنة.

فهذا طالوت لم يأخذ من معه من الجند مباشرة ليخوض بهم الحرب، ولكن اختبرهم، ولم يكترث بعدد من خرج منهم، ولم يجزع لأنه لم يبقى معه إلا قلة من قلة.

لذا لا يمكن للإنسان أن يفهم الإسلام وأن يحيا وهو يسمع فقط وهو لا ينوي أن يتحرك، فهذا لن يُغادر الظلمات أبدًا، كذلك الذي يعمل للإسلام ولا يدرك أعماقه ولا فقهه، فهذا حتمًا سيتعثر بعد المسير، وتعصف به كل مِحنة، وكل استعلاء لباطل.

وأخيرًا، فدوام الحال مُحال، فما نعيشه من ألم مصيره إلى استبدال وفرج قريب، فهذه هي سُنّة الله في خلقه: «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس». فيقول تعالى مُخبِرًا عن رُسله:

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.


المصادر

سلسة دروس مواجهة الإحباط بالعمل، حازم صلاح أبو إسماعيل.

مي محمد

طالبة علم، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى