كيف تهتم لأمر أمتك اهتمامًا غير سلبي؟
البعض يهتم لأمر أمته اهتمامًا سلبيًا، يقسو معه قلبه، فلا هو حافظ على الفرح بالطاعة كما كان أول هدايته، ولا هو أنقذ أمته، فلدينا أربع توصيات حتى لا نعلق في المنتصف بهذا الشكل:
سلم لقضاء الله تسليمًا صادقًا غير سلبي
فالهم لأحوال الأمة عندما يوصل لليأس وازدراء الطاعات، فإنه كثيرًا ما يكون غلافًا للسخط على القدر، تذكر أنه (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ). لكن، هل يعني هذا ألا نسعى لتغيير الواقع بحجة أنه مُقدر؟
لا بالتأكيد، وإنما ألا يكون حزننا مشوبًا برفضٍ لقدر الله وشكٍ في حكمته، ارض عن قضاء الله ثم اسخط على نفسك إن قصرت في إصلاح واقع المسلمين، وارض عنها إن أطاعت.
اعرف ما الغاية؟
خطأٌ كبير أن تجعل الغاية النهائية: التمكين للمسلمين في الأرض، ثم تحكم على كل عملٍ لا يؤدي إليها في نظرك أنه عديم القيمة، بل الغاية هي طاعة الله، (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) الغاية هي العبادة بمفهومها الشامل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وإنما التمكين، وقيام الدولة المسلمة، ورفع الجور عن المسلمين هو لحراسة الطاعة والعبادة.
قد نختلف على تحديد الطاعة المُثلى، والأعظم أجرًا، لكن ليس لنا ان نحقر طاعة على اعتبار انها لا تُوصل إلى الهدف، فالطاعة في حد ذاتها هدف، وتذكر في سورة عبس، فجواب سؤال المسلم الأعمى الذي أراد طريق الله عز وجل، كان أعظم عند الله قربًا، من محاولة رفع الجور عن المسلمين بدعوة وإقناع أصحاب القرار بمكة.
وعندما أسلم الغلام اليهودي قبل موته، فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن نفسًا نجت من النار، رغم أنه لم يسهم في التمكين.
لا نريد أن نصبح كأصحاب الدعوات الأرضية بأن نجعل التمكين هدفًا نهائيًا، ونحكم بعدها على أعمالنا نجاحًا وفشلًا على أساسه، فهذه نظرة أرضية بحتة، ولو ظنناها سماوية، قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئًا”. ومن حقر طاعاته، وطاعات المسلمين فهو يخالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويضيف بذلك معصية إلى معصية خذلان المسلمين التي تؤرقه.
نحى رجل غصنًا عن طريق المسلمين، فدخل الجنة، تعليم الناس حديثًا تنقية قلب عبدٍ من شُبهة، خشوعك في صلاتك، سعيك على عيالك، كلها تصب في الهدف الأعظم، طاعة الله جل جلاله، انظر لعباداتك على أنها جزءٌ من كل في سعيك لتعبيد الناس لربهم، والنهضة بأمتك، عندها لن تحقر من المعروف شيئًا، وإنما الذي يُذم ادعاؤك أن هذه الطاعات تُغنيك عن نُصرة المسلمين، ورفع الجور ومقارعة الكافرين، فالمذموم هنا ليس الطاعة، ولكن عدم تكميلها بالواجبات الأُخرى.
الذي يُذم، هو ما يمارسه مشايخ الأنظمة، الذين يلفتون الناس عن الاهتمام لنصرة المسلمين، والسعي لتمكين الدين، فعلينا أن نقلب هذا عليهم، ونجعل الطاعات مقدمة للانطلاق إلى سائر قضايا الأمة، استمد من الفرح بطاعتك القوة على التخلص من تقصيرك، وإياك أن يجعلك تقصيرك تحقر طاعتك، أو يجعلك تقصير الآخرين تحقر من طاعاتهم، والاحتقار ليس بمعنى استصغاره في جنب الله تعالى، بل الشعور باللاجدوى من هذه الطاعة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن إن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له به رضوانه إلى يوم يلقاه.
فبأي حقٍ تحقره أنت، أو تحبط عملك وأعمال إخوانك، التقصير في نصرة الدين ذنب، لكن من أين لك أنه يحبط الطاعات؟
اعرف ما المطلوب منك؟
سيحاسبك الله على عملك لا على النتائج، هذا يمنحك الطمأنينة، إذ أنك تطمئن بقدر ما تبذل، لا ما يتحقق على أرض الواقع، فنجاحك يسير معك خطوة بخطوة بحسن اتباعك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ستقول:
هذا ما يؤرقني، أني لا أدري ما طريق النبي لأتبعه وسط هذه الاختلافات المنهجية؟
أقول لك، تذكر أخي أن المسألة ليست صفرًا، أو مائة بالمائة، ولكلٍ درجات مما عملوا، إتقانك للطاعات التي تستقلها، يؤهلك أن ينير الله بصيرتك لنهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى).
الإنجازات المرحلية تؤهلك للاصطفاء للمهام العُظمى، وعدم الانتكاسة بعد الاصطفاء، كم من أناسٍ أهملوا قلوبهم وأمراضها، فلما تصدوا لنصرة الأمة، انقضت عليهم أمراضهم، فأساءوا، وزادوا الأمة وبالًا.
اعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لم يُحكم بناء نفسه، فلن ينقذ أمته، احرص على نور قلبك، لتفيض بالنور بعد ذلك على الناس، احرص على خشوعك وأورادك تأنس بأهلك وإخوانك، تفرح لضحكات صغارك، تتقن دراستك وعملك.
اعلم أن الحزن ليس محمودًا، ولا مطلوبًا لذاته، ولا يرفع عنك شيئًا من المسؤولية، وأن الفرح ليس مذمومًا، بل مأمورٌ به مادام فرحًا بالطاعة، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) افرح بطاعتك مهما قلت، واثن على طاعات الآخرين، وحول همك لنصرة أمتك إلى قوة تُصلح بها ذاتك، وترفع همتك، وتشغلها عن السفاسف.