يا فتاة: لمثل هذا خُلقتِ

الأنثى، كلمةٌ أخاذة تحمل في طياتها معانٍ سامية، مشرقة تقتحم القلب اقتحامًا لطيفًا رقيقًا على حين غفلة! بل هي ركنٌ ركين من فطرة المرأة وجوهرهـا! لماذا أتكلم عن هذا الأمر؟ دعينا لا نستبق الأحداث ولنرحل قليلًا  مع زهـرة!

تجلس بين أقرانهـا مشرقة المُحيـا، شاردة الذهن مع مشاعرها المختلفة .. تذكر أنه لطالما وجدت نفسها تهتز حنينًا أمام كل كلمة تقرأها أو تسمعها تحمل عبقًا من مفهوم الأنثى، أو تتحدث عن دورها أو تسرد معناها سردًا يجعلها تصغي بشغف بل وتجد في قلبها وجيبًا وفي روحها صدى!

وطالما تساءلت عن سر هذا الخفقان فلم تجد جوابًا أبدًا حتى باغتتها إجابةٌ أدهشتهـا..

لعله رواء للفطرة داخلها، شيئًا ما  يلامس فطرتهـا وسط عالم المادة الذي أهمل الروح والمشاعر والإنسانية ذاتهـا! يا ربي، يا لنعمة الإسلام!! هكذا هتفت زهرة فجأة، ثم علت وجنتيها حمرةٌ خفيفة حين التفت أقرانها إليها فإنهن في وادٍ وهي في عالمٍ آخر، ضحكت خجلة ثم أشارت أن ما جعلها تهتف هكذا، حين جال في خاطرهـا أن كل مولودٍ يولد على الفطرة.

كل مولود يولد على فطرةٍ مـا فطره الله سبحانه وتعالى عليها، فطرة متقاسمة بين الروح والمادة، بين قبضة الطين ونفخة الروح! وما من شيءٍ سوى الإسلام يحافظ على هذه الفطرة نقية، أما ما عداه يجعلها مشوهة حين يقلص مستحقات الروح لأجل المادةِ فيشقى!

تلك المعاني التي تروي فطرتها لم تجدهـا إلا في آي القرآن ووصايا خير الأنام، في سير نساء الصالحين، وجدت معنى الأنثى بحق، وجدت تكريمها وكيف تكون ملكةً بحق، وجدت روحًا مكرمة سامية لا مادة للمتعة وسلعة تتناقلها الأحذية كما يصورهـا الإعلام ويستخدمها لترويج منتجاته!

هتفت رحاب بشغفٍ ممتزجٍ بمكر الرفاق: حدثيني عن مفهوم الأنثى .. ترددت زهرةُ قيلًا، فهناك أمورٌ تعدهـا من مقومات الأنوثة يرونها محض عاطفةٍ بلهـاء! ثم حسمت أمرها قائلة بصوتٍ متهدج: تعلمين يا رحـاب، لما قضى الله سبحانه أن يجعل في الأرضِ بشرًا، خلق الذكر والأنثى من نفسٍ واحدة “خلقكم من نفسٍ واحدة وجعل منها زوجها” ولكي تستمر الحياة بسعادة ودفء بغير كدر اختلفت مهام الذكر عن الأنثى وبحسب ذلك اختلفت أشكالهم الظاهرة! ذلك الأمر يدهشني على بداهته، حتى اختلاف الشكل الظاهر هذا من أجلِ مهامٍ خلقنا لهـا، فيا لجلال خلق الله لنا ! وسبحان الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى..

حسنًا يا رحاب، هكذا لنا خلقٌ مختلف ولنا وظائف ومهمات مختلفة هي عمارتنا لهذا الكون، هي معنى استخلافنا في هذه الأرض، هي تحقيق عبوديتنا لرب الكون! أليس حري بنا بعد كل هذا أن نعلم ما مراد الله منا كنساء

اِقرأي أيضًا: كوني حواء

إنّ المرأة هي مصدر التغيير في هذا الكون! ولهذا أعطى الإسلام أمرهـا هذه الأهمية البالغة، والرجل يعمل بالخارج ويغدو ويروح، لكنه لا يقوى على كدح الحياة ومشاقهـا إلا أن يجد سكنًا فيكتمل سعيه.. ولهذا أول ما خلق الله الخلق وخلق آدم عليه السلام إذا به يصحو يومًا فيجد حواء فيسألها عن اسمهـا وتجيب ثم يسألها ولم خلقت؟ فقالت قولًا على بساطته إلا أنه يجتاح القلب اجتياحًا، قالت: لتسكن إليّ!

لتسكن إليّ.. هكذا، أنت أنثى.. أنت سكن.

سكن

ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق، آواه الله لقلب أنثى ليسكن إليه، بل لقد كان من عظيم صنعها رضي الله عنهـا مما لم ينسه قط رسول الله أنها كانت سكنًا له
حين عاد من الغار مرتجفًا يبثهـا خوفه صلى الله عليه وسلم، سعت لبث الطمأنينة في نفسه وقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا. فكان بعد وفاتها يقول صلى الله عليه وسلم: لا والله ما أبدلني الله خيرٌ منهـا.. تقف حائرًا أمام الكلمة وما فعلت ليحمل لها كل هذا البر والوفاء؟! فيجيب صلى الله عليه وسلم:

لا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا، وَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي مِنْ مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوْلادَ مِنْهَا، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ

يا رحاب إن جلال الأنثى وتكريمهـا ورفعتها في التحقق بأنوثتهـا، في الاهتمام بما خُلِقت من أجله، لا في مزاحمة الرجال أعباء الحياة وما هي بهينة في الحقيقة على الرجال فكيف بمشقتها على المرأة وما خُلِقت لمثل هذا أصلًا ثم هي تغفل عما خلقت له وتنسى دورهـا الأعظم!

المرأة لن تكون أعظم من الرجل إلا بصفاتها التي تعيرهـا الرجل ليكون أعظم منهـا .. الرافعي

عندما تبحث المرأة عن تحقيق ذاتهـا فلا تبحث عنها في مزاحمة الرجال، بل بداخلها في أنوثتها، في بسط ظلال السكينة في البيت للزوج أو الأب أو الأخوة، لتعينهم على كدح الحياة وشقائهـا.. تمد لنفسها آثارًا تبقى إلى يوم القيامة، فأنت المجتمع بأكمله لا نصف المجتمع!
اقرأي أيضًا: أيتها الأم المسلمة .. أولادك يحتاجونك

إن اختزال مفهوم الأنوثة في الاهتمام بمظهرهـا والتزين-وهو أمرٌ عظيم الأهمية لا ريب-لكن اختزال الأمر ها هنا فحسب لهو من معاول الظلم التي تُسلَطُ على المرأة وأنوثتهـا.. هذا هو الجانب الظاهر أو المادي.. ماذا عن الجوهر؟!

الأمومة

إن المرأة تولد أمًا منذ صغرهـا تفضل اللعب مع الدمى وتحب أن تكون الأم لهم، تمشط شعرهـا وتهدهدها وتتمثل إطعامهـا ورعايتهـا.. هي فطرة أودعهـا الله عز وجل فينا، وحين تكبر تظل تحمل الكثير من العبث الطفولي الذي يمنحهـا جمالًا ودلالًا.

والأبناء هم أمانة العالم في يد الأم، أن يمنحها الله عز وجل تلك المسئولية وهذا الشرف؛ صياغة الأنفس وتنشئة أجيال المسلمين وانظري كيف ربت الصالحاتُ أولادهن (أمهات خالدات) وأمنا خديجة-رضي الله عنهـا-كانت سكنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هي مع ذلك ورثت كل من بناتها من جميل خصالها وصفاتها حتى ترى فاطمة رضي الله عنها تحقق كمال المرأة بمعنى أنوثتهـا!

إن الأبناء بحاجة لأمٍ تكون بجانبهم، لا قنوات المذياع وشاشات التلفاز، بل شخص حي بجوارهم يمنحهم العطف والأمان والأمومة! ويكون لهم قدوة ومربيًا

الضعف واللين

وعليها أن تفقه ضعفهـا هذا، ف هذا الضعف جميلٌ في موضعه إلا أنه نقطة ضعفٍ في التعامل خارج المحيط الأسري ولهذا كانت قيود الشرع.

الشرع قيدٌ شريف حين يتركه المرء يقع في قيدٍ أذل

من جمال التشريع  أنه على الرغم من كونه في ظاهره قيد إلا أنه يعصمك من كل قيود الهوى.. فالحمد لله كثيرًا!

وعلى المرأة أن تدرك ضعفها هذا فتحفظ قلبها وأنوثتهـا، فهما جمـال لا يكونا إلا لمن هي سكنٌ له! لا أعرف كيف أصف الأمر لك، لكن المغريات كثير ووسائل الإعلام أفسدت العقول، لكن أنتِ جاهدي لحفظ قلبك وحفظ فطرتك مستعينة بالله عز وجل، حتى يقدر الله عز وجل أمرًا، حينها ستدركين أكثر جمال التشريع هذا الذي يفرض عليك عدم مخالطة الرجـال ثم ها أنت سكنًا لأحدهم هو وحده استحق هذا الأمر!

حسن السمع والطاعة

من فقه المرأة لأنوثتها أن تفقه أن جمالها في حسن السمع والطاعة، لا كثرة الرفض والمجادلة.. ولا أتكلم ها هنا عن إبداء رأيها، لا أبدًا، لكن باللطف والرحمة.

وحين تدرك المرأة أن ما خلقها الله من أجله هو بسط ظلال السكينة في البيت لا المزاحمة خارج البيت، فتكون مستقرة النفس، تعلم أن طاعتها لأبيها أو زوجها أفضل عند الله عز وجل حتى من صلاة نافلة تؤديهـا!

حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله

بما فيه الجهاد! والسيدة عائشة تقول: “فنظرت إليه أيكره أن أرد عليهـا” .. يا الله، إنها تتفقد ما يحب وما يكره فتتخير ما يرضيه من أفعال!

ترك الجدال

أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا

ولو كان محقًا! سبحان الله، يفسد الجدال الأمر وصفاء القلوب، ولهذا نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وإنك حين تتركين الجدال وتنهين الأمر بكلماتٍ طيبة فإن قدرك يسمو في قلب من تحدثين حتى ليترك رأيه تقديرًا وامتنانًا

التغافل

كما من حسن صفات الرجل أن يتغافل عن الزلات، فمن جمال المرأة أن تتغافل؛ أن تنحاز المرأة لمن تحب ضد نفسهـا.. وأنت الرابحة الأولى من سكينة بيتك.

حفظ السـر

من العوامل التي تساعد المرأة في كونها مهاد الحنان والطمأنينة والسكن: حفظ السر؛ إن حفظك للسر وعدم إفشائه، أو تكتمك لموقف سيء قام به الزوج-ذو المعدن الطيب-لهو عنده بمثابة مواساة خديجة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
أن تحفظي بريقه أمام الآخرين!

كلمة في أُذنكِ

الأنوثة هي فطرة أودعها الله عز وجل كل نساء العالم، مما لا شك فيه أنه في كثير من الأحيان يختبأ جمال الفطرة وراء ركام مخلفات الإعلام أو سوء معاملة من المجتمع أو الأهل، فلتتعلم المرأة أن تحيي أنوثتهـا وتمارسهـا، وألا تنشغل بما عند غيرها أو بظواهر الأمور (دروس، إجازات، دورات) وأن تنشغل بتحقيق أنوثتهـا وتدرك جلال خلق الله عز وجل لها فيكتمل جلالهـا.

خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى