كوني حواء
تلك اللحظة التي قال الله سبحانه وتعالى مُخاطبًا الملائكة: “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً” .. ثم كان خلق آدم عليه السـلام، وتبعته حواء. “خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً”
جعلنا الله عز وجل خلفاء في الأرضِ ذكورًا وإناثًا ولا فارق بينهما في هذا، ولما أراد سبحانه وتعالى أن يكون لآدم ذرية لم يخلق ذكرًا مثله بل كانت حـواء!
أي أنه لم يكن من الممكن أبدًا أن يكون كل الخلق رجالًا، أو يكون كله نساءًا .. بل كان لابد من هذا الاختلاف ليحدث التكامل بينهما وتستمر الحياة.
ويا فتاة، هلا فكرت مليًا.. لماذا كانت حـواء بالذات.. وكنت أنتِ؟! وهلا فكرتِ ما أراد الله منك تحديدًا لتقومي به على أكمل وجه، فتستحقين شرف مباهاة الله بك لملائكته حين قال: “إني جاعلٌ في الأرض خليفة”
وكما وجدنا في القرآن الكريم، فم يكن ثمة فارقٍ بين الرجل والمرأة في عبادة الله عز وجل، وأمانة الخلافة في الأرض، وكذلك الأجر والثواب “من عمل صاحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوايعملون”
لكن.. لأنه هناك اختلافات ونقاط تلاقى، هناك اختلافات ظاهرية تكوينية، كان لابد من اختلاف بعض المهام وتنوعهـا .. فليس كلُ ما يصلح للرجل يصلح للمرأة والعكس تمامًا!
وتبعًا لهذه الاختلافات كان لابد من تكاليفٍ تنطبق على واحدٍولا يكلف بها اآخر بل يُكلف بغيرهـا.
أي أن كل منهما كنفس خلقها الله تعبده لا فارق بينهما في هذا.. من أهم الاختلافات التي تتميز بهـا المرأة:
الأنوثة:
في حقيقة الوجود كما أسلفنا كنت أنثى، ولست رجلًا..ومما يقيم الأنوثة.. قِوامة الرجل، وسعيه هو للعمل والإنفاق. والأنوثة أمرٌ فطري جُبلت عليه، لهذا لا يصلح أن تفسدي تلك الفطرة وتكونين مسترجلة! في هيئتك أو مشيك أو كلامك أو نحو ذلك، أو مزاحمة الرجال في أعمالهم.
واقتضى منك هذا الحياء والتخفى.. أما الحياء فإنه خلقٌ إسلامي عام يتشارك فيه الرجال والنساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، وماكان الحياء في شيء قط إلا زانه” إلا أنه للمرأة أمرٌ يكاد يكون من تكوينها وفطرتها.
فلا تقف الفتاة المسلمة بثياب ضيقة قصيرة، ولا تحادث الرجال وتمازحهم! ويكون لهـا صديق وأكثر!! بل تبتعد عن أماكن مخالطتهم..وكما يقول الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله: “فإن التخفي سر بقاء الحياء، والحياء سر بقاء الجمال”
وكان التخفي هذا من واجبات عبوديتك لله سبحانه وتعالى، فنجد في الثياب قول الله تعالى
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ”
وسنؤجل أمر الحجاب قليلًا..
وفي حركتها: “وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ”
وهنـا نقطة مهمة قد تفشت في مجتمعاتنا كالسرطان! هؤلاء المتزوجون، خصوصًا حديثي العهد بالزواج.. ليس لكم أن تخرجوا في استعراضات غير لائقة بالمرة..أقل ما في الأمر أنك تلفت الأنظار لزوجتك بدل أن تصونهـا فاتقوا الله في أنفسكم، وصدقًا ما هكذا يكون الحب!
ناهيك عن هؤلاء الذين يعرضون صور زوجاتهم على صفحاتهم الشخصية المكتظة بالرجال! ويتحدثون عن خصالهن بلا تحفظ.. والله أقل ما في الأمر أن يقع شيئًا ما في قلوب الرجال تجاههن، فإنا بـشر!
وإن أردتموه حبًا فإن الحب الصادق سيمسه الناس بينكما من تقديرٍ واحترام دون كل هذه الاستعراضات!
وفي صوتهـا: ليس مُطلقًا ولكن كأن تغني أو تتلو القرآن في حضرة الرجال، أو تلين بصوتهـا.
الأمومة:
الأمومة، تعرفين ذلك الحنين للأطفال الذي يملؤك، هو فطرة وضعها الله فيكِ، وهي أعظم ثغورك ومهامك على الإطلاق.. مهمة تنشأة هذه الجيل المسلم، فأنتِ ركنٌ أساسي لاستمرار المجتمع المسلم، وبغيابك عن هذا الأمر.. يسقط المجتمع سريعًا حتى ينهار!
فمن للأبناء حين تغيبين أنت؟ وتتركينهم لأي شيء يملؤ أفكارهم بأي قيمٍ كانت!
وقد حازت المرأة في الأسرة موقعًا لا ينازعها فيه أحد، وكان تكريمها هذا بأمرٍ من رب العالمين..
فإن كانت بنتًا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان له ثلاث بناتٍ فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجابًا من النار ” وقد كانوا قبل الإسلام يئدون البنات!
وإن كانت زوجة “خير متاع الدنيا المرأة الصالحة”
وإن كانت أمًا .. فقد قال الله تعالى” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : “جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)
بالله، كيف تتركين كل هذا وتقولين أريد المساواة بالرجل!! .. فيا حبيبة أفلا تدركين حقيقة الأمور، وتنفضي التراب عن فطرتك الطيبة؟ لقد كان الرجل مكلفًا بالعمل والسعي خارج البيت وتحمل المشاق، للإنفاق على أهله، وكنت له سكنًا وكان لك سندًا.
ثم كنت الدفـء لأبنائك وصمام أمانهم.. ثم أنتِ تدفعين كل هذا وتلقينه خلف ظهرك، وتنادين أريد العمل أريد العمل، فأهملت بيتك وأبناءك واختفت المودة والرحمة..كل هذا لتؤدي وظائف الرجال!
وأصبحوا يعاملونك كما الرجل، فتقفين في المواصلات ولا يشعرون! ويكون لمدير العمل الحق في أن يرفع صوته عاليًا على المرأة بدل أن يحسن عليها، واختلت الموازين! فهلا تدركين؟
ثم هلا فكرتي قليلًا حين ينقضي العمر الطويل، هل حقًا ستكون سعادتك أن كنتِ في دوامة احياة لا تستطعين فكاكًا! أم سيكون الأجمل هـؤلاء الصغار الذين كبروا على يديك وتحت ناظريكم، ثم هـا هم يمضون في الحياة وفق مراد الله عز وجل؟
لا مانع يا فتاة أن تحصلي على أعلى الدرجات، طالما لا يكون ثمن هذا بيتك وأبنائك، الذين أنت بهجتهم جميعًا.
وبلا مزاحمة للرجال، وزيادة في الاختلاط..فلا تفقدين من قلبك ما تفقدين، ومن أنوثتك فتصيري مسترجلة لتقدري على الوقوف.. وبعد؟
فأين أنت من مراد الله منك حين أرادهـا حواء؟!
الحجاب:
الآن صارت المرأة سلعة تباع وتشترى!! ففي الإعلانات نساء عاريات لرواج السلعة! حتى لو كانت سيارة.
وتذكرين يا صديقة يوم قلت لي: إننا كنساء مظلومات، لا وجود لنا في هذه الحياة إلا بقدر جمالنا! وماذا بعد أن نكبر، وترسم السنون آثارهـا في وجوهنا، سنكون بلاقيمة!
أقول يا حبيبة: هذا لأنك أهملت نظرة الإسلام للمرأة، وامتلأت بالثقافة الغربية التي سادت مجتمعاتنا، وجعلت منا عبيدًا لأهوائهم.. إنهم حين اختزلوا حرية المرأة في العري، ومزاحمة الرجال ووافقت على هذا، فقد جعلت المرأة تتهاوى عن تكريم الله حين قال: “ولقد كرمنا بنى آدم”.
إنما أنتِ نفسٌ وجمال النفوس يبقى، وكما يقول الشيخ فريد الأنصاري: “وإنما حرية المرأة لوتبصرين، بنيتي هي كسر أغلال العبودية التي تربطك إلى شهوات النفس البهمية والتمرد على النموذج الغربي للحياة، ورفع راية الإسلام راية العفة والكرامة في اللباس الإسلامي العالي”
بنيتى، مصيرك الوجودي أقوله في كلمة واحدة: أنت محجبة! إذن أنتِ موجودة.
الحجاب والتوحيد!
بدأت قضية الحجاب منذ خلق آدم عليه السـلام، قال الله تعالى: “فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا “
“فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا” .. وقال بن كثير: إنما قرن بين الجوع والعري؛ لأن الجوع ذل الباطن، والعري ذل الظاهر”
ثم قال الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ”
فلا يقصد من الحجاب إصلاح اظاهر، دون اكتراث لأمر الباطن..لا أبدًا. وإن هيأتك لشكلٌ من أشكال العبادة، ونوع من أنواع الاستخلاف في الأرض.. فهل قمتِ بها كما يجب؟!
ولأنها شكلٌ من أشكال العبادة، فعليك أن تختاري ما بين أمر الله عز وجل، أو إغراءات الموضة، وإغواءات الشيطان!
وصدر الأمر في القرآن الكريم:
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيهن”
والآن بعدما فهمتِ أن من لوازم أنوثتك اتخفي والحجاب، فلابد أنك تفهمين أن تلك القماشة القصيرة التي توضع على الرأس بينما الثوب يصف ويشف فهذا ليس حجابًا بالتأكيد.. وإنما يقبل الله العبادة حين تكون خالصة لوجهه، وصوابًا كما أرادهـا سبحانه.
وإنما هيئته:
*يُدنين عليهن من جلابيهن: واسع فضفاض
* “ولا يبدين زينتهن”
*لا تتبعين فيه إغراءا الموضة، والألوان البراقة، فإنمـا غرض الحجاب الستر والتخفي لا لفت الأنظار!
*بالطبع تغطية القدم! “
وليس معنى هذا، أن تلبس أردأ الثياب، وتكوني سيئة المنظر، بل إن ما يحرم عليك أن تكون ملابسك فتنة وغواية!
وتعرفين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ”
كيف يمكن أن يكون قلبك أبيضًا نقيًا طاهرًا ولما تطيع جوارحك بعد أمر الله عز وجل، ولما يُسدل عليك حجابك بعد؟!
فيا حبيبة، هلا عُدتِ لأمر الله عز وجل، ونظرتِ ماذا أراد منك حين جعلك خليفة في الأرض؟
وكما يقول الشيخ فريد الأنصاري:
“إن المرأة المؤمنة بالله واليوم الآخر تعبد ربها بلباسها، ولا يقبل الله من العبادة إلا ما كان على شرطين. الأول: أن يكون خالصا له تعالى، والثاني: أن يكون صوابا، أي منضبطا لحدود الله، كما وردت في كتاب الله وسنة رسول الله، بلا تبديل ولا تحريف!
إن الفتاة المؤمنة لا تخرج بالبنطلونات والمعاطف القصيرة! والسراويل التي لا يسترها جلباب! وإن الفتاة المؤمنة لا تخرج على الناس بالبذلات الأوروبية، متشبهة بالرجال على طريقة اليهوديات والنصرانيات، ثم تضع على رأسها خرقة لتوهم نفسها أنها متحجبة! وإنما الحجاب عبادة، ولا يعبد الله إلا بما شرع، لا بأهواء الناس وموضاتهم.
وإن الفتاة المؤمنة لا تضع خرقة قصيرة فوق رأسها ثم تعري كعابها للناس!
ولا خلاف في أن القدم مما يجب على المرأة ستره؛ إلا خلافا ليس له حظ من النظر! ولا صلاة لمن صلت وكعبها عارٍ، كاشفة ظهور قدميها!
وإن الفتاة المؤمنة لا تخرج بالثياب الناعمة المتموجة، التي تلتصق بالجسم، لتكشف عن فتنته عبر كل خطوة وحركة! وإن الفتاة المؤمنة لا تملأ الساحات بالصخب والقهقهات!
وإنما الفتاة المؤمنة هي التي تمر كما تمر الملائكة، ستيرة حيية، تزينها السكينة ويجللها الوقار! فإذا مزحت مزحت بأدب، وإذا جدت كان لجِدِّها قوة الشمس في تبديد الظلام!
وإنما الفتاة المؤمنة هي التي ترفع راية الإسلام بلباسها الشرعي، وخلقها الاجتماعي، فلا تفتنها الأضواء الفاضحة، ولا الدعايات الكاشفة، بل تجاهد في الله من أجل بناء قيم الإسلام في المجتمع من جديد،إن الفتاة التي احتجبت حقا وصدقا، لا تفتنها إغواءات الشيطان، وإغراءات الموضات المتدفقة بالفتن!”
كوني حواء:
وكان تكريمك يا فتاة، وسر جمالك في تمسكك بفطرتك التي خلقك الله عليها.. وكان التدني وإهدار قيمتك في طلب المساواة بالرجل، ومزاحمتهم في ميادين العمل، ونزع ستر الحياء عنك.
وكانت قيمتك أن جعلك الله صاحبة لزوجك، وجعل بينكما مودة ورحمة، تلك لا تذوي ولا تفنى مع الجمـال أبدًا! وكان تكريمك أمًا يطلب الأبناء برهـا ورضـاها..بل قرنت طاعتك كأم بطاعة الله عز وجل “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”
قيمتك أن وصى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته فقال: “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا”
قيمتك أن تكوني كما أرادك الله.. حـواء!