صعوبة ترك المُستخدمين لشبكة اجتماعية للانتقال إلى شبكات أخرى، حقيقة أم وهم؟
هل يُمكن أن تظهر شبكة اجتماعية جديدة تقوم بسرقة الأضواء والمُستخدمين من فيس بوك مثلما فعلتها فيس بوك سابقًا مع MySpace؟ أم أن تجذر فيس بوك في طريقة استخدامنا للويب بشكل يومي يجعل الأمر مُستحيلًا؟ ماذا عن بياناتك على مُختلف الشبكات الاجتماعية التي تستخدمها؟ هل ستحتفظ بنشاطك على هذه الشبكة أو تلك بسبب بياناتك عليها فقط؟ وهل فعلا لتلك البيانات تلك الأهمية التي تعتقد بأنها تملكها أم أنه مُجرد انطباع لا يستند إلى أي أساس؟
يُبين الرسم البياني التالي المأخوذ من Google Trends مراحل بزوغ نجوم 5 شبكات اجتماعية مُختلفة وأفولها. امتازت كلٌ من هذه الشبكات الاجتماعية بخواص كان يُفترض بها أن تسمح لها بإحكام الوثاق على المُستخدم ومنعه من المُغادرة. اعتقدت كل من هذه الشبكات اجتماعية بأنها وجدت الحل الأمثل لإبقاء المُستخدم عليها، بل وأوهمت نفسها بأنه يستحيل للمُستخدم أن يتخلى عن كامل تاريخه على تلك الشبكة من صور وتفاعل ووسوم وما إلى ذلك، بالرغم من التاريخ أثبت بأن المُستخدم قادر على القيام بذلك والتخلي عن كامل ماضيه والانتقال إلى منصة أخرى مثلما يوحي إليه هذا الرسم البياني.
قد نتساءل عن المدى الذي يُمكن أن يصل إليه هذا الوضع، وهل ينطبق مثلًا على رسائل البريد الإلكتروني أيضًا؟ ما هي القيمة التي يعطيها المُستخدم البسيط لتلك الرسائل ولذلك الأرشيف؟ الاعتقاد السائد بأنه من الصعب جدًا التخلي عن ذلك رغم أن العكس هو الصحيح، فلو سبق لك وأن تركت وظيفة كنت تعتمد فيها بشكل كبير على البريد الإلكتروني فإنك قد لاحظت بأنه كان بإمكانك التخلي عن عنوانك البريدي وعن كامل مُحتواه بكل أريحية. بطبيعة الحال سيكون لكل تلك الرسائل دلالة “تاريخية” أو قد تحن إليها لكنها لا تملك أية فائدة عملية.
أحد المشاكل التي تعاني منها فيس بوك حاليًا على الهواتف الذكية هو قدرة منافسيها على”تفكيك” خدماتها والتركيز على واحدة منها فقط، خاصة وأن جهات الاتصال وألبومات الصور متاحة لجميع التطبيقات المتواجدة على الهواتف الذكية، وهو عكس ما كان عليه الوضع على الحواسيب أين تحتاج أية خدمة ترغب في منافسة فيس بوك إلى بناء هذه الموارد من جديد، وهو أمر يجعل من منافسة فيس بوك على الهواتف الذكية أسهل بكثير، حيث يكفي التركيز فقط على إحدى خدمتها فقط (تشارك الصور، الرسائل النصية، الألعاب…). كما أن هذا الوضع فتح المجال أمام آليات جديدة لم تعرفها فيس بوك مثلما هو عليه الحال مع Snapchat. كل هذه التطبيقات تعتمد على موارد الهواتف الذكية آنفة الذكر مثلما كانت تعتمد تطبيقات فيس بوك على بيانات وموارد فيس بوك.
أغلب المُستخدمين يستخدمون العديد من هذه الخدمات والتطبيقات في آن واحد سواء للتواصل مع نفس الشخص أو مع أشخاص مُختلفين. بعبارة أخرى، ما يهم المُستخدم أكثر ليس تلك الرسائل التي أرسلها لهذا الشخص أو ذاك وليس أرشيف تلك الرسائل بقدر ما تهمه تلك العلاقة مع الشخص الذي يتواصل معه أيًا كانت الوسيلة التي يستخدمها لذلك، حيث تجد الشخص الواحد يُغير التطبيقات وخدمات التواصل ويتخلص من أرشيفه كاملًا في رمشة عين، بل وهناك من يفعل ذلك عمدًا، وما تطبيق Path إلا دليل على ذلك، حيث يهدف إلى توفير بيئة مُشابهة لفيس بوك لكن التواصل فيها يكون مع الأصدقاء الحقيقين فقط، دون نقل أرشيف المحادثات التي سبق وأن تمت على فيس بوك. بعبارة أخرى القيمة الحقيقية تكمن في جهات الاتصال في حد ذاتها التي نجدها على الهواتف الذكية وليس في الخدمات الاجتماعية والمُحادثات التي تمت فيما بينها.
LinkedIn أيضا يعاني من مُشكل مُماثل، فبعد أن تتراكم لديك بضع مئات جهات اتصال، فإن ما ستراه عادة لما تزور الشبكة الاجتماعية هم أشخاص لم تعد تذكرهم أو لم تعد تربطك بهم علاقة مهنية، بل مُجرد أشخاص سبق لك وأن التقيت بهم مرة أو مرتين منذ بضع سنوات وتبين لك حينها بأنهم أشخاص جديرون بإبقاء الاتصال بهم، لكن بعد مرور كل هذه الأشهر والسنوات لم يصبحوا يُمثلون بالنسبة لك سوى أسماء لا تحمل أية دلالة. جهات الاتصال الخاصة بك على LinkedIn أشبه ما تكون بالـ Business Cards التي تجدها في إحدى زوايا مكتبك ولا تدري ما الذي ستفعله بها، وهو ما سيدفعك للاحتفاظ بها لسنة أو سنتين إضافتين، حتى تُصادفك من جديد وحينها تقرر أن تمزقها للتخلص منها، ليس لأن بيانات الاتصال التي تحملها لم تعد صالحة، بل لأنها بيانات اتصال حصلت عليها منذ سنوات طويلة ولم تعد تُمثل لك أية فائدة. حال هذه البيانات على Linkedin هو نفس حال البيانات على فيس بوك وخاصة وسومها وصورها، هي بيانات توليها اهتمامًا في حينها، لكن لو فكرت في الأمر قليلًا لوجدت بأنك لا تكثرت فعلًا لكل تلك البيانات القديمة، بل ستسر لو وجدت آلية للتخلص من القديم منها مثلما تخلصت من تلك الـ Business Cards أو تلك الاتصالات على LinkedIn. مثلما هو عليه الحال مع Path الذي تحمل مُشكلة الأصدقاء الحقيقين على فيس بوك ربما حان الأوان لإطلاق خدمة مُماثلة على LinkedIn للأشخاص الذين تعرفهم شخصيًا (ومهنيًا) معرفة مُباشرة.
يُمكن اعتبار Snapchat الصورة الأوضح لهذا الوضع، عمليات التواصل التي تقوم بها سواء كان اجتماعيًا أو مهنيًا فإنه سيختفي مع مرور الوقت. بعد مرور الوقت لن يكون لأرشيف تلك الرسائل أية قيمة تُذكر (إذا ما استثنينا محامي الشركة المعنية بالأمر). وبالتالي يجب أن نفرق ما بين العلاقة التي تربطك بمعارفك بشكل مُباشر ومُختلف التطبيقات التي يُمكن من خلالها التواصل معهم (اتصال هاتفي، رسائل SMS، مقهى، Instagram، تويتر، Snapchat، WhatsApp، فيس بوك…)
الكثير من الشركات تملك قاعدة مُستخدمين كبيرة جدًا، وتحتفظ ببيانات ضخمة حولهم وهذا الأمر يعطيها انطباعًا خاطئًا بأنها أحكمت الوثاق على المُستخدم وأنه يستحيل عليه أن يتخلى عنها. لكن ربما ما يُهم المُستخدمين أكثر هو حضور أصدقائهم على تلك الشبكات، فالوضع أقرب ما يكون من المقهى (أو أي مكان يكون لحضور أصدقائك فيه القيمة الأكبر) منه ما يكون من البنك (أين تحتفظ ببياناتك/أموالك)، فلو انتقل أصدقاؤك إلى مقهى آخر فحتما ستنتقل معهم، والديناميكية الحالية على الهواتف الذكية تلغي أية حواجز للانتقال. امتلاك قائمة جهات الاتصال وربما ألبومات الصور هما نقطتا التحكم الرئيسيتين ومن الصعب جدًا إزاحة مالكي هذين الموردين (المُستخدم في حد ذاته) للتحكم فيهما.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي الطريقة المُثلى التي يُمكن من خلالها تعريف كل فرد من جهات الاتصال هذه؟ وهل هناك فعلًا طريقة مثلى لتحديد كل واحد منها؟ هل يُمكن لعنوان بريد إلكتروني، رقم هاتف، حساب تويتر أو فيس بوك أن يعلب هذا الدور؟ أم أنه لا بديل حقيقي للعلاقات الشخصية في العالم الحقيقي؟.
ترجمة -وبتصرف- للمقال: Dead social networks and the value of history لصاحبه Benedict Evans