القوة النفسية.. في امتلك زمام الأمر
كثيرًا ما كانت تتردد عبارة: “كيف ننتصر وبيننا أصحابُ الذنوب؟!” ربما تختلف مع الجملة أو تتفق، ولعل التعبير غير صحيح، فكلنا أصحابُ ذنـوب. إلا أن علينا أن نلتفت للمعنى المُراد منها، فلعل السؤال يكون:
كيف تقود الأمة، ولم تملك زمام أمرك بعد؟!
إن أخطر شيء في حياة من يحمل الرسالة، هو أن يؤتى من قِبل نفسه؟ فمهما كانت الظروف المحيطة به، لا تستطيع إضعافه كما تفعل نفسه. ولا يستطيع المرء هذا الثبات إلا حين يخالف هواه ليحل محله دين الله عز وجل.
من الخواطر الرائعة التي قيلت حول الآية: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي) أن تملك نفسك ويرزقك الله التمكين في النفس أي لم تعد تستثقل الطاعات، وقيام الليل، لم تعد تميل نفسك لسماع الأغاني أو الأفلام، أو اختلاس نظرة عابرة هنا أو هناك. يعني أن تقيم علاقة مع القرآن، أن تكون في واقع مريض لا يمنعك من أن تملك نفسك إذا فقدت التأثير فيمن حولك.
وأمثلة هذه كثيرة منها ما جاءنا من الرسل ومنهم على سبيل المثال:
نبي الله يوسف -عليه السلام-
لما ألقاه إخوته في الجب.. كان في كربٍ شديد، يود الخروج من هذا الكرب، وهو الآن في موضع الضعف، ثم لما صار في موضع القوة ولقي إخوته نادمين كان بإمكانه الانتقـام منهم إن لم يخالف هواه، هنا نفسه تكون ضده، فكيف إن هو لم يعتد مخالفتها لوافق شرع الله عز وجل؟
وفي موقفه مع امرأة العزيز؛ حين خالفها وخالف هوى نفسه. بالله كيف ينجو من هذا الموقف لو أنه يطيع هواه دائمًا ولا يخالفه ليحل محله دين الله عز وجل؟! فإن النفس تصير ضعيفة جدًا باتباعها هواها.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في مبلغ حزنه لوفاة أنسه خديجة -رضي الله عنها- من كانت تمسح حزنه، ووفاة عمه أبي طالب من كان يدفع عنه الأذى، ما لم يكن قلبه معلقٌ بالله عز وجل، كان ليركن إلى الظالمين، أو يترك تبليغ دعوة رب العالمين.
إلا أنه شق من الأزمة طريقًا لاستكمال رسالته، فذهب إلى الطائف مشيًا على قدميه، وهناك لقي ما لقي من الأذى صلى الله عليه وسلم، وبينما هو يستريح في ظل شجـرة أتى إليه غلامٌ يدعى عداس بتمر؛ فإذا بعداسٍ هذا من قرية نبي الله يونس عليه السلام في رسالة للنبي -صلى الله عليه وسلم- من ربه بعد كل هذا الذي لاقاه، أنه ما ينبغي له أن يترك تبليغ رسالته أبدًا.
فكان دعاء النبي صلى الله عيه وسلم ذلك الدعاء الجليل الذي حمل أسمى المعاني، وكان فيه كل الرضا فقط الخوف من أن يكون قصر في دعوته:
إن لم يكن بك غضبٌ على فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
القوة النفسية
القوة النفسية للمرء، تكمن في أمرين مهمين:
- مخالفة الهوى، ليوافق شرع الله -عز وجل.
- الاعتزاز بما تخـوض المعركة من أجله.
فإنك إن لم تكن تدرك قيمته في الدنيا والآخـرة، فأنَّى لك الصبر على الوحدة، وأن تكون مختلفًا بين الناس. هذا الاعتزاز والثبات يمكنك ألا تذوب في عادات المجتمعات وما يملؤها مما يخالف شـرع الله، بل كلما تعاظمت قيمته في نفسك، تبدأ أنت بصناعة التغيير وجذبهم إلى قيم الإسـلام.
وعلى الجانب الآخـر، لما تناسينا أن المعركة في أصلها دينية! نسينا أننا نخوض كل هذا لإقامة دين الله -عز وجل-، الذي نفرط فيه كثيرًا في طريقنا لإقامته!
فمالت قلوبنا، واتبعنا أهواءنا، وصار المهم أننا نحمل الفكرة الفلانية، وننتمي للجهة الفلانية. بغير أن نزكي أنفسنا ونطهرها ونستقوي بالله رب العالمين. فتارة كدنا نركن للظالمين، وتارة تعلقت قلوبنا بغير الله -عز وجل-، وتارة أُخرى أهملنا عبادتنا وضعفت أنفسنا.
إن الحياة عقيدةٌ وجهاد.. والعقيدة علمٌ وعمل.. فكرٌ وإيمان.
ولا يسعك أن تقول أن هؤلاء أنبياء وأنهم معصومون! لأن الله لما أرسل كتابًا لكل قوم، أرسل معه نبي ليكون هو النموذج الحي الذي يُقتدى به. وقال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
إنما جاءوا لنقتدي بهم ونمضي على دربهم. ولا تنسى أنك هنا لتصنع التغيير، وتأخذ بيد الناس إلى طريق رب العالمين.. كلما ضعفت همتك تذكر أنك ستُسأل عن نفسك، وعن هؤلاء.
رائع