وصايا مشؤومة أباحت إبادة الإنسان
يُخطّئ من يظن أن السياسة أو تقاطع المصالح وراء حرب الإبادة في الشام و العراق، و يُخطّى من يقول أن المفاوضات و الإعانات الأممية سوف تخفف من معاناة سنة العرب، أو تعيد لهم بعض حقوقهم المنهوبة، و يُخطّي أيضا من لا يظن إن العوامل الدينية والجغرافية لم تكن سببا رئيسيا في العدوان الهمجي الروسي الإيراني الأخير على حلب و الموصل، فمن كان يرى التاريخ في زمننا الحالي محال استدعاءه، فان الوصايا الدينية تستحضر ذاكرة التاريخ في واقعنا المعاصر، و من وقائع القرون الوسطى تستذكر حروب مقدسة حملها الإنسان عبر أجيال متعاقبة، و ارث ثقيل من الصراع الحضاري بين الإسلام و الصليبية، دائما ما كان يأتي بوجهه العسكري مستعمرًا، و محدثًا الكثير من التحولات التاريخية، و المتغيرات على الأرض جغرافيا وديموغرافيا.
فالغزاة منذ قدم الحضارات الإنسانية يتعقبون الأثر فوق الأراضي السورية، تدفعهم وصايا عقائدية باركتها الكنائس بالصلوات، و استغلها الأباطرة بالسيطرة عليها و توسيع النفوذ، لكن الشام في عصر حضارة العلوم الإنسانية الحديثة، شهدت أبشع هجوم وحشي، و أفظع جريمة تاريخية للإنسان المعاصر في مجازر جماعية على يد المغول الجدد من الفرس و الروس لم يسبق لها مثيل.
فالقائد الروسي بوتين اقتحم المعركة متذعرا بحماية المصالح الروسية و كأنه يرد على تمادي فرنسا و بريطانيا من إنفاذ اتفاقية سايكس بيكو التي نصت على إعطاء الإمبراطور الروسي آنذاك وجودا روسيا في الأناضول فيما رأى بطريرك الكنيسة الروسية إن التدخل المسلح ضروري حاليا في سوريا، و فرصة مواتية لتنفيذ وصايا بطرس الأكبر-أحد أشهر قياصرة روسيا في القرن الثامن عشر-بحماية الأقلية الأرثوذوكسية في بلاد المسلمين التابعين مذهبيًا للكنيسة الروسية، وحمايتهم من اضطهاد المسلمين كما يدعي.
لكن القيصر بوتين الحالي يريد إن يظهر شجاعته في أزمة سوريا المفتعلة من قبل أمريكا و إسرائيل مناسبة للدخول فيها عبر إيران الفارسية في المنطقة التي هي الأخرى تتقدم في العمق العربي مستغلة ولاءات الطائفة الشيعية العربية لها، و لتمكين وصية الخميني قائد الثورة الإيرانية 1979 الذي قد أوصي اتباعية من قبل بإقامة الإمبراطورية الفارسية، و نشر التشيع في الدول العربية.
هذا التموضع الإيراني الأزلي، و انتشار ميليشياتها الشيعية في المناطق العربية، لم يكن ليأتي لولا إن هناك توافق أمريكي- روسي-إسرائيلي على منح التمدد الشيعي غطاء سياسي، ودعم عسكري تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، و مقاتلة الدولة الإسلامية في العراق و الشام، و يحصر الدور الشيعي في نطاق محدود لا يتجاوز الأهداف المعلنة في مقابل سيادة شيعية على المناطق الأكثرية للعرب السنّة، فهناك التواجد الأمريكي ألاستخباراتي المكثف و العسكري على ارض العراق جاء أيضا لتنفيذ الأجندة الصهيونية الاستعمارية التي تحمل في حقيبتها وصايا تخالف حقوق الإنسان، و تكرس مفهوم القتل و التعذيب في تفاهم مخفي لا يتصادم مع الوجود الروسي في سوريا.
عندما نستدعي التاريخ فأننا سنقرأ السلوك النفسي، و الخلفية الثقافية و الأخلاقية للغازي الأوروبي الذي في عبر يوما ما المحيط الأطلسي مستكشفا له أرضا جديدة ليستعمرها، و يستعبد من فيها فكان في استقباله السكان من الهنود الحمر يحتفون به بالورود ظنا منهم أنه آله الأساطير الهندية، ليكتشفوا بعد الفوات أنه مجرد إنسان مثلهم، لكنه يخفي بداخله نوايا شيطانية، و أفكار عرقية تسببت في انقراضه من على أرضه، ليترك خلفه للأجيال الأخرى صورة مشوهة رسمها له الرجل الأبيض، اعتبر فيها الهندي الأحمر همجي، لا يمكن التعايش معه مثل البشر، و لا جدوى من تعليمه أو ترويضه فاغتصب أرضه، و سلخ فروه رأسه ثم نشر الأمراض القاتلة بين أبنائه.
و من على ملايين الجماجم الهندية في القارة الأمريكية رفع الصليبيون البروتستانت شعار “المصير الحتمي” في تحديد ملامح عقيدتهم الجديدة إن “أمريكا للأمريكيين” فقط من الأطلسي إلى الهادي ثم قاموا باسترقاق حوالي أكثر من مائة مليون أفريقي كعبيد توفي اغلبهم، و تم إلقاؤهم في المحيط الأطلنطي، قبل إن يتراجعوا و يضعوا استراتيجيات النظام العالمي الجديد، بعد انتقال مقر الصهيونية العالمية السياسية من بريطانيا إلى واشنطن وتثبيت منظومة الدولة العلمانية، عبر الهيمنة الفكرية و الاقتصادية و تجيش الجيوش من اجل نقل الإمبريالية الغربية إلى الشرق الأوسط، و تنبيت شجرة اليهود في ارض العرب فلسطين، التي أوصى بها اليهودي “هرتزل” الأب الروحي و المؤسس للصهيونية العالمية بضرورة جمع شتات اليهود و أحلالهم مكان السكان الأصليين و إن تقوم مستوطنتهم الإسرائيلية على العنف و إبادة السكان العرب أو طردهم من أرضهم كما حدث مع الشعب الأحمر، و هو ما حدث بالفعل بعد وفاته عبر وعد بلفور.
تتعاظم هذا الوصايا في دواخل الغازي الأوروبي، وتصبح عقيدة عسكرية تمنحه الكبرياء، والتشريع بحق القتل، والاستعمار للأرض بعد إجلاء السكان الأصليين منها، فمن لا يستطيع قراءة التاريخ، واستيعاب ما فيه فان الصورة الحديثة في بلاد الشام والعراق جليّة، تستنسخ صور الماضي من تاريخ المستعمر الأوروبي الدموي، فلا مجال لجدلية التخاذل عن مواجهة حقائق التاريخ في حروب الوصايا العقائدية عند الغرب.
بوتين ليس قيصرًا، يتبختر على المسلمين فقط، لا طاقة له بمواجهة امريكا ولا حتى أوروبا!