الشيخ الأسير عمر عبد الرحمن.. الكفيف الذي تخشاه أمريكا
الشيخ “عمر عبد الرحمن”، لعلَّك سمعت هذا الاسم من قبل، ولعلَّك عَلِمت أنه أسير لدى أمريكا! ولكن هل فكَّرتَ لماذا هو بالذات الذي أُسِر؟ ولماذا يهتمون بأن يتحفظوا على شيخ كفيف، جاوز السبعين من عمره! أليس شيئًا يدعو للدهشة والاستغراب؟
أقوى دولة في العالم تخشى من شيخ كفيف أن تتركه حرًا خارج سجونها! وماذا فعل حتى في شبابه وهو كفيف لكي يكون خطرًا عليهم؛ فيعتقلوه! عندما تعرف عن تاريخه، ستعلم لماذا تحديدًا! أو لعل إسلامنا يجيبك قبلها؛ أنه لا قوة لعبد ولا حول إلا بالله، فلا ببصر، ولا بسمع، ولا بقدمين! لأن نصرة دين الله تحتاج قلبًا صادقًا مع الله، فلا يمنعك منها -كذلك- بصر، أو سمع، أو قدمان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
التدرج في طلب العلم الشرعي
وُلِدَ الشيخ عمر عبد الرحمن عام 1938م، وبدأ حفظه للقرآن من سن صغيرة، وأتم حفظه وهو في الحادية عشر من عمره. لم يولد الشيخ كفيفًا، ولكن فقد بصره بعد عشرة شهور من ولادته.
وأخذ يتدرج في طلب العلم الشرعي حتى دخل كلية أصول الدين وتخرج منها عام 1965م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، فعُيِّنَ من وزارة الأوقاف إمامًا لمسجد بقرية في الفيوم، ثم حصل على شهادة الماجستير، فعُيِّنَ مُعيدًا في الكلية، واستمر في الخطابة تطوُّعًا.
ولكن الذئاب المتسلطة لا تترك مُعَلِّمًا مُسلِمًا بحق، فأُوقِف الشيخ عن العمل عام 1969م، ولم تتوقف المضايقات طبعًا، بل استمرت.
موقف لن يُنسى للشيخ عمر عبد الرحمن
عند هلاك الطاغية “جمال عبد الناصر” كان للشيخ موقفًا لا يُنسى أوضَح صِحَّة منهج هذا الرجل وثباته على الحق، فقد اعتلى المنبر وأعلن قوله بعدم جواز الصلاة على هذا الطاغية، وكعادة النظام الغاشم المتسلط، فعل كما يفعل بأي مسلم بحق.
اعتقال وإصرار
تم اعتقال الشيخ عمر عبد الرحمن ثمانية أشهر في سجن القلعة، ثم بعد خروجه تمكن من الحصول على شهادة الدكتوراه في موضوع “موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة”، رغم المضايقات المستمرة، ومُنع من التعيين أيضًا، وظل الشيخ ممنوعًا حتى عام 1973م حيث عَمِل بالكلية في أسيوط حتى عام 1977م، ثم عَمِل بالكلية في الرياض ثلاث سنوات.
ونحيطكم علمًا بأنه في أواخر السبعينيات تجمع عدد من الشباب السلفي وتم تأسيس الجماعة الإسلامية في مصر بإمارة الشيخ. وطبعًا منذ هذا الوقت، وُضِع اسمه على قائمة المطلوبين للاعتقال، فحاول الشيخ الهرب، ولكن وقع في أيديهم… أسفًا.
لقد حُقِّقَ مع الشيخ في قضية تُسمّى “قضية الجهاد الكبرى” بعدما تم اعتقاله في عام 1981م، في شهر أكتوبر تحديدًا.
فدعونا نعلم كم هم جبناء، جبناء إلى الحد الذي جعلهم يعتقلون شيخًا كفيفًا ويحققون معه في مثل هذه القضية! -لمن لا يعلم، إن قضية “الجهاد الكبرى” هذه هي أكبر قضية في تاريخ القضاء المصري-.
ولنا مع هذه الفترة وقفات، فقد لقنهم الشيخ دروسًا ولقننا نحن دروسًا أيضًا في الثبات والعزة. فكان مما قال -فك الله أسره-: “إنني مطالب أمام ديني وأمام ضميري أن أدفع الظلم والجبروت، وأرد الشبهة والضلالات، وأكشف الزيغ والانحراف، وأفضح الظالمين على أعين الناس، وإن كلفني ذلك حياتي وما أملك. أنا لا يرهبني السجن ولا الإعدام، ولا أفرح بالعفو أو البراءة، ولا أحزن حيث يحكم علي بالقتل، فهي شهادة في سبيل الله، وعندئذ أقول: فزت ورب الكعبة، وعندئذ أقول أيضًا: ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي”.
وكان الشيخ يُحذِر القاضي من عذاب الله وعقابه من كونه يحمل مسئولية الظلم الذي وقع على المتهمين بهذه القضية.
الشيخ عمر عبد الرحمن في الولايات المتحدة
وبعد الإفراج عنه -فك الله أسره- عام 1984م بسِتّ سنوات سافر إلى الولايات المتحدة، وبشكل ملحوظ ظهرت نتائج الدعوة على يده -فك الله أسره- بعد أن حصل على الإقامة الدائمة بالولايات المتحدة بصفة أنه إمامًا وخطيبًا مُسلمًا.
واعتقل الشيخ -فك الله أسره- عام 1993م، وحَكَمَ عليه قاضٍ يهوديًا بالسجن مدى الحياة -200 عـام!-، ونحيطكم علمًا بأن هذا الحُكم لم يطبق منذ الحرب الأهلية الأمريكية!
والتُّهَم الموجهة إليه كانت:
- التآمر والتحريض على قلب نظام الحكم في الولايات المتحدة.
- التآمر والتحريض على اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك.
- التآمر على تفجير منشآت عسكرية.
- التآمر والتخطيط لشن حرب مدن ضد الولايات المتحدة.
وقد لعبت الحكومة المصرية وقتها دورًا أساسيًا في إثبات التهم عليه، فكان الدليل الوحيد على الشيخ عمر هو معلومات مخبر مصري من جهاز أمن الدولة.
لكَ أن تتخيل -أو تحاول أن ترى الواقع-: شيخ، كفيف، جاوز السبعين من عمره، مريض بعدة أمراض منها: “سرطان البنكرياس، والروماتيزم والصداع المزمن، وضيق في التنفس، والسكر، والضغط، وأمراض قلبية، ولا يشعر بأطرافه فهو يتحرك بكرسي متحرك منذ فترة”، لا يختلط بأحد، ولا يكلمه أحد؛ فهو في محبس انفرادي، أعتقد أنه حتى إن كنت كافرًا، فكونك إنسانًا فقط يفرض عليك الوقوف معه أو حتى مجرد التعاطف.
محاولات للإفراج عنه
ناشطة حقوقية تُدعى “إلين ستيورات” تدخلت للدفاع عنه، ولأن أمريكا دولة الحرية والكرامة والعدل والمساواة، تم سجنها بتهمة مساعدته.
يتضح لنا هُنا أنه ليس فقط نظام الحكم في مصر جبان، فنظام الحكم في هذه الدولة (أمريكا) أكثر جُبنًا، يسجنون من حاولت الدفاع عنه فقط، فأي رهبة هذه التي في قلوبهم منه! وأيضاً المُدافع عن الشيخ هُناك “رمزي كلارك” في الولايات المتحدة يُسمح له بمكالمة هاتفية مع الشيخ كل 15 يوم.
وصية عمر عبد الرحمن إلى أمة الإسلام
رسالة أرسلها الشيخ -فك الله أسره- بهذا العنوان إلى المسلمين كافّة. قال فيها:
“أيها الإخوة الأجلاء، أيها المسلمون في جميع أنحاء العالم! إن الحكومة الأمريكية رأت في سجني ووجودي في قبضتها: الفرصة السانحة، فهي تغتنمها أشد اغتنام لتمريغ عزة المسلم في التراب، والنيل من عزة المسلم وكرامته. فهم لذلك يحاصرونني، ليس الحصار المادي فحسب، إنهم يحاصرونني حصارًا معنويًا أيضًا، حيث يمنعون عني المترجم والقارئ والراديو والمسجل؛ فلا أسمع أخبار من الداخل أو الخارج. وهم يحاصرونني في السجن الانفرادي، فيمنع أحد يتكلم العربية أن يأتي إلي، فأظل طول اليوم والشهر والسنة لا أحد ولا يكلمني أحد، ولولا تلاوة القرآن لمسني كثير من الأمراض النفسية والعقلية.
وكذلك من أنواع الحصار أنهم يسلطون علي “كاميرا” ليلًا ونهارًا، لما في ذلك من كشف العورة عند الغسل وعند قضاء الحاجة، ولا يكتفون بذلك: بل يخصصون من مراقبة مستمرة عليّ من الضباط.
ويستغلون فقد بصري في تحقيق مآربهم الخسيسة، فهم يفتشونني تفتيشًا ذاتيًا، فأخلع ملابسي كما ولدتني أمي، وينظرون في عورتي من القبل والدبر، وعلى أي شيء يفتشون؟ على المخدرات أو المتفجرات!.. ونحو ذلك، ويحدث ذلك قبل كل زيارة وبعدها، وهذا يسيء إلي، ويجعلني أود أن تنشق الأرض ولا يفعلون معي ذلك. ولكنها -كما قلت- الفرصة التي يغتنمونها ويمرغون بها كرامة المسلم وعزته في الأرض. وهم يمنعونني من صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وأي اتصال بالمسلمين، كل ذلك يحرمونني منه، ويقدمون المبررات الكاذبة، ويختلقون المعاذير الباطلة.
وهم يسيئون معاملتي أشد الإساءة، ويهملون في شؤوني الشخصية -كالحلق وقص الأظافر- بالشهور، كذلك يحملونني غسل ملابسي الداخلية؛ حيث أنا الذي أمر الصابون عليها، وأنا أدعكها، وأنا أنشرها. وإني لأجد صعوبة في مثل هذا. ثم إني لأشعر بخطورة الموقف، فهم لا محالة قاتلي… إنهم لا محالة يقتلونني، لا سيما وأنا بمعزل عن العالم كله، لا يرى أحد ما يصنعون بي في طعامي أو شرابي ونحو ذلك، وقد يتخذون أسلوب القتل البطيء معي، فقد يضعون السم في الطعام أو الدواء أو الحقن، وقد يعطونني دواءًا خطيرًا فاسدًا، أو قد يعطونني قدرًا من المخدرات قاتلًا أو محدثًا جنونًا.
أيها الإخوة! إنهم إن قتلوني -ولا محالة هم فاعلوه- فشيعوا جنازتي، وابعثوا بجثتي إلى أهلي.. لكن لا تنسوا دمي ولا تضيعوه، بل اثأروا لي منهم أشد الثأر وأعنفه، وتذكروا أخًا لكم قال كلمة الحق وقُتِل في سبيل الله.
تلك بعض الكلمات أقولها هي وصيتي لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من كلمات الشيخ
إن دولة من الدول في هذا العصر، كان العذاب والإيذاء ينزل بالمسلمين، وكان عالم من أكبر العلماء على بعد أمتار من هذا التعذيب الذي يُستأصل فيه المسلمون. فماذا كان هذا العالم مشغولًا به؟ كان يقول وهو يُدَرِّس: “مسألة: هل إذا نبتت لحية المرأة، هل يجوز إزالتها أم لا؟”، هذا هو الذي كان يشغله، يشغل العالم، والمسلمون تُهتك أعراضهم…
أيها الإخوة الأجلاء! إذا كان العذاب قد نزل بالمسلمين من أعدائهم، فإنه اليوم ينزل بالمسلمين ممن يسمون بحكامهم، ينزل العذاب أشكالًا وألوانًا بالمسلمين من الحكام.
لا تخذلوا إخوانكم، ولا تسلموهم لأعدائهم، فرسولكم الكريم يقول:
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه.
فكيف تخذلون إخوانكم؟ وكيف تسلمونهم إلى أعدائهم؟! لقد أصبحت الأمة الإسلامية بتركهم الجهاد في الحضيض.
ما الجديد؟
لعلّ هذه هي المرة الأولى لكَ في أن تسمع عن مثل قصة هذا الشيخ -فك الله أسره-، ولكنها في الأغلب ليست المرة الأولى! فالمسلمون مضطهدون منذ أن بعث الله رسله بالبيّنات.
فلا نغفل عن قول الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)؛ فمن الطبيعي أن يكون هناك مكروهات وابتلاءات في الطريق. وسورة العصر خير شاهد لنا أيضًا على ذلك (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر)؛ إلا الذين آمنوا: العلم، وعملوا الصالحات: العمل، وتواصوا بالحق: الدعوة، وتواصوا بالصبر: الصبر على المشاق التي ستواجه المسلم.
فنحن نعلم أنه هناك مشاق؛ ولذا أمرنا الله بالصبر، أما العجيب والغريب والجديد هو ذلك التجاهل والتخاذل من المسلمين لنصرة إخوانهم، ولنصرة دينهم!
وأما عن الشيخ، فيكفيه قول الله -تعالى-:
(وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)