هل ثوار الشام يستعْدُون العالم أم العالم هو من يستعدي ثورة الأمة في الشام؟
ارتفعت أصوات المنافقين والمرجفة والجبناء التي تخوف المسلمين وتعاتب أهل الحق أنهم يريدون استعداء العالم كله على المسلمين في الشام، ويقصدون بالعالم الغرب. الذي لم أستطع استيعابه هو كيف يستعدي الثوار العالم!
- هل شَنَّ الثوار حروبا على الغرب؟
- هل قذف الثوار صواريخ على دول الغرب؟
- هل قصفت طائرات للثوار مدنًا غربية؟
- هل قال الثوار أنهم يريدون إقامة دولة إسلامية في الغرب؟
ماذا قام به الثوار ضد الغرب حتى نقول إنهم يستعدون العالم ضدهم؟ هلاَّ أجبتمونا على هذا السؤال؟
الحقيقة أن المرجفة والمنافقون يعتبرون كل من يحمل أي شيء فيه رائحة الإسلام بأنه يريد أن يستعدي العالم كله على المسلمين! المرجفة والمنافقون يعتبرون رفع راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله” استعداء للغرب، فيصرون على استبدالها براية الانتداب الفرنسي ذات اللون الأخضر والأبيض والأسود والنجوم في الوسط!
المرجفة والمنافقون يعتبرون في التصريح بأن القتال في الشام هو “قتال في سبيل الله” استعداء للغرب، فيصرون على استبداله بعبارات “القتال من أجل العدل أو الحرية أو المستضعفين… الخ”!
المرجفة والمنافقون يقولون إذا أراد الثوار ألا يستعدوا الغرب ويساندهم هذا الأخير، فيجب تقزيم الصراع في الشام (من جانب الثوار فقط) ليكون صراعًا وطنيًا يتم تسويته بأن يجلس نظام آل الأسد مع “المعارضة الوطنية السورية” ويتصالحوا على حَلٍّ مشترك يرعاه الغرب ويرضى عنه.
أما إذا جعلتم الثورة ثورة الأمة الإسلامية قاطبة، يقول المنافقون والمرجفة، وجعلتم هدفها إقامة دولة إسلامية في الشام تحكم حصريا بشرع الله وتقلع هيمنة الغرب وعملائه عن الشام، فأنتم هكذا تستعْدُون الغرب عليكم!
باختصار، المنافقون والمرجفون يقولون يجب على المسلمين أن يغيروا ملتهم حتى يرضى عنهم الغرب، في تحَدٍّ صريح لأمر لله!
فقد وصل الهوان والجبن والخسة والعبودية أن يرى بعض المسلمين حتى في دفاع الأمة الإسلامية عن نفسها في بلادها ورغبتها في التحرر وإقامة خِلَافَة على منهاج النبوة تطبق شرع الله، أن يَرَوْا في هذا إرهابًا واستعداءً للغرب!
فمن يستعدي من؟
أَهُمُ المسلمون يستعْدُون الغرب، أم الغرب هو الذي يستعدي المسلمين؟ المسلمون يريدون الحكم بما أنزل الله في بلادهم وليس في بلاد الغرب، فما دخل الغرب في شؤون خاصة بالمسلمين؟
فالحقيقة أن الغرب هو الذي يستعدي العالم الإسلامي باحتلال بلدانه (بطريقة مباشرة أو عن طريق العملاء ومساندته لهم) وفرض قوانينه وقتل المسلمين ومحاربة إقامة دولة إسلامية مستقلة عنه! فالغرب يفرض نفسه فرضا وبالقوة والإرهاب في بلاد المسلمين، ويضع المسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التبعية له سياسيا وعقائديا وتشريعيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا، أو يعتبرهم إرهابيين ويدمرهم وبلدانهم تدميرا شاملا، والعراق والشام وأفغانستان والصومال وليبيا الخ أكبر أدلة حية على ذلك! فهل تفَضَّل المنافقون والمرجفة ليقولوا لنا كيف يمكن تحييد هذا الغرب الذي يقحم نفسه إقحاما وبالقوة في بلاد المسلمين ويضع المسلمين أمام هذين الخيارين؟
فالظاهر البَيِّنُ أن عدم استعداء الغرب وتحييده، يعني عند مشايخ المميعة توقفه (أي الغرب) عن قصف الشام وتدمير مدنها وقتل رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، مقابل أن تبقى الشام تابعة سياسيا وأمنيا وتشريعيا للغرب، يحدد نوع نظام الحكم والدستور ويحدد الشخصيات التي يجوز لها اعتلاء المناصب المهمة الحساسة في الدولة!
فأنتم اخترتم البقاء على حياة ذليلة حقيرة مقابل التخلي عن الإسلام! وإذا كان هذا حالكم فلماذا كانت ثورتكم أصلا على نظام آل الأسد وقد كنتم مُمَكَّنين من بحبوحة في العيش؟ ولماذا تسعون لاستبدال نظام عميل للغرب بنظام عميل بدله؟
وقفات منهجية
فلو كان تجنب استعداء الكفار غاية في حد ذاته ويجب السعي إليه بأي ثمن لَمَا بايع الأنصار الرسول عند العقبة على محاربة العرب والعجم والجن والإنس كافة إذا هم تصدوا لدعوة الرسول ودولته! فهل تراجَعَ الانصار عن بيعة الرسول وعن إيوائه صلى الله عليه وسلم في المدينة لأنهم بفعلهم هذا يسْتَعْدُون عليهم كل العالم!؟
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ قَالَ عند بيعة العقبة الثانية: أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ تَدْرُونَ مَا تُبَايِعُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى أَنْ تُحَارِبُوا الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ، وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ! فَقَالُوا: نَحْنُ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَ (المعجم الأوسط للطبراني).
وقد تحالف فعلا كل العالم ضد الأنصار وكانت ذروة المِحنة في غزوة الأحزاب {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}(الأحزاب)، وما استسلم الصحابة ولا وهنوا، وما زادهم تكالب الأعداء عليهم وتحالفهم ضدهم إلا إيمانا وثباتا {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}(الأحزاب).
فلنحدد التحييد الذي تسعى إليه أمة محمد والذي يجب العمل له: فهو تحييد وتنحية هيمنة الغرب على بلاد المسلمين مهما كلّف من ثمن، وليس تسْويغ هيمنته والتخلي عن شريعة الإسلام مقابل أن يرضى الغرب عن المسلمين ولا يقتلهم، مع العلم أنه يقتلهم رغم خنوعهم واستسلامهم له. فالغرب هو الذي يستعدي المسلمين ويحاربهم في عقر دارهم.
والمسلمون يتهربون منذ عقود من المواجهة الحتمية والمصيرية التي يفرضها الغرب على المسلمين في بلاد الإسلام والتي لن يتحرر المسلمون إلا بخوضها، والنتيجة تيه وذل وفقر وخزي وعيش عبودية، فحال المسلمين اليوم يشبه حال اليهود مع موسى حين خافوا مواجهة جبابرة عصرهم.
فلسان حال المسلمين اليوم يقول: “لن نقيم دولة إسلامية في بلاد المسلمين حتى يخرج منها الغرب الجبار ويسمح لنا بذلك”، حالهم يشبه حال قوم موسى إذ قالوا {يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}.
فلما جبن المسلمون كما جبن قوم موسى، حل بهم نفس عقاب الذل والتيه الذي أصابهم {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}(المائدة).
فيا أهل الإيمان والعقل والحكمة، تكالب الغرب وأعوانه على المسلمين يُوَاجَه بالمزيد من توحد المسلمين وانخراطٍ أوسع للأمة الإسلامية بكل قدراتها ومقوماتها من كل البلدان الإسلامية في ثورة الشام، والاستمساك أكثر بالإسلام كله والاعتصام بحبل الله وحده، وبالمزيد من الإصرار والعناد، وليس بالتنازل عن الإسلام والتفرقة بين المسلمين! هكذا علَّمنا الله ورسوله، وهكذا علمتنا تجارب الماضي القريب والبعيد! وهكذا الطريق لرضوان الله ولجنات الخلود!