الولايات المتحدة وأزمة التغير المناخي
تشغل أزمة تغير المناخ العالم الآن، وتُعقد لها الاتفاقيات وتُصرف لها المنح من الدول للدراسات والخطط التي تساعد في الخروج منها. ولكن ماذا نقصد بأزمة تغير المناخ؟ وما أسبابها؟ ومدى خطورتها؟ وكيف تعاملت دول العالم معها؟ في هذا التقرير سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة.
تعرف أزمة تغير المناخ بأنها الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تؤدي لارتفاع درجات الحرارة في الكوكب وفقًا لتأثير الدفيئة، إذ يتكون الغلاف الجوي للكرة الأرضية من الغازات الدفيئة التي تحدد سمك الغلاف الجوي الذي إذا زاد سمكه أو قل، تجمدت أو احترقت الأرض.
يتفق أغلب العلماء على أن أزمة تغير المناخ حدثت بسبب ممارسات بشرية، ومن أهمها الثورة الصناعية في نهاية القرن التاسع عشر، وما تبعها في الحروب العالمية والقنابل النووية، وسباق التسلح الذي يجعل المصانع تزيد من الانبعاثات بشكل كبير. وكان كل هذا يحدث إثر تحذير العلماء من عواقب هذه الأفعال، والكثير من الأبحاث التي تحذر من عودة عصر جليدي، وأخرى تحذر من احتباس حراري يؤدي إلى ذوبان جليد القطبين. وأخيرًا، وبعد هذه الحروب والممارسات ضد البيئة، تجد هذه التحذيرات من يتبناها ويجمع الدول لمناقشة هذه الأزمة في منظمة الأمم المتحدة، وتقوم الولايات المتحدة في تشكيل (الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي)، التي تحمل على عاتقها تمويل الأبحاث لإنقاذ العالم.
هل فات الأوان لتعدي أزمة تغير المناخ؟
يحذر العلماء من (نقطة اللاعودة)، وهي النقطة التي لا نستطيع فيها تجنب الآثار المدمرة لتغير المناخ. يقول ماتايس آيننهيستر المؤلف الرئيس للدراسة: “يتميز مفهوم نقطة اللاعودة باحتواء معلومات زمنيّة، والتي نعتبرها مفيدة للغاية عند النقاش حول الضرورة الملحّة لاتّخاذ إجراءات مناخية عاجلة”.
وبحلول عام 2035، إن لم تتخذ الدول قرارات حازمة لتقليل هذه الانبعاثات سنكون وصلنا إلى النقطة الحاسمة التي لا نستطيع فيها الحفاظ على ارتفاع معدل درجة الحرارة أقل 2 درجة سيلسيوس عن المعدل قبل الثورة الصناعية، لذلك سارعت الحكومات في إبرام الاتفاقيات التي تقلل انبعاثات الغازات الدفيئة واستخدام الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة بشكل أكبر.
أهم الاتفاقيات للحد من (أزمة تغير المناخ)، ما مصيرها؟
بروتوكول كيتو
تلزم معاهدة (برتوكول كيتو)، عام 1997، الدول الصناعية بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أن الولايات المتحدة كانت معترضة على عدم إلزام الدول النامية التي تسعى للنهوض بتقليل انبعاثاتها الصناعية هي أيضًا. وفي عام 2005، بدأت الدول في تنفيذ المعاهدة، إلا أن الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر الدول المسؤولة عن انبعاث الغازات الدفيئة خرجت من المعاهدة في عهد جورج بوش، وذلك خوفًا من أن تسابقها دول أخرى في الصناعات أو في التقدم الاقتصادي والعسكري مثل الصين.
اتفاق باريس عام 2015
195 دولة تتفق على إبقاء معدل درجة الحرارة عند 1.5 درجة سيلسيوس فوق المعدلات التي كانت قبل الثورة الصناعية. رغم هذا الاتفاق من أغلب دول العالم، إلا أن الخبراء يرون أن التزامات الدول في هذه الاتفاقية لا تكفي لتحقيق هدف الاتفاقية. وما زاد في عرقلة هذا الاتفاق هو ظهور مرشح الولايات المتحدة ترامب الذي توعد بأنه سيخرج من هذه الاتفاقية؛ إذ وصفها بأنها خديعة ضد المصالح الأمريكية.
وفي عام 2017، خرجت الولايات المتحدة من الاتفاقية برئاسة ترامب، وذلك قبل دخول الاتفاقية وقت التنفيذ في عام 2020. رغم أن الاتفاقية تلزم أي دولة بعدم الخروج منها قبل عام 2020، وفي ذلك تهرب من التزام الولايات المتحدة في دعم الطاقة المتجددة بمبلغ أربعة ملايين دولار، وهذا ربما يدفع دولًا أخرى للخروج من الاتفاقية لأنها ستتحمل المبالغ التي لن تدفعها الولايات المتحدة.
هل هي خديعة أم مصالح اقتصادية وسياسية؟
يعلل ترامب خروجه من الاتفاقية بأنه يوفر الكثير من المبالغ لصالح أمريكا، كما يرى البعض أنه بهذه الخطوة ستتمكن الولايات المتحدة من زيادة استخدام الطاقة غير النظيفة كالفحم، وبيع الغازات الملوثة. وعلى النظير الآخر، خرجت الصين لتتبنى اتفاقية باريس التي يراها البعض مكسبًا سياسيًا للصين بحيث تحل مكان الولايات المتحدة في قيادة العالم وتمثيل دور البطل الحامي، برغم أن الصين هي ثاني أكبر بلد تُصدر انبعاثات الغازات الدفيئة بعد الولايات المتحدة.
ما نتيجة هذه الاتفاقيات
حسب تقرير الأمم المتحدة، فإن منسوب مياه البحر ارتفع 15 مل بين عامي 2014 و2016، وذلك بسبب ارتفاع معدلات درجات الحرارة. وفي نهاية عام 2016، وصل اتساع ثقب الأوزون إلى 23.1 كم، أي أقل بـ4.9 كم من الاتساع الأقصى عام 2015. ووفق وكالة ناسا فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تعدى ثلث تركيزه قبل الثورة الصناعية.
المصالح أهم من دمار العالم
في الوقت الذي يسير فيه العالم إلى نقطة اللاعودة، وبدل أن تتدارك الدول والحكومات هذه الكارثة، نرى أن أمريكا تضخ المليارات في مهمات ورحلات إلى الفضاء للبحث في إمكانية وجود حياة محتملة على كوكب المريخ. تحترق الأرض وهم يبحثون عن الماء في المريخ! من المفترض أن تُسخّر هذه الأبحاث والمليارات لحل أزمة تغير المناخ التي تهدد الأرض بكارثة لا تستطيع الأجيال القادمة مواجهتها.
إن الولايات المتحدة اليوم لا تكترث لعلماء ولا خبراء ولا لمصلحة هذا الكوكب، ولطالما كانت هذه الدول تدور حيث دارت مصالحها، تقوم على مبادئها الرأسمالية، تتنازع على مصالح اقتصادية وسياسية. فالولايات المتحدة التي تصور نفسها مخلصة العالم تخنق الغلاف الجوي بالغازات الدفيئة من جهة، وترفض الإصلاح وتفادي الأزمة من جهة، بعدما كانت تُصوِر للآخرين بأنها تحمل على عاتقها مهمة إنقاذ العالم وإخراجه من هذه الأزمة.
يتضح لنا أنه لا يوجد في جدول أولويات الولايات المتحدة إلا ما يزيد نفوذها المالي والسياسي على حساب بقية الكوكب، ونهب ثرواته باحتلال البلاد والهيمنة العسكرية على العالم أجمع، وتظهر لنا أنانية وجشع أمريكا ونظامها الرأسمالي. بينما يستمر ارتفاع معدلات درجات الحرارة، وزيادة التحذيرات والدراسات من العلماء والخبراء، وما زالت الولايات المتحدة في كر وفر بين مصالح اقتصادية وأخرى سياسية.
إن تسارع أزمة المناخ نحو نقطة اللاعودة وجشع النظام العالمي يعملان على ترنح هذا النظام، لذلك سنرى مستقبلًا تغيرًا جذريًا في بعض السياسات التي تسعى لتشكيل نظام آخر أكثر مرونة وتشاركية، لذا نرى اليوم تزايد التنافس العلمي والإعلامي بين الدول على تصدر القيادة، خاصة بين الصين وأمريكا. إن هذا الواقع يحفز العقول للبحث عن البديل الذي ينقذ البشر ويعمر أرضهم ويرضي ربهم.