بعد تقرير تشيلكوت ، هل ستقاضي العراق أمريكا وبريطانيا دوليا؟

أخيرا خرج تقرير تشيلكوت يوم الأربعاء الماضي، 6 يوليو 2016، بعد أن استغرق 7 سنوات في إعداده، وحوالي الـ 13.5 مليون دولار. وقد وصل التقرير لحوالي 2 مليون كلمة. فيما يلي نستعرض أهم ما جاء في التقرير والدروس التي يخبرنا بها والنتائج المترتبة عليه.

ماهو تقرير تشيلكوت؟

في عام 2009 قرر رئيس الوزراء البريطاني “جوردن براون” تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أسباب مشاركة بريطانيا لأمريكا في حربها على العراق، وجدوى هذه الحرب وأسبابها وإذا ما كانت هذه الأسباب تستدعي دخول بريطانيا في الحرب، ومدى نجاحها أو فشلها. وقد أتى ذلك القرار بعد ضغط أهالي الجنود البريطانيين الذين قُتلوا في العراق والمنظمات المدنية المؤيدة لهم، وضغط السياسيون البريطانيون المعارضون للحرب الذين يرون أن الحرب كلّفت بريطانيا أكثر مما أكسبتها. فتم تكليف القاضي السابق السير “جوون تشيلكوت” برئاسة هذه اللجنة. وقد حُددت مدة 3 سنوات لتسليم التقرير في 2012، ولكن كل عام كان يتم تأجيل صدوره للعام الذي يليه.

http://gty.im/545181854

دفع ذلك أهالي الجنود القتلى إلى إنذار السلطات البريطانية بملاحقتهم قضائيا. ثم طالب رئيس الوزراء البريطاني الحالي “دايفيد كاميرون” في 2014 اللجنة بإصدار التقرير قبل نهاية العام لأنه ليس هناك داعٍ لتأخيره أكثر من ذلك. وقد استمعت اللجنة إلى 150 من كبار المسئولين السياسيين والعسكريين البريطانيين، من ضمنهم “توني بلير” رئيس الوزراء الذي اتخذ قرار الحرب. وقد اطلعت كذلك على وثائق تم تصنيفها أنها سرية وليست للتداول، وكذلك على مراسلات رئيس الوزراء في تلك الفترة.

أبرز ما جاء في التقرير:

1. ما من دوافع لدخول بريطانيا الحرب

خلص التقرير إلى أنه ما من أسباب حقيقية شكلت تهديدًا لبريطانيا أو دافعًا لها لجعلها تخوض حربًا على العراق. فالمعلومات حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كانت معلومات استخبارية مغلوطة لم يتم الوصول لأدلة عليها حتى بعد مرور 13 عام على الحرب. وبالتالي لم يكن هناك داعٍ لدخول بريطانيا لهذه الحرب. وأرجع التقرير دخول بريطانيا للحرب إلى ميل توني بلير-رئيس الوزراء في ذلك الوقت-لاتباع الرئيس الأمريكي اتباعًا أعمى، ذاكرًا بأن بلير كان قد وعد بوش في مذكرة أرسلها له قبل الحرب بشهور قليلة قائلًا:

“سأقف إلى جانبك مهما حدث”.

2. بريطانيا كانت لديها بدائل أخرى

لم يكن قرار الحرب هو آخر خيار أمام بريطانيا، بل كان هناك حلول دبلوماسية يمكن أن تُطبق، ولكن قررت بريطانيا في ضوء طاعتها لأمريكا التخلي عن هذه الخيارات السلمية.

3. افتقاد رؤية ما بعد الحرب

لم تمتلك بريطانيا، ولا أمريكا، أية رؤى لما بعد الحرب. فلم تضعا خطة واضحة لتأمين العراق وضمان بقائه لا تمثل خطرًا على النظام الدولي بعد الحرب. ويعيش العالم الآن تبعات عدم وجود خطة أو رؤية تم تطبيقها.

http://gty.im/461381977

إذ أصبح العراق أخطر من ذي قبل بعد انتشار الروح الجهادية فيه وبسط إيران الشيعية لنفوذها عليه واضطهادها للسُنة مما يدفع أهل السنة لتقبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بصفته حامي أهل السنة والمدافع عنهم. ويذكر التقرير ذلك واصفًا ماحدث بعد الحرب:

“ما تزال آثار الفشل في التخطيط والتحضير لما بعد الاجتياح ماثلة”.

4. فشل الحرب في تحقيق أهدافها

حيث أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن موجودة أصلًا ليتم انتزاعها. كما أن الحرب خلقت عراقًا أخطر من عراق صدام حسين كما أوضحنا. بل وأصبحت العراق إحدى معاقل أكبر التنظيمات الجهادية في العالم.

5. بريطانيا لم تكن مستعدة للحرب

القوات البريطانية كانت تنقصها التدريبات والمعدات اللازمة للحرب، كما أن الوقت كان قصيرا جدا لتجهيز ثلاثة ألوية عسكرية. وكذلك لم يتم تقدير حجم المخاطر التي ستتعرض لها القوات البريطانية بدقة.

تساؤلات مشروعة

  1. في ظل النظام الدولي القائم، هل سيطالب العراق الأمم المتحدة بمسائلة بريطانيا وأمريكا؟

طبقا لميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي العام، يُعد غزو العراق عدوانا واحتلالًا بدون شرعية قانونية يهدد الأمن الدولي. وهو عين ما حدث في 1990 عند الغزو العراقي للكويت. والذي بناءً عليه اتخذت الأمم المتحدة ومجلس الأمن قرارًا بمعاقبة العراق وفرض حصارًا اقتصاديًا عليه راح ضحيته حوالي مليون ونصف طفل، وإقامة قواعد عسكرية حوله في الخليج، ونشر جنود في السعودية لمحاصرته.

http://gty.im/545410758

لذا يجب على مجلس الأمن أن يُطبق نفس الإجراءات التي اتخذها من قبل. ولكن لم تُطبق هذه الإجراءات رغم مرور 13 عامًا، ولن تُطبق، لسيادة منطق القوة على منطق القانون. فقرار الحرب على العراق لم يكن بموافقة مجلس الأمن، بل كان مخالفًا للقانون الدولي. ومع ذلك لن يتم معاقبة الولايات المتحدة كما تم معاقبة العراق من قبل، لأن الولايات المتحدة أكبر من سلطة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، كما صرّح بذلك مساعد وزير الخارجية الأمريكي ” جيمي روبن” في 1996 في مؤتمر الحزب الديموقراطي حين قال:

“تعمل الأمم المتحدة ما تسمح لها الولايات المتحدة أن تعمله فقط”.

07-08-16-3365613

2. هل بإمكان العالم محاسبة بريطانيا وأمريكا؟

وإذا ما أراد العالم أن يحاسب بريطانيا وأمريكا على ما فعلاه بالعراق في ظل النظام الدولي القائم، فيمكن فعل ذلك عن طريق إحدى هيئات ثلاثة. نستعرضهم ونستعرض إمكانية إنجاز أي شئ عن طريقهم:

1. الاتفاق الرضائي بين الطرفين.

حيث يتفق العراق مع الدول المعتدية على تعويضات تقدمها له جرّاء تعدّيها عليه دون سبب واضح ثابت بأدلة، وجرّاء قتل وتشريد ملايين العراقيين ونهب ثروات العراق. وهو حل غير عملي، حيث تأبى الولايات المتحدة إلا أن تُصرّح بأن احتلالها للعراق هو عمل شرعي في نظرها. كما أنه ليس هناك ما يمكن به إجبار الولايات المتحدة على الاعتراف بخطئها وقبول دفع تعويضات للعراق.

اقرأ أيضًانهب ثروات وكنوز العراق، سبع حقائق تشرح لك القصة – الجزء الأوّل والثاني

2. مجلس الأمن.

وقد عرضنا كيف أنه مهيمَن عليه من قِبل الولايات المتحدة وأن ما يطبقه مجلس الأمن على دول العالم لا ينطبق على أمريكا.

3. مقاضاة بريطانيا والولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية

وهناك ثلاث طرق:

الأول:

أن يتفق الطرفان على تحكيم محكمة العدل الدولية بينهما والقبول بحكمها، وهو ما لن تقبل به أمريكا أو بريطانيا.

الثاني:

أن تطالب العراق أعضاء الأمم المتحدة بتقديم طلب بموافقة غالبية الأعضاء إلى المحكمة، لإصدار حكم قانوني بخصوص شرعية الاعتداء على العراق. وهذا لن يحدث أيضا بسبب سعي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تجنب معاداة أمريكا وبريطانيا. كما أن الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية غير مُلزم للأمم المتحدة. وقد ترفض أمريكا وبريطانيا حكم المحكمة الدولية باعتباره ليس من اختصاصها.

الثالث:

أن تقاضيهما العراق طبقًا لاتفاقية (منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري) المتفق عليها سنة 1948. حيث لا تشترط الاتفاقية أن يوافق الطرفان على حكم المحكمة، وتكتفي بتقديم الدولة المتضررة للطلب. وقد تم اتهام العراق من قبل طبقًا لهذه الاتفاقية بناءً على طلب تقدمت به أمريكا، لما فعلته الحكومة العراقية سنة 1982 في مدينة “الدجيل“.

ولكن هل ستقوم الحكومة العراقية الحالية أو أية حكومة عراقية مستقبلية بتقديم مثل هذا الطلب للحصول على تعويضات للشعب العراقي؟

http://gty.im/545410750

3. هل لمجلس الأمن سلطة فعلية؟

تتضح الإجابة إذا عرفنا أن الطبقة السياسية الحالية في العراق تم إنشائها وتصعيدها من قِبل الاحتلال بعد إسقاط نظام صدام. بل أن هذه الطبقة هي من طالبت أمريكا والحلف الأطلسي باحتلال العراق للتخلص من نظام صدام حسين وإقامة عراقٍ ديموقراطي منفتح على العالم! فهذه الطبقة السياسية أغلبها شيعية جعلت العراق فعليًا إحدى ولايات إيران، وإيران أصبحت على وفاق مع أمريكا أخيرا بعد الاتفاق النووي، فلا أمل في أن يقوم السياسيون في العراق بمثل هذا الطلب.

إذًا:

فالأمم المتحدة ومجلس الأمن ليس لديهما أي سلطة فعلية على دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى على حلفائها كبريطانيا. فمنطق القوة يعلو فوق أي منطق. أما منطق القانون فهو للبلهاء الذين لا يستطيعون حيلة إلا أن يسمعوا ويطيعوا.

اعتذار بلير وسذاجة العرب

http://gty.im/545410744

من المضحك المبكي أن ترى العرب يتسابقون على مشاركة فيديو يعتذر فيه توني بلير عقب صدور تقرير تشيلكوت، وأن تراهم يتناولون التقرير بصفته كاشف جرم بريطانيا في غزوها للعراق. فالتقرير لم يتهم بلير بشيء، وإنما تم تبرأته من تهمة الكذب وتضليل البرلمان الأوروبي حول أسباب الحرب؛ حيث ذكر التقرير أن:

بلير اعتمد على معلومات أجهزة الاستخبارات البريطانية، واضعًا إياه موضع المُضلَل لا المُضلِل.

كما أنه لم يناقش جُرم بريطانيا في العراق، بل ناقش أسباب الحرب وفوائدها وأخطارها على بريطانيا نفسها. وبلير لم يكن يعتذر للعراقيين الذين فقدوا أهلهم وذويهم في الحرب وتم تشريدهم في البلدان الأخرى، بل كان يعتذر لأهالي الـ 180 جندي بريطاني الذين قتلوا مقابل معلومات مغلوطة و “لا شيء” تستفيد منه بريطانيا.

يجب أن يعي العرب والمسلمون عامة، أنه في عُرف وقوانين النظام الدولي: لا يُؤاخذ غربي بدم عربي أو مسلم!

خالد أحمد

كاتب مهتم بقضايا الأمة الإسلامية والسياسة الدولية والشأن الخليجي، أكتب وأسعى من أجل الحرية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الاكثرية من المسلمين المثقفين على علم بمعنى اتفاقية (سايكس بيكو ) و مادا اراد بها الاعداء .. فنسمع المسلم المصرى يقول تحيي مصر و هو حامل لعلم مصر و الجزائرى كدلك و المغربى و السورى … الخ لما سمعت المخابرات الغربية هده الاصوات تصدر من المسلمين انفسهم فرحو و تبادلو التهانى .. هل هؤلاء المسلمين على وعي بما يفعلون و يقولون هل فعلا هم راضون بهده الاتفاقية … وكفروا ب قال تعالى .. ب( و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ..) ص كل ماتعيشه الامة الاسلامية حاليا هنا مصدره …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى