رباعي الفضاء: روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران
“إن من شأن التعاون الفضائي تقوية أواصر العلاقة بين أربعة أنظمة استبدادية بما يشمل مبيعات الأسلحة والطاقة والتمويل”
أشارت الولايات المتحدة إلى وجود تهديد متزايد للأمن العالمي من خلال نظام استبدادي رباعي العلاقات، أشبه بتحالف شبه رباعي يعمل على تقوية سبل التعاون الفضائي بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وقد ذكرت مجلة “قوات الجو والفضاء” هذا الشهر أن الجنرال “ستيفن وايتنغ”، قائد قوات الفضاء التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، أعرب عن قلقه إزاء التعاون المتزايد بين تلك الدول الأربعة في الفضاء. وسلط “وايتينغ” الضوء بشكل خاص على طريقة عمل العلاقات الثنائية بين روسيا من جهة وكل من الدول الثلاثة من جهة أخرى، إذ تسعى روسيا -كما تنقل المجلة ذاتها- للحصول على المساعدة في حربها في أوكرانيا.
وذكرت مجلة “قوات الجو والفضاء” أمثلة متعددة لمجالات التعاون الفضائي بين الدول الأربعة، منها:
- إطلاق الصاروخ الروسي للقمر الصناعي الإيراني.
- خطط لإنشاء محطة طاقة نووية روسية صينية على سطح القمر.
- اتفاق دفاعي بين روسيا وكوريا الشمالية يمكن أن يعزز من قدرات كوريا الشمالية الصاروخية والفضائية.
وتشير المجلة أيضًا إلى أن المسؤولين الأمريكيين لاحظوا استخدام روسيا أسلحةً إيرانيةً وكوريةً في أوكرانيا، وبدعم من الصين لزيادة إنتاج هذه الأنواع من الأسلحة، حيث تمت الإشارة إلى أن هذه الشراكة المتنامية تضفي نوعًا من التعقيد على المجال الفضائي المتنازع عليه أساسًا، إذ لاحظت الولايات المتحدة أن روسيا أطلقت سلاحًا فضائيًا مضادًا وموازيًا للقمر الصناعي التابع للأمن القومي الأمريكي، ما دل على وجود نية تشغيلية خلف هذا الأمر.
وتضيف المجلة أن الولايات المتحدة شبهت الأنشطة الروسية بالأقمار الصناعية “المعشعشة” في إشارة منها إلى قدرتها على نشر الأسلحة الحركية، وتقول، في الوقت نفسه، إن قادة قوات الفضاء الأمريكية وصفوا التوسع السريع للقدرات الصين الفضائية – بما في ذلك تقنيات الفضاء المضاد ودعم القوات الأرضية- على أنه “سريع بشكل مذهل”.
ومن الملاحظ أن هذا النوع من التعاون الفضائي يعمل على تعزيز وتقوية علاقة نفعية رباعية ومعقدة تربط كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وهي العلاقة ذاتها التي تغطي الآن مبيعات الأسلحة والطاقة والتمويل.
وفي حين أن أنظمة الحكم بين روسيا وإيران تختلف إلى حد كبير، إلا أن حرب أوكرانيا المستمرة وضعت روسيا موضع العقوبات ذاتها كما هو الحال مع إيران، مما أدى إلى ظهور شراكة مصلحة بين هذين النظامين الاستبداديين. وقد ذكرت صحيفة “آسيا تايمز” في أغسطس/آب 2022 أن إيران أطلقت القمر الصناعي “خيَّام” من منطقة “بايكونور كوزمودروم” في كازاخستان عبر صاروخ “سويوز” روسي، ما يمثل خطوة هامة على طريق تقوية قدراتها العسكرية الفضائية وتعميق شراكتها الاستراتيجية مع روسيا. ويمكن استخدام “خيام” لأغراض عسكرية مثل المراقبة والاستطلاع، وهو ما يمكنه تعزيز قوة الردع الإيراني ضد خصومها مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. وتعكس حركة الإطلاق هذه حالة الاكتفاء الذاتي المتزايد لإيران في مجال تكنولوجيا الفضاء وتعاونها مع روسيا، التي تبحث عن عملاء جدد لبرنامجها الفضائي وسط سيل من العقوبات الغربية المفروضة عليها. وتتطلع روسيا إلى زيادة مبيعات الأسلحة لإيران لتعزيز جهودها الحربية، وفي الوقت نفسه، تنظر إيران إلى الوضع على أنه فرصة للحصول على الدعم من إحدى الجهات الرائدة في مجال التكنولوجيا النووية والطاقة.
وربما وجدت إيران فرصةً في حرب أوكرانيا لتحظى بهذه المكانة المهمة ضمن الجهود الحربية الروسية، إذ قد تمنح هذه الفرصة إيران المزيد من التأثير على روسيا، مما قد يسمح لإيران بطلب المساعدة لبرامجها النووية والصاروخية وتطوير جيشها وقوتها العسكرية المتهالكة وتأمين الدعم الروسي للممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، والذي هو عبارة عن شبكة متعددة الخيارات لنقل البضائع ويُنظر إليها على أنها إحدى طرق إيران وروسيا للتهرب من العقوبات المفروضة عليهما.
وعلى نحو مماثل، عملت حرب أوكرانيا على زيادة التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية في شراكة منفعية متبادلة، إذ نقلت “آسيا تايمز” في يناير 2024 أن روسيا استخدمت الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية ضد أوكرانيا. كما تشير الاستخبارات الأمريكية التي رُفعت السرية عنها إلى أن روسيا أطلقت صواريخ باليستية قصيرة المدى تابعة لكوريا الشمالية في ديسمبر/كانون أول 2023 وفي يناير/كانون ثاني 2024 وتخطط لمواصلة استخدامها مستقبلًا. وتعد هذه الصواريخ المستخدمة المعنية (من المحتمل أن تكون من نوع KN-23 وKN-24) مشابهة لصواريخ “إسكاندر-م” الروسية ونظام الصواريخ التكتيكية العسكرية “MGM-140” التابع لأمريكا.
وربما تدعم كوريا الشمالية الجهود الحربية الروسية لأنها تعتقد أن النصر الروسي في أوكرانيا من شأنه أن يشكل سابقة لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية على اقتصادها المتعثر، في حين يمكن للدعم الروسي لها أن يقلل من اعتمادها الكبير على الصين في الحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي. علاوة على ذلك، قامت روسيا وكوريا الشمالية بإحياء اتفاقية الدفاع المشترك التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، إذ يُلزم هذا الاتفاق الذي أُعلن عنه خلال زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لكوريا الشمالية هذا الشهر كلا الدولتين بتقديم الدعم العسكري لبعضهما في حالة نشوب الحرب.
ويشير حساب تابع لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الاتفاقية لها آثار سلبية على الجهود الدولية لعرقلة برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية، حيث تقول الصحيفة إن اتفاق “بوتين” وزعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون” يُنظر له على أنه تحالف استراتيجي ضد الشراكة الديمقراطية للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، كما تشير إلى أن الاتفاقية تدفع كلًّا من اليابان وكوريا الجنوبية إلى السعي للحصول على أسلحة نووية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات القوية والمتنامية مع روسيا يمكن أن تمكن إيران وكوريا الشمالية من تطوير تقنياتهما الصاروخية على نحو مستقل. وأشارت “آسيا تايمز” في يناير/كانون ثاني 2024 إلى أنه بينما انشغل العالم بكوريا الشمالية والدعم الإيراني للغزو الروسي لأوكرانيا، لم ينتبه أحد كثيرًا إلى التعاون المتزايد بين طهران وبيونغ يانغ. ففي عام 2020، أشار تقرير سري للأمم المتحدة إلى أن كوريا الشمالية وإيران كانتا قد استأنفتا تعاونهما بشأن تطوير الصواريخ بعيدة المدى، ويشبه صاروخ “خرمشهر” الإيراني، الذي تم إطلاقه لأول مرة عام 2017، صاروخَ كوريا الشمالية المعروف باسم “موسودان” أو “هواسونغ-10″، وتجدر الإشارة إلى التقارير حول شراء إيران لتلك الصواريخ تعود إلى عام 2005. وتعمل المخابرات الأمريكية منذ العام 2010 على تتبع مساعي إيران الحثيثة للبحث عن نظام دفع عالي الأداء خاص بكوريا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يكون تصميم صاروخ “شهاب-3” الإيراني قائمًا على نمط صاروخ “نودونغ” الكوري الشمالي، حيث تظهر المركبات الفضائية الإيرانية أوجه تشابهٍ كبيرٍ مع صواريخ “هواسونغ -14” الكورية الشمالية.
وفي حين كان للقدرة الاقتصادية والصناعية للصين الدور الأكبر في صمود روسيا في القتال في أوكرانيا والحفاظ على الاقتصاد الروسي الخاضع لعقوبات شديدة، إلا أن دعمها لموسكو قد ينطوي على خفايا أخرى، مثل الإبقاء على روسيا في حالة من عدم الفوز أو الخسارة في هذه الحرب. ففي سبتمبر/أيلول 2023، أشارت صحيفة “آسيا تايمز” إلى أن أحد سيناريوهات فوز روسيا، المنضوي على انهيار الدعم الغربي لأوكرانيا، سيؤدي أيضًا إلى التوصل لاتفاق يسمح بشكل كامل باستئناف صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا، إذ إن رفع العقوبات الغربية عن روسيا يمكن أن يحرر روسيا من ربقة الاعتماد على الصين للحصول على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي. وفي حال كان النصر حليف أوكرانيا على روسيا واستطاعت استعادة جزء كبير من أراضيها المحتلة وإلحاق خسائر فادحة بالجيش الروسي، سيظهر عندها تأثير الدعم العسكري الغربي والعقوبات، مما يشكل سابقة قد تجدها الصين غير مواتية فيما يخص قضية تايوان. وربما تكون الهدنة على غرار الحرب الكورية وتجميد حرب أوكرانيا هي السيناريو الأكثر ملاءمة للصين، فهذا ما من شأنه أن يضمن نفوذ الصين المستمر على روسيا من خلال الحفاظ على اعتماد روسيا على الصين. وبالمقابل، سيكون من شأن هذا السيناريو أن يمنح الصين نفوذًا مستمرًّا على صادرات الطاقة الروسية والمناطق المتنازع عليها في أقصى الشرق الروسي والتنافس على النفوذ في آسيا الوسطى ومبيعات الأسلحة.
هذا المقال ترجمة لمقالة بعنوان: A space quad: Russia, China, North Korea and Iran لكاتبه: Gabriel Honrada في موقع: asiatimes.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.