هندسة الصراع: قراءة في كتاب معركة الأحرار للمهندس أحمد سمير

في أحد الفصول الدراسية، في جامعة من جامعات دولنا العربية المسلمة، تُفاجئني أستاذة المادة بأنها ما زالت تستغرب من منع المسلمات من التزوج بالكفار إن كن راضيات -طبعا هي لم تطلق عليهم وصف الكفار- قالتها بكل أريحية، بل ودافعت عن معتقدها، ثم مر الأمر في الفصل كأنها لم تقل شيئا، لكن في داخلي كان من الغليان والاستغراب ما الله به عليم: كيف لمسلمة تعيش بين المسلمين تريد أن يُطبق غير شرع الله!؟ بل وتدّعي أنه عكس حقوق الإنسان؟! وغيرها من التساؤلات التي نمت من خلال كلامها وكلام العديد من الأساتذة المتعلمنين؛ فكلامهم بعيد كل البعد عما كنت أسمعه عن تحكيم شرع الله وغيرها من المعاني السامية التي يسعى لها كل مسلم يعرف الله تعالى.

بقيت هذه اللحظة عالقة في ذهني وبقيت أتساءل كيف لهؤلاء أن ينسلخوا عن هويتهم، ويتّبعوا الغرب؟ هذا السؤال في الواقع المعاش حيّرني ولم أجد له إجابة شافية، إلى أن هداني الله تعالى لهذا الكتاب الثمين ألا وهو (معركة الأحرار).

كتاب يجيب على بعض من هذه التساؤلات، يعطيك البوصلة لتفهم الواقع من حولك، وببساطة كتاب يعرفك المعركة الدائرة بينك وبين عدوك بعدما يُعرّفه لك، من خلال تبسيط غير مخل بالمعنى، بعيد كل البعد عن اللغة الأكاديمية المعقدة، بلغة مليئة بعنفوان الشباب وعزة الإسلام. كلمات تنبع من قلب خاض وما زال يخوض معركة الوعي -فك الله أسره-. 

فقررت -بإذن الله تعالى- أن أكتب له مراجعة تكون نبراسا لمن لم يقرأ الكتاب بعد لعله يُقْدِم على قراءته ويستفيد من ينابيعه، وتذكيرا لمن سبق وقرأه. فباسم الله نبدأ وعليه التكلان.

كتاب معركة الأحرار

يقع كتاب معركة الأحرار في 117 صفحة، وهو متوافر مجانا على الشبكة العنكبوتية، ولن يضر القارئ أن ينقر بضع نقرات على جهازه ليجده. والكتاب المتواجد على الإنترنت بسيط الشكل، حيث يبدو عليه سرعة الإخراج، كما نبه لذلك في خضم المقدمة [معركة الأحرار: صـ3].

أما عن المحتوى فكتاب معركة الأحرار يبتدئ بمقدمة وينتهي بخاتمة بينهما ثلاثة فصول، حيث عَنوَن الفصل الأول بـ(الهيمنة)، والفصل الثاني بـ(الإسلام)، والفصل الأخير بـ(الثورة الحقيقية). وفي كل فصل عناوين فرعية، يختلف عددها بحسب الموضوع المتطرّق له.

بين يدي (معركة الأحرار)

كتابنا (معركة الأحرار) مكون من كلمتين ذواتي ثقل عظيم، فالأولى قد توحي بالقتال وما يترتب عليه من دماء وأشلاء وجثمان وغيرها من ويلات الحرب، لكن في خضم الكتاب يقول لنا: «إن التغيير ليس بالسطحية التي تطرحه بها الأحزاب والحركات السياسية، إنما هو معركة تحرر على كل المستويات، بداية من الفكر وحتى السلطة» [معركة الأحرار: صـ7]، فإذن ليس المقصود الحرب العسكرية وإن كانت داخلة ضمن المعركة لكن بداية هي معركة الوعي، وإيقاظ الضمائر.

أما الكلمة الثانية فهي تستنشق نسمات الحرية في اشتقاقها، فيمكن حينئذ إعادة صياغة العنوان بشكل أطول لكنه أوضح: (معالم المعركة التي يخوضها أحرار النفس ليصلوا إلى حريتهم الكاملة).

المقدمة

ابتدأت المقدمة بمقولة سيجعلها الكاتب محور الحديث في كل الكتاب، فكأن الكتاب كله ملخص في هذه السطور، ولننقلها كما جاءت عنه: «إننا اليوم نخوض معركة كبيرة باختيارنا، نفتح فيها أبوابا مغلقة، ولا ينبغي أبدا أن تتردد في خوضها معنا، ليس ضروريا لكي تخوضها أن تعرفنا ونعرفك، ولكن من الضروري أن تكون حرا من داخلك، وإن كتابتي لهذا الكتاب وقراءتك له ليست إلا خطوة في طريق هذه المعركة» [معركة الأحرار: صـ2]. ولفهم ما تدور هذه المقولة حوله لابد من الدخول في غمار الكتاب. 

ثم انطلق الكاتب في رسم معالم معركة التغيير حيث ذكر مصطلحاته الخاصة المتمثلة في: (المنهج والنظرية والتجربة).

وإنها من فطنة الكاتب أن يعيد تعريف مصطلحاته؛ لكي يُعرّف ما الذي يقصده بكل كلمة، فلا يذهب ذهن القارئ نحو شيء لم يعنيه.

أما عن المنهج فبحسبه هو «القيم والثوابت العليا التي يتحدد بها سلوكنا داخل المعركة» [معركة الأحرار: صـ2]، والنظرية عنده هي «الرؤية لإنزال المنهج على واقع المعركة» [معركة الأحرار: صـ2]، وعليه فالتجربة هي تنفيذ النظرية على أرض المعركة.

فمن أراد التغيير لابد له من منهج راسخ ونظرية واضحة وإقدام على خوض التجربة.

الفصل الأول: الهيمنة

في محاولة لإنزال منهج التغيير على واقع المعركة، أو ما سُمي عنده بفهم النظرية، يبتدئ أول عنوان في هذا الفصل بـ(حقيقة الواقع)، وهو إن تأملنا فيه عنوان ضخم؛ فالدراسات الفكرية والاجتماعية برمتها تحاول إيجاد حقيقة الواقع؛ لذلك فليس هذا الفصل من كتاب صغير الحجم هو ما سيعطينا كل هذه الحقيقة لكنه سيكون نبراسا لنا إلى فقه هذا الواقع والتعرف على سماته المميزة.

لكن لعل الكاتب أراد بضخامة العنوان أن يشد انتباه القارئ لما سيأتي من تساؤلات، تجعله يعيد مُساءلة المسلمات: من هو الذي صنع هذا الواقع الذي أعيش فيه؟ وهل أنا أعي كل ما حولي؟

وليجيب عن هذين السؤالين وأسئلة أخرى طرحها في الكتاب يعيد تذكيرنا بقصة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من تقسيم التركة بين المنتصرين، فانطلق الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، إلى أن انتصرت أمريكا بعد سقوط حائط برلين، فصارت إثر ذلك قائدة العالم. ومن مظاهر قيادتها للعالم كان ولابد لها أن تسيطر على الشرق الأوسط، فسعت إلى إخضاع هذه المنطقة وغيرها.

والمتأمل في اختيار الكاتب لهذه البداية يجد أنها بداية جد موفقة للتأريخ للزمن المعاصر، فلا أحد يماري في أنه: انطلاقا من هذا الزمن تغيرت الأوضاع عما كانت عليه في السابق بشكل كبير، ولكن تركيز الكاتب على الشرق الأوسط وحول ما تعانيه هذه المنطقة من إفقار وسيطرة قد يجعلنا نستغرب من جهة أن كل الدول الإسلامية تعاني نفس الويلات، لذلك قد نبه على هذا الأمر في العنوان التالي (الحدود تراب) حيث يقول: «وأنني وإن كنت أكتب من مصر إلا أنني أتوجه بحديثي لشعوب أوطاننا المسلمة كلها، فهي معركة واحدة في الحقيقة» [معركة الأحرار: صـ9]، لذلك فقد تناول الحديث عن قصة اتفاقية سايكس بيكو وما لها من تداعيات في تقسيم الأمة الإسلامية خاصة الثقافية منها التي تجعل الشعبين اللذين كانا تحت بوتقة الإسلام يتناحران ويتبادلان السُباب حِميةً لهذه الحدود الوهمية. 

ولتعود الأمة على ما كانت عليه من تلاحم وتآزر لابد لها -بحسب الكاتب- أن تُسقط الشرعية الدولية من حساباتها، وهذا ما تناوله في العنوان التالي؛ حيث قسم الشرعية إلى ثلاثة أقسام: سياسية واقتصادية وعسكرية، وحاول تبسيط كل واحدة على حدة، وفهم هذا ليس من الترف الفكري فأول ما تحتاجه الأمم الإسلامية يقظةً من غفلتها وصناعةً لوعيها، وهذه الصناعة لن تتأتى إلا عن طريق فهم الأمة كونها أسيرة منظومة وهم عالمية هي من تحدد العدو من الصديق، فالتغيير لن يحصل إلا بعد الخروج من هذه المنظومة التي تكتسب كينونتها من هذه الشرعية.

وهنا لو أكمل بنفس النهج الذي ابتدأ به في المقدمة وعرًف الشرعية قبل الدخول في خضم الحديث لكان أوضح للقارئ؛ خاصة أن هذا المصطلح يكثر تعريفه في الأوساط الأكاديمية، ولكن يقل فهمه من طرف العامة، فتعريفه بما يصبو إليه سيكون أفضل، لكن لعل التفسير بالمكونات وما فيها جعله يمتنع عن هذا الأمر. 

وببساطة يمكن القول أن الشرعية هنا هي الرضا والقبول العام للنظام السياسي أو الاقتصادي أو العسكري. أما مظاهر هذا الرضا في حياة المسلمين فقد تم تبيينها في الكتاب، حتى لكأنك تستغرب من كمية التعمية التي نعيش فيها لقبول هذه الهيمنة الأمريكية، من قبول لمنظماتها الاحتلالية ورضى بالنظام النقدي المبني على سرقة ثروات الشعوب لأجل حفنة أوراق، وتقبل للرأسمالية الإمبريالية الوحشية، ناهيك عن القواعد الأمريكية العسكرية الصريحة في بلداننا الإسلامية. 

ولَكَم كان الكاتب موفقا في تمثيله لما نعيشه في ظل حكم أمريكا للعالم على أنه (خلافة أمريكية) مكتملة الأركان [معركة الأحرار: صـ12]، فلو كان القارئ ممن عايش بعضا من العلمانيين سيرى مدى كرههم لنظام الخلافة واعتباره نظاما دكتاتوريا بامتياز، لكن نجدهم يتخاذلون في وصف ما نعيشه في ظل هذه الهيمنة الأمريكية على أنها خلافة قمعية، فلذلك وصف الكاتب لها يكون قلبا للدليل من عقر داره! 

وبعد إسهاب في مظاهر إلزام العالَم بقبول النظام الأمريكي نبه المهندس أحمد سمير في عنوان تال على كون الهيمنة الأخطر إنما هي على العقول، فكل ما وصلوا إليه من هيمنة في الواقع إنما ابتداؤه من الاستحواذ على العقول. وبيّن كم هي أذرع الاستحواذ كثيرة، وهنا بدأت خيوط الأجوبة عن سؤالي حول هذه الأستاذة التي أثارت تساؤلاتي في المقدمة تظهر لي، فوزارات التعليم والجامعات والمدارس ومعظم النخب الأكاديمية من دكاترة الجامعة الذين تلقوا قِيَمهم من الخارج وعادوا معبئين بها، تعتبر هذه الثقافة الغربية هي قائدهم ومرشدهم للحق والصواب، فما باحت به هذه الأستاذة إنما هو غيضٌ من فيضِ سيطرة الغرب على وعيها ووعي آخرين مثلها.

ثم يختتم هذا الجزء بسؤال له علاقة بالهيمنة الفكرية، ألا وهو هل الحرب بيننا وبينهم في مسألة الوعي حرب دينية أم حرب مصالح؟ حيث عنون الجزء بسؤال: (هل الهيمنة علينا حرب على الإسلام؟)، وبيّن فيه أن توهم التعارض في حد ذاته خاطئ، فالكفار يريدون أن نحيد عن الحق ونتّبع مِلتَهم؛ لتتحقق مصالحهم الدنيوية [معركة الأحرار: صـ26]، وقد قسّم العدو إلى ثلاثة أصناف يُرجع فيها للكتاب [معركة الأحرار: صـ26] تُبين أن مصالح العدو تختلط بالدين، فيصعب فصلهما.

وبهذا يكون الفصل الأول قد انتهى، لنبتدئ في فصل ثان هدفه تعريفنا بالإسلام الذي يريد العدو تفريغنا منه.

الفصل الثاني: الإسلام

كَثُرت التقارير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حول الإسلام؛ لنجد في خضم هذه الزوبعة من التقارير معايير وأسس للدين الإسلامي الذي يوافق المصالح الأمريكية التي تعتبر هي الفيصل [معركة الأحرار: صـ29]. لذلك كان أول عنوان في هذا الفصل مثيرٌ وجدليٌ، ألا وهو (لماذا يخافون من الإسلام؟)، وقد استنتج الكاتب أن هذا الخوف ناتج عن أربع مكونات في الإسلام وهي:

  • الاكتمال والاكتفاء الذاتي القِيَمي والتشريعي، الذي يجعل المسلم مستقلا وصلبا في فكره، فلا يحتاج مع دينه إلى تُرهات الغرب، حيث يؤدي هذا إلى بديل محتمل لحضارتهم القائمة.
  • روح العزة وبذور المقاومة، التي تجعل من المسلم مجاهدا في سبيل إعزاز دينه ورفع رايته، لذلك فكل من يقف أمام مصالحهم يعد إرهابيا، راديكاليا، عدوا للحداثة وللحرية إلخ…
  • سرعة الانتشار والتمدد، الناتج عن كون الإسلام دين فطرة، وعن كون المسلم يحمل عقلية الانتشار والتوسع.
  • أخوة الإسلام، فرابط الإسلام يعلو فوق كل رابط، وأي رابط آخر غير الدين يعني التشتت والتفرق.

 ثم ينتقل بنا إلى جزء آخر من الكتاب عَنوَن له بـ(تقارير غربية خطيرة -المستشرقون الجدد-)، فبعد إدراك الغرب أن الإسلام خطر يهددهم صار هذا الدين هو مادة البحث الرئيسية في مراكز الفكر عندهم، بل إنهم يعرفوننا ويدرُسوننا أكثر مما نعرف نحن أنفسنا [معركة الأحرار: صـ34]، وهنا يرشدنا الكاتب لضرورة قراءة التقارير السياسية الغربية وتحليلها فهي تكشف التهيئة الفكرية التي تتم للشعوب الغربية لتقبل قرارات القادة، فإطلاق اسم المستشرقين الجدد ناتج عما يحمله هذا الاسم من حمولة تاريخية لمن وَهبوا حياتهم لدراسة التراث الإسلامي بغية السيطرة على العالم الإسلامي، غير أن هؤلاء الجدد منهم مهتمون بدراسة واقع المسلمين دراسة واقعية ميدانية.

والهدف من هذا الجزء ليس فقط وصفا لحالة المستشرقين المهتمين بالمنطقة الإسلامية وخطرهم، ولكن كذلك للحديث عن تنبؤات هؤلاء المستشرقين [معركة الأحرار: صـ35] حول مستقبل تيارات الإسلام السياسي، حيث كانت النبوءة المستخرجة من الدراسات العلمية تفيد أن التيارات الإسلامية ستفشل وتسقط بمجرد وصولها للسلطة، ففصَّل في هذا الموضع وبين سبب هذا الفشل بحسب هذه التنبؤات.

وقبل أن يختم هذا الجزء أعاد التأكيد على الهدف من هذا الكتاب الذي يكشف زيف الادعاءات الأمريكية ويحاول إظهار الحقيقة على ما هي عليه، ونبّه على أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن الإسلام هو الدافع الحقيقي للتغيير [معركة الأحرار: صـ40]، وليس الانتخابات بما وصفها معارك الوهم.

ولفهم ما يقع سياسيا في دولنا الإسلامية وجب فهم الصراع بين الإسلاميين والليبراليين فكان هذا الجزء التالي من الكتاب، حيث جعل شرح العلمانية هي المحدد الرئيسي لفهم هذا الصراع، وقد عاد الكاتب لتعريف ما يستعمله من مصطلحات ولَهو أمر حسن، فقد عرفها بكونها «إقصاء الدين بحيث لا يكون ميزانا توزن به الأمور» [معركة الأحرار: صـ41]، فالمهم ألا يكون المنطلق من الدين وإن كانت النتيجة نفسها، لكن حقيقة الإسلام أنه دين متشابك مع الشأن العام بصورة يستحيل فصله عن الحياة إلا بالخروج منه كله، مما يعيق العلمانيين عن إقصاء الدين من الأحوال الشخصية مثلا [معركة الأحرار: صـ43]. 

كما قسّم العلمانية إلى ثلاثة أقسام: أصلية وشائعة ومصطنعة، يُنصح بالرجوع للكتاب للتعرف على كل واحدة على حدة، ثم أضاف لها نوعا هجينا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، سماه بـ(العلمانية ذات الشعار الإسلامي)، فالإسلام عندهم لا يتعدّى الشعارات التي تخفت مع مضي الزمن، فهم لا يحملون حتى همّ إقامة الدين بل هم واقعون في شباك العلمانية مذ اختاروا أن يلعبوا اللعبة السياسية الحالية.

وفي هذا الجزء نجد التفاتة رائقة حول علاقة العلمانية بطبيعة الإسلام، حيث بيّن أن من يُكثر العويل حول تطبيق العلمانية وأنها الحل لمشاكلنا، إنما يعيش في تناقض كبير، فهل نحن الآن أصلا نعيش في ظل الخلافة الإسلامية؟! هل دين الإسلام أصلا مطبق لكي يُنتقد؟ لكنه بيّن قيمة هذا الحكم الإسلامي الذي نسعى له المُؤَسس على منهاجية وليس على كهنوت واستبداد ديني.

وما دام في هذا الجزء أشار إلى العلمانية والأنظمة السياسية الحالية فقد جعل الجزء التالي يتحدث عن النظام الديموقراطي والنظام الإسلامي ثم أظهر الفرق بين النظامين [معركة الأحرار: صـ50]، وقبل الشروع في تناول كل نظام على حدة بيّن أن للنظام السياسي فلسفة خاصة به تقوم على قيمة عليا هي التي يتم السعي إليها، كما تقوم على المعيار الذي به يحدد هل تم الوصول إلى هذه القيمة العليا أو لا، فهي كالتيرمومتر، ثم بعد ذلك تأتي آلية تطبيق هذه الفلسفة التي لا تعتبر نقطة فاصلة بين الأنظمة وإن تغيرت وتعددت.

ولنلخص الفرق بين نظامي الحكم فيما يتعلق بفلسفة النظام:

 فلسفة النظام
نظام الحكمالقيمة المثالية العلياالمعيار
الديموقراطيحكم الشعبتحكيم إرادة الأغلبية
الإسلاميحكم الحق/ سيادة الحقالحكم بما أنزل الله وإسناد الأمر لأهله، وتعني:
– إقامة الشرع فيما حسمه.
– تفعيل الاجتهاد للمتخصصين.
– إعمال الشورى التخصصية بناء على الاجتهاد.
مقارنة بين نظام الحكم الديموقراطي والإسلامي

وفي تناوله لموضوع الإسلام والديموقراطية ينتقد المهندس سمير الديموقراطية من الداخل بانتقاد رصين يُبيّن حقيقة زيف من ادّعى صلاحية هذا النظام من الحكم، ومما ذكر فيه أن الديموقراطية حيلة لانتزاع السلطة من الشعب بعد إيهامه أنه قد أخذها بالفعل [معركة الأحرار: صـ53]، كما عبر بكل احترام أن الانتخابات إنما «هي سخرية وظيفتها إقناع الناس بوهم الديموقراطية» [معركة الأحرار: صـ54]. وهنا أشار إلى دور أمريكا في الدعوة لهذا النظام وتلميعه يكمن في ثلاثة أهداف رئيسية [معركة الأحرار: صـ55]:

  • خلق ذريعة استعمارية مقبولة دولية للتدخل العسكري.
  • إشغال الشعوب عن التفكير في إيجاد بديل غير الديموقراطية وقيمها.
  • الاحتواء العملي لكل تحركات التغيير، فمن دخل في هذا النظام سيبقى تحت أذرع الهيمنة الأمريكية.

 ثم ينتقل بنا إلى وصف جميل وأخّاذ لهذا الحكم الإسلامي الذي يطمح كل مسلم يوحد الله تعالى أن يعود لما فيه من ظلال العدل الوافرة. كما أنه ناقش قضية الحدود في النظام السياسي في الإسلام وبيّن أن هذه الحدود تُطبق على جرائم مجتمعية خالصة [معركة الأحرار: صـ60]، والهدف منها ارتداع من يقدم على هذه الجريمة ابتداء.

ولكي يدفع الوهم الحاصل أن الديموقراطية رديفة الشورى يُبين الفرق بمثال بسيط، وذلك بافتراض جماعة من الناس لهم منزل مشترك يريدون بناء طابق جديد، فإذا اعتمدوا رأي الأغلبية هنا متناسين موافقة المهندسين العارفين بصلاحية هذه الزيادة، فلا شك أن الدمار حاصل، وهو ما يقع في الديموقراطية، بينما الشورى تعتمد على رأي المختصين في مجالاتهم [معركة الأحرار: صـ62].

وخلال شرحه لأهمية الحق وكونها القيمة العليا أعطى أمثلة واعدة من أمتنا الإسلامية تُبين ما مدى أهمية هذه الركيزة بل بيّن ذلك في أمثلة ربما لا تظهر كذلك في الوهلة الأولى كالمحنة الأولى بين الصحابة رضوان الله عليهم.

ثم بعد هذا يتناول نقطة هامة وهي الحديث عن التقدم والتطور في كل من المجتمعات الإسلامية وفي المجتمعات الغربية، فيظهر لنا أن أهم فارق يكمن في كون النظام العالمي اليوم لا يسعى بالتكنولوجيا نحو الأصلح والأنفع للبشر إطلاقا [معركة الأحرار: صـ64] بل يتفنن في تحويل احتياجات الناس إلى رؤوس أموال بعيدا عن احتياجاتهم الحقيقية.

ويأخذنا بعد ذلك لآلية تولي السلطة، حيث يشرح لنا أن (أهل الحل والعقد) هم من بيدهم مراكز القوة والسلطة الثابتة في المجتمع [معركة الأحرار: صـ67]، فرغم كون هذا المصطلح مصطلحا شرعيا إلا أنه حتى في الدولة الحديثة هم متواجدون بأسماء أخرى، لكن ما يميز الدولة الإسلامية أن أهل الحل والعقد هم العقلاء الأكفاء أصحاب الرأي والفهم [معركة الأحرار: صـ67]، لذلك قد يُطرح التساؤل: ما العمل إذا كان أهل الحل والعقد هم أصلا فاسدون عملاء للعدو؟ يجيب المهندس سمير بكل وضوح: «في هذه الحالة لا يوجد إلا حل واحد وهو نزع تلك السلطة من بين أيديهم نزعا وتجريدهم منها» [معركة الأحرار: صـ68]، ثم يُعلّق بكون المعركة كلها تكمن في انتزاع السلطة الثابتة وتكوين سلطة جديدة في المجتمع توضيحا منه لمعالم المعركة، ورغم كونه دربا طويلا إلا أنه لا درب غيره، فهذا التغيير يصاحبه صبر ومصابرة وفكر ووعي، وقوة وحسم وحزم ومواجهة. 

وخلال الحديث عن آلية تولي السلطة يتطرق لموضوع قوة المجتمع مقارنة بالحاكم، حيث يأتي بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيها توصية الرعية بالحاكم الذي في حقيقة الحكم الإسلامي إنما هو أضعف حلقة، لكن بعدما اختفت مركزية المجتمع صارت كل القوى تتمركز في هذا الشيء الوهمي المسمى الدولة التي في حقيقتها صنم وهمي، حيث يظهر الفارق بين سيادة الشعب الوهمية في الدول الديموقراطية وبين مركزية المجتمع في النظام الإسلامي السياسي [معركة الأحرار: صـ74]. وهذا الأمر يجره للحديث على الفارق بين الاحتلال الإمبريالي والفتوحات الإسلامية حيث يتلخص في كون المركزية في الفتوحات للدين الإسلامي وللمجتمع، بينما في الإمبريالية فالمحتل وحده هو المستفيد أما المجتمع المحتل فلا قيمة له.

الفصل الثالث: الثورة الحقيقية

بعدما حاول إيضاح المشكلة في الفصلين السابقين وبيّن قيمة الإسلام الذي يخافه الغرب، انتقل بنا في هذا الفصل ليبين كيفية إعمال دين العزة والإباء. وللدخول في موضوع الفصل ابتدأ بالحديث عن القيمة والسلوك مستعينا بما هو معروف حول هذين الأمرين في علوم النفس، حيث أن كل سلوك إنما هو منبثق عن قيمة عند الشخص، وهو ما يقع عند الجماعات والحركات والأنظمة، فسلوكها في الواقع إنما هو نابع من تصوراتها. ومع الأسف الاحتلال القديم عبث في القيم المجتمعية والسياسية وأعاد تشكليها بصورة تخدم مصالحه [معركة الأحرار: صـ81]، لذلك فالنظام الحالي كما تم شرحه في الفصل السابق لابد من إسقاطه بالثورة التي سعى لتعريفها بمكوناتها في العنوان التالي، حيث اعتبر أن السلوك لا يكون ثوريا إلا إذا انبثق عن ثلاث قيم رئيسية ألا وهي [معركة الأحرار: صـ83]:

  • استهداف التغيير الجذري، أي إسقاط حقيقي للنظام.
  • العمل من خارج المنظومة، أي عدم إضفاء الشرعية على المنظومة لا قولا ولا فعلا.

ففصّل في كل بند من هذه البنود وشرحها ومثّل عليها ليتبين للقارئ ما الذي يسعى إليه.

إلا أن هذه الثورة لا تكتمل إلا إذا امتلكت هي بذاتها منظومة قيم كاملة تزيح منظومة القيم لدى النظام [معركة الأحرار: صـ88]، وهو ما نقله للحديث عن (ثورتنا والإسلام) وهو جزء متعلق بالفصل الثاني الذي شرح فيه حقيقة الدين الإسلامي، فنحن نسعى لإقامة منهج الإسلام لا أسلمة واقع فاسد الأصل [معركة الأحرار: صـ89]، فالإسلام ليس قادرا فقط على بناء حضارة واعدة بل كذلك على هدم الحضارات الجاهلية.

ووصف الجاهلية هذا قاده للحديث حول جاهلية العدو لا الشعوب حيث أن الوصف ليس معبرا عن حقيقة المجتمعات الإسلامية وإن كانت واقعة في بعض الجاهليات؛ لذلك لزم مخاطبة الشعوب ومحاولة توصيل الحق إلى الشعب عامة دون استثناء، فمن يجعل رسالته لبعض فئام الناس دون بعض فقد أبعد أهم شريحة في التغيير، فأعداؤنا سيطروا علينا بعدما غيّبوا عقول الشعب وزيّفوا وعيهم باستخدام سلاح الإعلام القاتل للوعي، حيث يشوه الثوار جماهريا وهذا ما تعرض له في عنوان (كيف يسقط الثوار جماهيريا؟) حيث بيّن أنه يمكن كسر هذه الصور النمطية انطلاقا من فك العزلة بين الشعب والثوار سواء كانت عزلة بالخطاب أو عزلة بسبب اختلاف الاهتمامات أو حتى عزلة بسبب اختلاف الشكل.

فملخص الأمر أن تعرف أن أهم شرط للوصول بالقضية للشعوب هو البعد عن كل ما يفصل عن الناس شعوريا ووجدانيا بدون داع [معركة الأحرار: صـ98]، ومما يُقرّب القضية إلى الجماهير مخاطبتهم برسالة يفهمونها وذلك باستخدام قاعدتين هامتين، ألا وهما تخطي المصطلحات الملغمة التي تكون حماّلة أوجه، وكذلك تفسير المصطلحات المُغلّفة للناس قبل إنكارها ومهاجمتها، كمصطلح الديموقراطية الذي سبق وبيّن زيفه في الفصل السابق.

وخلال رسمه لخطة التغيير تحدث في عنوان مهم عن (كيف نحرك الجماهير ثوريا؟) وبيّن أن هذا يحتاج إلى إيجاد مفتاح صراع يفهمه الجماهير ويلتفون حوله [معركة الأحرار: صـ106]، ولم يتركنا الكاتب نبحث عن مفتاح هذا الصراع بل جاد علينا بطرحه بكل وضوح وهو (إسقاط الهيمنة الخارجية) فهو السبب الحقيقي وراء الوضع الحالي، والعائق الأكبر، إلا أن هذا يلزمه المرور عن طريق إسقاط قدسية الجيش ومصدرية الإعلام، وكذا إسقاط هيبة النظام وأفضلية الاستقرار.

وبعدما استفاض في الحديث عن الجماهير بالذات لكونهم قطب رحى المعركة، انتقل للحديث عن مواضيع جانبية لكنها بالأهمية بمكان، كحديثه عن كون الثورة جهادا، وأن الحزبية مقبرة الأفكار.

ثم يُنهي هذا الفصل بسؤال يقرع القلوب: (هل نحن مخيرون في خوض المعركة؟)، والجواب كما توقعتَ أيها القارئ من خلال كل الحديث السابق أننا غير مخيرين في ذلك، لكن الذي أكّد عليه أن هذه المعركة عبادة وجب أن تكون بالصورة الصحيحة للعبادة، لكنه نبّه أن هذا المنهج الثوري لابد له من تكلفة لكن لا ينبغي لأنظارنا أن تركز على الثمن ولا على صعوبة المسير بل إلى عظم الثواب والأجر والزلفى من رب العالمين. 

خاتمة معركة الأحرار

ينتهي كتاب معركة الأحرار الفريد من نوعه بخاتمة يذكر فيها الكاتب أنه حاول كشف حقيقة المعركة وأبعادها الواقعية والمنهجية، حيث ينطلق مجال تفكير القارئ ويبدع بناء على هذه الأرضية المنهجية، وينتهي بالعبارة التي افتتح بها الكتاب ليُبين أنه قد حاول توضيحها وسبر أغوارها.

أما عن التقييم العام لكتاب معركة الأحرار فهو كما ذكرت في مقدمة المراجعة كتاب يُعرّفك المعركة الدائرة بينك وبين عدوك بعدما يُعرّفه لك، من خلال تبسيط غير مخل بالمعنى، بعيد كل البعد عن اللغة الأكاديمية المعقدة، بلغة مليئة بعنفوان الشباب وعزة الإسلام. وهو حقيقة يحتاج إلى الاحتفاء به والعمل من خلال ما أتى به، وجعله منطلقا للتغيير، وكما قال على كل حر أن يشغل نفسه ليل نهار بهدم قيم النظام العالمي وإزالتها وإنهاء أسطورته [معركة الأحرار: صـ56]، فاللهم أعنا على خدمة دينك وخذنا إليك أخذ الكرام عليك.

مريم بنت أحمد

مسلمة مهتمة بدينها وبأمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى