الشباب في وطن عجوز

أنعم الله على العرب بنعمة كثرة الشباب، فنسبة الشباب القادرين على العمل في الوطن العربي والتقدم للخدمة العسكرية تفوق مثيلاتها في الدول الغربية، ولكن تلك الأعداد المهولة من الشباب لا يتم توظيفها واستثمارها بالشكل اللائق، أو قل في بعض الأحيان لا يتم استغلالها من الأساس.

ملايين الخريجين العرب كل عام من الجامعات والمعاهد يواجهون مستقبلاً مظلماً، فقد رفعت الحكومات يدها عن سوق العمل وتركت الشباب كماده مستهلكة للقطاع الخاص، يستنزف طاقاته بالشكل الذي يُدِرُّ عليه العائد الوفير، ولا يعبأ أبدا بمواهب أو قدرات هؤلاء الشباب.

فيتم توظيفهم توظيفاً خاطئاً، في أماكن لو عمل فيها غيرهم لتغير الحال تماماً، فالهدف الرئيسي لدي هؤلاء الشباب أصبح الربح لا الإبداع والتغيير، وبلا شك فالربح هو الهدف الأسمى لصاحب العمل الخاص أيضا، فتحول الشباب إلى ماكينات تعمل طوال الليل والنهار دون إبداع حقيقي أو روح عمل حقيقية تغير من الواقع.

أما إذا تحدثنا عن تولي الشباب المناصب القيادية في بلادهم فهنا تكمن الكارثة، في وطننا العربي لا يعترف الكبار المحنكين (على حد قولهم) بقدرات الشباب فيما تحت الثلاثين من عمرهم.

 وأنهم لا يصلحون بعد لتولي أحد المناصب القيادية أو السيادية في مؤسسات الدولة، ويتحججون بالخبرة، ولم يشتد عودهم بعد لتحمل تلك المسئولية الشاقة، وأنه مازال أمامك الكثير والكثير من العمر لكي تنضج وتصبح مؤهلاً لذلك المنصب الرفيع، وأنك إذا لم تصل إلى ما بعد الخمسين وحتى الستين فأنت ما زلت صغيراً ولا تملك المهارة والخبرة المطلوبة.

هراء وعبث، الشباب في هذا السن في قمة طاقته وإبداعه، كيف نعرقل هذا الوحش الكامن في صدر كل شاب عربي من الإبداع والقيادة!

كيف نحكم عليه بأنه غير مؤهل لهذا المنصب لأنه فقط لم يبلغ من العمر أرذله! فلننظر إلى المجتمعات المتحضرة، الشباب هناك في أرقي المناصب السياسية والدبلوماسية، الوزراء والسفراء والمحافظين ومستشارين الرئاسة بل ورؤساء الوزراء أيضاً. لا يُشترَط السن أبداً ولكنها الكفاءة والقدرة والإبداع والفكر.

ولكني أتساءل. لماذا نفعل ذلك؟ هل نتبع حتى الآن قوانين البادية والجهالة بأن الحكمة والقدرة تأتي بالسن فقط ولا مجال للعلم والفروق الفردية للأشخاص؟

في وطني يصل الشاب إلى سن الثلاثين من عمرة ولم يحقق شيء يُذكَر، بينما لو نظرنا إلى هذا السن في المجتمعات المتحضرة نجده في أوج مجده وعطائه وإبداعه.

في مجتمعاتنا لا نثق أساساً بقدرات الشباب، لا نؤمن أنهم محور التغيير الحقيقي، وبذلك لا نعطيهم الفرصة مثلاً لرسم سياسات الدولة أو وضع خطط للتنمية أو للدفاع، كل الخطط يضعها الكبار الذين نال منهم العمر، يخططون لمستقبل لن يكونوا موجودين فيه ولن يشهدوا نتائج تخطيطهم، يتحكمون في الحاضر والمستقبل الذي سيعيشه شباب اليوم. فكيف هذا ؟!

لا يقتنعون حتى الآن أن لكل آن أوانه، ولكل زمن فِكره الخاص به، وأن حياتكم لا تشبه حياتنا إطلاقاً، وما كنتم تعتقدون أنه سينجح معكم سيفشل معنا، بالطبع يتغير الزمن ويتغير الفكر ويتغير كل شيء يوماً بيوم. ولكن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو تفكيركم!

كل الطرق أصبحت مسدودة أمام الشاب العربي، لا تعليم لا رعاية لا توظيف إلا لو امتلكت الواسطة اللازمة لانتشالك من هذا المستنقع، فهنا يصبح الأمر يسيراً جداً وتتلون الحياة أمامك، نعم للواسطة سحر خاص هنا.

والسؤال هنا. متي نخرج من هذا الإطار الضيق الذي نضع فيه الشباب العربي ونوظفه أفضل توظيف ممكن؟

متي نكفله بالرعاية التي طالما حلم بها في الغرب ولقي بنفسه في قارب ليعبر البحر معرضاً نفسه للهلاك حتى يجد نفسه ويحقق كيانه؟ متي نوفر له الإمكانيات والظروف التي تنسأه واعياً مفكراً؟

فالشباب وحدهم سنخرج إن شاء الله من هذا النفق المظلم، وإذا لم يدرك الجميع هذا، فلا أمل لنا أن نعيد أمجاد الماضي أو نبني أمجاد المستقبل.


محمد البابلي

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى