المرأة بين التكريم والتحرير

لمّا أمر النبي الرجال في خطبة الوداع أن استوصوا بالنساء خيرا، لم يحصر وصاية الخير بهن في الثامن من مارس. ولما قال الله في كتابه المقدس في السورة التي ما سُميت إلا باسمنا معشر النساء: “الرجالُ قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض”، ما كانت تلك القَوامة قوَامة مؤقتة تنتهي بانتهاء حِقبة من حِقب التاريخ التي نزل فيها القرآن، ليتساوى بعدها ميزان الرجل مع ميزان المرأة باندلاع ثورات نسوية تحت ظل الاشتراكية المنادية بخفض ساعات العمل للنساء ومنحهن حق الاقتراع والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية. وفي الأصل ما خرجت تلك المظاهرات وما اندلعت تلك الاحتجاجات في شوارع نيويورك إلا مناهضة للحركة النسائية البرجوازية التي كانت تشعر النساء الاشتراكيات في ظلها بالغبن والجور حيث أنهن في ظل الرأسمالية لا يحصلن إلا على فتات موائد المتحكمين في عجلات الإنتاج، فمع ساعات العمل الطويلة والأجور المتضائلة تهافت النساء لنداءات كلارا زيتكين للتحرر من قيود الطبقة البرجوازية والاستقلال بالذات وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي؛ حيث قالت:

بالعمل خارج المنزل من أجل الأجر تزيد استقلالية المرأة وهذه هي أحد شروط الحرية، وإن كانت لا تعني بالضرورة تحقيق تلك الحرية، ولقد حققت المرأة في الطبقة العاملة استقلالها الاقتصادي، إلا أنها لا تمتلك بعد إمكانية الحياة الكاملة كفرد، لأنها لا تحصل إلا على الفتات المتساقط من مائدة الإنتاج الرأسمالية، رغم عملها ودورها كزوجة وأم

كان نضال المرأة في تصور كلارا يقتصر فقط على تفوقها على نظيراتها في الطبقة البرجوازية وعليه فأصل نضال المرأة كما يحتفل العالم اليوم ليس إلا نزاعا بين طبقتين، تريد كل منهما الانتصار وتحقيق ذاتها وفقط. تقول روزا لوكسمبواج في مقال كتبته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة “إن الزوجات البرجوازيات كديدان المجتمع مهمتهن الوحيدة هي المشاركة في ثمار الاستغلال، أما نساء البرجوازية الصغيرة فهن عبيدات الأسرة المنزليين ولكن نساء البروليتاريا الحديثة هي أول من يصل للآدمية فالصراع وحده هو من يصنع الأشياء”، كما ذكرت: “بالعمل خارج المنزل من أجل الأجر تزيد استقلالية المرأة فلقد حققت المرأة في الطبقة العاملة استقلالها الاقتصادي”.

وذكرت المجلة الاشتراكية الثورية بأن تحرر المرأة لن يأتي إلا عن طريق الاشتراكية ولكن الثورة الاشتراكية لن تنتصر إلا بمشاركة المرأة العاملة. وأول من دعا لفكرة الاحتفال بيوم المرأة على مستوى العالم تخليدا للإنجازات السياسية والاقتصادية هي كلارا زيتكين، الاشتراكية المتعصبة في مؤتمر الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي، الذي عُقد في باريس عام 1945، مع الأخذ في الاعتبار أن اتحاد النساء العالمي يتكون من المنظمات الموالية للأحزاب الشيوعية وفي القرن الواحد والعشرين يحتفل العالم تخليدا لذكرى جهاد المرأة الاشتراكية وانتصارها على الظلم الواقع عليها. يحتفل العالم بأفكار لينين الاشتراكية الثورية التي تنادي بحلّ الروابط الأسرية وتكريس الوقت والجهد للعمل وفقط. ويخلد ذكرى كلارا التي أنجبت ولدَيها بطريقة غير شريعة.

لما تعالت صيحات زيكتين في أوائل القرن العشرين وتبعتها نساء العالم حتى يومنا هذا، وخصوصا المسلمات منهن المناديات بتحرير المرأة والمساواة التامة بينها وبين الرجل، بدء من هدى شعراوي حتى نوال السعداوي وإيناس الدغيدي، تناسيّن دستورا نظَم وقوّم حياتهن منذ قرن وربعمائة عام. يقول الدكتور حامد الرفاعي:

لقد اختص الاسلام المرأة بامتيازات عن الرجل تقديرا وإكراما لها مقابل ما كلفها به من أمريّن عظيمين جليليّن تتحمل مسؤوليتها العظيمة الرفيعة وهي:

  • تحمل مهمة إعداد نفسها لتكون سكنا معنويا وروحيا وحسيا لزوجها يأوي إليها ويغسل في ظلال أنوثتها ورحاب نفسها وغزارة عواطفها المتميزة بالرحمة والمودة أدران ومتاعب وهموم كدحه وكفاحه في ميادين ما كُلف به من واجبات لم تُكلَف بها المرأة
  • وتحملها أعباء الحمل ومخاطره ومشقة الولادة والأمهات ومسؤوليات الأموية في حضانة الأطفال وتنشئتهم  ومتابعة تربيتهم وإعدادهم لتحمل مسؤولياتهم تجاه تكاليف الحياة التي تنتظرهم ولا شك أنها مسؤولية تتصاغر أمامها أية مسؤولية أخرى.

ولا شك أن الدعاوى المنادية بالتساوي هي دعاوى منادية أولا لقلب واختلال الميزان الفطري، والتجارب في ذلك سواء اشتراكية أو ماركسية أو ليبرالية جنت وبالا لم تكن تنتظره وشرا كانت في غنى عنه. يقول جورج باتشوف “طيلة سنوات تاريخنا البطولي والمتألق عجزنا أن نولي اهتماما لحقوق المرأة الخاصة واحتياجتها الناشئة عن دورها كأم وربة منزل ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال…إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي وفي مواقع البناء وفي الإنتاج والخدمات وتشارك في النشاط الإبداعي، لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل، وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب. لقد اكتشفنا أن كثيرا من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب في معنوياتنا وثقافتنا، وفي الإنتاج تعود جزئيا إلى تدهور العلاقات الأسرية والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية”. ويقول جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق:

إن المسؤولية الشخصية هي ما يجعلنا شعبا قويا أما الاستمرار في أزمة القيم فسيحولنا إلى شعب ضعيف

ويقول المفكر الإسلامي علي عزت يجوفيتش في كتابه هروبي إلى الحرية أن المناضلات من أجل تحرير المرأة مثل النبتات المخلوعة من جذورها وهن خارج نطاق البحث. إن لكل شئ في الكون مقدار وميزان وإذا اختل الميزان فلا عزاء إذا تبدلت الأدوار وانتُكِست الفطرة. في اليوم العالمي لتخليد ذكرى نضال المرأة ارتقت المقدسية المناضلة “فدوى أبو طير” البالغة من العمر الخمسين من أمام أبواب مسرى النبي فالعُقبى لمن طارت خلف فدوى وسحقا لمن تغنت بأفكار لينين المتعفنة كعفن قبره.

أسماء القاسم

خليفةُُ للهِ في أرضهِ والقبلةُ إلى بيت المقدس، أسكن القاهرة. المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى