من يبذل الخير لا يعدم جوازيه
قد لا يختلف اثنان على أن صناعة المعروف توفيق وتسديد من الله تعالى، ولا تزال هناك قلة من الناس تبذل المعروف ما وسعتها الحياة وتجتهد في إتقانه وبذله ليقينها القاطع أنها ترضي بذلك ربها وخالقها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لشعورها وإدراكها بأن المسلمين ركب واحد وإن اختلفت مشاربهم ونأت ديارهم، وتباينت أجناسهم وتعددت ألسنتهم لما يجمعهم من أصل الإيمان الواحد، وليس ذلك فحسب بل قد يقدمونه لغير المسلم ليلجوا من باب الإنسانية الواسع.
والمعروف لفظ عام يشمل جميع أنواع البر فلا يجوز قصره على أمر دون آخر طالما كان في دائرة الخير اللازم للإنسان وكثيرة تلك الآيات القرآنية التي تتحدث عن قيمة المعروف، وأثره في النفوس وثواب فاعله لكي يتعلق المسلم في كل تصرفاته وجميع مقاماته بالله الذي يمنح الخير والمثوبة (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) (آل عمران: 198)، (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (الإسراء: 20).
وبذل المعروف لا يتوقف على الأفعال دون الأقوال، بل قد تكون الحاجة إلى معروف من القول أكثر من حاجتنا إلى معروف على دخن أو على دخل يلحقنا من ورائه الضر والأذى.. وعبارة القرآن الكريم تقرع الآذان (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83). وكم من أقوام يصدمون غيرهم بسقم مشاعرهم وجفاء طباعهم ليرقصوا على جراح القلوب النازفة فيهدمون بناء، ويشوهون صورة ويكسرون خاطرًا.
مظاهر المعروف
وما أكثر هذه المظاهر لإننا مأمورون سُنة ألا نحقر من المعروف شيئًا ولو فِرسِن شَاة وإنها والله لكثيرة تملأ الآفاق ما بين بذل الماء وإغاثة اللهفان. وإكساب المعدوم وقرى الضيفان، وعرض العلم، والقيام بشفاعة وستر للأعراض، وتخذيل عن الشرور وإصلاح ذات البين وخلافة غاز مجاهد في أهله وغير ذلك..
وفي أحايين كثيرة يسير أحدنا في دروب بعيدة وطرق نائية ويشتد به الظمأ وكم يتمنى شربة ماء فإذا سبيل من الماء قد أوقفه صاحبه ليشرب الناس منه فيشرب ويرتوى ويدعوا لواقفها، أليس ذلك من المعروف؟ وربما شاهدت غريقًا ينشد العون، أو جريحًا في حادث مروري فعالجت الأول وحملت الثاني في سيارتك لأقرب مركز طبي لإسعافه. أو أنك تجد ضائقًا في محنة يحتاج إلى فضل مالك لإجراء جراحة عاجلة لزوجه أو ولده فتحملك نفسك الشريفة على بذل ما عندك دون أن يطلب منك شيئًا، ألا يعد ذلك من المعروف؟
وقد يشب حريق في إحدى الدور فتنهض بسيارتك على الفور تستدعي رجال الإطفاء وتساعدهم في مهمتهم حتى يخمدوه أليس ذلك من المعروف؟ وكم من أقوام يحتاجون ما عندك من العلم وقد حرموا منه فتجلس بينهم تعلمهم مما علمك الله وفتح به عليك ألا يعد ذلك من المعروف؟ وقد يطلب شخص منك الشفاعة له عند أولياء زوجه لتيسير الحلال وإتمام الزواج ولا سيما إن كان كلاهما من أهل الثناء والفضل. فقيامك بالشفاعة لهما والتوفيق بينهما من أبر غايات المعروف. أليس كذلك؟
وسترك لأعراض المسلمين، وعدم إشاعة الفاحشة بينهم من المعروف. أن تقطع ثمار نخلة أو تجنى كرمك ثم تتعاهد جيرانك فهو من المعروف. أن تحمل شخصًا صادفته على بابك فهو من المعروف. علمت أن شخصًا ينوي الشر والضرر بغيره فجلست معه ومسحت على صدره فكشفت عن سماحة الإسلام وحرمة الإنسان على أخيه فخذَّلته وانصاع إليك فهو من المعروف.
أن تعلم أن خصومة وقعت بين اثنين، فتعلم أنها إن طالت فأفسدت بينهما وتعدت إلى غيرهما. فأخلصت القصد لله، وصدقت التوجه إليه حتى أعانك على الصلح بينهما وعودة الصفح والصفو كأحسن ما كان بينهما أليس ذلك من المعروف؟ تقدمت بفضل ما عندك لأطفال جياع تركهم أبوهم إلى الدار الآخرة وليس لهم من حظ الدنيا غير متاع قليل وأثاث يسير. تذكرتهم وأشفقت عليهم فداويت جراحهم، وجبرت كسرهم ألا يعد ذلك من المعروف؟
علمت أن فلانًا خرج غازيًا مجاهدًا يضرب بسيفه في سبيل الله ومن ورائه أفراخ صغار وأفواه جياع فأقمت نفسك على خدمتهم وسد حاجتهم حتى يرجع أبوهم فمن جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا ألا يعد ذلك من المعروف الذي يرضاه الله تعالى ويرضاه رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
الأثار التي تترتب على صناعة المعروف
أولًا: ما يتعلق بصانع المعروف
- إشراقة النفس بسماحة العطاء، ونداوة الروح وظرفها، وخفة الجسد الذي يتحرك لله وفي الله وبالله.
- سعادة زوجية وافرة تمر به كل لمحة وتغمره كل لحظة لتشمل الزمان والمكان وهي -لعمر الله- سعادة خاصة عوضه الله عنها بصباحة زوجة ونجابة ولدة ونظافتهم وعفتهم وطاعتهم فيبقى النظر إليهم بهجة من مباهج الحياة الراقية السعيدة.
- لذة يستطيب بها في مطعمه ومشربه ومنكحه.
- قضاء حوائجه بغير كلفة ولا مؤنة وكأن الناس قد سخروا له في قضاء ما يحتاج أو إنجاز ما يريد.
- وقايته من مصارع السوء ومغبة الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ثانيًا: ما يتعلق بالمجتمع
- شيوع التعاون بين أفراده وحدوث التكافل وتوثيق عرى المحبة ونسيج الود بينهم.
- سد الكثير من الثغرات الاجتماعية والتي قد لا يقدر المجتمع على سدها أو القيام بها لاضطلاعه بمهام أخر.
- انحسار ظاهرة الحقد والحسد لعلم اليتيم والمسكين والفقير وذي الحاجة والضعيف والكسير والعاجز وغيرهم ممن فقدوا العائل وفقدوا النصرة وانقطعت عنهم الحبال والسبل أن هناك أيادي بيضاء تمتد إليهم في ساعة الكربة وأوقات العسرة فتسد فاقتهم وتفي بحاجتهم.
ومن هنا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- النموذج الأمثل والمثال الأكمل في ارتقاء النفس البشرية في كل كمالات الخير وخصال البر حتى قبل الرسالة تقول عنه زوجته خديجة -رضي الله عنها-:
كلا والله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
وسمع أصحابه الكرام منه -صلى الله عليه وسلم- أن: “صنائع المعروف تقى مصارع السوء” رواه الحاكم، فانطلقوا راشدين يباركون البيعة وقد أشرقت قلوبهم وقويت عزائمهم وطابت نفوسهم طمعًا فيما عند الله من المأمول والمرغوب. فهذا أبو بكر يسارع تحت جنح الليل ليقيم بيتًا لامرأة عجوز فانية مقطوعة الأهل والولد، ويمر على العبيد الموحدين فلا يطيق أن يراهم تحت نيران الأسر وذل العبودية لغير الله يشتريهم بماله ثم يعتقهم لله الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت وإذا بعثمان يشتري بئر رومة ثم يتصدق به على فقراء المسلمين. وينفق مال تجارته في جيش العسرة حتى يقول عليه الصلاة والسلام عنه: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” رواه أحمد والترمذي، وروى سعيد بن مسلمة أن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان -أخت عمر بن عبد العزيز- كانت تكسو صاحباتها من النساء الثياب الحسنة وتعطيهن العطايا الوفيرة وكانت تقول: “والله للصلة والمواساة أحب إليّ من الطعام الطيب على الجوع، ومن الشراب البارد على الظمأ” وتبرر ذلك بقولها: “وهل ينال الخير إلا باصطناعه!”
بذل المعروف دعوة عامة
تلك نماذج يسيرة وهي جزء من كل، وغيض من فيض، فذلك مجال بحث آخر في مناقب الصحابة وبذلهم وعطائهم… ومن هنا نعلم أن الأمة كلها مدعوة إلى بذل المعروف وتقديمه بجميع أشكاله كل قدر وسعه وطاقة )لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7]، وويل لمجتمع يحرص أبناؤه على الدنيا ويرضون بها بدلًا عن الآخرة فيضنوا عن البذل ويضيقوا ذرعًا بالعطاء فإنما ذلك سوء ظن بالله القادر الوهاب وانحراف بالنفس عن رشدها، واقصاء للروح عن صفاها وإماتة لكل لطائف الحس والذوق والمعرفة. فما أحوج المجتمعات المسلمة اليوم أن تتقدم خطوة بل خطوات نحو هذه الصناعة تبذلها وتتشوق إليها وتدعوا لها لكي يتماسك أفرادها، وتقوى لبناتها وأن يشاع الحب في ربوعها وديارها فتمضى القافلة إلى مقصدها، وتجري السفينة في مسارها فقد يمن الله تعالى من وراء ذلك بعناية ترفع البناية إنه على ما يشاء قدير.
ماشاء الله ????
ماشاء الله جميل المقال اتمنى ان ارى المزيد
للنّجاح أناس يقدّرون معناه، وللإبداع أناس يحصدونه، لذا نقدّر جهودك ، فأنتَ أهل للشّكر والتّقدير، فلك منّا كلّ الثّناء والتقدير مقال هادف ورائع شكلا ومضمونا
جزاك الله كل خير
مقال رائع و هادف
وفقكم الله بالمزيد بالنجاحات
مقال رائع جزاك اللّٰه كل خير
مقال رائع وفقك اللّٰه من الجيد الى الأجود
جميل جدا
جزاك الله خيرا
رائع وفقك الله ????????
مقال رائع افكار قيمة وهادفة اسلوب الكاتب جيد متمكن افكاره متسلسلة تشد القارئ لقراءة المقال اشكر كاتب هذا المقال من يبذل الخير لا يعدم جوازيه جزيل الشكر واتمنى منه المزيد
مقال الكاتب علي مدني رضوان الخطيب في القمة الذي يحث على انواع المعروف والخير ورضا اللّٰه تعالى نحن في زمن قل فيه هذا المعروف وساد في الفساد اشكر الكاتب على مقاله الهادف المتميز وعلى اسلوبه الممتع ارجوا منه المثابرة والمواصلة على هذا المنوال جزاه اللّٰه كل خير ،
وفقكم الله