هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: “‘Are they sick? Are they dead?’: What really happened to China’s missing Uighur people ” لكاتبه: جامي سييدل. الآراء الواردة أدناه تعبر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبر بالضرورة عن تبيان.
«ترتكب الصين واحدة من أفظع جرائم العصر الحديث، وقد أتيحت للعالم فرصة للإطلالة على حقيقة ما يحدث هناك»؛ حسبما يرصد «جامى سيديل» فى مقالٍ نشره موقع نيوز الأسترالي، استهله بالتساؤل: ما زال اضطهاد الصين المخيف لأقلية الايغور يصدم العالم. فلماذا لا يتحرك أحد لفعل أي شيء حيال ذلك؟
كشفت صور الأقمار الصناعية أن الصين تبني بسرعة شبكة واسعة من المرافق الشبيهة بالسجون في إقليم شينجيانغ، شمال غرب الصين. يطلق عليها الغرب اسم معسكرات الاعتقال الجماعي، بينما تطلق عليها الصين مرافق للتعليم المهني.
والسؤال: هل المشكلة في التسمية أم ماذا؟ القصة أنه عندما يتعلق الأمر بالايغور المتواجدين في قلب المشروع الصيني، فهي مسألة حياة أو موت.
إقرأ أيضا: ماذا تعرف عن تركستان الشرقية؟
إن تأكيد بكين على أن هذه مرافق تدريب مهنية خيرية ينهار أمام صور ولقطات للمنشآت ذات الأسوار العالية المغطاة بالأسلاك الشائكة. ناهيك عن لقطات حديثة تُظهر 400 سجين من الايغور مقيدين ومعصوبي الأعين ويجري تحميلهم في عربات السكك الحديدية.
يقول الدكتور مايكل كلارك من كلية الأمن القومي التابعة للجامعة الوطنية الأسترالية إنه يتعين على أستراليا اتخاذ موقف تجاه هذا الموضوع.
ويقول: «إن التأطير الأيديولوجي الذي يحيط به الحزب الشيوعي الصيني معسكرات «إعادة التعليم» ترقى إلى مستوى سياسة الإقصاء العنصرية التي تسعى إلى عزل الايغور وغيرهم من الأقليات العرقية الأخرى ثم تحويلهم إلى «مواطنين صينيين عاديين».
وأردف قائلًا: «لا بد أن ندرك أن هذا يتجاوز المعسكرات نفسها؛ بل تخضع المنطقة بأسرها لقمع لا مثيل له فى العالم، حيث تسيطر الدولة وتتعقب جميع جوانب الحياة اليومية هناك».
حصاد الأعضاء
قال الكاتب «الرعب لا ينتهي هناك. حيث أحيط مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة علما بأن الصين تقتل الأقليات الدينية والعرقية وتحصد أعضاءهم».
وتوصلت المحكمة الصينية، التي استمعت إلى أدلة من محققي حقوق الإنسان وخبراء فى المجال الطبي وشهود، إلى وجود دليل واضح على وقوع الجريمة.
وقال المحامي البارز حميد سابي للأمم المتحدة: «لقد ارتكبت عمليات حصاد قسرية لأعضاء سجناء الرأي، بمن فيهم الأقليات الدينية والعرقية في فالون غونغ والايغور، طيلة سنوات في جميع أنحاء الصين وعلى نطاق واسع».
إقرأ أيضا: المسلمون في تركستان الشرقية والحياة في قبضة معسكرات الصين
وأضاف أن هذه الممارسات الشنيعة تُطبق على مئات الآلاف من الضحايا، وأن «الجرائم ضد الإنسانية» قد ثبت أنه لا يمكن للعقل تصورها.
وصف السيد سابي هذه الممارسة بأنها واحدة من أسوأ «الأعمال الوحشية الجماعية» في هذا القرن، بلا شك. وقالت المحكمة إن المعتقلين «قُتلوا … لانتزاع أعضائهم وهم لا يزالون أحياء حتى تتم إزالة كليتيهم وكبدهم وقلوبهم ورئتيهم وقرنيتهم وجلدهم وتحويلها إلى سلع للبيع».
وقد نفت الصين مرارًا وتكرارًا زرع الأعضاء بأسلوب غير أخلاقي وقالت إنها توقفت عن استخدام الأعضاء من السجناء الذين أُعدموا، في عام 2015.
الحجج والأعذار

اتهم مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الصين بمحاولة استخدام الإرهاب كحجة «لمحو» ديانات وثقافات الأقليات. ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قنغ شوانغ، قائلا: إن المسلمين المحتجزين في معسكرات الاعتقال جزء من عملية اجتثاث التطرف».
وقال قنغ للصحفيين في وقت سابق من هذا الأسبوع: «لا تختلف هذه التدابير بطبيعتها عن تدابير مكافحة التطرف واتخاذ الإجراءات الوقائية لمكافحة الإرهاب التي اتخذتها العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة».
وأضاف «أكاذيب السياسيين الأمريكيين لا يمكن أن تخدع العالم، وتكشف فقط عن أهدافها السياسية الخفية».
ويقول الدكتور كلارك إن هذه كانت حجة يتعين على الحكومة الأسترالية مواجهتها من خلال قيادة ائتلاف واسع من الدول للتعبير عن مخاوفها. ويجب أن تركز أستراليا جهودها في الضغط على أعضاء الجنوب والشرق الأوسط وما إلى ذلك.
وأضاف كلارك «لا يمكن أن يكون هذا مجرد جهد بقيادة الغرب؛ لأنه من السهل جدًا على بكين أن تشتته بوصفه معايير مزدوجة أو إمبريالية أو ببساطة باعتباره تعبيرًا عن خطاب الحرب الباردة الجديدة الذي تتبناه الولايات المتحدة». إنها معركة تعد بكين لها جيدًا.
«الظلام»
دعا السيد بومبيو الصين هذا الأسبوع لإنهاء «أفعالها القمعية» في شينجيانغ. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية في بكين قال «إن مثل هذه الادعاءات تشوه السياسة التي تتبعها الصين تجاه الايغور وتتدخل بشدة في شؤونها الداخلية .إن شئون شينجيانغ هي شؤون داخلية صينية بحتة لا تحتمل أي تدخل أجنبي»، مشيرا إلى أن بكين أصدرت مؤخرًا كتابًا يقدم شرحًا شاملاً لبرامج التدريب.
وأضاف قنغ «نحن ننصح بعض الأشخاص في الولايات المتحدة بخلع نظاراتهم الملونة، والتخلي عن عقليات الحرب الباردة، والتوقف عن استخدام القضايا المتعلقة بشينجيانغ لتوجيه أصابع الاتهام إلى الصين، والتوقف عن التدخل في شؤون الصين الداخلية، والعمل على توطيد الثقة المتبادلة والتعاون بدلاً من تقويضهما».
لكن الايغور المنفيين يجدون أنه من المستحيل الاتصال بالأصدقاء والعائلة- وحتى الأكاديميين أو شركاء العمل- في الوطن. فهل هم في مركز اعتقال؟ أم هل مرضى؟ أم وافتهم المنية؟
لا يجد الايغور المتواجدون خارج الصين أجوبة لأسئلتهم تلك رغم تأكيد بكين مرارًا أنها أطلقت سراح جميع المعتقلين تقريباً.
ويخبرنا الايغور المتواجدون في الخارج كيف أنهم عانوا من اضطهاد بكين المستمر لمثقفي الايغور، إذ حكمت على أكثر من 20 من المثقفين والفنانين والموسيقيين والكتاب البارزين بالإعدام.
حالة إنكار

يقول الحزب الشيوعي الصيني إن مراكز التعليم والتدريب المهني ليست سجونًا، كما وصفها بعض الناس في الغرب. إنها مدارس داخلية توفر للمتدربين تدريبا مجانيًا على مهارات العمل وتمنحهم الخبرة العملية. مما يبعدهم عن الأفكار المتطرفة، ويساعدهم في الحصول على وظيفة بعد التخرج. ويحظى المتدربون بالحرية التامة وحقوقهم المشروعة بالاحترام والحماية الكاملين.
وتقول بكين إن «المتدربين ليسوا محتجزين. وإن النموذج الذي تستخدمه المراكز يسمح للمتدربين بالعودة إلى ديارهم بانتظام. ويمكنهم أيضًا طلب الإجازة عندما يحتاجونها».
وأضافت بكين «يتمتع المتدربون بحرية المراسلات. ويتم إجراء أنشطة ترفيهية منتظمة في المرافق الرياضية والثقافية الداخلية والخارجية. وتتوفر غرف للقراءة، حيث يمكن للمتدربين الاسترخاء أو الدراسة».
لكن ناثان روسر, الباحث في المركز الدولي للسياسات الإلكترونية التابع لمعهد السياسات الإستراتيجية الأسترالي, لفت انتباه العالم إلى شريط فيديو لـ 400 معتقل من الايغور، وأن الحكومة الشيوعية قد أعطت الصحفيين والدبلوماسيين جولات موجهة للغاية إلى معسكرات معينة لتسليط الضوء على ما يسمونه بالتقدم وحقوق الإنسان في المنطقة. وقال إن هذا الفيديو يخصم من رصيد تلك الرواية ويظهر بوضوح المعاملة اللاإنسانية التي يعاني منها الأفراد المحتجزون.
لكن الدكتور كلارك يقول إنه لا يتوقع أن تصبح بكين صالحة في أي وقت قريب. المنطق هو أن الحزب الشيوعي الصيني يدرك الآن وجود علاقة بين التخلف والهوية العرقية / الدينية والإرهاب. لذا فهو يعتبر مراكز إعادة التعليم أو ما يطلق عليها الآن رسميًا مراكز التدريب المهني ضرورية لإعادة تشكيل الايغور بعيدا عن العلامات التقليدية للهوية واستيعابهم في الصين الجديدة.
إعادة تنظيم قائمة على القوانين
يبلغ عدد سكان الصين حوالي 1.4 مليار نسمة. حوالي 92 في المائة منهم ينتمون إلى جماعة الهان العرقية. لكن الأمة نفسها تتكون من 56 مجموعة مختلفة. والعرق قضية تهتم بها بكين، وهي خانة إلزامية في بطاقات الهوية الصينية.
الغريب في الأمر أن الدستور الصيني يضمن حقوق الأقليات الدينية والإثنية، ويمنح دستور الصين شعبها حرية المعتقد الديني. إلا الايغور الذين يُحرمون من ممارسة شعائر دينهم بشكل علني. وفي حين أن الحزب الشيوعي الصيني نفسه ملحد، فإنه يعترف رسميا بخمس ديانات، هي: البوذية والكاثوليكية والإسلام والبروتستانتية والطاوية.
ويقول الحزب الشيوعى «المعيار الوحيد للحكم على تدريب الأفراد في أحد المراكز هو ما إذا كان قد تورط في أعمال إرهابية غير قانونية أو تطرف ديني. ولا يوجد تهم قائمة على جنسية الشخص أو دينه أو المكان الذي يعيش فيه.»
الاستعمار الثقافي

وفقًا للدكتور كلارك «لكن الحرية الشخصية تأتي في المرتبة الثانية بعد الإدارة الاجتماعية. ويتمثل التجسيد الأحدث لهذه السياسة طويلة الأجل التي يتبناها الحزب الشيوعي الصيني في استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطبيق سجل ائتمان اجتماعي لكل مواطن من مواطنيها.»
ويقدر أن الصين موطن لحوالي 21 مليون مسلم. ينتمون في معظمهم إلى المجموعات العرقية، التي يشكل بعضها غالبية السكان في شمال غرب الصين النائي.
لقد أثارت أقلية الايغور، على وجه الخصوص، شكوك بيروقراطية بكين؛ من خلال سعيها للحفاظ على ثقافتها ولباسها ولغتها المتميزة في مواجهة ضغوط الحزب الشيوعي، لكن الأخير فرض قيودا دينية متزايدة على المسلمين في جميع أنحاء الصين عموما، واستهدافا عرقيا للايغور على وجه التحديد.
هناك أيضا دليل على أن تكتيكات بكين ضد الايغور بدأت تُطبق على نطاق أوسع. على سبيل المثال، اشتكى الصينيون الكاثوليك الأسبوع الماضي من أنهم قد تلقوا أوامر بإزالة جميع عروض الوصايا العشر واستبدالها باقتباسات الرئيس شي جين بينغ. وتشير تقارير إلى أن بعض رهبان التبت أرسلوا إلى معسكرات الاعتقال المهنية.
الأمم المتحدة؟
كانت الدول الإسلامية هادئة بشكل غير متوقع حول معاملة أبناء العمومة دينيا وإثنيا من أبناء الايغور. وتطالب بكين بدعم واسع لأعمالها الصارمة. ومنذ وقت ليس ببعيد، أرسل سفراء حوالي 50 دولة خطابًا مشتركًا إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان, معربين عن دعمهم لسياسة شينجيانغ الصينية. وهذا يعكس الدعم الواسع والتفهم الذي تحظى به الصين من المجتمع الدولي بشأن هذه القضية.
لكن الدكتور كلارك يقول إن هناك عدة عوامل وراء الاستجابة الفاترة من العالم الإسلامي. أولا، شينجيانغ معزولة جغرافيا. وثانيا، قامت الصين ببناء نفوذ اقتصادي ودبلوماسي كبير في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم.
ويرى الدكتور كلارك أن السكان المسلمين في أماكن أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، هم أنفسهم يعيشون في ظل أنظمة استبدادية مصرة على بقاء النظام.
وقال المتحدث باسم الشؤون الخارجية قنغ: «نحث الولايات المتحدة على التوقف عن الإدلاء بتصريحات غير مسؤولة حول قضية شينجيانغ والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين باسم حقوق الإنسان». لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض الدعوة، وقال للأمم المتحدة إنها واجب أخلاقي ملح لقادة العالم لوقف الجرائم ضد الأديان.
ويختم الدكتور كلارك بالقول: يتعين على أستراليا المتابعة في المناطق الواقعة في نطاق سلطتها لتحقيق ذلك من خلال مواصلة تقديم العروض إلى بكين بشأن الحالات الفردية للايغور الأستراليين في المخيمات. كما يجب بذل المزيد من الجهد لحماية سكان الايغور الأستراليين من قمع بكين، على سبيل المثال من خلال إنشاء وسيلة تواصل منسقة، ومتابعة قانون العام الماضي بشأن التدخل الأجنبي.