هل كان حال الأمة عند فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين يشبه واقعنا اليوم؟
وفي حديثنا حول حال الأمة قبل فتح بيت المقدس أشرنا في التقرير السابق إلى نُظراء لصلاح الدين لم يقلوا عنه في العمل لاستعادة مجد الأمّة، وكيف مهدوا له الطريق ليقود معارك تحرير القدس واستعادتها إلى حضن الأمة الإسلامية، نتابع اليوم مع صلاح الدين وعوامل تفرده بهذا المكانة دون غيره من نُظرائه الذين مهدوا الطريق لتحرير القدس.
طريق صلاح الدين الأيوبي إلى المُلْك
في طريقه لتحقيق أهدافه حسب المنهج الواضح الذي تبناه، ضم نور الدين محمود زنكي دمشق للدولة الزكية سنة 549هـ/1154م، وقطع بذلك الطريق أمام أطماع الصليبيين في السيطرة على دمشق، ودمشق كانت محورًا هامًّا يحصن جبهة المسلمين ويقويها شعبيا وعسكريا واقتصاديا ودعويا. ومن هنا سيبدأ مشوار صلاح الدين الأيوبي (ولد سنة 532 هـ/1138م، توفي 589 هـ/1193م) حيث عيَّنه نور الدين محمود قائداً للشرطة في دمشق وهو في العشرينيات من عمره، فاستطاع تطهير دمشق من اللصـوص والمفسـدين وتحقيق الأمن.
لما استتب الأمر لنور الدين في الشام، بدأ يتطلع لمصر. فكلاهما، الصليبيون في بيت المقدس والشام ونور الدين محمود زنكي في الشام والموصل كانوا يدركون أهمية مصر، وأنه من يستطيع وضع يده على مصر سيطرد الآخر من الشام وفلسطين، وطالما مصر تحت حكم العبيديين المسالمين للصليبيين على أقل تقدير، فالأمور ستبقى مستقرة إلى حد ما على الوضع الذي كانت عليه: المسلمون السنة بالكاد يحاولوا الحفاظ على مواقعهم في الشام بين فر وكر، والصليبيون يصعب إخراجهم من القدس والشام.
مكانة مصر في الصراع مع الصليبيين على مَرِّ العصور
لما طُلِبَ من ملك الصليبيين في الشام “مُرِّي” أن لا يكتفوا بالصلح الذي عقدوه مع الفاطميين والذي يدر عليهم أموالا ويُؤَمِّن الصليبيين من ناحية مصر، بل أن تخرج الجيوش الصليبية لغزو مصر واحتلالها، رد عليهم مُرِّي قائلا: [الرَّأْيُ عِنْدِي أَنَّنَا لَا نَقْصِدُهَا، فَإِنَّهَا طُعْمَةٌ لَنَا وَأَمْوَالُهَا تُسَاقُ إِلَيْنَا، نَتَقَوَّى بِهَا عَلَى نُورِ الدِّينِ، وَإِنْ نَحْنُ قَصَدْنَاهَا لِنَمْلِكَهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا وَعَسَاكِرَهُ، وَعَامَّةَ بِلَادِهِ وَفَلَّاحِيهَا، لَا يُسَلِّمُونَهَا إِلَيْنَا، وَيُقَاتِلُونَنَا دُونَهَا، وَيَحْمِلُهُمُ الْخَوْفُ مِنَّا عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَى نُورِ الدِّينِ، وَلَئِنْ أَخَذَهَا نُورُ الدِّينِ وَصَارَ لَهُ فِيهَا مِثْلُ أَسَدِ الدِّينِ، فَهُوَ هَلَاكُ الْفِرِنْجِ وَإِجْلَاؤُهُمْ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ](ا.هـ).
ولما طَلب نور الدين محمود زنكي من أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي التجهز للخروج بجيش إلى مصر، كرهوا ذلك، فقال لهم نور الدين: [إن تأخرتَ أنت عن المسير إلى مصر فالمصلحة تقتضي أن أسير أنا بنفسي إليها، فإننا إن أهملنا أمرها مَلَكها الفرنج، ولا يبقى لنا معهم مقام بالشام وغيره] (ا.هـ).
وقد صدق نور الدين محمود والملك الصليبي مُرِّي في تقييمهم للأمور، ولا زال هذا التقييم صحيح والحال قائم إلى يومنا هذا، ففلسطين لن تُحرر من الصليبيين الجدد إلا بعد تحرير المسلمين لمصر، وتوحيد كل بلاد الشام والعراق ومصر في كيان واحد. ولذلك تجد الغرب حريصًا على الحفاظ على أنظمة عميلة له في مصر والشام (ونقصد بالشام، سوريا والأردن ولبنان -وفلسطين التي يحتلها للنصارى-).
وعودةً إلى مصر النصف الثاني من القرن السادس هجري، والذي بدأت تظهر فيه معالم الضعف في الدولة العُبيدية في مصر بسبب الصراعات والثورات الداخلية، حيث أصبح حال “الخليفة” العبيدي في القاهرة يشبه حال الخليفة العباسي في بغداد، له رمزية دينية فقط لكن أمور الدولة العُبيدية يديرها الوزراء الذين بدأوا في الصراع والاقتتال على السلطة.
فارتأى الصليبيون، رغم تحذير واعتراض ملكهم مُرِّي، الفرصة سانحة للهيمنة على مصر، فخضع الملك لضغوطات قومه وخرج في جيش إلى مصر وعاثوا فسادا في بلبيس قتَّلوا فيها خلقا كثيرا وسَبَوا النساء والأطفال، واضطر عميلهم شاور السعدي، وزير مصر (“كور” مصر، محافظة “ولاية” في دولة مصر في عهد العبيديين)، إلى الأمر بإحراق مصر خوفا من دخول الصليبيين إليها واقتراف نفس الجرائم التي اقترفوها في بلبيس، فبقيت النار تحرق مصر أربعة وخمسين يوما. فانتقل الصليبيون إلى القاهرة وحاصروها.
فوقع ما حذر منه ملك الصليبيين، مُرِّي، إذ اضْطُر العبيديون، على يد الخليفـة العبيدي العاضد لدين الله والوزير شاور السعدي، الاستنجاد بنور الدين محمود.
الطريق إلى القدس بدأ بمصر
اغتنم نور الدين محمود هذه الفرصة ليحقق مخططه الرامي لضم مصر لحكمه، فبعث جيشا إلى القاهرة تحت قيادة أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي. فلما علم الصليبيون بقدوم جيش من الشام آثروا الانسحاب والرجوع للقدس، ودخل شيركوه وجيشه إلى القاهرة سنة 564هـ/1229م دخـول القائـد المنقـذ، واستقبله أهل القاهرة استقبالا حماسيا حارا، وقرَّب الخليفـة الفاطمي العاضد لدين الله أسد الدين شيركوه.
كان أول عمل قام به أسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي بعد دخولهم مصر هو قتل الوزير الغادر شاور السعدي، الذي طالما لعب على الجانبين، مرة يستغيث بنور الدين محمود ومرة يتحالف مع الصليبيين ضده. فقد أدركوا أن مصر لن تكون بمأمن من غزو صليبي إلا بالقضاء على شاور وأمثاله من الخونة الذين يُعتبرون عين ويد الصليبيين في مصر. والمثير للانتباه أن الخليفـة الفاطمي العاضد لدين الله اتفق مع شيركوه وصلاح الدين في وجوب قتل شاور، وأصدر الخليفة الفاطمي نفسه مرسوما رسميا يقضي بقتل شاور، فنفذه صلاح الدين على الفور!
بعد التخلص من شاور تولى الوزارة في مصر أسد الدين شيركوه، ولكن لم تدم وزارته أكثر من شهرين بسبب وفاته، فتولى الوزارة صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 564هـ/1229م، بتزكية ورغبة من الخليفـة العبيدي العاضد لدين الله.
حينما يتحد المسلمون
أدرك الصليبيون خطورة استتاب الأمر لأهل السنة في مصر، فطلبوا المدد من إخوانهم في أوروبا وأغاروا سنة 565هـ على دمياط في مصر ليتخذوا منها نقطة انطلاق لاجتياح القاهرة. لكن نور الدين محمود بعث أفواجا من العساكر لمساندة صلاح الدين في تصديه للصليبيين، وأغار نور الدين من جانبه على بلاد الصليبيين في الشام التي بقيت بحماية ضعيفة لانصراف جيوشهم إلى دمياط، فاضطرهم للرجوع من مصر للدفاع عن إماراتهم. وهكذا فشلت هذه الحملة الصليبية على مصر، ووطد صلاح الدين حكمه في مصر.
هنا نرى حنكة نور الدين العسكرية، والتي يجب أن يتعلم منها الثوار اليوم في الشام. فياما رأينا كيف يميل نظام آل الأسد وحلفائه الكثر على منطقة، ويقف ثوار تلك المنطقة لوحدهم يدافعون عنها، ولا يتحرك الثوار في مناطق أخرى بعمليات وهجمات على مناطق نظام آل الأسد ليشتتوا قوته ويخففوا الوطأة عن إخوانهم. فعلى الثوار أن يفتحوا عدة جبهات قتال في آن واحد لإضعاف قدرة نظام آل الأسد وحلفائه على صب كل نيرانهم على منطقة واحدة ومن ثم إلحاق دمار شبه شامل بها والاستيلاء عليها، كما فعلوا في حلب!
استطاع صلاح الدين توطيد حكمه في مصر بتعيين المقربين إليه من أهل السنة في الحكم، وصار هو الحاكم الفعلي على مصر، فما أن توفي الخليفـة العبيدي العاضد لدين الله سنة 567هـ حتى ألغيت الخلافة العُبيدية (الفاطمية) تماما، وأُعلن عودة تبعية مصر للخلافة العباسية في بغداد، وبدأ يُدعى في خُطَب الجمعة للخليفة العباسي بدلا من الخلفاء العبيديين.
صلاح الدين الأيوبي على خطى الأب الروحي نور الدين محمود زنكي
أعمال نور الدين محمود وإنجازاته الجبارة كادت تُهدم بعد وفاته سنة 569هـ بخطوة غير حكيمة تتمثل في تولي ابنه الصالح إسماعيل، الذي لم يبلغ الحلم، المُلْكَ على الدولة الزنكية. وهنا ظهرت حنكة صلاح الدين الأيوبي وقدرته وسرعته وشجاعته في اتخاذ القرارات القوية الصحيحة. صلاح الدين رأى أنه من الكارثي تولي صبي ملك دولة كبيرة وتخوض حرب وجود مع الصليبيين الذين ما زالوا لم يُطردوا من الشام ويتربصون بالمسلمين ويتحينون الفرصة للقضاء على الدولة الزنكية.
هذا ناهيك عن اغتنام الأمراء المسلمين في ولايات الدولة الزنكية الفرصة للاستقلال والعودة إلى عهد التشرذم والصراعات الداخلية. وقد ظهرت فعلا خلافات وصراعات وانشقاقات بعد وفاة نور الدين محمود. فرأى صلاح الدين نفسه الوارث الشرعي لملك نور الدين محمود، بحكم قدراته وقوته وقربه من نور الدين، فقد تربى على يده وتعلم منه فنون السياسة والحرب. ولم ينتظر صلاح الدين طويلا حتى تضعف الدولة وتضيع، بل انطلق بجيشه إلى دمشق سنة 570هـ ودخلها وجعلها تحت حكمه. وتتابع تعقبه لولاية تلو الأخرى حتى أخضعهم لحكمه وجعل عليهم ولاة مخلصين الولاء له، كثير منهم من أسرته.
هكذا توسع سلطان صلاح الدين ليشمل الشام ومصر والجزيرة والحجاز واليمن وبرقة وطرابلس والنوبة.
صلاح الدين كان يتميز مثل أبيه الروحي نور الدين محمود بعلو الهمة وكثرة التعبد من صيام وقيام ليل وتصدق. والتزم صلاح الدين نهج نور الدين محمود الذي ذكرنا أهم أركانه في فقرة سابقة، حيث كان معظما للشريعة حريصا على إقامتها، متحرِّيا العدل، محاربا للظلم، حتى تكلم خصومه الصليبيين عن عدله. وكما أعاد نور الدين إحياء السُّنة في الشام ونشر العلم الشرعي وروح الجهاد، أبطل صلاح الدين مذاهب الشيعة في مصر وأعاد إحياء السُّنة، فأقام مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك وبنى عدة مدارس لتدريسهما، كالمدرسة الناصرية والمدرسة القمحية والمدرسة السيوفية. وأُتْبِعت المدارس بمكتبات كبرى.
وتابع صلاح الدين محاربة الصليبيين، وكان هدفه واضح، كما حدده نور الدين محمود زنكي، والمتمثل في طرد الصليبيين من الشام ومن القدس على الخصوص. والحلم الذي توفي نور الدين محمود دون تحقيقه، استرداد بيت المقدس من الصليبيين، استطاع خلفه صلاح الدين الأيوبي تحقيقه سنة 1187م بعد معركة حطين. فقد كان صلاح الدين الأيوبي فعلا أحسن خلف لأحسن سلف!
ماذا نتعلم من نور الدين زنكي وصلاح الدين لخوض معركة التحرر في عصرنا الحالي؟
بعد وفاة نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، تخرجت أجيال من مدارسهم حملت لواء البَطَلَيْن وأكملت المشوار وطهَّرت بلاد الإسلام من الصليبيين والمغول. إلا أن الصليبيين عادوا بعد قرون ليحتلوا بلاد الإسلام، وما زالوا فيها إلى يومنا هذا.
وكما كانت بلاد الشام محور ومركز الصراع بين المسلمين والصليبيين في الحروب الصليبية في العصور الوسطى، كذلك تشكل الشام اليوم محورا ساخنا ومصيريا للمواجهة بين المسلمين والصليبيين وأعوانهم.
وكما أدرك نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي حقيقة المعركة ووضعوا منهجا ربانيا لخوضها والتزموه، كذلك على الثوار اليوم أن يدركوا حقيقة المعركة في الشام والأدوات اللازمة لخوضها، وعليهم التسلح بمنهج رباني واضح ثابت لا يحيدون عنه!
فحقيقة الحرب اليوم في الشام هو أنها صراع بين أهل السُّنة قاطبة والصليبيين المتمثلين في الغرب وروسيا، وما نظام آل الأسد والعصابات الرافضية وإيران إلا حلفاء وأدوات للصليبيين يستعملونهم للقضاء على أهل السُّنة. والأنظمة العميلة للغرب المتحكمة في بلاد المسلمين شهود زور لمشاريع الغرب في الشام، على أقل تقدير، فلا يجوز الاعتماد عليهم أو ائتمانهم على شيء!
كيف نخاطب شعوبنا؟
فعلى الثوار في الشام أن يقدموا أنفسهم للشعوب المسلمة على أنهم جنودهم وحماتهم وحماة ديارهم ودينهم وأعراضهم، وأنهم يتقدمون صفوف الأمة الإسلامية في صراعها مع الصليبيين، وليس على أنهم “سوريون” يقاتلون “نظاما سوريا طاغيا”! فتصريح الثوار بأن مشروعهم في الشام “مشروع وطني سوري”، تصريح سطحي ساذج غبي يدل على فقدان البوصلة الشرعية والسياسية والواقعية. تصريحٌ يقزم ثورة الشام ويفقدها الشرعية الإسلامية وينتهي بالثورة للفشل.
فالمطلوب حشد كل الأمة في الصراع وإدماجها فيه، وليس عزلها عن الصراع وعزل الثوار عن الأمة! فالأعداء الذين يحاربونكم في الشام يقولون عن صراعهم على أنه صراع دولي عالمي، ويحشدون له تحالفات من مختلف بقاع ودول العالم، فكيف تواجهون يا ثوار هذا الحشد الصليبي-الصهيوني-الوثني-الرافضي العالمي بمشروع قزم مسخ سميتموه مشروعا “وطنيا سوريا”! فثورة الشام مشروع وقضية أمة وليست مشروع وطن!
أمة واحدة
فجيل الزنكيين والأيوبيين لم يخوضوا الصراع ضد الصليبيين على أساس “وطني” أو “قومي” أو “عرقي”، بل على أساس أنهم أمة واحدة، أمة الإسلام! وقد تعَمَّدتُ إضافة (تركي) و(كردي) في جزء المقال الأول بعد ذكر أبطال عظام كنور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي، لتذكير المتخلفين العنصريين ممن يحسبون أنفسهم “سوريين” ويتكلمون اليوم عن “مشروع وطني سوري” لثورة الشام، ويتكلمون عن “المهاجرين” و”الأجانب” و”الغرباء” الذين أفسدوا (حسب ادعائهم) ثورة الشام ويجب عليهم مغادرة سوريا.
لتذكير هؤلاء الجهلة العنصريين بأن الإسلام لا يعترف بهذه الوطنيات الوهمية الكفرية التي زرعها الكفار الصليبيون الجدد في بلاد المسلمين وأصبحت دينًا يدين به المسلمون الفشلة المنحطين الجاهلين، وأن سوريا التي يعتبرها البعض اليوم أنها بلدهم وحدهم كـ “سوريين”، فتحها وأدخل الإسلام إليها وحكمها القرشيون القادمين من الحجاز وليس “السوريون”! ومعاوية الذي يعتز ويفتخر به أهل الشام لم يكن سوريا! والذين أنقذوا سوريا من الصليبيين وردوها للإسلام وحفظوا بيضتها لم يكونوا “سوريين” بالمفهوم الصليبي المتداول اليوم، ولم يكونوا حتى عربا، بل كانوا من العرق التركماني والكردي الخ.
الذين صنعوا سوريا وتاريخها الذي يفتخر به المسلمون اليوم، والعرب على الخصوص، و”السوريون” على الأخص، لم يكونوا عربا! ولم ينظر إليهم أحدٌ في ذلك العصر على أنهم “مهاجرين” و”أجانب” و”غرباء”، ولم يقولوا لهم أن القيادة والإمارة والسيادة يجب أن تكون “للمواطنين” السوريين، بل نظروا إليهم على أنهم مسلمين وفقط، وقدَّموهم للقيادة والإمارة وأطاعوهم لأنهم كانوا أهلا لها، فالأهلية للقيادة لا تُكتسب بـ “الوطنية” ومسقط الرأس، ولكن بحسن الدين والالتزام بشريعة الله والتوفر على مقومات الشخصية القيادية من عزيمة وهمة عالية ودراية بالرجال وبالخطط وبالسياسة وبأحوال الدول… الخ.
إقامة شرع الله
وثورة الشام اليوم حتى تنجح يجب أن يكون هدفها إقامة شرع الله، فلا قيمة لأي قتال وصراع إذا لم يكن في سبيل إعلاء شريعة الله بالفعل والعمل وليس بالقول! فكلما عظَّم الثوار شرع الله وشعائره كلما اقترب النصر، تماما كما كان حال نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي!
وعلى الثوار أن يتجنبوا الظلم حتى مع الأعداء الكفار! فالله لا ينصر ظالما! وعليهم الاجتهاد في رد المظالم، والحرص على تعيين الأتقياء في وظائف الشرطة، وإنشاء مؤسسات رقابة مستقلة صارمة على مؤسسات الشرطة والسجون. وعلى الثوار منع التعذيب جملة وتفصيلا، لا يجوز ممارسته حتى على الأسرى والسجناء من الأعداء المحاربين من نصيرية ورافضة الخ!
على الثوار أن ينشئوا معاهد لتعليم الناس شريعة الإسلام وعقيدته، ولدراسة الفقه، ليتخرج منها أعداد كافية من طلبة العلم يسدوا الفراغ الذي أحدثه عصر التغريب في مجالات القضاء الشرعي والدعوة الخ! وعلى المشايخ وطلبة العلم أن يحثوا الناس على الجهاد والصبر وحب الشهادة، ويبينوا لهم أن حرب الأمة المصيرية هذه تحتاج لتضحيات عظام!
توحيد صفوف المسلمين
وكما أدرك نور الدين زنكي أهمية توحيد صفوف المسلمين، على الثوار اليوم في الشام العمل أيضاً على توحيد صفوفهم. لكن التوحد لا يجوز أبدًا أن يكون على حساب المنهج ولكن على أساسه! وليتعلم الثوار المخلصون من نور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي، أن التهديد باستعمال القوة ومحاصرة مناطق الممانعين للتوحد والمنخرطين في مفاوضات الخيانة التي يرعاها الصليبيون وإرغامهم على تسليم المناطق للثوار أصحاب منهج إسلامي نقي، أن هذا كله من الآليات المهمة لتوحيد الساحة ومنع تكَوُّن مناطق موالية للنظام الدولي تُضعف جبهة الثوار وتخترق صفوفهم وتثبطهم عن القتال وتخذلهم وتقلص قدرتهم على مواجهة نظام آل الأسد وحلفائه.
فلولا سياسة “التغلب” لما استطاع نور الدين محمود توحيد الشام والموصل وغيرها من المناطق ولا صلاح الدين الأيوبي توحيد الشام والموصل ومصر واليمن، ولا استطاعوا من ثم مواجهة الصليبيين وطردهم، ولا كانت معركة حارم ولا معركة حطين ولا غيرها من الانتصارات التاريخية العظيمة، ولا حُرِّرت القدس.
كيف تكون سياسة التغلب؟
فسياسة التغلب سُنَّة الحياة، إما يتغلب أهل مشروع إسلامي نقي في الشام ويُخضعوا المناطق المحررة لحكمهم ويوحدوا الساحة لمواجهة الحلف العالمي النصيري-الرافضي-الصليبي في الشام، أو يتغلب أهل مشروع صليبي يُسَوِّق له مشايخ يدَّعون أنهم من أهل السُّنة! إلا أن أسلوب التغلب يجب أن يكون في إطار الشرع، كما فعل مثلا علي بن أبي طالب مع جيش الزبير وعائشة.
فهو أسلوب تأديبي وليس استئصالي، فلا غلو فيه ولا حبا للقتل ولا لقتالهم قتال مرتدين ولا لذبحهم كالنعاج ولا لإجبارهم على بيعةٍ ولا للحصول على أسرى وتعذيبهم وقتلهم، بل تُحاصر مناطقهم، كما حاصر نور الدين زنكي وصلاح الدين حلب وحمص ودمشق الخ لإجبار أمرائها المسلمين للاستسلام. فأسلوب التغلب على فصائل المميعة والمفاوضات يكون بمحاصرة مناطق نفوذهم والتهديد باستعمال القوة، فإذا لم ينفع معهم هذا الحد من التغلب، تُستعمل القوة ضدهم بِقَدَر للضغط عليهم لتسليم المناطق المحررة لأصحاب مشروع إسلامي نقي وليس لاستئصالهم.
وليدرك الثوار أن ما يحتاج إليه المسلمون اليوم هو نقطة ارتكاز، كما كانت للمسلمين أيام الحروب الصليبية الأولى نقط ارتكاز في الموصل وحلب! فالثوار في حاجة اليوم لمنطقة تحت سلطتهم يشيدون فيها إمارة إسلامية تحشد المخلصين من المسلمين وتربي جيلا وأجيالا نقية العقيدة، معظمة لشرع الله، صوامة قوامة الليل، محبة للجهاد، بعيدة عن الظلم، غيورة على الإسلام والمسلمين، لا ترضى بهيمنة الكفار على بلاد الإسلام.
إمارةٌ تبني قوة اقتصادية وصناعية وعسكرية محلية ذاتية تجعلها مستقلة في تمويلها وتسليحها عن العالم. إمارة تكون نقطة انطلاق لتحرير بلاد المسلمين شبرًا شبرًا، ومحفزا للشعوب المسلمة لتتحرك في ثورات عارمة ضد الأنظمة العميلة! فكلما اتسعت رقعة الثورات في البلدان الإسلامية، وأقام الثوار من مختلف البلدان الإسلامية محاور تعاون بينهم، كما كان محور الموصل-حلب-دمشق-القاهرة في عهد صلاح الدين، كلما ارتفعت قوة أهل السُّنة ورجحت كفتهم ضد التحالف العالمي ضدهم، وفلحوا في طرد الصليبيين من بلاد الإسلام!
مراجع:
- الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين محمود، لعلي محمد الصلابي.
- الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، لشهاب الدين عبد الرحمن أبو شامة المقدسي.
- كتاب “الهمة العالية” لمحمد بن إبراهيم الحمد.
- صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس، لعلي محمد الصلابي.
- صلاح الدين وإعادة إحياء المذهب السني، لعبد الرحمن عزام.
- صلاح الدين الأيوبي البطل الناصر لدين الله، لأبي الحسن علي الحسني الندوي.
- الكامل في التاريخ لابن الأثير.
- البداية والنهاية لابن كثير.
- سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.
جيّد جدًا كلامك، ونظريّتك أحترمها جدًا وواقعية ١٠٠٪ من ناحية فرضيتها، ولكن تعليقي على كلامك بعدة نقاط:
( كيف نخاطب شعوبنا )
تعليقي: هب أن قائدًا خرج وصرّح عن مراده هذا، هل سيُترك؟ أم سيحدّونه على ما يكره؟ ويتحالف العالم كله ضدّه؟ وستتحالف عليه جميع الفصائل التي تخالفه في اختياره؟ تعال لنعيش واقعًا افتراضيًا، كيف ستكون ردّة فعلهم؟ الكل سيتفق عليه الكل سيتحالف عليه الكل سيرميه وسيضطر لقتالهم جميعًا إما دفعًا لصيالهم أو لأنهم ارتكبوا كفرًا بتحالفهم، إذا سيكون لدينا صورة أخرى لأي جماعات الشام الآن؟ سنرجع لعام ٢٠١٤م تمامًا وسيكون نفس المصير ولا بدّ، كلامك واقعي ولكن كأنك بعيد عن الساحة الشاميّة، لأنه لو خرج قائد وقال بقولك وتبناه لرُمي، ولحُدّ على فعل من لمزتهم ببعض مقالك.
وما في مقالك لم يطبّقه سوى جماعة واحدة وهي التي رُميت عن قوس واحدة وهذا قدر الله عليها ولا بدّ سنّة من قد مضى من قبل ﴿ ولن تجد لسنّة الله تبديلا ﴾.
https://www.medespoir.ch/dentiste-tunisie.php
Un très bon article
قال ربنا :
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة … )
Dc mahmoud
شكرا لتعقيبك و لكن الكلام الذي ذكرتموه هو كلام عام و ليس هناك أي خطوات عملية فعلية يمكن تطبيقها للبدء في بناء هذه للثقة و بناء العدة لمواجهة العدو
يمكن نحن متفقين بأغلب النقاط بس برأيك كيف رح نحاول نعمل منطقة قوية اقتصاديا و عسكريا و اجتماعيا و كل دول العالم عبتحاربنا و بتزرع الخونة فينا ؟؟
الاخ احمد، يمكن تحقيق ذلك لَما تكون عند المسلمين ثقة كافية بأنفسهم وقدراتهم على انهم يستطيعون تحقيق ذلك! لما تكون ثقة بالنفس، وخصوصا لما تكون هذه الثقة مستمدة من الثقة بالله والإيمان به وبوعده بنصر من نصره، ساعتها سهل جدا التوصل للأدوات والوسائل لتحقيق القوة المنشودة! إذاً هي الإيجابية التي يجب ان يتحلى بها المسلمون ويقلعون عن السلبية والتواكل والظن أنهم ضعفاء ليس لهم القدرة على تغيير اي شيء!
حين يستفرغ المسلمون وسعهم ويعلم الله ذلك .. ياتى المدد الالهى الذى يجبر البقية التى خارج قدرة المسلمين حينها
لهذا قال ربنا :
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة … )
فلم يطلب سوى استفراغ الوسع فقط
فالنصر وباقى اسبابه – بل كل اسبابه – من عنده سبحانه