شخصية الرجل الأبيض ترامب نموذجاً

الأشخاص العنصرين من حملة الجينات الأوروبية الشقراء أو ما يعرف اصطلاحا “الرجل الأبيض”، عرفت هؤلاء على حقيقتهم في أمريكا، هناك ومهما تعالت شعارات العلمنة والديمقراطية، يقبع في قلوب أولئك البيض، البياض الأمريكي الأوروبي، تقبع عنصرية ما، عنصرية استكبار على أجناس البشر،  لقد صادفتها كثيرا في كل مكان ومؤسسة في كل لقاء أو مقابلة، ليس غريبا أن تصدر كلمات الرئيس الأمريكي ترامب ممزوجة بعرق العنصرية، حين يتناول الحديث عن الأفارقة أو المسلمين أو الفقراء السمر، ذلك أنه يحمل جينات الرجل الأبيض المغرور.

نعم عرفت الرجل الأبيض وملامح شخصيتة الحادة في أوروبا ولكن في أمريكا الأمر يفوق التصور، إن كبره يزداد أكثر لكونه أمريكيا، ولعل عامل القوة يزيد في الهوة، وحين أتحدث عن الرجل الأبيض فأنا لا أتحدث عن بياض البشرة، بل بياض الحقيقة في أن عقليته لا تؤمن إلا بسيادة صاحبها على من حوله من بشر لا زال يعتبرهم أدنى! لزرقة عينيه أو لشقار شعره، أو ربما للكنته الإنجليزية، وإن أردنا وصفه بإنصاف، فالرجل الأبيض وعلى مدار التاريخ كان الأكثر ظلما وتعديا واستعبادا للشعوب، فمظالمه تضج بها رفوف المكتبات وصفحات المؤلفات.

تصنيف حق

وفي الوقت الذي يجب علينا كأهل عقيدة استعلاء بالإيمان، أن نوجه أجيالا تتربى على التخلص من هيمنة ونفوذ هذا الرجل الأبيض واحتقاره لبشاعة وظلام أفعاله، ونبذه لعدوانه وجشعه، وجدنا أجيالا من أبنائنا قد تربت على تمجيد هذا الرجل وتعظيمه ومنهم من ينحني إجلالا لغطرسته وصلفه.

فعلمنا أن المسألة فكرية عقدية لا سياسية ولا اقتصادية ولا عسكرية ولا دهائية، وللأسف بدل أن يحظى الرجل الأبيض المستعمر القذر بالاحتقار، حظي بالاعجاب والقداسة مع أن سياسته في الإهانة لكرامتنا والمساس بمقدساتنا آخذة في التمادي، يستغلنا ويستغل أوطاننا استغلالا شنيعاً، ونشاهد كل هذا ولا نبالي.

أوليس هذا كافيا لأن  نعبئ أعصابنا ومشاعرنا ضده، لنسترد حقوقنا المسلوبة. لقد صدق سيد قطب حين وصف تمجيدنا للأوروبي والأمريكي جناية إنسانية لأننا بتمجيدنا لهؤلاء إنما نمجد مثالاً مشوهاً للإنسان، ونقيم تمثالاً للجشع والطمع والسلب والنهب والاحتيال. ثم نضع تحت أقدامه أكاليل المدح والثناء!.

وعندما تجد المستغفل يمجد بريطانيا ويعتبرها بلاد الرقي والحضارة وهي الإمبراطورية التي لم تغب عن أرضها الشمس يوما ليس لعدالتها بل لسعة مستعمراتها التي نال فيها الشعوب المسلمة ما نالهم من اضطهاد وقمع وعدوان واغتصاب، ثم يأتي آخر احتلت بلاده من فرنسا سنوات مديدة وعقود عصيبة وأكثر من قرن من الزمان ثم يردد إن فرنسا هي التي علمت الدنيا مبادئ الحرية والإخاء والمساواة!.

ثم يأتي منهزم آخر يمجد أمريكا يفتخر بديمقراطيتها المزعومة وينادي بها ويتقمص دور دعاتها، وبلاد المسلمين تئن من تدخلاتها وعدوان جيوشها حتى كلّت صفحات التاريخ من تسجيل أرقام جرائمها وفظائعها، بهذه العقليات كيف يمكننا أن نعتبر أنفسنا متحررين من قيود الاستعمار، كيف ندعي الاستقلال وأغلال الاستعمار الروحي، تقيد مشاعرنا حتى ونحن ثائرون على الاستعمار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي.

حقائق ثابتة

http://gty.im/926071536

لن نختلف أبدا في أن  تاريخ أوروبا الذي سطره الرجل الأبيض،  كان أسودا، ولا أن تاريخ أمريكا الذي خطه الرجل الأبيض كان مقزز، ولن نختلف أن من بقي يمجد  أصحاب هذه الصفحات الملطخة بالدماء المسلمة ، إنما هو خائن لأمانة دينه وأمته بل ولأمانة إنسانيته إن كان بحق إنسانا، حقيقة إنني لأحتقر كل كاتب وكل إعلامي وكل محسوب على الإسلام معجب يفتخر بأمريكا وصنائعها ويمجدها بقداسة مذلة

إنه الهوان البشع، الذي لا يقدم عليه فرد وله كرامة، ولابد لنا كأمة مسلمة أن نقصي هؤلاء الذين غمسوا أقلامهم ليمجدوا أمريكا ، لأنهم منخوبي الروح، مستعمري القلوب، لا يؤتمنون على نهضة ولا على تراث أمة.

ترامب نموذج

في الوقت الذي لقي فيه انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الكثير من الجدل والمعارضة والانتقاد، كانت العقلية الأمريكية للرجل الأبيض تتجلى بجميع ملامحها العنصرية على تصرفات وردود الرئيس الجديد، ولا عجب أن يلقى قبولا في أوساط الأمريكان البيض مثله الذين ينظرون للناس من فوق برج عاجي يزدرون الألوان ويستعلون على الأجناس، وكأنهم ملوك على الأرض، الصلافة الترامبية اتجاه المسلمين خاصة وبقية الشعوب عامة، لم تخرج إلا من رحم صلافة الأمريكان، وكذا قلة أدبه وحماقاته لم تخرج عن صفات الشعب الأمريكي المستكبر.

انتقادات صحفية متتالية

لم تخلو صفحة إعلامية من نقد ومتابعة لأخبار ترامب، في صفحات الإعلام عبر العالم بل حتى المهرجانات والاحتفالات الساخرة منها والمبتهجة كانت تعرض صور الرئيس الأمريكي بطريقة كاريكاتور مثير للسخرية صفته العناد والحمق في آن واحد، ولكن يبدو أن الرئيس الأمريكي مولع بشهرته وإن كانت سيئة وباهتمام العدسات به والأقلام وإن كان ناقدا، وربما هذا ما يفسر ولعه بالظهور والتعليق بتمادي وصراحة مباشرة على حسابه على موقع تويتر للتواصل، ذلك أنه لا يبالي بحجم الفزع والصدمة التي تحدثها صراحته العنصرية في صفوف الجماهير بل يبالي بغرس مفهوم أن أمريكا هي أولا، وأن الرجل الأمريكي هو الأولى أولا.

استكبار حتى على الأوروبيين

http://gty.im/881225890

ولا زلت أذكر تعليق ذلك الصحفي الفرنسي الذي خلص بعد تعليق على الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع الأوروبيين، أن شعار الرئيس الأمريكي  (أمريكا أولا) سينتهي به في الواقع إلى (أمريكا وحدها)، في إشارة إلى العقلية المستكبرة حتى بحق الحلفاء الأوروبيين.

ولقد لقيت تصريحات ترامب خلال قمة حلف الناتو وقمة مجموعة السبع كما كبيرا من الانتقادات للقيادة الأمريكية الجديدة وعلقت عليها صحيفة “الإندبندنت” البريطانية قائلة:  إن تصرفات و”حماقات” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة حلف الناتو وقمة مجموعة السبع أنهت التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يخدم مخططات روسيا التوسعية.

لم يخفي ترامب انتقاصه للألمان ولا انتقاده للدول الـ 28 الأعضاء في الناتو، ولعل هذا ما دفع بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتصريح أن اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة انتهى  ولا بد أن تحمل أوروبا مصيرها بيدها، وردود ترامب لم تقف عند التصريحات اللاذعة بل تعدت إلى ضربات اليد الماكرة، فقد انتقدت تصرفه شبكة “سي بي اس” الأمريكية  حين قام ترامب بـ”حركة عدوانية”  و دفع رئيس وزراء الجبل الأسود باليد  ليظهر هو في المقدمة، فظاظة ترامب ومخالفته للساسة الحلفاء، بدت ظاهرة حول روسيا والاحترار المناخي والتبادل الحر وفي كل مناسبة، إنه الرجل الأبيض ولكن الأمريكي الذي يريد أن يكون قبل الكل.

سيرة ترامب

صحيح أن سيرة ترامب تعكس حقيقة افتقاده للخبرة السياسية والعسكرية، ما دفع بالبعض لتبرير سلاطة لسانه بسبب هذا الافتقاد، إلا أنني في الحقيقة لا أرى في ترامب إلا  سليل أجداده البيض الذين كان لهم نصيب في الاستعباد، فاعتز بميراثهم.

ورجل الأعمال وتاجر العقارات (الميلياردير) الذي ولد في 1946 ترجع أصوله لألمانيا، من ناحية والده أما من ناحية أمه فيرجع لجزيرة ليوس شمال اسكتلندا، فهو سليل مهاجرين استوطنوا أو بشكل أدق، استعمروا أرض أمريكا.

أتم دراسته في جامعة بنسلفينيا في كلية وارتون المالية، وقد سيطر  ترامب على شركة والده الذي كان يعتبره قدوة، وبرع في تجارة العقارات ومشاريع البناء في نيويورك ليتألق نجم الابن المدير ويتمكن من إدارة تامة للشركة في عام 1971 والتي أطلق عليها اسم منظمة ترامب (ترام أورغانيزايشن).

شق ترامب طريقه في بناء ناطحات السحاب كناطحة سحاب مانهاتن المألفة من 68 طابقا والبنايات الكبرى والفنادق الفخمة ونوادي القمار  وسلسلة متاجر ترامب الشهيرة، بسبب ولعه بعالم الأرقام والحسابات والأموال.

ومع ذلك لم يقف طموح ترامب عند إدارة الأعمال والعقارات بل اتجه نحو برامج الترفيه التلفزيوني،  أين اشتهر ببرنامج “أبرانتيس”  أي (المتدرب)  على شبكة أن بي سي (NBC) ، التي كان يملك حصة فيها وبرنامج مسابقة “ملكة جمال الكون” ومسابقة “ملكة جمال فتيات أمريكا”، تزوج  ترامب ثلاث مرات، كانت الأولى بالعداءة وعارضة الأزياء التشيكية إيفانا التشيكية إيفانا تزيلينيكوفا وولد منها  دونالد الأصغر وإيفانكا وإريك.. ووقع بينهما الطلاق في عام 1990.

ثم تزوج ترامب بالممثلة السينمائية مارلا مابليس عام 1993، وأنجبت له تيفاني قبل شهرين من زواجهما  لكن زواجهما انتهى بالطلاق في  عام 1999، وتزوج بعدها من عارضة الأزياء  السلوفينية ميلانيا كونس التي لا زالت زوجته، وأنجب منها ولدا اسمه بارون ويليام.

ويجدر الإشارة إلى أن ترامب لا يدخن ولا يشرب الكحول كون الأخير كان السبب في موت شقيقه الأكبر في الأربعينيات من عمره، فخشي أن يصيبه نفس المآل، وقد تلقى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، الكثير من الانتقادات بسبب أسلوب حياته الباهظة وعنصريته اتجاه المهاجرين المسلمين والوافدين من بلدان إفريقية وصفها بالقذرة في وقت رحب بالوافدين من دول مثل النرويج، وهو نفسه الرئيس الذي وجهت له عدة اتهامات بسوء سلوك جنسي  وكان عضوًا نشطًا في حركة “بيرثر” التي تشكك في مسقط رأس الرئيس أوباما  لا شك بدوافع عنصرية.

عنصريته لم تعزله

http://gty.im/925996100

ومع ذلك كله لم يعزل ترامب لأن أمثاله ممن يؤمنون بما يصرح به يعدون بالملايين في أمريكا، ورغم تعليقات الصحافة الناقدة له واتهامه بقلة الكفاء، كما علقت عنه صحيفة الواشنطن بوست الامريكية قائلة السيد ترامب كشف، كما لم يفعل من قبل أبدا، عن أنه رجل غير صالح للقيادة، وعلى نهجها علقت  كبريات الصحف الأمريكية. إلا أنه لم يعزل ولم يقال من منصبه، بل لا زال يحظى بشعبية لا يستهان بها بين أوساط البيض من أمثاله من يحمل ذات العنصرية وذات الاستكبار.

ومن المثير للسخرية أن تعلق الصحف والتقارير حول نقص شعبية ترامب عما سبق في حين لا زال يحظى بدعم قرابة نصف الأمة الأمريكية، ذلك أن نقصان شعبيته قليلا لا ينفي حقيقة تقبله من قبل شعبه.

نعم  لا زال ترامب رغم صفاقته يشغل اهتمام العدسات والمراسلين ويجذب الإعلام بشكل صارخ، وفي كل مرة يخرج لنا بفضيحة أو عجيبة، وألفت فيه الكتب والمقالات! كان أكثرها زوبعة، كتاب مايكل وولف بعنوان “نار وغضب.. داخل بيت ترمب الأبيض”، والذي جمع كل حقيقة وكذب بحق الرجل الأبيض المنتخب، أو اللامنتخب.

واجبنا نحن

لكن ما يهمنا نحن من هذا كله، هو أن بشاعة هذا الرئيس ووقاحته كشفت لنا حقيقة أن الرجل الأمريكي لم يختلف عن الرجل الأبيض في عصر الاستعباد العنصري، وأنه لا زال يحمل ذات الدوافع للهيمنة على العالم ونفس الأهداف لاستعباد الشعوب وإن تغيرت وسائله أو تطورت أساليبه! لا زال محتلا غاصبا، معتديا قاتلا، وقد شاهدنا الرجل الأمريكي يدوس بأقدامه على أعناقنا في كل مكان ولكن ما يفت الفؤاد ويزيد الحلق مرارة! هو أنه مع هذا الظلم لا زال يجد من بني جلدتنا من يمجده، فهل يحمل أمثال هؤلاء ذرة  آدمية؟.

نعم حق لنا أن نعجب ممن لا يحتقر أمريكا ويحقر معها آدمية الأمريكان وهو يجد المعدات الأمريكية والدولارات الأمريكية والأقدام الأمريكية، تشق عنان الديار المسلمة وتسطر فيها من الجرائم ما بلغ أقصى البشاعة بل أضعافها.

وحق لنا أن نأسف حين نرى أن تشخيص حالنا لا زال كما وصفه سيد قطب يوما، في أن الاستعمار لا يغلبنا اليوم بالحديد والنار، ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين استعمرت أرواحهم وأفكارهم، يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الاستعمار في وزارة المعارف، وفي الصحف، والكتب؛ يغلبنا بهذه الأقلام التي تغمس في مداد الذل والهوان الروحي لتكتب عن أمجاد فرنسا، وأمجاد بريطانيا، وأمجاد أمريكا.

ويوم ننقض الاستعمار على هذا النحو من أرواحنا وعقولنا، يوم تغلي دماؤنا بالحقد المقدس على كل ما هو أوربي أو أمريكي، يوم نسحق تحت أقدامنا كل من يربطنا بعجلة الاستعمار، عندئذ فقط سننال استقلالنا كاملا؛ لأننا نلنا الاستقلال من داخلنا: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا).

فهل آن الأوان أن نمزق صفحات الإعجاب بأمريكا، أما آن الأوان أن نعترف بأن ترامب ليس إلا مثالا صريحا لاستكبار الأمريكان منذ الأزل، أما آن الأوان أن ننظر في أنفسنا فنتحرر من كل هيمنة أو انقياد أو انسياب مع السياسة الأمريكية الاستعمارية التي يقودها الرجل الأبيض الأمريكي وتتربص بنا دوائر السوء، إن لم نفعل، فليس لنا الحق أن نطالب بنصر ولا بعز ولا بحرية!، وبطن الأرض لن يكون خير لنا من ظهرها، ذلك أن الحساب سيكون عسيرا.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى