هاي حلب وخلصنا منها!!
عبارة يرددها حمير العرب ومطايا الفرس و «حزب الله» وربائب النظم المتوحشة وكل نطيحة ومتردية ومنخنقة وموقوذة ومسطولة وغائبة عن الوعي والإدراك لأبسط السنن والبديهيات. من بين هؤلاء القوميون العرب الذين يتندرون على خسارة ما يعتبرونه نظما قومية، كنظام القذافي الهالك في ليبيا ونظام النصيرية المحتضر في سوريا، ويعلقون آمالهم على إيران و«حزب الله».
كنت قد كتبت فيما مضى بعض وقائع حوار دار بيني وبين أحد اليساريين ممن بلغ من العمر ما يزيد على ستين عاما؛ قضى ربعها في السجون اليهودية. وفي ذلك الحوار قال لي: « لو بقي الاتحاد السوفياتي قائما لصار لدينا دولة فلسطينية من زمااااااان»!!!!! فخجلت من الرد عليه بقسوة لكبر سنه، واكتفيت بالقول: «سأقول لك أمرا: أغلب الذين دخلوا منظمة التحرير الفلسطينية والسجون اليهودية أصيبوا بالهذيان، إما في البداية وإما في النهاية، إلا من رحم ربي».
واقع الحال أن ذات المنطق يتحدث به القوميون العرب وأمثالهم. فهم أنانيون إلى حد الهوس؛ بحيث أنهم، فضلا عن تجاهلهم للدين، فقدوا كل مبدأ ومسؤولية تجاه الأمة، وتمسكوا فقط بفلسطين، لا باعتبارها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماء، وأرض الملاحم ونهاية المسيح الدجال، بل باعتبارها موطن قومية مأمولة تحقق أهواءهم وطموحاتهم الفارغة.
واقع الحال أيضا أنهم لا يرون في الثورات الشعبية إلا مؤامرة عرقلت تحرير فلسطين، وجعلتها في مؤخرة القضايا العربية والاهتمام الدولي!! وهو ذات الخطاب التاريخي الذي لا يريد أن يغادر ساحة الأيديولوجيا. وقد سألت أحدهم في أول الثورات: لقد انتظرتم الأسد الأب وأمثاله، من قبل ومن بعد، أربعين عاما ولم تتحرر فلسطين؛ فهل ستنتظرون الابن و «حزب الله» وإيران أربعين عاما أخرى!!؟ بأي منطق تعادون ثورات الشعوب وأنتم من يزعم الدعوة إلى الوحدة العربية؟ فهل الشعوب والثورات ضد الوحدة حتى تناصبوها كل هذا الحقد والعداء!!؟
واقع الحال، أيضا وأيضا، أن القوميين العرب ينظرون إلى الفكر القومي كمصدر وسبب للتقدم الغربي في العلوم الإنسانية والصحيحة وسائر صنوف التكنولوجيا والتطور المادي!!!! بل أن الفكر القومي عندهم بمثابة الكتاب المقدس الذي لا يأتيه الباطل من تحته ولا من فوقه!!!
الأسوأ أنهم لا يريدون أن يدركوا أن العصر الميكانيكي انطلق في أعقاب الثورة الفرنسية سنة 1789 بعد تفكك الإقطاع، وليس بفعل الفكر القومي الذي انطلق وحروبه ابتداء من سنة 1840!!! والأشد سوء أنهم لا يريدون أن يدركوا أبدا أن الدولة القومية في أوروبا بالذات، التي هي موطن الفكر القومي، هي خليط من القوميات والأعراق! أما الطامة الكبرى ففي أنهم لا يدركون أن الدولة القومية في أوروبا ولدت على أنقاض الدولة الممتدة أو الدولة الإمبراطورية!!
فهل يستطيع القوميون العرب أن يجيبوا على هذه التساؤلات؟
- كيف سيكون الفكر القومي توحيديا عند العرب بينما في موطنه الأصلي كان تفكيكيا؟!
- هل كانت أوروبا لتتقدم لو كانت لديها أفكار القوميين العرب عن الفكر القومي؟
- هل خرج العرب من الجاهلية وفتحوا العالم شرقا وغربا بفعل القومية العربية والفكر القومي؟
- أكثر من مائة عام على دخول الفكر القومي الأوروبي إلى العالم العربي! فهل أنتج غير التآمر على الأمة وضياع سلطانها، وتقسيم العالم العربي والإسلامي، واغتصاب فسطين، وتنصيب قوى الاستبداد على رأس السلطة، وهيمنة الأقليات، والانزلاق إلى قاع الأمم في الأرض، وتجهيل الأجيال، و … ؟
الحقيقة أن عداء القوميين العرب للثورات يرجع إلى انهيار أطروحاتهم، كأهل الأطروحات اليسارية تماما. لذا لم يكن أمام دوغمائيتهم إلا واحدا من خيارين:
- إما أن يعترفوا بالفشل ويهجروا أيديولوجيتهم؛ ويخسروا بذلك نجوميتهم ونخبويتهم وذواتهم التي حصروها وشكلوها بموجب أوهامهم.
- وإما أن ينحازوا إلى النظم السياسية مهما كان حكامها، ومهما كانت بشاعة سياساتها ووحشيتها ضد الشعوب. وهو ما فعلوه!!!
هكذا يبقون على الأقل في الواجهة، ولو بالبلاهة أو بالخيانة أو على بحر من الدماء والأشلاء والخراب والدمار!!! لكنهم في الحالتين؛ هم الخاسرون في الدنيا والآخرة. ولعل أطرف ما في الأمر أن الحديث يجري عن بقايا قوميين؛ تجاوزت الغالبية الساحقة منهم الخمسين من العمر؛ هذا إنْ لم يكونوا فعليا في العقد السادس!! وهذا يعني أنها بضعة سنوات قبل أن تبتلع الأرض أجسادهم بما قدموا، وبما يحملون!! وبانتظار الرحيل لن يكون لديهم ما يفعلونه في عصر لم يعد فيه للأيديولوجيات أي حضور أو وزن. وفي النهاية ستبقى حلب، وستردد الأمة عبارة «هاي القوميين وخلصنا منهم».