أحكام الإسلام والحكمة منها

أمر الله تعالى بالتفكر في خلقه فقال «قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ومن التفكر معرفة الحكمة من كل شيء خلقه الله في الكون، ولما كانت الحكمة قائمة في كل فعل من أفعال الله فإن الأوامر والنواهي الشرعية أيضا بها من الحكمة ما لا يخفى على أحد ولو بعض منها، فالتفكر فيها يزيد المؤمنين إيمانا، ولكن الوصول إلى درجةٍ لا تفعل معها الطاعات ولا تجتنب النواهي إلا بمعرفة الحكمة فهذا هو الذي يُذم؛ إذ إن هذا هو البعد عن معنى الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى ظاهراً وباطناً بفعل الطاعات وترك المنكرات.

فالبحث عن الحكمة في كل أمر من أمور الدين مع عدم فعله إلا عند الاقتناع بهذه الحكمة من الضلال بمكان؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما خلقنا لعبادته، وأمرنا بفعل الطاعات، ونهانا عن بعض الأشياء؛ فليس هناك أمر ولا نهي إلا ولله حكمة فيه علمها من علمها وجهلها من جهلها.

فمن الجهل أو قلة الإيمان بل انعدامه التنطع في هذا الباب وتجاهل أننا متعبدون لله بكل ما نفعل؛ لأن من الإيمان بالله الإيمان بأسمائه والله من أسماءه الحكيم؛ ولما كان الله هو الحكيم فإنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة.

فإذا قيل لك لا تشرب الخمر مثلا فقلت وما الحكمة من هذا! هل هذا لأنها تسكر وهذا قد يأتي بالضرر! فماذا لو شربتها في مكان وأنا وحيد فلن أضر أحدا حينها فلماذا لا أشربها إن كان سكري منها لا يضر أحدا؟! فهذا قد يجادله أحد ويقول له: لا هذه الحكمة معروفة والعقل يعلمها بالضرورة؛ ثم الآخر يقول: أنا لا أعرفها ولست مقتنعا بما تقول؛ فيمتد الحوار ويتشعب ثم لا ينتهون إلى شيء؛ ولو قيل الله أمر بهذا فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار لانتهى الجدال.

فالمقصود عدم الركون إلى الحكمة في تعاملك مع الله فإنه لما حُرم الخمر حُرم لحكمة يعلمها الله؛ والإحاطة بكل جوانب الحكمة لا يمكن إدراكه.

وقال الله سبحانه وتعالى “عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ* وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ “

فالله سبحانه وتعالى جعل عدد أصحاب النار تسعة عشر فجعل من علامات زيادة إيمان المؤمنين أنهم لا يرتابون في هذا العدد ولا يسألون ما الحكمة منه لأنه لا سبيل إلى معرفة الحكمة منه؛ وجعل من علامات الكافرين أنهم يسألون عن الحكمة في هذا الشيء الذي لا سبيل إلى معرفة الحكمة منه ولكن له حكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى فيقول الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا يعني ما الحكمة في هذا؟ ولا سبيل لهم إلى معرفتها فيشكون في دين الله ويمرقون منه ويرون من يقولون آمنا أنهم أغبياء، وأنهم بسؤالهم هذا هم الأذكياء ولكن أي الفريقين أحق بالأمن يوم القيامة إن كنتم تعلمون؟!

وكما أن هناك عبدا للدينار والدرهم كما أخبر الرسول، فهناك من هو عبدٌ للحكمة فإذا استحسنها فهو ذاك وإن لم تستحسنها نفسه فلا طاعة!!

ألسنا نعبد الله عز وجل والعبادة معناها الذل والخضوع لله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه؛ فلما تعبدنا الله له أمرنا ونهانا، فمن الواجب إذا أن نقول سمعنا وأطعنا؛ ثم إذا ظهرت الحكمة من هذا الفعل كان خيرا وإن لم تظهر فنحن متعبدون لله بما نفعل ولسنا متعبدون للحكمة.

وقد يأتي هذا لقلة العلم عن الدين أيضا وعدم معرفة الغاية من خلقنا وقد قال الله تعالى “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فهذه هي الغاية (العبادة) وهي شاملة لكل صغيرة وكبيرة من الحياة إذا كانت النية خالصة لله؛ فإذا كان العبد على يقين أنه لا يفعل ذلك إلا لأنه يريد أن يدخل الجنة وأن يفر من النار فهنالك تنقاد جميع الجوارح لله تعالى.

إنه ليقال لآخر أهل الجنة دخولا الجنة “أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبّ” فهذا ملك أدنى أهل الجنة، أليس هذا حقيقا بامتثال الأمر واجتناب النهي حتى وإن لم تظهر الحكمة “ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة”

والله عز وجل قال “ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث” فكل حلال هو من الطيب الذي ينفع الإنسان في الدنيا قبل الآخرة؛ وكل حرام هو من الخبائث التي تضر الإنسان في الدنيا قبل الآخرة.

وهذا كما قلت سابقا ليس ذما لمن يريد أن يعرف الحكمة من الطاعات والمحرمات ولكن الذم يخص من لا يفعل الطاعات ولا يجتنب المحرمات إلا إذا عرف الحكمة.

إسلام أحمد حافظ

طالب في كلية الهندسة قسم ميكانيكا قوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى