خزعبلات نوسترادمس: نبوءات قيل أنها تحققت، فهل حقًا هي كذلك؟

تحدثنا في المقال السابق عن نوسترادمس وتوقفنا عند الحديث عن نبوءاته التي هي موضع الحديث الآن، وعلى هذا سيكون حديثنا عن أفضل النبوءات التي يقال إنها تحققت ونأخذها بالتحليل والإيضاح والبيان والتي نراها خزعبلات، فالكلام عندما يُطلق عامًّا، يمكن تفسيره كيف شئنا، وهكذا هي غالبية هذه النبوءات التي يذكرها، فهي عبارة عن كلام عام كما ذكرنا وبينا في المقال السابق:

بعض من أنجح نبوءاته، مع تحليلها لتوضيح كذب الأمور:

  • الثورة الفرنسية:

فنبوءاته حول الثورة الفرنسية، حيث كانت فرنسا تعيش فترة من الظلم وكان يرى هو أن هذا الظلم سوف يأتي وقت وينقشع، وكان يرى في عصره بوادر ذلك فقال نبوءته:

“قبل الحرب سيسقط الجدار الكبير، الملك سيتم إعدامه، موته سريع وفاجع إنها لم تتم إلى الآن ولكنها قطعت الشوط الأكبر قرب النهر ستصبغ الدماء التراب”[1].

فبداية نقول إن هذه النبوءة كانت في عام 1555م، وقد فسرت على هوي الفرنسيين أو المهيمنين على الأمور آنذاك حتى يصوروا أن الثورةَ من نبوءات نوسترادمس، على الرغم أن هذه الكلمات تصلح لان تكون مفسرة وفقا لأي عهد، فمثلا تعالوا نفسرها على الثورة الليبية عام 2011م، فنقول أنه تنبأ بها ونسقط كلامه الذي قيل وفسر على أنه نبوءة بالثورة الفرنسية أنه تنبؤ بالثورة الليبية.

فقوله إنه قبل الحرب فيقصد بالحرب هنا الثورة الليبية، أي قبل نجاحها، سيسقط الجدار الكبير، وهو جدار الخوف أو مثلا جدار السجون التي فتحت فكيفما نشاء أن نصورها، ويموت الملك وقد حدث أن مات القذافي، والموت سريع وفاجع وقد حدث بالفعل أن شاهدنا جميعا كم هو فاجع وسريع، وهي لم تحدث ولكنها قطعت الشوط الأكبر، فنفسر ذلك أن الثورة الليبية نجحت وهذا تفسير لمراحل أحداثها، وقد اختلطت الدماء بالتراب قرب النهر، فنفسر ذلك قرب البحر المتوسط حيث أن ليبيا تطل على المتوسط وكانت الموتى في كل أنحاء ليبيا إبان الثورة.

http://gty.im/130710634

وبذلك أسقطنا هذه النبوءة تمام الإسقاط على أحداث ليبيا من كلام كان في عام 1555م وذلك لان الكلام عام مطلق يصلح أن يفسر كيف شئنا، وإن أردنا أن نفعل ذلك في أي دولة لفعلنا.

وتعالوا نرى كيف فُسِّرت على أحداث الثورة الفرنسية:

فسرت أن الحرب التي يتحدث عنها هي الثورة الفرنسية الشعبية على سادتهم المتسلطين حيث أسقطوا لويس السادس عشر عن عرشهِ ثم قطعوا رأسه ورأس الملكة ورؤوس عدد كبير من أعيان البلد، وقد كان الهجوم على سجن الباستيل هو ما فسر ذلك الجدار الكبير الذي سيسقط، والنهر هو نهر السين[2] وهكذا كان التفسير هذه الكلمات على أنها الثورة الفرنسية، وهذا من قُبيل التضليل والكذب والبهتان.

  • نابليون بونابرت قوله:

من جندي بسيط سيصل إلى إمبراطور، من الرداء القصير سينمو ليلبس رداءً طويلا. باسل في الحرب، جزيء على الكنيسة يشاكس الرهبان مثل الماء الذي يملأ الاسفنح،[3] إنه سيأتي وباسم مروع وكأن اسمه هو الأخوات الثلاثة ومن خلال كلامه وأفعاله سنقص الناس وأكثر من أي شخص آخر سيكون مشهورًا[4].

يفسرون هذا على أنه نبوءة بمجيء نابليون بونابرت حيث أن اسمه نابليون يعنى باليونانية المبيد الجديد، وفى نبوءته الأخرى يقول أنه سيكون شرسًا على الكنيسة، ويكون مثل الماء في الإسفنجة، ففي هذا كله يمكننا أن نسقطه على شخصية الأخوان بارباروسا، وستكون متوافقة تمامًا بتمام، وهذا أيضا لنوضح كذب أمثال هذه الأمور.

حيث أن هذا الاسم قد عنى الشر بالنسبة لأوروبا لفترات طويلة جدا، بل كان يسبب الرعب بمجرد ذكر اسمه في البحر المتوسط وسنرى، وبالفعل حاذ الأخوان شهرة لا يضاهيها أحد. بل أكثر من نابليون نفسه الذي يفسرون الكلام على أنه هو، وأصبحا إمبراطورا البحر، وسيطرا على المتوسط لفترات طويلة في حياتهم وبعد مماتهم، وانقضَّا على الكنيسة، ومن جهة الماء كما ورد في النبوءات الأخرى، بل وينطبق عليه أنه كان مغمورًا وملك، كما يقول في النبوءة ، ولكن هذا إن أردنا أن نفسر الأمور على الهوى.

لماذا آمنوا بخرافات نوسترادمس ولم يؤمنوا بنبوءات النبي التي تحققت بالفعل؟

 فاستقر الأمر أن هذا الرجل الذي يقول من الكلام العام الذي ينطبق على أكثر من شيء، إنما هو ممن يعلم الغيب وتنبَّأ به، فيحورون كلامه ويسقطونه على الأحداث كيفما شاءوا وأرادوا، وفى الحقيقة لو أنهم يحسبون الأمور بهذه الطريقة لكان لهم من باب أولى أن يؤمنوا بالنبي العدنان أفضل إيمان.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلامًا محددًا في كثير من المواطن وتحقق بحذافيره، وذلك مثل هزيمة الروم وانتصارها كما ورد بالقرآن، ومثل فتح القسطنطينية وغير ذلك من الأمور، فهنا النبي يذكر أمورًا محددة تحديدًا واضحًا لا جدال فيه ولا يمكن تحويره وطيه على أكثر من معنى بل كلام محدد له معنى واحد. وذلك لان هذا وحى من عند الله تعالى، أفلا يعقلون هذا أم على قلوبهم أقفال؟! ولكن لا أبرِّيء نفسى وإياكم من التقصير في الدعوة إلى الله، فهؤلاء كافرون ونحن أحد هذه الأسباب لأننا غفلنا عن ديننا بل وأصبحنا في أحط الأمم بجهلنا وتخلفنا، فلهذا فقدنا أن نكون قدوة لهؤلاء.

وفاته:

في يوم 2/7/1566م توفى نوسترادمس ودفن قائما في حائط كنيسة سالون، وأثناء الثورة الفرنسية نبش بعض الجنود قبره وأخرجوا نعشه ولكن رمته دفنت ثانية في “كنيسة سانت لورن” حيث لا يزال قبره موجودًا مع رسم له يعلو الضريح[5].

ومن طرائف الأمور، أنه قد تنبأ بموته في ذلك اليوم، وذلك لأنه كان طبيبًا وقد علم بأن المرض قد انتشر في جسده حيث كان مريضاً بِداء النقرس الذي أخذ يتحول إلى داء الاستسقاء وتفشى؛ فتوقع أن يموت في ذلك اليوم ولكن سبحان الله لم يحدث ذلك؛ فدخل غرفته وقتل نفسه كما تقول بعض الكتب ذلك، حتى يثبت للعالم صدق نبوءاته، بعد أن كتب وصيته، وأرسل في طلب القس المحلي ليجري له الطقوس الأخيرة، ووجدت جثته في صباح اليوم التالي كما توقع بنفسه، وترك مبلغاً كبيراً من المال علاوة على ممتلكات عينية أخرى وقد أكد البعض ذلك نظراً لأنه قد كان مريضا ولا أمل في علاجه فقرر أن يموت ويستفيد من موته في تلميع اسمه لفترات طويله من الزمن، وقد كان له ذلك.

خاتمة:

قد فُسِّرت كثير من النبوءات لنوسترادمس على الأحداث العربية مثل الثورات الربيع العربي وكذلك إعدام صدام حسين وكذلك ما زالت التحليلات لها لتوقيع نبوءات لعام 2017م، وغير ذلك من الأعوام وكم أحزنني أن تنتشر مثل هذه الأمور بين المسلمين لذلك رأيت أنه حري بنا أن نُعرِّف الناس بمثل هذه الشخصيات حتى يعرفون كيف تسير الأمور.

ومن قبيل هذه الخزعبلات محاولات تحديد موعد قيام الساعة، وللأسف تجد أن بعض المسلمين يبذل الجهود لأجل ذلك ويتناسى قوله تعالى:

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»[6].

 فكثير من الناس أصبحوا يشغلون نفسهم بمتى تقوم الساعة، وهذا أصبح منتشر هذه الأيام، فتقام الأفلام على أن الساعة ستقوم عام 2012م، وشاهدنا كم الاهتمام بهذا العام لأنه ستقوم فيه الساعة، بل أصبح عدد من الناس ومنهم للأسف مسلمين منتظرين قيام الساعة في تمام بداية هذا العام أي عام 2012م، وهذا من فساد العقيدة.

http://gty.im/94999643

ومن الأمور التي انتشرت بين المسلمين في هذا الصدد، هو محاولة تحديد موعد قيام الساعة عن طريق الحروف المقطعة في القرآن، مثل قوله تعالى الم، أو طه، يس، ق، ص… فيحاول البعض أن يحدد قيام الساعة عن طريق ذلك بإعطاء رقم لكل حرف ليصل إلى نتيجة، وكذلك يحاول آخر أن يحددها عن طريق أحرف القرآن وغير ذلك من الأساليب التي لا تجور كلها شرعًا، وتدخل في إطار هذا التنجيم المُحرَّم في الإسلام.

فعلى المؤمن ألا يشغل نفسه بتحديد هذه الأمور، فإن كل ذلك رجم بالغيب، وقول غير صحيح، والأليق بالمؤمن أن يشغل نفسه بما ينفعه عندما تقوم الساعة ففي الصحيحين أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا أعددت لها؟ [7] فوجهه صلي الله عليه وسلم إلى ما ينفعه وما ينبغي أن يسأل عنه.

وعلى هذا نتعلم أن تحديد يوم بعينه أو عام بعينه بأنه يوم القيامة قول على الله بلا علم، أما الذي ثبت ونعرفه عن هذا اليوم، هو انه سيكون يوم جمعة [8]حيث وردت في الحديث: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة ولا تكون الساعة إلا في يوم الجمعة[9]

واختتم بكلمة، أنه إذا قال أي أحدٌ مهما علا شأنه وارتفع مقامُه، أن الساعة ستقوم يوم كذا ولو استدل على هذا بالقرآن فلنرد عليه بقوله تعالى” لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ”، وكذلك قوله “لا تأتيكم إلا بغتة” وفى هذا راحة للنفوس، فالله يقول لن يعرف هذا أحد أبدًا فهو مما أختص الله به نفسه، وعلى هذا فكل قائل بذلك، لنقل عليه كذاب أَشِر.

كذب المنجمون ولو صدقوا.


المصادر

[1] – نبوءات نوسترادمس القرن الثاني،57

[2] -دراسة في نبوءات نوسترادمس ص 46

[3] – نبوءات نوسترادمس الثامن -57

[4] ا نبوءات نوسترادمس لأول -76

[5] المرجع السابق ص 12

[6] -سورة الأعراف، الآية 187

[7] – صحيح البخاري ومسلم

[8] -عادل عزازي ماذا يعني انتمائي لأهل السنة والجماعة ص 130، 131

[9] – صحيح مسلم

مصطفى محمود زكي

ماجستير قانون عام وباحث دكتوراه، مقدم حلقات شخصيات حق علينا معرفتها وكاتب بموقع الألوكة. نرى… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى