قطاع الطريق ودعاوى التغريب

لا تنتظري أن تكون مسيرتك دائما سهلة سلسة تمضي إلى الأهداف السامقة دون إعاقة أو تعطيل، بل توقعي أن يكون أمامك الكثير من العقبات التي يتعاظم حجمها بحسب نظرتك إليها.
للأسف هناك شياطين إنس وجن يتعاونون على نصب الشراك وحفر الحفر وزرع الكمائن لاختطافك من مسيرة العطاء والمسابقة والنجاح، ولعل أول من يتربص بك الدوائر هم دعاة التغريب والانسلاخ عن مبادئ الإسلام العظيمة، وهم اليوم متواجدون في كل مكان وفي كل ساحة وفي طريق كل حلم تودين تحقيقه.

مكانة المرأة في الإسلام

يحاولون أن يزعزعوا ثقتك بدين الله وإيمانك به، فينشرون الشبهات والإشاعات حول ظلم الإسلام للمرأة وهضم حقوقها وتغييب شخصيتها في المجتمع المسلم، وهذا لمن تبصّرت وتفكّرت ليس إلا مجرد افتراء ومحض كذب لاستدراج الغافلات، فإن الإسلام هو الذي أخرج المرأة من ظلام الجاهلية لأنوار الحقوق التي تحفظها درة مصونة في مجتمعها، إنه الإسلام الذي أخذ البيعة من النساء كما الرجال قال الله تعالى في كتابه العزيز:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الممتحنة: 12.

وهو الإسلام الذي قاد بصيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليولي أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها لتكون أول مشرفة على الأوقاف حيث كتب ذلك في وصيته رضي الله عنه وهي المرأة التي استأمنها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على نسخة القرآن الوحيدة آنذاك ليتوارثها المسلمون إلى عصرنا اليوم. وما أكثر المواقف التي تؤكد على أهمية الدور الذي لعبته المرأة في مسيرة هذه الأمة ولا تزال تلعبه، وما هذا الذي عرضته لك إلا ضرب مثال لا للحصر، ثم لا زالت الصفحات المشرقة في الاسلام للتعامل مع المرأة تعكس حقيقة ذلك التميز والحرية التي تتمتع بها ابنة الإسلام وتحفظ احترامها ومكانتها، وإنما يغيظ أعداء هذا الدين تلك الدروع الحصينة التي تحفظها من تسلل الطامعين والمتربصين بها، حين جعل الضوابط في زيها الشرعي وتجنب الخلوة والاختلاط وغض البصر وعدم الخضوع بالقول دروعا لها كي لا تصلها أيدي وأبصار مريضة لا يخلو منها مجتمع.
والاختراق لهذه الدروع ومهاجمتها يعد الاستراتيجية التي تعتمدها الحركات التغريبية لاختطاف المسلمة إلى سجن تخلفهم.
إن هذه المكانة التي أعطاها الإسلام للمرأة لم تعرفها المرأة النصرانية ولا اليهودية ولا امرأة تدين بأي ديانة أخرى على الأرض، ولهذا يحسدون المسلمة عليها بدليل كتب التاريخ وكذلك الواقع كما نشاهده في عمق المجتمع الغربي وبشهادة نسائهم أيضا.
ثم إن هؤلاء الذين يحملون لواء التغريب للمسلمة لسلبها تاج الرقي والحضارة من علمانيين وليبراليين الذين تنتشر فضائياتهم وصفحاتهم الإلكترونية والورقية في كل مكان وكل زمان لاستدراج المسلمة ودس الأكاذيب والمزاعم والافتراءات الساقطة، يريدون أن ينزلوك من مكانة حفظك فيها الإسلام عزيزة غالية لتصبحي سلعة رخيصة الثمن تذكرنا بأيام الجاهلية الأولى من التخلف والرجعية، والعري والفجور التي يقيس على حجمها الجهلة الحضارة!

جهل النساء

ولعل أكثر ما أعانهم على تمرير سمومهم هو استغلالهم لجهل النساء بتاريخ حضارة الإسلام العريقة مقارنة مع غيرها من حضارات وغفلتهن عن حكمة التشريع الإسلامي مقارنة مع غيره من التشريعات ثم المواقف الرائعة تجاه المرأة في سير المسلمين التي حرّكت استجابة لصرختها الجيوش الجرارة، مقارنة مع مواقف الابتزاز لأنوثتها في المجتمعات الأخرى.
وشخصيا لم أعرف حقيقة انحطاط مكانة المرأة في الحضارة الغربية حتى شاهدت ذلك بأم عيني ورأيت كم هي مستنزفة وممتهنة ورخيصة مهما بلغ بها العلم من مبلغ أثناء دراستي في الغرب، وحين بحثت في بدايات نشأة الليبرالية التي حملت لواء التغريب في بلادنا الإسلامية وجدتها ولدت في ظروف احتقان حاد في المجتمع الغربي، حيث كان يمارس رجال الكنيسة سياسة الاستعباد للأوروبيين يقوضون حقوقهم ويقمعون أفكارهم التي تصطدم والتناقضات التي تحاول أن تفرضها الكنيسة، ولقد أكدت لي دكتورة أمريكية هذه المعلومة حين تركت النصرانية وأصبحت بلا ديانة معلومة، وأخبرتني أن أحد أسباب تركها للنصرانية هو حجم التناقضات التي يفرضها عليهم رجال الكنيسة لدرجة الاستغفال والمطالبة بالاتباع بحماقة وعمى ثم ذلك التناقض الصارخ بين دعاوى الكنيسة والحقائق العلمية الحديثة، ما تراه سببا عظيما في قمع حريتها الفكرية وقناعاتها العلمية ودفعها لإشهار كفرها بالنصرانية وبغضها لكل ما يتصل بها ولكنها وقعت في حفرة أعمق ، إنه الإلحاد!

وفي الواقع ما وقعت فيه هذه الدكتورة ما هو إلى رد فعل غير طبيعي أفرزته إرهاصات فرض مبادئ النصرانية المتناقضة على مجتمع انفتح على أبواب العلم وخاض معركة التطور الفكري التي كانت السبب في ظهور جيل مغالي يبجل الفكر الإنساني على رأسه العلمانية والوجودية والفرويدية والبراجماتية المنتشرة بكثرة في أوروبا.

دور الإسلام في مواجهة التغريب

وقد حاولت هذه الدعاوى ذاتها اقتحام العالم الإسلامي ولكن منهجها الذي يعتمد على إعلان العداء لكل مقدس لم يسمح لها بتحقيق النتائج التي حققتها في الساحة الأوروبية.
ذلك أن حضارة الإسلام السامية والتي امتدت إلى مشارق الأرض ومغاربها لم تعرف التناقضات التي يعرفها النصارى، لقد كانت منبرا للعلم والعطاء البشري في أرقى مستوياته ولا تعرف تناقضا مع تطورات العلم الحديث كما ليست بحاجة لإعادة نظر أو بناء على عكس حضارة النصارى.
ولعل صلابة المبادئ التي يقوم عليها الإسلام دفعت الليبراليين للتوجه لفريسة قد ينتابها الضعف، إنها المرأة، وحشدوا لأجل تغريبها الأفكار الشاذة والدعاوى الباطلة والوسائل الهابطة ورغم هشاشة بنيانهم إلا أننا لا ننكر نجاحهم في استمالة ضعيفات القلب والبصيرة بنسب متفاوتة من بلد مسلم لآخر.
وبالنظر في آثار تسلل هذه الأفكار الهدامة لمجتمعاتنا نكتشف أنها وصلت لعمقنا من خلال أشخاص من بني جلدتنا تأثروا بالفكر الغربي وحضارته المادية وسعوا بجد لتوفير الأرضية والظروف المناسبة لنشر ضلالاتهم. وظهر ما يسمى مشروع الإسلام الليبرالي.

الإسلام الليبرالي

إنه المشروع الذي جمع بين تشجيع النساء على خلع الحجاب وفي نفس الوقت فصل مفهوم العفة والأخلاق عن ستر اللباس ليسهل عليهم التضليل! وتعالت معه دعاوى تبرير الاختلاط بين الرجال والنساء ومحاولة تمريره باعتباره ضرورة.
ولولا تمكن الليبراليون من التسلل إلى مراكز صنع القرار في بلداننا، لما شاهدنا سرعة انتشار هذه الدعاوى، وتأثيرها بشكل ملموس في بعض البلدان المسلمة حتى أضحت نسبة المحجبات لا تكاد تذكر أمام نسبة السافرات والمتبرجات. بل أصبحت المحجبة والمنتقبة باسم القانون في بلاد مسلمة تمنع من مقاعد الدراسة وتطرد من العمل وتهان وكأنها المجرمة.
وعلينا نحن كمسلمات أن نواجه هذه الحركة التغريبية بقوة واعتزاز وأن ندرك أن التقارير الغربية التي صدرت عن بعض المراكز البحثية التخصصية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تؤكد على أهمية دعم ما يسمى بتيار “الإسلام الليبرالي”، كتقرير مؤسسة (راند) الأمريكية الذي يحمل عنوان (الإسلام المدني الديمقراطي : الشركاء والموارد والاستراتيجيات) ، لم تأتي عبثا بل هي جزء من مكر التغريب الذي يجري على قدم وساق في كل بلاد عربية وعلى رأسها مركز الأمة بلاد الحرمين الذي شاهدنا كيف بدأت آثار هذا التفاني في تغريب المسلمة يؤتي أكله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وها هي القنوات الفضائية الليبرالية ودعاة التغريب تنطلق بدعم الحكومة السعودية ودول الخليج ومصر يمولها دعاة التغريب بأسماء عربية وبملايين الدولارات، لتضخ سمومها في مجتمعاتنا وتنحل معها الأخلاق، وتسقط معها القيم وتداس المبادئ، ويصبح الحديث عن غانية راقصة يحتل ساعات من البث وتعطى الاهتمام الكبير والتعظيم العجيب! في حين العالمات والأديبات والفقيهات يجمّد ذكرهن في رفوف النسيان!

مقياس مجد الأمة

وكأن مجد هذه الأمة يقاس بحجم الانحلال الأخلاقي وبعدد المغنيات الساقطات والراقصات البائسات وهذه الصورة التي تعمد على نشرها هذه القنوات بلا أدنى حياء في مجتمعات يؤذن فيها للصلاة خمس مرات في اليوم ويحفظ أبناءها القرآن في كل يوم ويجهش في المحارب بالبكاء الصالحون ويقنت الأئمة الهداة في المساجد للروهينجا والسوريين والفلسطينيين! قد تعدد جراحات أمتهم فلم يجدو من مواساة إلا في بث الشكوى والحزن لله، فهل يتواءم هذا الإعلام المنسلخ المضلل الرخيص مع مقومات هذه الأمة! بكل تأكيد إنه إعلام لا يمثلنا ولن يمثلنا مهما تعددت قنواته وتطورت وسائله.
اعلمي أخيتي أن كل ما يخرجك من دائرة الجد والعمل ويختطفك من مرحلة العطاء والبذل وينسيك دينك ودورك في هذه الحياة هو قاطع طريق في مسيرتك من مجرد مقالة بأحرف متعثرة إلى برنامج تلفزيوني سخيف ساقط أو قناة تلفزيونية خبيثة ماكرة أو إذاعة تذيع ما يفتنك ويشتت همتك، أو وسط اجتماعي مفتون ضائع أو حتى دول عظمى تسعى لتغريبك وازدراء إيمانك، كلهم قطاع طرق!

مواجهة التغريب

ثم لا يهم حجم قاطع الطريق بل الأهم أن تكوني بدراية وإدراك تام أن هؤلاء قد يتمسحون بالإسلام ويتسللون إلى داخلك ليزلزلوا تلك السكينة والهدوء ويزرعوا مكانها التيه والعبث فكوني لهم بالمرصاد.
ولا شك أن هذه المواجهة تحتاج لإعداد ، والجهل أول نقاط ضعفك، فتزودي بالعلم وتزيني بالتقوى واستعيني برب لا يذلّ من تولاه. ثم إن أنت حددت قائمة أعدائك وكشفت آلاعيبهم ووسائلهم فقد حصّنت نفسك من الهجمات وهذا مفهوم “الدفاع” ولكن يبقى لك أن تشني هجماتك الظافرة، لتحطمي حصون الضلالة لتحفظي أخوات لك في بلاد المسلمين من الوقوع فريسة سهلة في شراكهم المنصوبة اليوم في كل ميدان وهذا يدعوكي لأن تكون أكثر إلماما بأساليبهم وشبهاتهم ووسائلهم ودعاتهم فتفضحيها وتفضحي خوارهم، وهذا مفهوم “الهجوم”، وبالمفهومان معا “الدفاع” و “الهجوم” أنتن تقمن فرض الجهاد العظيم الذي هو سنام أمر دينك.

دعاوي التغريب المختلفة

ليست دعاوى التغريب بمثابة قاطع الطريق الوحيد في مسيرتك، بل هناك قطاع طريق بأشكال مختلفة قد يكون منها الصحبة السيئة ودعاوى الجماعات الضالة والمنحرفة التي تهدر طاقاتك فيما لا ينفع دينك ولا أمتك، أو لديها مفاهيم لا تتوافق مع منهج أهل السنة والجماعة الذي هو ميراث عصر النبوة والصحابة والتابعين الذي عليك التمسك به. لهذا فأفضل وسيلة لحفظ نفسك من أي قاطع للطريق هو التحصن بالعلم والرجوع للكتاب والسنة وأقوال أئمة الإسلام الربانيين، فما وجدت معالمه واضحة، فامضي ولا تخشي إلا الله وإن استفقدت معالمه فإياك والمغامرة فإنما لديك حياة واحدة لتكن لله لا في ضلال وخسارة، وأختم لك بهذه الكلمات النيرات للشيخ محمد قطب إذ يقول : ” المسلم إذا عرف دينه وعرف تاريخه سينظر إلى الحضارة الغربية نظرة الأجيال الأولى من المسلمين للحضارات الجاهلية التي كانت تحيط بهم، فيها أشياء نافعة يستفيد منها من أجل ترسيخ قدمه في الأرض، وفيها مفاسد ومهاوٍ وموبقات، فيأخذ النافع الذي يستفيد به، ويطوعه لعقائده ولقيمه ولمبادئه ولمفاهيمه، وينظر باستعلاء المؤمن إلى المفاسد والمهاوي والموبقات، فيبتعد عنها ويحاذر أن يقع فيها …فيكتب له الفلاح في الدنيا والآخرة” .

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى