جائحة كورونا.. تداعيات مزلزلة ومستمرة

مع تفشي وباء “كوفيد-19 (COVID-19)”، الناتج عن فيروس كورونا المستجد، على نطاق دولي، وإعلان منظمة الصحة العالمية له كوباء عالمي في 11 مارس 2020م، تتزايد معه حدوث التداعيات ليس الصحية فحسب، بل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي يصنفها بعض الخبراء على أنها قد تؤدي إلى إحداث تغيير جيوسياسي كبير على مستوى العالم كله، وربما ينتج عنها تغيير في النظام العالمي الحالي برمته.

بعض العوامل المتسببة في اتساع رقعة انتشار الوباء حتى الآن:

  1. تعامل بعض أنظمة الدول مع المرض في بدايات انتشاره على أنه مسألة أمن قومي، بما في ذلك الصين – منبع الوباء – ومصر وإيران، ما سمح بانتشار المرض على نطاق عالمي في وقت قياسي.
  2. تعامل بعض الدول باستخفاف مع المرض، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا – التي أصبحت من أكبر البؤر العالمية الحالية فيما يتعلق بانتشار ونشر المرض.
  3. استمرار تعامل بعض الأنظمة الدولية بنظام الاتهامات المتبادلة، والمكايدات السياسية، ومحاولاتهم الاستفادة من الأزمة لتكريس سيادتهم عالمياً، وذلك على حساب التركيز في مكافحة الوباء.
  4. العولمة، والتي انقلبت ميزاتها المتعلقة بسهولة وسرعة السفر من وإلى مختلف بلاد العالم إلى أسباب تزيد من معدل انتشار الوباء عالمياً.
  5. استمرار فشل العديد من الدول على الصعيد الداخلي فيها في تطبيق نظام التباعد الاجتماعي والعزل الصحي – الاختياري والإجباري – بشكل متناسب مع سهولة انتشار الفيروس بين السكان.
  6. النقص الحاد في وسائل وأدوات الكشف عن حالات الإصابة في مختلف دول العالم، وكذلك النقص الحاد في المعدات والتجهيزات الطبية اللازمة لعلاج الحالات المصابة.
  7. جهل العديد من الدول – لاسيما في بداية الكشف عن المرض – بالوسائل الصحيحة للكشف عن المرض.
  8. عدم وجود لقاح للوقاية من المرض، والحاجة لوقت طويل نسبياً – قد يمتد من 12 إلى 18 شهراً – لإيجاد لقاح وتصنيعه بشكل يبدأ معه منحنى تفشي الوباء في الهبوط.

التداعيات الاقتصادية للجائحة

حتى الآن، تعد التداعيات الاقتصادية للوباء أكبر التداعيات بعد خسارة الأرواح، حيث تعدت تلك التداعيات حدود الدول، ولم تقف عند دولة بعينها، مع زيادة كبيرة للآثار في الدول صاحبة معدلات الانتشار المتزايدة والواسعة للمرض.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قد كشف في دراسة تحليلية أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول، وستخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%، وربما تؤدي إلى عجز في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار.

ومن التداعيات والآثار الاقتصادية:

زيادة معدلات البطالة بشكل كبير للغاية

اضطرت الكثير من الشركات والمؤسسات والأعمال الصغيرة والمطاعم وأماكن تقديم الخدمات العامة والخاصة لإجبار الموظفين على العمل من المنزل في إطار المحاولات المبذولة للحد من انتشار العدوى، علاوة على الاضطرار إلى تسريح الكثير من الموظفين والعمال، وهو ما أدى إلى معدلات بطالة مرتفعة في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، والتي تزداد معدلات تسجيل طلبات التأمين ضد البطالة فيها بشكل يومي، حيث سجلت الأسبوع الماضي فقط أكثر من 280 ألف طلب، بزيادة تقارب 70 ألف طلب عن الأسبوع السابق، والذي سُجّل فيه حوالي 211 ألف طلب، وقد سجلت ولاية بنسلفانيا وحدها 121 ألف طلب في الأسبوع الماضي.

وتنبع مخاوف كبيرة بالولايات المتحدة إزاء تسارع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق (تعدت في سرعتها أزمة 2008-2009)، ما يجعل من الصعب على الخبراء التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، لاسيما في ظل مخاوف بشأن احتمال انهيار نظام التأمين ضد البطالة ما لم يتخذ الكونجرس إجراءات سريعة لضخ الأموال وتغيير قواعد النظام التقليدي لذلك التأمين.

ولا يتوقف الأمر بطبيعة الحال على الولايات المتحدة، فمعدلات البطالة تزيد بوتيرة كبيرة على المستوى العالمي، ومرشحة للتزايد مع تفاقم الجائحة.

تقلص معدلات العرض، وضعف الطلب في الأسواق بشكل كبير

مع إغلاق المصانع والشركات وغيرها من المؤسسات، يقل المعروض من البضائع والسلع في الأسواق، ويزداد الطلب بشكل كبير في بداية الأمر، ثم يتقلص بعد ذلك لأسباب عديدة، منها ازدياد معدلات البطالة، وانخفاض القوة الشرائية مع حاجة الناس لتقليص نفقاتهم نظرا لقلة أو انعدام الدخل.

توقع حدوث موجات إفلاس متتالية للعديد من المصانع والشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة

والتي يمكن أن تحدث نتيجة انخفاض الطلب بشكل كبير أو انعدامه في العديد من البقع الجغرافية مع تفاقم الجائحة، وتزايد أزمة الديون، وانخفاض قيمة الأصول، لاسيما في الدول المتأثرة بشدة بانتشار العدوى، ومن المعروف أن تعرض تلك المؤسسات للإفلاس يعد من العوامل المهمة في زيادة معدلات البطالة، فهي دائرة مفرغة تدور في فلكها الأعمال التجارية والعاملون فيها. ومن جهتها، لم تستبعد دراسة الأونكتاد سالفة الذكر حدوث إفلاس واسع النطاق، والذي يمكن أن يتسبب في انهيار مفاجئ لقيم الأصول.

التأثر السلبي لسلاسل الإمداد لكثير من المنتجات بشكل كبير

ويأتي هذا التأثر كنتيجة كبرى للعولمة في المجال الاقتصادي، حيث أدت العولمة إلى خلق حالة من التخصصية المفرطة على مستوى العالم، وأصبح المنتج الواحد، يُصنَّع في أكثر من دولة، سواء في مصانع تابعة لشركة واحدة تتواجد أماكن إنتاجها وتوريدها في عدة دول، أو في عدة شركات متفرقة في عدة دول.

وكمثال على ذلك: تأثر إنتاج العديد من طرازات السيارات الأوروبية في الفترة السابقة بإغلاق مصنع تابع للشركة الإيطالية “إم تي أيه أدفانسيد أوتوموتيف سوليوشنز MTA Advanced Automotive Solutions”- المتخصصة في إنتاج إلكترونيات حيوية لازمة لتشغيل سيارات رينو، وبيجو، وبي إم دبليو، وجاكوار، ولاندروفر – في شنغهاي في الصين إبان معدلات الانتشار الواسعة للوباء فيها، ثم بعد حلول 17 فبراير وإعادة فتح المصنع، تم إغلاق مصنع الشركة في إيطاليا بعد ضرب الوباء لها، ما تسبب في توقف أكبر سلسلة توريد لإلكترونيات السيارات في غرب أوروبا.

كما حدث نقص حاد في سلسلة إمداد الكواشف المستخدمة في تشخيص “كوفيد-19” على المستوى العالمي، بسبب عدم استطاعة الشركتين المتخصصتين في إنتاج وتصنيع هذه الكواشف، وهما شركتا “روش Roche” السويسرية، و”كياجن Qiagen” الهولندية (استحوذت عليها حاليا الشركة الأمريكية “ثيرمو فيشر ساينتيفيك [Thermo Fisher Scientific])، في تلبية الطلب العالمي المتزايد على خلفية تسارع معدل انتشار الوباء.

وكذلك حدث نقص في سلسلة الإمدادات الخاصة بأجهزة الحاسوب، حيث قل إنتاج أجهزة الحاسوب المحمولة بنسبة 50% في فبراير، وتقلص كذلك إنتاج الهواتف الذكية بنسبة 12%، علاوة على إشارة “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)” بأن انخفاض الإنتاج في الصين له آثار غير مباشرة في جميع أنحاء العالم، نظرا لدور الصين في إنتاج أجهزة الحاسوب والإلكترونيات والأدوية ومعدات النقل، وكونها مصدرا أساسيا للطلب على العديد من السلع.

ولعل الأهمية الكبيرة لسلاسل الإمداد في ظل العولمة هو ما حدا بمسؤولين دبلوماسيين دوليين إلى التأكيد على ضرورة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية العالمية من جهة، وضرورة التعاون لإبقاء سلاسل الإمداد والتوريد مفتوحة، وعدم تعريضها للكسر.

مخاوف من انهيار سعر النفط

وهو الهاجس المسيطر على كثير من الأسواق العالمية، والذي طغى في بعض البلدان على المخاوف الصحية، ما يشير إلى كونه عاملا مثيرا للقلق والذعر، وهو ما يؤدي كذلك إلى صعوبة التنبؤ بحالة الأسواق. ومن المتوقع تبعا لذلك أن تتأثر الدول المصدرة للنفط بشكل كبير، حيث يمكن أن تفقد تقدر بأكثر من 1% من نموها.

تأثر قطاع الطيران على مستوى العالم

مع الوقف الإجباري لمعظم رحلات الطيران من وإلى العديد من دول العالم، وكذلك الرحلات الداخلية في كثير من الدول، تتفاقم أزمة شركات الطيران، حيث توقع “الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا، IATA)” انخفاض إيرادات قطاع الطيران على المستوى الدولي لعام 2020 بما يقارب 250 مليار دولار، كما يتوقع مركز (CAPA) للطيران الاستشاري إفلاس معظم شركات الطيران في العالم – والتي قامت بتسريح أعداد كبيرة من العاملين بها – بحلول مايو 2020 في حال استمرار الأزمة وعدم تدخل الحكومات لدعم شركات الطيران.

وعلى ناحية أخرى، خسرت شركات الطيران في الشرق الأوسط إيرادات بقيمة 7.2 مليارات دولار. وفيما يتعلق بمصر، قد يؤدي فيروس كورونا إلى خسائر تقدر بنحو 2 مليار دولار من الإيرادات الأساسية، حسب توقعات مجموعة من أصحاب شركات الطيران المصرية الخاصة، وتهديد 138 ألف وظيفة، حسبما أفاد الاتحاد الدولي للنقل الجوي.

تأثر قطاع السياحة بشكل شبه كامل في معظم بلاد العالم

تأثر قطاع السياحة بشكل كبير للغاية في العديد من بقاع العالم، بما في ذلك مصر وتركيا والإمارات (دبي) وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وغيرها من الدول، بسبب الحجر الصحي الذاتي وتوقف رحلات الطيران. وقد صرح بولوت باغجي، رئيس معهد منتدى السياحة العالمي في تركيا، بأن خسائر سوق السياحة العالمية قد تبلغ تريليون دولار هذا العام، حيث بلغت فعليا حتى الآن ما يقارب 600 مليار دولار، مع وجود تهديد بفقدان ما يقارب 50 مليون وظيفة في القطاع على مستوى العالم، وكذلك وجود مشكلة أخرى كبيرة تتمثل في بطء التعافي المستقبلي للقطاع حتى بعد انتهاء الأزمة بشكل كامل.

وفي تركيا نفسها، تأثر قطاع السياحة بشدة، والذي يمثل نسبة لا تقل عن 10% من الاقتصاد التركي، وأغلقت العديد من الأماكن والشركات السياحية، علاوة على تسريح بعض الشركات للعاملين فيها.

وعلى ناحية أخرى، كان من ضمن الأسباب التي جعلت النظام المصري يتباطأ في إعلان وجود إصابات بمصر هو الخوف على القطاع السياحي الذي يعتبره النظام مسألة أمن قومي.

ومن جهته، طلب حاكم ولاية هاواي من المسافرين تأجيل رحلاتهم إلى هاواي لمدة 30 يوما، في سابقة لم تحدث من قبل في ولاية تعيش على السياحة الترفيهية، ما يشير إلى فداحة الوضع فيما يتعلق بالسياحة في أمريكا.

تأثر الأسواق الناشئة سلبيا بشكل كبير

مع تأثر العرض والطلب، وإغلاق الدول لحدودها، وتقلص معدلات التبادلات التجارية الدولية، علاوة على تأثير حرب أسعار النفط الجارية منذ فترة بين المملكة العربية السعودية وروسيا، وكذلك انخفاض الطلب على الطاقة المتعلق بالتباطؤ الاقتصادي الناجم عن الجائحة، تتأثر الأسواق الناشئة بشدة من هذه الأزمة، وهو ما يؤثر بدوره كذلك على الأسواق العالمية، حيث يشير صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة مساهمة الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي حاليا تصل لما يقارب 60%، وبالتالي فالتباطؤ الحادث – والمتوقع زيادته مع تفاقم الجائحة – في الأسواق الناشئة سيؤثر بدوره كذلك في الاقتصاد العالمي.

تقويض النظام الاقتصادي في العديد من الدول

في حالة استمرار الجائحة لفترة طويلة، مع زيادة معدلات إفلاس الشركات، وتأثر الأسواق الناشئة، وغيرها من المؤثرات الحادثة، والمتوقع تفاقمها، ربما تحدث حالة من تقويض الأنظمة الاقتصادية في العديد من الدول من قاع تلك الأنظمة لقمتها (ابتداءً من الشركات والمؤسسات المتأثرة في أسفل النظام الاقتصادي إلى أعلى هرم ذلك النظام)، لاسيما في الدول الضعيفة، والدول التي تعاني أزمات اقتصادية، بما في ذلك الدول النامية.

تداعيات اجتماعية للجائحة

على مستوى الحكومات

من الأمور المنتظرة اجتماعيا في الأزمات رؤية التكافل والتضامن بين فئات المجتمع من جهة، وبين المجتمعات المختلفة المتأثرة من جهة أخرى. ومع الانخراط منذ سنوات عديدة في إطار العولمة تتوقع العديد من الدول مساعدة بعضها البعض في ظل هذه الجائحة، ولكن العكس هو المسيطر حاليا على صعيد الكثير من دول العالم، فقد أظهرت الأزمة أسوأ ما عند الحكومات من سلوكيات الأنانية وانعدام التضامن، فروسيا وألمانيا منعتا تصدير أقنعة الوجه “الكمامات” وأجهزة التنفس (تمثل أجهزة التنفس أزمة كبرى للغاية في العديد من الدول ذات معدل العدوى المرتفع، وأصبحت تلك الأجهزة من المستلزمات الملحة والضرورية بها، مع وجود عجز ضخم لدى العديد من الدول على رأسها الولايات المتحدة وإيطاليا) على الرغم من كون ألمانيا عضوةً في الاتحاد الأوروبي، كما استولت فرنسا من جهتها على مخزون الكمامات كاملا من الأسواق الداخلية بها، وفعلت الصين صنيعها من قبل إبان ذروة أزمتها، لكنها تفعل العكس حاليا لتسويق نفسها كقائدة جديدة، حيث أسرعت بالاستجابة لطلب إيطاليا العاجل بشأن المعدات الطبية، كما أرسلت مساعدات لكل من إيران، وصربيا، التي وصف رئيسها التضامن الأوروبي بأنه “قصة خيالية “.

على مستوى المجتمع

مع ارتفاع الخسائر البشرية بشكل كبير، وارتفاع معدلات البطالة، والركود الاقتصادي غير المسبوق، قد تحدث موجات غضب شديدة، ومحاولات فوضى للحصول على مستلزمات الحياة الأساسية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى استخدام العديد من الدول لقواتها العسكرية أو شبه العسكرية، مع احتمال بداية التفكك المجتمعي بالمواجهات الأهلية التي قد تستمر لفترات غير معروفة.

على مستوى الأفراد والجماعات

المخاطر الاجتماعية المترتبة على الإجبار على العمل من المنزل، والدراسة المدرسية والجامعية عبر الإنترنت، ما سيخلق عالما افتراضيا إجباريا لملايين البشر عبر العالم، وما يترتب على ذلك من تداعيات انعدام التواصل الحقيقي، وانعزال مجتمعي على مستوى الأفراد والأسر والجماعات الإنسانية.

إغلاق الحدود ليس بين الدول فحسب، بل داخل الدولة الواحدة، لاسيما الدول الفيدرالية، وما ينتج عن ذلك مما يسميه بعض العلماء “العزلة القومية”، والتي يترتب عليها غياب التضامن الاجتماعي مع بقية الولايات أو المحافظات، وكذلك غياب التضامن مع بقع العالم الأخرى في ظل الانكفاء على الذات القومية، بل سيصبح الانكفاء على الذات البشرية المنفردة سمتا غالبا مع تفاقم الأزمة.

تداعيات سياسية للجائحة

لم تتوقف التداعيات السياسية على مجرد إصابة بعض كبار الشخصيات أو المسؤولين ببعض الدول بالعدوى، ودخول آخرين حجرا صحيا اختياريا بعد مخالطتهم مسؤولين أو أقارب ثبتت إصابتهم، ولكن تعدت ذلك إلى وجود خطورة على قيام بعض الأنظمة في العديد من الدول، حيث أعدت الولايات المتحدة سبع خطط لفرض أحكام عرفية – تتخطى درجة سري للغاية – تفصل سيطرة قواتها المسلحة على الحكم في حالة تعطيل الجائحة لعمل الحكومة، حيث سيتم إخلاء الرئيس وعائلته، ووزير الدفاع وعائلته، وقادة مجلسي الشيوخ والنواب، وسيترتب على ذلك تخطي سلاسل القيادة المنصوص عليها في الدستور الأمريكي، واتخاذ القادة العسكريين لقرارات تسيير شؤون البلاد، وسيكون المسؤول وقتئذ هو قائد القيادة الأمريكية الشمالية (نورثكوم NORTHCOM) – حاليا هو الجنرال تيرانس أوشونيسي – الذي سيتم تفويضه لإدارة شؤون البلاد لحين القدرة على تنصيب زعيم مدني جديد.

وفي مصر، تتزايد مخاوف النظام العسكري المسيطر على الحكم فيها مع تزايد معدلات الإصابات داخل القوات المسلحة، ووفاة لواءين على الأقل من جملة عدد من القادة العسكريين سربت قائمة بإصابتهم بالعدوى يوم 13 مارس 2020، مع ترشح زيادة عدد الإصابات والوفيات وسط ضباط وجنود القوات المسلحة، والمسؤولين المدنيين الذين خالطوهم في الفترة الماضية.
من جهة أخرى، أدت الجائحة إلى إلغاء اجتماعات دولية عديدة، والاضطرار للجوء إلى عقد بعض الاجتماعات عبر الفيديو كونفرانس، علاوة على إثارة بعض الدول لنظرية المؤامرة فيما يتعلق بنشر الفيروس من أجل إضعاف دول أخرى، أو تحصيل مكاسب معينة.

تداعيات أمنية واستخباراتية

على مستوى الأجهزة والشركات الاستخباراتية

تداعيات تفشي فيروس كورونا وصلت لأجهزة الاستخبارات، حيث تعاني العديد منها على مستوى العالم من عدم استطاعة القيام بالمهام المطلوبة كما كان سابقا، فعلى سبيل المثال:

  • تعاني “المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE)” [وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية] عدة مشكلات، منها: وقف المديرية لحملة التوظيفات الجديدة التي كانت قد بدأتها منذ فترة، وهي عملية حيوية لها في الوقت الحالي، علاوة على إجبار عملاء المديرية على العمل من المنزل، مما صعب مهامهم، حيث يحتاجون للولوج إلى ملفات مصنفة على أنها “سرية للغاية”، ولا يستطيعون الولوج إليها سوى من أجهزة الحاسوب المتواجدة داخل مقار المديرية نفسها، بالإضافة إلى تعطل عمل “الاستخبارات البشرية (HUMINT)”، والتي تعتمد على جمع المعلومات الاستخباراتية عبر الجواسيس على الأرض، وبخاصة في البلاد التي تعاني من تفشي الوباء بشدة، بما في ذلك الصين وإيران.
  • ومن جهتها، بدأت “وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA)” الأمريكية في بث مقاطع مرئية داخلية لاختصاصيين نفسيين، في إطار محاولاتها للتغلب على بعض التداعيات النفسية، مثل التوتر والقلق، بسبب تفشي الوباء وما يحدثه من آثار وتداعيات تطال عملاء الوكالة.
  • كما تعاني شركات الكيان الصهيوني العاملة في مجالات الاستخبارات السيبرانية من تقلص مبيعاتها بشكل كبير، وتعليق العديد من العقود [تعتمد تلك الشركات بشكل كبير على المبيعات الخارجية]، لاسيما مبيعات وعقود خدمات ما بعد البيع الخارجية، وبخاصة مع إغلاق العديد من الدول لحدودها وتأثر اقتصاداتها، حيث تشمل العقود المعلقة خدمات ما بعد البيع للأدوات والأجهزة الحساسة. كما سرحت بعض الشركات العديد من موظفيها. وعلى ناحية أخرى، أغلقت العديد من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مقارها كذلك حاليا، في إطار الحد من تفشي الوباء بين منتسبيها.

تداعيات على خصوصيات الشعوب عبر الرقابة الأمنية الصارمة والجماعية:

في ظل الأزمة، اتجهت عدد من الدول إلى ما يمكن أن يسمى “المراقبة الحيوية” أو المراقبة البيومترية، ومع أن الأمر لا يعتبر غريبا بالكلية من حيث توسع الدول الاستبدادية في استخدام تقنيات التعرف على الوجه وتقنيات التعرف على الصوت، كالصين مثلا، إلا أن البدء في إقرار برامج المراقبات والتتبع الأمني من قبل دول أخرى، والتوسع فيه، بحجة مراقبة الأشخاص المصابين بالعدوى قد يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ المراقبات الأمنية الجماعية، التي ستؤدي حتى إلى رقابة ألصق من أي وقت مضى للشعوب، ما سيعمق من الاستبداد وخنق الحريات، بما في ذلك عبر تخيير الشعوب بين الصحة والحرية.

التداعيات الجيوسياسية للجائحة

كشفت الجائحة مبدئيا عن مدى هشاشة العولمة، حيث تعد سببا كبيرا في الانتشار السريع للمرض من جهة، علاوة على التسبب في تعريض الشركات والدول للصدمات بسبب الربط المباشر والكبير الحادث بين الدول والشركات، ما جعل أيا منهما يتعرض للصدمة التي تؤثر في الآخر، وكذلك اتجاه الدول للانغلاق على نفسها للحد من انتشار المرض، والذي ربما يطول أمده لفترات طويلة، ما يعكس تقويضا لأساس العولمة القائم على جعل العالم كالقرية الواحدة على صُعد مختلفة.

ومع طريقة التعامل مع الأزمة على المستوى العالمي، أصبحت هناك اتجاهات تُنظّر لأثر الجائحة على النظام العالمي برمته، سواء من ناحية استمراريته كنظام، أو من ناحية تأثر مواقع القوى الكبرى المسيطرة عليه، وتبني تلك الاتجاهات تنظيرها على رؤيتها لواقع الأزمة من جهة، وعلى رؤيتها من خلال تداعيات لجوائح أو أزمات كبرى مشابهة تاريخيا من جهة أخرى. حيث يتخوف عدد من الخبراء الأمريكيين من تراجع الدور الأمريكي بشكل ملحوظ في ظل غياب سياسة واضحة للتعامل مع الأزمة من جهة، وفي ظل عدم إدراك ترامب لجوانب الأزمة من جهة ثانية، وكذلك لتراجع الإدارة الأمريكية عن التصدر لمساعدة دول أخرى لصالح دور صيني حالي يحاول سد هذه الفجوة، من جهة ثالثة.

وفيما يتعلق بالنظام العالمي ككل، يدرك العديد من المسؤولين السياسيين الدوليين أهمية الاستجابة الدولية القوية للأزمة، حتى تخرج “الحوكمة الدولية” قوية من الأزمة، وإلا فسيكون مصيرها الضعف.

خاتمة

تتسارع وتيرة التداعيات المترتبة على تفشي فيروس كورونا المستجد، وبخاصة مع عدم وجود إشارة لانتهاء الجائحة على المدى القريب، بل على العكس، يتوقع زيادة تفشي الوباء عالميا في ظل غياب مستلزمات الوقاية، فضلا عن النقص الحاد في مستلزمات علاج الحالات المصابة، مع استحالة تطبيق العزل الكامل لأغلب سكان العالم. ومن أخطر التداعيات التي تثير مخاوف في العديد من البلدان حالات الغضب الشعبي التي يمكن أن تنشأ نتيجة التردي الشديد في الحالة الاقتصادية، وسوء إدارة الحكومات للأزمة، مع التغيرات الكبيرة التي قد تحدث في الخريطة الجيوسياسية العالمية، وفي النظام العالمي برمته.

الكاتب: د. هشام كمال

كلمة حق

تقارير ومقالات يتم إعادة نشرها من مجلة كلمة حق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى