السودان المنسي.. من الخطر أن يُنسى!!

مع مرور الشهور واستمرار الحرب، يسيطر الخوف من أن يُكتب السودان باستهتار كقضية مهملة، وأن تُختزل الجرائم الهائلة المرتكبة ضد شعبه إلى.. مجرد ضوضاء في الخلفية.

مقال لافت ومؤثر كتبته “نسرين مالك” وهي كاتبة عمود في صحيفة الجارديان البريطانية بعنوان: (تجاهلنا للسودان يشكّل خطرًا علينا.. هذه الحملة من القتل الجماعي والاغتصاب ستؤدي إلى عواقب عالمية).

في هذا المقال، تعرض الكاتبة لمحة شاملة عن أزمة السودان الممزقة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، مركزةً على خلفية الأحداث التي أدت إلى انقسام البلاد، خاصةً بعد الانفصال العنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي كانت فيما مضى حليفًا للجيش، لكنها تحولت إلى جهة فاعلة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

يبدأ المقال بتسليط الضوء على الوضع المأساوي الذي يعاني منه السودان، إذ يعيش شعبه في حالة من الفوضى المطلقة والمجاعة والإبادة الجماعية، تتوالى الانتهاكات والجرائم في ظل صراع داخلي لم يعرفه السودان من قبل، ما بين نزوح الملايين داخل وخارج البلاد، وانتشار المجاعة التي تضرب مئات الآلاف، إلى جانب العنف الجنسي الذي يصل إلى مستويات “مذهلة” حسب ما ذكرت الأمم المتحدة.

يربط المقال بين المعاناة المحلية والتداعيات العالمية، مشيرًا إلى دور الجهات الخارجية في تغذية هذا الصراع من خلال تزويد قوات الدعم السريع بأسلحة متطورة وأدوات حربية متقدمة، وهو ما يعد صبًا للزيت في نيران حرب لا يراد لها أن تتوقف.

كما تُبرز الكاتبة كيف أن السياسات الدولية، رغم إداناتها المتقطعة والعقوبات المفروضة على زعيم قوات الدعم السريع، لم تُسفر عن تغيير جذري في مسار النزاع، مما يجعل الأزمة السودانية محور قلق عالمي نظرًا لاحتمال تأثيرها على استقرار المنطقة بأسرها وانتشار العنف عبر الحدود.

يربط المقال بين الأحداث الميدانية في السودان والمشهد العالمي الأوسع، حيث يُحذّر من تجاهل الأزمة السودانية على حساب الوقوع في مصيدة مدى تأثيرها في المشهد العالمي، فالإهمال أو التقاعس الدولي في مواجهة هذه الجرائم سيُفضي إلى تفاقم الأزمة وتحويلها إلى حالة مزمنة من الفوضى والعنف، ما ينذر بعواقب لا يمكن احتواؤها على المستوى الإقليمي والعالمي.

في النهاية، يؤكد المقال أن استمرار الصراع وعدم تدخل المجتمع الدولي بجدية سيؤدي إلى تكرار مآسي الماضي، وزيادة معاناة الشعب السوداني، مع احتمال أن تصبح السودان مختبرًا للتجارب المسلحة التي تنعكس سلبًا على الأمن والاستقرار العالمي، ورغم فرض الولايات المتحدة عقوبات على زعيم قوات الدعم السريع ومحاولات الضغط الدولي، إلا أن هذه الإجراءات تبقى رمزية إلى حد بعيد، حيث لم تنجح في كسر الحلقة المفرغة للصراع بسبب الدعم الخارجي المستمر للطرفين.

ترجمة المقال

مقال: تجاهلنا للسودان يشكّل خطرًا علينا.. هذه الحملة من القتل الجماعي والاغتصاب ستؤدي إلى عواقب عالمية.

“بعد ما يقرب من عامين من الحرب، يواجه السودان حالة من الفوضى، والمجاعة، والإبادة الجماعية، بالإضافة إلى موقف متردد من بقية العالم.

حرب السودان، التي بدأت في أبريل 2023، تقترب من عامها الثاني، لكن اللافت أن الشعور الغالب بين السودانيين، وحتى بعض المراقبين الخارجيين، أنهم ما زالوا لا يستطيعون تصديق أن هذا يحدث.

منذ الانشقاق الكارثي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي الميليشيا التي كانت شريكًا سابقًا للجيش في السلطة، أصبح من الصعب استيعاب السرعة التي انهارت بها البلاد، والأزمات المتداخلة التي تسبب فيها هذا الصراع، ملايين السودانيين نازحون، سواء داخل البلاد أو خارجها، والمجاعة تضرب مئات الآلاف.

وفقًا للأمم المتحدة، فإن العنف الجنسي يحدث على نطاق “مذهل”، ففي المناطق التي يُقال إن جنود قوات الدعم السريع يعتدون فيها على النساء والفتيات، لجأت بعض الضحايا إلى الانتحار، ويفكر البعض الآخر إن اقتربت قوات الدعم السريع من أماكنهم أن يعجلوا بالانتحار، ففي منطقة من ولاية الجزيرة، أخبرتني شابة أنهم عندما سمعوا أن قوات الدعم السريع كانت تقترب منهم، عقدت هي وأقاربها من النساء اتفاقية انتحار جماعية!!

نشأت قوات الدعم السريع في غرب البلاد، من بقايا الميليشيات العربية المنظمة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالتعاون مع الحكومة، وقمعت بوحشية ثورات القبائل الأفريقية المهمشة، وتعيد الجماعة الآن تكرار حرب الإثنيات التي اعتبرتها المحكمة الجنائية الدولية آنذاك إبادة جماعية، إذ تستهدف الضحايا بناءً على عرقهم، وتقتل الآلاف من المجتمعات غير العربية، وتحرق البُنى التحتية، وتدفع مئات الآلاف من الناجين إلى تشاد لانتزاع أراضيهم ومنع عودتهم.

على خلفية جرائم الأشهر الماضية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على زعيم قوات الدعم السريع، “محمد حمدان دقلو”، المعروف باسم “حميدتي”، كما فرضت عقوبات على شركات مملوكة لهذه القوات في الإمارات العربية المتحدة بسبب تزويدها بالأسلحة، وأعلنت رسميًا وقوع إبادة جماعية، هذه الإجراءات مرحب بها ولها أهمية من حيث الاعتراف بالجرائم المرتكبة والحد من قدرة قوات الدعم السريع على تبييض سجلها وتصوير نفسها كلاعب سياسي ذي مصداقية، لكن مثل هذه الإجراءات تُظهر منهجًا قديمًا من قِبل القوى الأجنبية تجاه السودان، منهجًا يشير إلى “الاهتمام” دون “الانخراط الفعّال” بطريقة يمكن أن تنقذ الأرواح، وكان توقيت هذا الإعلان، من جانب إدارة أمريكية سترحل بعد أشهر قليلة، يوحي بنقل المسؤولية إلى إدارة ترامب المقبلة بدلاً من وضع خطط عملية وضغوط فعلية على الأطراف المتحاربة.

لا يمكن أن تستمر حرب في بلد فقير مثل السودان بهذه الشدة مستندة فقط على أسلحة وموارد اللاعبين المحليين، فالحروب في مثل هذه البلدان تستمر بلا نهاية لأن أطرافًا خارجية تمولها بينما يغض البعض الآخر الطرف، فالإمارات هي اللاعب الأكبر المنفرد في حرب السودان، وهي تتبع نمطًا في لعب دور صانع القرارات في حروب أفريقيا، فهي تقوم بالمخاطرة حين تراهن على انتصار شريكها المختار، وعندها ستُمنح الوصول إلى موارد هائلة وقوة جيوسياسية.

ولهذا الغرض، تقوم الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة قوية وطائرات بدون طيار، وحتى بالمساعدة الطبية لمقاتليها، كما أصبحت المستحوذ الرئيسي على “ذهب الدم” الذي يتم تهريبه من قبل الجيش وقوات الدعم السريع مقابل أسلحة ونقود، الإمارات تضمن فعليًا تمويل استمرار الصراع بينما تستفيد من الأسعار المخفضة التي تدفعها لسلعة يصل سعرها إلى مستويات قياسية، وفي الوقت نفسه، يُستخرج أغلى أصول الشعب السوداني من تحت أقدامهم ويُنقل جوًا فوق رؤوسهم إلى بلاد أخرى، ثم يُبادل بأسلحة تُستخدم لإسقاط المزيد من الألم عليهم وهم يتضورون جوعًا.

على الرغم من الدور الواسع الذي تلعبه الدولة الخليجية في الحرب، فقد تم الدفاع عنها علنًا من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، ولم تُعلن أنها توقفت عن تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة إلا بعد حملة إعلامية، وضغط من النشطاء السودانيين، واهتمام في مجلس الشيوخ الأمريكي، وإن فرض عقوبات على زعيم الجماعة، دون استهداف كفيله، ربما لن يكون له تأثير كبير في إجبار الإمارات على قطع علاقاتها مع قوات الدعم السريع، التي استثمرت فيها بشكل كبير، والتي حتى الآن لم تسفر عن أي عواقب أو توبيخ.

الحرب في السودان

لقد انقسمت عاصمة السودان إلى قسمين، حيث تخضع مناطق مختلفة لسيطرة الجيش، وقوات الدعم السريع، وقد أصبحت “بورتسودان”، المدينة الواقعة على البحر الأحمر، قاعدة للسلطة العسكرية المتبقية التي لا تزال تمتلك القدرة على إصدار التأشيرات، واستضافة البعثات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية، وإدارة الرحلات الجوية والبضائع الواردة إلى البلاد، وبخلاف ذلك، في أرجاء هذا البلد الواسع، انهار السودان فعليًا إلى حالة من الفوضى وتَجزّأ إلى إقطاعيات، ولن يسوء الوضع أكثر من ذلك، إذ لا يمتلك أي من الطرفين القدرة على سحق الآخر، مدعومين من قبل رعاة خارجيين.

هذا الصراع، الذي يمثل تحديًا بحد ذاته، يحدث في ظل أزمات عالمية متداخلة، الإرهاق من سفك الدماء، والحروب الطويلة المستمرة من أوروبا إلى الشرق الأوسط، يجعل من صراع السودان مجرد كارثة أخرى تفقد تأثيرها، وذلك لأن الموت والجوع والإفلات من العقاب أصبحوا القاعدة، بدأت الصور والحكايات عن أقسى الانتهاكات تفقد تأثيرها مع وصولنا إلى نقطة تَشبّع من المعاناة، يتعامل العالم مع عهد ترامب الثاني، بينما يقوم أسياد التكنولوجيا بتشويه شبكات المعلومات العالمية والتحكم بها بشكل مسيء، ما يجعل من الصعب تسليط الضوء على روايات حول أسوأ أزمة إنسانية في العالم، كما يُعاد رسم الخريطة السياسية للعالم العربي، مع تعرض السودان لتطلعات متنافسة من اللاعبين الأكثر طموحًا في المنطقة.

لكن مهما بدا ما يجري في السودان بعيدًا عن بعض الأزمات الدائمة التي تسترعي انتباه العالم واهتمامه، لا يمكن عزل انهيار السودان عن بقية العالم، فهو من أكبر الدول في إفريقيا، يحده دول أخرى اضطرت، مثل مصر، لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، أو مثل تشاد، تتعرض لمخاطر التدفقات الكبيرة من الأسلحة والمرتزقة على حدودها، وقد تسود بالفعل نظرة استسلامية بأن السودان في طريقه لأن يصبح “صومال أخرى” أو “ليبيا أخرى”، وهذا لا يعني أن الأطراف المتحاربة ستستنزف بعضها البعض في صراع داخلي مغلق لعقد قادم أو أكثر، بل يعني أن البلاد ستتحول إلى مزرعة لاستيلاء العديد من المجموعات المسلحة وطامعي الثروة، مما يزيد المخاطر الجيوسياسية ويضخ الأسلحة في أرض بلا قانون تقع عند تقاطع العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء.ومع مرور الشهور واستمرار الحرب، يسيطر الخوف من أن يُكتب السودان باستهتار كقضية مهملة، وأن تُختزل الجرائم الهائلة المرتكبة ضد شعبه إلى مجرد ضوضاء في الخلفية، مع نوبات نادرة من الإدانة أو اللوم الموجه إلى القوات المتقاتلة نيابة عن القوى العالمية، لكن الثمن سيكون باهظًا جدًا؛ باهظًا ليس فقط بالنسبة للسودانيين، بل بالنسبة لعالم لا يستطيع تحمل نزاع آخر يستمر في استقطاب وكلاء أكثر، وينزف في بركة متزايدة من الموت والتهجير والدمار التي سيكون من المستحيل احتواؤها”.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لم يذكر المقال الجهات الداعمة واهدافها رغم مرور فترة طويلة على الحرب
    نقلت وسائل التواصل مشاهد عن مهجرين ان للامارت ضلع في هذه الحرب بمساندتها لحميدتي
    كما لم يذكر المقال ان ما يجري في السودان وغيرها من بلدان الشرق الاوسط انما يسير وفق مخططات برنارد لويس التي وافق عليها الكونغرس الاميركي قبل ٥٠ سنة تقريبا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى