ثورة الذكاء الاصطناعي الـ AI نعمة أم نقمة

عندما تنظر للوضع الحالي لمجتمع التقنيين وترى ترقبهم وملامح الرعب البادية على نظراتهم أمام الثورة الحادثة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الأشهر القليلة الماضية ستشعر أن الأمر قد يكون مختلفًا هذه المرة عن التطورات السابقة للآلات، بل إنه قد يُهَيَّأَ لك أننا على بعد أنفاس قليلة من عصر تحكم الذكاء الاصطناعي في العالم.

وقد تباينت وجهات النظر حول أثر انتشار الذكاء الاصطناعي على العالم، فهناك من ينظرون إلى الوضع نظرة سوداوية قليلًا، وأن الذكاء الاصطناعي ينتشر بسرعة كبيرة كما قال إيلون ماسك؛ إنه لم يتبق الكثير كي نصل إلى الذكاء الاصطناعي الخارق، وهناك من يعتقدون أن الأمر ليس بهذه الخطورة، لذا دعنا ننظر للوضع نظرة موسعة كي تتبين لنا الحقائق بلا تشويش.

 بدايةً دعنا نتفق أن الشكل الذي عهدناه لعالمنا لن يظل كما هو مع تطور الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال الحقيقي هو ما التغير الذي سيحدث بالضبط؟

لكي تتكوَّن في أذهاننا إجابة لذلك يجب علينا فهم أن نظام الذكاء الاصطناعي يعمل على التفكير وتحليل البيانات، لكنه لا يشبه تفكير البشر سواء من ناحية المشاعر والتجاوب معها أو من ناحية كون الآلة لا تدرك جوانب المهمات المطلوبة كاملةً، لذا يتوجب عليك أن تضع المهمات بتوضيح لكل تلك الجوانب. 

كمثال على ذلك، إذا طلبت من الذكاء الاصطناعي تحضير تفاعل معين وكان من أحد جوانب هذا التفاعل أنه يتسبب في حدوث انفجار شديد فيتوجب أن تُتخذ معه إجراءات للأمان، فإذا لم تضف إجراءات الأمان ضمن خطوات المهمة فلن تقوم الآلة بفعلها من تلقاء نفسها، وهكذا دواليك مع كل مهمة تعطيها لنظام الذكاء الاصطناعي يتحتم عليك إضافة جميع الجوانب بالتفصيل الممل.

ومع وجود تلك التعقيدات في طريقة عمل الذكاء الاصطناعي فيمكننا القول إن التغيير الذي سيحدث قد لا يكون بالسرعة التي نتوقعها، ومع ذلك فإن طريقة عمل الذكاء الاصطناعي ليست المتحكم الوحيد في مقدار وشكل التغير الذي سيحدث، ففي عالم رأسمالي كعالمنا لن يكون الغرض الأسمى من القرارات هو مصلحة البشر فقط، خاصةً مع ظهور سلاح الذكاء الاصطناعي على الساحة والذي قد يقوي شوكةَ من يستغله استغلالاً مناسبًا.

في القرون القليلة الماضية وقبل وجود نظام الرأسمالية كان الحكام عادةً ينظرون للآلات على أنها إذا حلت محل البشر ستؤدي لخسائر كبيرة وهو ما يتضح في تصرف الملكة إليزابيث الأولى حينما رفضت إعطاء براءة اختراع لصانع ماكينة الخياطة الآلية لأنها رأت أن الماكينة ستؤدي إلى ارتفاع كبير في معدل البطالة، وتظهر طريقة التفكير تلك أيضًا في جملة أرسطو: “إذا كان لدينا آلات نسج أوتوماتيكية وريشة تعزف بنفسها على قيثارة فلن نحتاج إلى عمال”.

لكن على عكس تلك الفترات ففي وقتنا الحاضر يُرى أنه من مصلحة الشركات استبدال القوة العاملة لديهم بآلات الذكاء الاصطناعي التي ستقلل من حجم المرتبات بشكل رهيب بجانب حجم إنتاجية أكبر بكثير، وقد يكون هذا هو التطبيق الأمثل لِما قاله الاقتصادي في جامعة أوكسفورد دانيال سسكيند: “الآلات لا تمرض، ولا نحتاج لعزلها عن بعضها البعض لحمايتها، ولا تحتاج لراحة من العمل”.

وكمثال على ذلك؛ نُشرت تقارير توضح أن شركة أمازون قد سرحت أكثر من 18 ألف موظف مع استبدالهم بألف روبوت يوميًا وأشارت التقارير أن عدد الآلات المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي في أمازون تخطى نصف مليون آلة.

كل ذلك يوحي بأن المستقبل يخفي تفاصيل سوداوية وأن البشرية ستخوض حربًا ضروسا ضد الفقر والبطالة، إلا أن الأمر يمكن ألا يكون بهذا السوء، فمع أن التوقعات تشير إلى أن الملايين من الوظائف ستختفي، إلا أن الأمر لن يكون ذا جانب واحد، فهذه الثورة التكنولوجية مثلها مثل سابقاتها، فكما قامت كل ثورة بمحو الكثير من الوظائف التي كانت منتشرة بشكل كبير أتاحت في المقابل وظائف وفرصًا أكبر بكثير.

لكي نتأكد من صدق ذلك دعنا نعد إلى آخر ثورة حدثت قبل الثورة الحالية وهي ثورة انتشار الإنترنت، تشير الإحصائيات أن هناك حوالي 3.5 مليون وظيفة لم يعد لها أي أثر، في مقابل حوالي 19 مليون وظيفة جديدة، وهذا يعني أن الوظائف التي تسبب الإنترنت في وجودها تمثل 1 من كل 5 وظائف متاحة.

وكما هو الحال مع ثورة الإنترنت ووفقًا لتقرير صادر من مؤسسة ماكينزي أنه من المتوقع أن يزيد الطلب على الوظائف التي تعتمد على المهارات التواصلية والإبداعية والإدارية مثل المهندسين والمطورين ومحللي البيانات والمديرين ومندوبي المبيعات.

وهذا على عكس الوظائف التي بدأ الذكاء الاصطناعي بأخذ دورها بالفعل مثل السائقين والحرفيين ومدخلي البيانات.

ولكن اختفاء تلك الوظائف لن يكون بين يومٍ وليلة، فوتيرة الأتمتة تختلف من دولة لأخرى، بل من قطاع لآخر في نفس الدولة، فمثلًا وتيرة أتمتة القطاع المالي في أمريكا ستكون أسرع بكثير من نظيرتها في بريطانيا بسبب ارتفاع مستوى الخبرات والتعليم في بريطانيا، وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يحل محلهم بسهولة، وفي القطاع الصناعي الألماني نجد أن قابليته للأتمتة أكبر من نظيره الياباني نظرًا لخبرة العمال اليابانيين في الأعمال اليدوية مقارنةً بالألمان، وليس مستوى تعليم وخبرة الأفراد هو المؤثر الوحيد بل إن اختلاف طبيعة القطاع الواحد عن غيره وتقدم الدولة سيؤثران على سرعة انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيه، فبالنظر إلى دولنا العربية سنجد أننا لن نشهد التحول للذكاء الاصطناعي بشكل سريع، وهو ما يحمل بعض الجوانب الجيدة من حيث إن الأفراد والحكومات سيكون عندهم الوقت الكافي لكي يتأقلموا مع سوق العمل المتغير.

وبغض النظر عن سوق العمل فإن انتشار الذكاء الاصطناعي انتشارًا واسعًا سواء في صورة أنظمة محادثة مثل ChatGPT وخصوصًا نسخة ChatGPT-4 الأحدث منه وبرامج صناعة الصور مثل DALL·E 2 يثير مخاوف الكثيرين من التأثير على إبداع الطلاب والمصممين والكتاب، ونحن الآن نرى بعض الجامعات والمدارس الأوروبية والصحف الذين حظروا استخدام تلك البرامج، لكن لا يمكن أن نكتفي بذلك فقط كي نحكم على الأمر، ففي النهاية تلك النماذج تستخدم ما صنعه الإنسان بالفعل لكي تنشئ ما يشبهه، وهذا قد يساعد الكثيرين في فتح آفاق جديدة لأذهانهم كي يكونوا أكثر إبداعًا، وكما هو الحال مع الإنترنت؛ دومًا ما يتطور الإبداع باستخدام الموارد المتاحة لك لكن بقدرٍ معقول.

دمتم سالمين.

المصادر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى