الإرهاب… فزاعة المصفوفة وحاكمها الخفى
“الحرب على الإرهاب” هي راية مصفوفة النظام العالمي المرفوعة وشعارها. عليها تعقد تحالفاته، ومن أجلها تشن حروبه. وعلى الرغم من ذلك فإنه لا توجد لدى تلك المصفوفة تعريف واضح أو توصيف دقيق لذلك الإرهاب. وغياب التعريف والتوصيف لم ينشأ عن حيرة فكرية، أو عجز معرفي. بل هو مقصود متعمد!.
فوضع تعريف واضح دقيق للإرهاب سيفضح تناقضات المصفوفة العالمية التي تدخلت في العراق وأسقطت نظامه تحت دعوى احتمال وجود أسلحة دمار شامل، ثم جلست تشاهد نظام الأسد خمس سنوات كاملة وهو يستخدم الأسلحة غير المحرمة والمحرمة دولياً لإبادة الشعب السوري!.
والفارق بين الحالة الأولى والثانية هو ادعاء الحرب على الإرهاب!.
ولكى تتضح الصورة أكثر، أقرب مثال واضح موجود جلى هو الوضع في ليبيا، فالصراع في ليبيا دائر بين أغلب فصائل الثورة الليبية المسلحة ومعهم المؤتمر الوطني الليبي من جهة، وبين برلمان طبرق ومعه حفتر وبقايا الجيش الليبي، فلما دعت الأمم المتحدة الطرفين لتكوين حكومة وحدة وطنية، جعلت من مهام تلك الحكومة (محاربة الإرهاب) ،ولما كان برلمان طبرق يصنف فصائل الثوار المسلحة على أنها فصائل إرهابية!. فقد طلبت اللجنة الشرعية لعلماء ليبيا -المنحازة للثوار – بوضع تعريف واضح لذلك الإرهاب، ولكن الأمم المتحدة ومبعوثها وجدت ذلك تعنتا لا داعى له!.
والسبب واضح بلا شك، فالمجال يجب أن يترك مفتوحا لتصنيف بعض الفصائل الثورية أو كلها أن لزم الأمر على أنها من الإرهاب الذي يجب محاربته، وذلك طبعاً إن أبت الخضوع لسلطة المصفوفة العالمية ومتابعتها.
ولذلك فالحد الفاصل بين الحركات الثورية والتحررية وبين الإرهاب يجب أن يبقى مائعا غائباً حتى يتم ترويض تلك الحركات وتطويعها بإرهابها بإلصاق تهمة الإرهاب بها !.
المصفوفة إذا ترهب العالم كله بتهمة (الإرهاب)!، لتبقى سيطرتها مبسوطة بلا منازع ولا شريد.
وعليه…فإن حماس منظمة إرهابية وان كانت تقاوم احتلالا، والإخوان المسلمون جماعة إرهابية وان وصلوا للحكم بالآيات التي تعتمدها المصفوفة، بل وان رفعوا شعار السلمية في وجه من يذبحهم!.
وعليه أيضاً…فلا يمكن تصنيف الحكم الانقلابي القاتل في مصر على أنه إرهابي!. ولا يمكن كذلك تصنيف ميلشييات حفتر التي تسعى لاختطاف الحكم في ليبيا بالقوة على أنها إرهابية!.
فمناط الإرهاب ليس هو استخدام القوة ولا الانقلاب على الشرعيات ولا غيره، مناط الأمر هو رياح مصالح المصفوفة العالمية.
فالحرب المزعومة على الإرهاب والتي بدأت فعلياً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 هي في حقيقتها مجرد إلباس ثوب جديد لممارسات قديمة معروفة، في محاولة للتعمية على أهدافها الحقيقية، وتغليفها بقشرة موهمة لشرعية ما.
فالحروب التي كانت تشن سابقاً في إطار تنافس المصالح بين قطبي النظام العالمي، مثل الحرب الأمريكية على فيتنام أو الحرب السوفيتية على أفغانستان لم تعد مستساغة في ظل مصفوفة أحادية القطب، ولذلك فيجب أن يكون هناك مسوغ جديد لتمرير تلك الحروب المحققة للمصالح، فكانت (الحرب على الإرهاب )هي المسوغ.
ورغم أني لا اميل إلى تصديق فكرة أن المصفوفة العالمية هي الصانع الخفى لأحداث سبتمبر، ليخرج من خلالها مصطلح (الحرب على الإرهاب) إلى الواقع، إلا أن أحداً لا يستطيع إنكار أن المصفوفة قد استغلت الحدث لتحقيق أهدافها وإخراج ذلك الشعار إلى سطح الأحداث. وعلى نفس النسق فإن المصفوفة العالمية لم تصنع طالبان، ولا القاعدة، ولا حتى تنظيم الدولة، ولا ثورات الربيع العربي. ولكنها تمكنت من خلال اذرعها الأخطبوطية وامكانياتها الهائلة من تسخير الأحداث لصالحها، وجعلها جميعاً تصب في مجرى مصلحتها المندفع نحو أهدافها.
ومن وقتها صار الاتهام بالإرهاب هو وسيلة الضغط الكبرى لتسخير الأنظمة والحركات للبقاء في الحظيرة العالمية مؤدية دورها المرسوم من قبل المصفوفة. فالحركات الانفصالية المسلحة يمكن أن تسمى (حركات تحرر) طالما أن توجهاتها تتوافق مع المصالح العالمية، وغيرها في بلدان أخرى توصم بالإرهاب ،لا لأجل ممارسات معينة، فقد تكون غير مسلحة من الأصل، ولكن توجهاتها لا تتوافق مع مصالح المصفوفة العالمية.
والأنظمة القمعية الدكتاتورية يمكن تفهم ممارساتها وتحملها طالما أنها داخل الحظيرة، فإن حاولت العبث كان رصيدها من القمع والتنكيل موثقا جاهزاً لوصمها بالإرهاب وبدء شن الحرب المقدسة عليها.
أما لو تواجد نظام حر يسعى لتحرير شعبه من ربقة العبودية، فلتلصق به إذا كل تهم الإرهاب ليتم التخلص منه قبل أن يتمكن من الخروج من الحظيرة.
وعلى ذلك فقد شهدنا الدعم العالمي لحركات الانفصال في جنوب السودان حتى قامت دولتهم، وشهدنا تغافل المصفوفة عن التدخل العسكري الإيراني في سوريا واليمن بلا اتهام بالإرهاب. بل إننا ما زلنا نشاهد دول العالم وهى تسمح لحزب العمال الكردستاني (pkk) والذي أعلن مسئوليته عن سلسة التفجيرات الأخيرة قي تركيا والتي قتلت العديد من المدنيين بممارسة أنشطته على أرضها علنا بلا نكير!!!.
ولكن…يبدوا أن المصفوفة العالمية ترى أن النظام التركي القائم يحتاج إلى بعض التهذيب !.
و على النقيض فها هو اتهام المصفوفة للكيانات المجاهدة التي وقفت في وجه التدخل الإيراني والنظام ألدموي في سوريا بالإرهاب، رغم أنها تقاتل من أجل دفع صولة الصائلين المجرمين.
ولكن الواقع هو انه لا ضابط ولا رابط ولا حد ولا توصيف ولا ممارسات يمكن الاعتماد عليها في معرفة كون كيان ما أو نظام ما أو فرد ما إرهابيا من عدمه. فقط هي مصلحة المصفوفة وتوجهاتها ورغباتها.
وهكذا صار (الإرهاب بالحرب على الإرهاب) هو عصا المصفوفة التي ترد به من يحاول الخروج من حظيرتها أو تقتله ضربا !.
وليس العجب في تبنى النظام العالمي لتلك الفكرة وترسيخها من أجل مصلحته وأهدافه، ولكن العجب كل العجب في تصديق الأمم المقهورة للأمر وسيرها في مضمار الفكرة. حتى أولئك الذين كان يتوقع منهم قيادة شعوبهم نحو الخلاص ، سقطوا في الفخ !!!.
فاصبحنا نرى من المسلمين من يخشى الحديث عن ذروة سنام الدين خشية أن تلتصق به تهمة الإرهاب، ومنهم من يخشى أن يدفع الصائل عن نفسه حتى لا يعطى الفرصة للمصفوفة بتصنيفه إرهابيا، مع أن مصفوفة النظام العالمي ذاتها تتحدث بلا حرج عن التدخل العسكري والحسم بالقوة بلا خجل، ومع أن الصائل ذاته الذي يتجنبون مدافعته بما يجب يستخدم أفظع وسائل الإرهاب من قتل واعتقال وتعذيب للوصول لمأربه تحت سمع وبصر النظام العالمي بلا نكير لإرهابه.
طبيعي جداً أن تحاول المصفوفة العالمية بقوتها وجبروتها أن تفرض مفاهيمها على عقولنا ولكن غير الطبيعي أن تستسلم عقولنا، وتخضع مفاهيمنا لسيطرة عدونا الجلاد.
طبيعي جداً أن تحاول المصفوفة وصم كل محاولة لمقاومة نهجها بالإرهاب والتطرف، ولكن غير الطبيعي أن يصدق أبناء جلدتنا ذلك.
بل تعريف “الإرهابي” هو من يخرج على النظام العالمي الجديد الذي يتحكم بواقع العالم. ولأن إيران لم تخرج عليه، لم توصم بالإرهاب. كذلك فالإسلامي هو من لا يشرب ولا يزني حتى لو لم يحكم بالشريعة كإردوغان.
بالطبع الإرهابي هو من يخرج على النظام أيًا كان، حتى لو كان ملحدًا، فليس شرطًا أن تكون الحروب فقط عقدية، بل يمكنها أن تكون حرب مصالح بالمقام الأول، لكننا كمسلمون تكون الحرب ضدنا حرب عقدية كما أنها حرب مصالح.
أما تحكيم الشريعة: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ” [النساء: 65]
وآيات سورة المائدة “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم”…