ملخص كتاب الديموغرافيا والأمن القومي.. كتاب صهيوني جديد
لا تُبنى الأمم وتستمر في البقاء والنمو والازدهار بالأمنيات ولا بالعزائم الواهنة، ولا الشباب اللاعب، ولا بالمجتمعات التي لا تعرف أولوياتها وواجبات وقتها.. لا، وإنما الأمم تبنى بالجد والاجتهاد، ومصابرة الأهوال، والصبر على تقلب الأحوال، والثبات في جميع الأوقات. ولا يتأتّى ذلك كله إلا بالعلم والعمل المتسلحين بالإيمان الصادق بالمعتقد الذي يعتقده أبناؤها.
والكيان الصهيوني نتاج جهود رجال حفروا في الصخر وواجهوا المستحيل وخاضوا غمار مغامرة كبرى لم يتوقع أحد نجاحها؛ واستطاعوا أن يزرعوا كيانًا غريبًا بقلة من الرجال والعتاد بين عشرات الملايين ينتمون لأمة تمتلك كل شيء؛ لكنها افتقدت الإيمان والعزيمة ووحدة الهدف. إنه الإيمان بالفكرة والعلم والعمل على بصيرة ببدايات الأمور وتبصر لنهاياتها هو الذي أوصلهم لما هم فيه الآن. لقد صارت لهم دولة يطمحون أن تكون المرفأ الذي ترسو عليه سفينة كل يهودي في العالم، والمأرِز الذي تأرِز إليه كل ثعابين وحَيّات اليهود الصهاينة في العالم.
إن المتابع لنشوء ونمو وتطور الكيان الصهيوني يستفيد دروسًا كل يوم في كيفية إنشاء أمة ودولة، وإحياء لغة من العدم. ومن أهم تلك الدروس أن سنن الله لا تمتنع عن مجتهد ولا تتخلف، فعطاء الله لم يُحظر يومًا عن آخذ بالأسباب فردًا كان أو جماعة: {كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]
وتُعَدّ مراكز الأبحاث والتفكير في الكيان الصهيوني آية من الآيات التي يغفل عنها غالب العرب المسلمين وعن دورها في إسناد الكيان، وإمداده بالرؤى المستقبلية، والدراسات الميدانية، والأفكار السياسية التي تُمهد لصانع القرار ومُنفّذِه الطريق لبناء استراتيجيات وسياسات وتبني مشروعات وابتناء أدوات تُمكّن هذا الكيان من النمو والاستمرار.
وليس هذا من فراغ، ولكن لأن تلك المراكز ينضوي تحت رايتها خبراء واستراتيجيون وباحثون وصحفيون يتمتعون بفكر خلّاق ومتجدد. يُنتجون أفكارًا وأبحاثًا ورؤىً وتبصراتٍ واستشرافاتٍ تستهدف النخبة السياسية والرأي العام داخل مجتمعاتهم. كما تستهدف الدوائر الإقليمية والدبلوماسية والإعلامية وأصحاب الشأن في قارتنا العربية، ونخب السياسة الإقليمية والدولية الذين لهم التأثير في السياسات الخارجية.
ومعهد دراسات الأمن القومي (INSS) في جامعة تل أبيب في الكيان الصهيوني، هو مركز بحثي مرموق هدفه القيام بالصياغة والمساعدة في تنفيذ سياسات الأمن القومي التي تضمن ازدهار الكيان ووجوده بروح إعلان الاستقلال وقيمه كما يُعرّف بنفسه على صفحته الرئيسية.
وقد أصدر هذا المركز كتابًا باللغة الإنجليزية في 276 صفحة عن علاقة الديموغرافيا بالأمن القومي، مكوّن من: مقدمة وثلاثة عشر فصلًا. تناولت المقدمة (العلاقة بين الديموغرافيا والأمن) “The Demography-Security Nexus”، وكتبها كوبي مايكل1، وأوري ويرتمان2 عن تأثيرات الديموغرافيا على قضايا الأمن القومي، وحاولا تقديم إطار نظري منظم يمكنه تفسير تفاعلات الديموغرافيا وتأثيراتها المتبادلة وربط التفسيرات المختلفة المقدمة في الأبحاث التي تضمنها الكتاب بهذا الإطار النظري.
أزمة الديمغرافيا في الكيان
وبداية؛ وقبل الشروع في عرض الكتاب3، يجب التأكيد على أن الكيان يعاني من أزمة رهيبة فيما يتعلق بالمسألة الديموغرافية تهدد وجوده وأمنه القومي. فقد عاش مؤسسو الكيان على حلم وهدف خلق أكثرية يهودية في فلسطين ولم يفلح في ذلك حتى كتابة هذه السطور، فكيف الحال والنازحون من الكيان بمئات الألوف ومن يستعدون للنزوح والعودة إلى حيث جاءوا أكثر. وقد غيض معين الهجرة، وكل محاولات اختراع هويات يهودية التي عملوا عليها لسنين خلت تبخرت في الهواء بفضل غزوة طوفان الأقصى.
فكيف إذًا ستحقق دولة الكيان الصهيونية النقية في ظل الخلل الذي زاد في التوازن بين قطاع المستعمرين وأهل البلد الأصلاء الذين تفوقوا عليهم في العدد وهزموهم في عقر المناطق التي يحتلونها، معضلة ليس لها من حل إلا طرد كل أهل فلسطين وأنّى لهم ذلك اليوم؟
لذلك جاء إصدار المركز لكتاب “الديموغرافيا والأمن القومي” بهدف تطوير مقاربة إسرائيلية جديدة للعلاقة بينهما، وكيفية الحفاظ على الكيان من الفناء، وتأمين بقائه وفاء بواجب القائمين عليه نحو أمتهم أولا، ونحو الهدف الذي أُنشئ من أجله هذا المركز وغيره من مئات المراكز البحثية في الكيان.
وعودة إلى مقدمة الكتاب، حيث يرى الباحثان أن دولة الكيان حالة نموذجية لدراسة العلاقة بين الديموغرافيا والأمن القومي، فالكيان منذ استيلائه على فلسطين مهدد ديموغرافيًّا من البيئة العربية المحيطة به، ومعرض لتهديدات وجودية مستمرة بسبب ذلك؛ خاصة مع وجود أقلية كبيرة نسبيًا تبلغ حوالي 20٪ جزء من الشعب الفلسطيني. ومن ثم كانت اعتبارات الديموغرافيا مهيمنة وحاسمة في تشكيل الأمن الصهيوني.
لماذا نهتم بالديموغرافيا؟
يقول الباحثان أنه إذا كان الأمن القومي هو «ضمان وجود الأمة وحماية مصالحها الحيوية». والديموغرافيا هي «دراسة التركيبة السكانية والتغيرات في حجمها وتوزيعها وتأثيرها على عمليات صنع السياسات والسياسة»؛ لذا فإن علم الديموغرافيا يعد مدخلًا رئيسيًا لتحليل الاتجاهات المستقبلية لسكان أي دولة، لأنه يوفر إطارًا لتحليل آثار خصائص السكان واتجاهاتهم على الأمن القومي، وتقييم تأثير هذه الاتجاهات على المخاطر المستقبلية التي قد تتعرض لها. علاوة على ذلك، فإن البحث الديموغرافي ضروري لاتخاذ القرارات بشأن كيفية إدارة الأزمات التي تؤثر على الأمن القومي، مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة واسعة النطاق.
أبعاد الديموغرافيا الأربعة والأمن القومي الإسرائيلي
1-البعد الداخلي
وهو يشمل التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب داخل دولة الكيان، والذي يشكل عنصرًا حيويًا في أمنها ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية، حيث تحتاج إلى أغلبية يهودية صلبة للحفاظ على هذه الهوية ووجودها كدولة قومية للشعب اليهودي.
2-بين الأردن والبحر :دولة الكيان والفلسطينيون
يؤكد الباحثان أن الأرقام تُظهر أنه عند أخذ الفلسطينيون الذين يعيشون داخل منطقة السلطة الفلسطينية وقطاع غزة في الاعتبار، فإن الأغلبية اليهودية بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن سوف تختفي في غضون عقد من الزمان. ونظرًا للأعداد المتساوية من اليهود والعرب في كامل منطقة فلسطين الانتدابية (بما فيها الأردن)، فإن الخطر على الكيان سيكمن في غياب الفصل الواضح بين الشعبين، وهنا تصبح القضية الديموغرافية تهديدًا وجوديًا للدولة اليهودية. وهو ما جعل المسألة الديموغرافية أصبحت تشكل جوهر الخطاب السياسي الاستراتيجي حول مستقبل الكيان كدولة قومية ديمقراطية للشعب اليهودي.
3-البعد الإقليمي
يقع الكيان الصهيوني في وسط محيط عربي سكانه في غالبهم معادون له؛ حتى في البلدان التي تعيش في سلام معها. لذلك فإن التنوع الديموغرافي إلى جانب النمو الديموغرافي غير المنضبط؛ كما يشدد المؤلفان، يؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية وأزمات اقتصادية؛ لذلك يريا أنه من الحتمي والضروري التأكيد على متانة العلاقة الخاصة التي تربط الكيان بالولايات المتحدة التي تشكل ركيزة أساسية لأمنها القومي، وأن أي تآكل أو ضرر يلحق بالعلاقة يسبب أضرارًا وطنية هائلة للكيان ومكانته الإقليمية والدولية، وقدرته على التعامل مع التهديدات الأمنية والسياسية.
4-الكيان ويهود الشتات
الكيان هو الدولة القومية الوحيدة للشعب اليهودي، وهو الأمر الذي يعطي القضية الديموغرافية أهمية هائلة في العلاقة بين الكيان ويهود الشتات؛ خاصة اليهود في الولايات المتحدة، الذين يمثلون احتياطيًا ديموغرافيًا واسع النطاق يمكن أن يؤدي بلا شك إلى تغيير في التوازن الديموغرافي داخل الكيان، وبين النهر والبحر لصالح اليهود والنمو الاقتصادي في الكيان، كما حدث في أعقاب هجرة اليهود من الاتحاد السوفييتي السابق خلال التسعينيات؛ وحتى لو بَقَوا في الولايات المتحدة، فإن اليهود هناك يُشكلون ميزة استراتيجية لأمن الكيان؛ لذلك هناك من يُحذّر من أن «المسافة المتزايدة بين المجتمع اليهودي الأمريكي والكيان من ناحية، وتراجع الكيان عن التزامه تجاه الشعب اليهودي في الشتات من ناحية أخرى، يشكل خطرًا على العمق الاستراتيجي الطبيعي له»، ومن ثم فإن دعم ونشاط المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة والعالم يشكلان عنصرًا مهمًا في الأمن القومي للكيان.
الوطن والخارج: التهديد الديموغرافي المتغير الكيان
وتناول البحث الأول في الكتاب بعد المقدمة موضوع (الوطن والخارج: التهديد الديموغرافي المتغير الكيان)، Home and Abroad: The Changing Demographic Threat to Israel، وكتبه أون وينكلر4، الذي حاول دراسة سبب سعي كل حكومة صهيونية إلى زيادة عدد اليهود في إسرائيل إلى أقصى حد؛ والآثار المترتبة على السياسات الديموغرافية الحكومية المختلفة على مستوى معيشة مواطني الكيان؛ وكذلك التهديدات الديموغرافية الخارجية التي يتعرض لها. وبَيّن أن الحركة الصهيونية منذ نشأتها، كانت مصحوبة بشعور «الخوف الديموغرافي»، وحاولت سد الفجوة من خلال الهجرة وتشجيع الخصوبة الأعلى بين اليهود وتحقيق «الانفصال الديموغرافي» عبر اتفاقات أوسلو. ولكنها لم تفلح في تحقيق «انفصال ديموغرافي» عن الفلسطينيين. وحتى الحرب الأهلية في سوريا التي كان من المتوقع أن تخفف من شعور الكيان «بالنقص الديموغرافي» لم تحقق ذلك. لذلك تحول الشعور «بالنقص الديموغرافي» إلى «شهية ديموغرافية»، تُرجمت في مفهوم «النمو قدر الإمكان»؛ ليَخلص إلى أنه حتى بدون ضم كل أو حتى جزء من الضفة الغربية، فإن الكيان يشهد نموًا سكانيًا سريعًا ومطردًا، مما يؤدي إلى زيادة الازدحام وبالتالي انخفاض جودة الحياة لمواطنيه.
ويؤكد الباحث أنه بالإضافة إلى «الخطر الديموغرافي المحلي» الذي يفرضه النمو السكاني السريع لسكان الكيان، فإن «حل الدولتين» أصبح أبعد من أي وقت مضى مع استمرار النمو السريع للسكان الصهاينة في الضفة الغربية. ثم يطرح في نهاية بحثه عدة أسئلة يترك الإجابة عليها للمستقبل، مثل: ما هي نتيجة العملية الجارية لدمج الكيان مع الضفة الغربية؟ وكيف ستؤثر هذه العملية على مستوى المعيشة فيه؟ وما هي الموارد التي سوف تكون مطلوبة لحماية السكان الصهاينة المتزايدين في الضفة الغربية، وكيف يمكن تحقيق هذا الأمن؟ ومتى وفي أي ظروف سوف يصبح النمو السكاني السريع في الكيان غير قابل للاستمرار؟
خطط السلطة الفلسطينية الاستيطانية
بينما طرح البحث الثاني (خطط السلطة الفلسطينية الاستيطانية وفق نظرية الحملة الديموغرافية وتجلياتها في منطقة إطلاق النار 918)،The Palestinian Authority’s Settlement Effort According to the Demographic Campaign Theory, and its Expression in Firing Zone 918، والذي كتبه آلون مدانس5، نظرية جديدة لتحليل الاستيطان القومي الإثني من منظور لم تتم دراسته بعد، وهو ما أسماه «الحملة الديموغرافية».
وهو يدرس حالة الاستيطان الفلسطيني في منطقة إطلاق النار 918، التي تقع في المنطقة (ج) في تلال الخليل الجنوبية. وتساعد هذه النظرية في فهم كيفية خوض النضالات العرقية والقومية غير العنيفة لتشكيل الحدود المستقبلية، وكيف يحدث الاستيطان الحدودي في المناطق المتنازع عليها، إلى جانب تحليل كفاح السلطة الفلسطينية لتشكيل حدودها المستقبلية من خلال الاستيطان في المنطقة (ج).
وتؤكد الدراسة أنه في الصراعات الحدودية بين الدول والأمم يتم تنفيذ الجهود الديموغرافية بشكل منظم كحملة. فالبناء الفلسطيني الجديد في منطقة إطلاق النار 918 ليس توسعًا فوضويًا غير مخطط له ينبع من الزيادة الطبيعية، بل هو حملة ديموغرافية منظمة ومخطط لها تشنها السلطة الفلسطينية ضد الكيان.
وهذه الحملة الديموغرافية الفلسطينية، كما يقول الباحث، لها خصائص فريدة تهدف إلى تكييفها مع الواقع الجيوسياسي الفريد لهذا الوقت والمكان، مع محاولة تجاوز الحواجز وتعظيم الفرص. وأن الفلسطينيين هم من يملكون اليد العليا في هذه الحملة. وأن الكيان لا يشن حملة مضادة منظمة، وأن مواجهتها تحتاج إلى مجموعة من الإجراءات التقنية والمحلية التي لا تتم إدارتها بشكل متماسك وتفتقر إلى التآزر.
كما يؤكد أن دولة الكيان لديها مصلحة واضحة في هزيمة هذه الحملة؛ انطلاقًا من طموح مستقبلي لضم منطقة إطلاق النار 918، أو من رغبة في الحفاظ على هذه القطعة من الأرض كورقة مساومة في المفاوضات المستقبلية، وفي الوقت نفسه تمكين جيش الدفاع الإسرائيلي من استخدام المنطقة للتدريبات.
ويشدد على أن العجز النظامي الذي يعاني منه الكيان في الحملة الديموغرافية في المنطقة (ج) يتطلب تغييرًا مفاهيميًا. ويقترح حلًا لهذه المشكلة عبر إنشاء إدارة خاصة للتعامل مع هذه القضية، سواء داخل جيش دفاع الكيان أو خارجه. وأنه ربما يحتاج إلى إقرار قوانين لتحييد «انتهاك محكمة العدل العليا» الذي حدده الفلسطينيون، وأن على وزارة الخارجية أن تظهر قدرًا أعظم من الروح القتالية في مواجهة التدخل الأوروبي الصارخ والأحادي الجانب في المنطقة.
النمو السكاني في مصر
وتناول البحث الثالث (النمو السكاني في مصر: التهديدات والاستجابات والفرص)،population Growth in Egypt: Threats, Responses and Opportunities، للباحثين أوفير وينتر6 ويافيت كنيماش7، اللذين أكدا أن الارتفاع المذهل في عدد السكان المصريين كما يمثل فُرَصًا لأرض النيل، ولكن أيضًا يسبب مشاكل معقدة. وناقشا التحديات الديموغرافية الجسيمة التي تواجه مصر، والاستراتيجيات التي تبناها النظام المصري للتعامل معها وأهميتها بالنسبة للكيان، لأن ارتفاع معدل النمو الطبيعي في مصر قد يزيد من المخاطر مثل تسلل اللاجئين، ولكنه يعزز أيضًا مصالح الطرفين في الحفاظ على السلام وتوسيع التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.
وشددا على أن استمرار معدل المواليد الحالي قد يؤدي إلى تعميق الضائقة الاقتصادية التي يعيشها المصريون، وزيادة البطالة والفقر، وتكثيف الضغوط على الخدمات والموارد. وسوف تعمل هذه الظروف على تعزيز التقلبات الاجتماعية والسياسية، وتشجيع الاضطرابات العامة، وفي سيناريوهات معينة قد تعمل حتى على تقويض النظام السياسي. كما أن هذه العملية الديموغرافية لها أيضًا تأثير إقليمي وعالمي، وقد تُشكل مثل هذه الظروف تحديًا للنظام القائم في شبه جزيرة سيناء الذي حددته معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتُثير التوترات السياسية والأمنية بين البلدين.
العمليات الديموغرافية في إسرائيل 1948-2022
وتناول البحث الرابع الذي كتبه ياكوف فايتلسون8 (العمليات الديموغرافية في إسرائيل 1948-2022)،Demographic Processes in Israel 1948-2022، اتجاهات التطور الديموغرافي للسكان في الجانب الغربي من أرض إسرائيل التوراتية بشكل عام ودولة الكيان بشكل خاص، ويُظهر أنه لا يوجد أساس للادعاءات المتعلقة بخطر تحول اليهود تدريجيًا إلى أقلية في الأرض. ويؤكد أن البيانات السكانية أصبحت سلاحاً في الحرب النفسية التي يشنها العرب ضد الكيان.
كما أثبت أن تحليل البيانات الديموغرافية للسنوات 1948-2022 أنه منذ عام 2016م كانت الخصوبة الإجمالية لليهود في الكيان أعلى من تلك لدى العرب، ومن المتوقع أن تزداد نسبة اليهود في سكان أرض الكيان الغربية اعتبارًا من العقد الرابع من القرن الحادي والعشرين. وأنه من المتوقع أن تنخفض نسبة العرب بين إجمالي سكان الكيان من 21.1٪ في عام 2022 إلى 18.4٪ وفقًا للتقدير الأعلى، أو 19.3٪ وفقًا للخيار الوسيط (المكتب المركزي للإحصاء 2018). ومن المتوقع أن تنخفض نسبة العرب في الفئة العمرية 0-4 وفقًا لذلك، من 23.7٪ إلى 14.4٪ (المكتب المركزي للإحصاء 2019).
وطرح ثلاثة عوامل يراها تعزز نجاح المشروع الصهيوني، وهي: الأول: إن إجمالي الخصوبة اليهودية حاليًا أعلى من إجمالي الخصوبة لدى العرب في دولة الكيان، والمسلمين على وجه الخصوص. والثاني: إن معدل الخصوبة الإجمالي لسكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس أعلى من معدل الخصوبة الإجمالي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة. والثالث: أن موجات الهجرة اليهودية ستتكرر على خلفية اندلاع معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في البلدان التي توجد بها مجتمعات يهودية كبيرة وراسخة.
إسرائيل باعتبارها شذوذًا ديموغرافيًّا
وركز البحث الخامس (إسرائيل باعتبارها شذوذًا ديموغرافيًا: بين أوروبا والشرق الأوسط) الذي تَشَارك في كتابته إسحاق ساسون9 وألكسندر وينرب10، على تحليل ديموغرافيا الكيان بالمقارنة بأوروبا والشرق الأوسط. وأكدا على تمتع الكيان بسكان غير متجانسين مع مزيج من متوسط العمر المتوقع المرتفع بشكل خاص، ومعدل الخصوبة الذي يفوق مستوى الإحلال بكثير؛ لذلك يُنظر إليه على أنها شذوذ ديموغرافي مقارنة بالدول الغربية. لأن الكيان يرى نفسه جزءًا من الغرب. في حين يزعم البحث أن مفتاح فهم الملامح الديموغرافية الفريدة للكيان يكمن في تغيير نقطة المرجعية من الغرب إلى الشرق الأوسط. ومن هذا المنظور، فإن الاتجاهات الديموغرافية في الكيان ليست استثنائية على الإطلاق، بل إنها متوقعة إلى حد ما.
الحرب الدائمة: أزمة اللاجئين السوريين
وفي البحث السادس تناول ثلاثة من الباحثين، هم كارميت فالنسي11، إيدن كادوري12، تال أبراهام13، (الحرب الدائمة: أزمة اللاجئين السوريين وعواقبها على الشرق الأوسط)،Perpetual War: The Syrian Refugee Crisis and its Consequences for the Middle East. ناقش هؤلاء الباحثين قضية اللاجئين السوريين من منظور حرب استمرت لأكثر من عقد من الزمان وتداعيات أزمة هؤلاء اللاجئين على البلدان المضيفة، بما في ذلك بيئتها الجيوسياسية. ودعت الدراسة إلى اندماج اللاجئين في البلدان المضيفة، كما ناقشت مسألة عودتهم إلى سوريا وإمكانية إعادة تأهيلهم. وأكدت أن أزمة اللاجئين السوريين لها عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية جسيمة على الشرق الأوسط بما فيه الكيان بالطبع. وأن تلك العواقب السلبية تتطلب إعادة النظر في الاستراتيجية الحالية للتعامل مع الأزمة، وأنه وبدون نهج جديد سيظل اللاجئون السوريون وأطفالهم والأجيال اللاحقة معرّضين للعديد من المخاطر. وهذا الواقع من شأنه أن يُعمّق الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية على المجتمعات المضيفة، الأمر الذي سيدفعها إلى الاستمرار في انتهاج سياسة عدائية تجاه اللاجئين، وهو ما سينتج عنه العديد من العواقب الجيوسياسية التي قد تؤثر على الشرق الأوسط (وما بعده) لسنوات عديدة.
ديناميكيات السكان والعائد الديموغرافي في إسرائيل
وفي البحث السابع، حلل إلياهو بن موشي14، وباربرا س. أوكون15 (ديناميكيات السكان والعائد الديموغرافي في إسرائيل)، Population Dynamics and the Demographic Dividend in Israel، من خلال التركيز على التغييرات في بنية أعمار السكان منذ الخمسينيات حتى اليوم . وأكدا على الدور الحاسم لأنماط الخصوبة في العمليات الديموغرافية طويلة الأجل، مع تحديد التأثير المهم للموجات الكبيرة من الهجرة الدولية التي أدت إلى زيادة كبيرة في عدد السكان الأصليين الصغار في الكيان.
وشرحا كيف أن الانخفاض المستقبلي في معدل الخصوبة المرتفع الحالي، والذي يعد فريدًا من نوعه في الكيان بين المجتمعات المتقدمة، قد يجلب معه التأثير الإيجابي المحتمل لـ «العائد الديموغرافي»، والذي قد يُحسّن بشكل كبير من فرص الكيان في إدارة التحديات المتوقعة لنموها الاقتصادي بنجاح -التحديات الناجمة عن الظروف (الجيوسياسية) وتغيّر المناخ، فضلًا عن الكثافة السكانية المتزايدة، والشيخوخة السكانية والتغيرات في تكوين السكان في سن العمل.
العلاقة التبادلية بين الديموغرافيا والأرض والزمن
وفي البحث الثامن تناولت أفيفا حلميش16 (العلاقة التبادلية بين الديموغرافيا والأرض والزمن في تشكيل السياسة الصهيونية والإسرائيلية: 1897-1951)، Population Dynamics and the Demographic Dividend in Israel، ودرست العلاقة بين ثلاثة متغيرات شكلت السياسة الصهيونية وفي الكيان، وهي: الديموغرافيا؛ في ضوء التفكير المتفائل بشأن العدد المطلق والنسبي لليهود في أرض الكيان، وعدد اليهود في العالم الذين يحتاجون أو يريدون أو يقدرون على الهجرة، والأرض؛ أي حدود الدولة اليهودية؛ والزمن المتاح للصهيونية لخلق أغلبية يهودية في أرض الكيان، وكذلك الزمن المتاح لدولة الكيان لضمان الأغلبية اليهودية على أراضيها.
العلم والسياسة في التخطيط الديموغرافي
وفي البحث التاسع تناول عومري شافر رافيف17 (العلم والسياسة في التخطيط الديموغرافي: مسألة تشجيع الهجرة العربية من الأراضي)،Science and Politics in Demographic Planning: The Question of Encouraging Arab Emigration from the Territories، حيث يستكشف البحث كيف سعى الباحثون في العلوم الاجتماعية إلى تقديم بديل للقيادة الصهيونية في عام 1967م؛ من أجل صياغة سياسة ديموغرافية مختلفة وأكثر ديناميكية يمكن أن تُغيّر التركيبة السكانية دون استخدام تدابير قسرية.
وكيف صاغ هؤلاء الباحثون خطة للتغيير الديموغرافي بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط من شأنها أن تقلل بشكل كبير من عدد العرب الفلسطينيين في الأراضي، وخاصة سكان لاجئي عام 1948م. وكان أحد مبادئ الخطة هو أن أولئك الذين لم يكونوا في الضفة الغربية وقت إجراء التعداد السكاني في سبتمبر/أيلول 1967م لا يمكنهم العودة إليها. وكان المبدأ الثاني هو أن احتياجات التوظيف والتعليم كانت عوامل “الدفع” الرئيسية المتاحة للكيان لتشجيع الهجرة العربية. وكان المبدأ الثالث هو أن الحكومة يجب أن تحافظ على السرية فيما يتصل بأي سياسة لتشجيع الهجرة، حتى لا تثير معارضة جماهيرية من جانب سكان المناطق. ثم تناول تفاصيل الخطة.
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ومطالبة “حق العودة”.. استخدام الديموغرافيا الفلسطينية
ثم تناول الفصل العاشر (مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ومطالبة “حق العودة”: استخدام الديموغرافيا لمحاربة الدولة اليهودية) وكتبه الباحث آدي شوارتز18،The Palestinian Refugee Problem and the Demand for a “Right of Return:” Using Demography to Fight the Jewish State، والذي يتناول جانباً من جوانب النضال الفلسطيني ضد الكيان، وهو استخدام مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كأداة ديموغرافية للقضاء على الدولة اليهودية. وعرض الباحث الموقف الفلسطيني من قضية اللاجئين خلال المفاوضات التي جرت بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والكيان، وأن هذا الموقف استخدم الديموغرافيا كأداة لمحاربة الكيان، من خلال وثائق داخلية لفريق التفاوض الفلسطيني. لتحويل الكيان من دولة ذات أغلبية يهودية واضحة إلى دولة ذات أغلبية عربية، وبالتالي تحويلها إلى دولة عربية إضافية في الشرق الأوسط. وليخلص في نهاية بحثه إلى أن المطالبة بالعودة ليست إذن مطلبًا إنسانيًّا بريئًا، بل هي أداة إضافية؛ أداة ديموغرافية، في صندوق الأدوات الفلسطيني لنضالهم المستمر منذ مائة عام ضد الكيان.
الافتراضات مقابل الواقع
وجاء البحث الحادي عشر وعنوانه (الافتراضات مقابل الواقع: معالجة التركيبة السكانية في الضفة الغربية في الكيان: 1967-1977)، Proposals Versus Reality: Addressing West Bank Demography Israel 1967-1977، للباحث أوريت ميلر كاتاف19، ليناقش ثلاثة مقترحات قُدمت من قبل وزراء الحكومة الصهيونية بشأن الإدارة الديموغرافية والعسكرية والاقتصادية لأراضي الضفة الغربية إلى الحكومة في العقد الذي أعقب حرب الأيام الستة، ولكن لم يتم تنفيذ أي منها بالكامل. بالإضافة إلى اقتراح رابع من الملك حسين ملك الأردن، الذي اقترح إدارة ضفتي نهر الأردن وسكانهما العرب من خلال إدارة اتحادية تحت رعاية المملكة الأردنية الهاشمية. وقد رُفض اقتراحه بشكل قاطع لأنه كان يهدد الأمن القومي للكيان. وذلك كله من أجل الإجابة على السؤال الرئيسي للبحث، وهو: هل صاغت حكومات الكيان خلال العقد الأول بعد حرب الأيام الستة سياسة بشأن حدود البلاد والسكان الذين سوف تشملهم هذه السياسة؟
وكانت الإجابة هي أن حكومات الكيان لم تُنتج أي خطة لمعالجة البعد الديموغرافي، لأنها كانت مشغولة بأمور استراتيجية وعسكرية. فضلاً عن ذلك، لم تُقدَّم إلى الحكومة أي خطة استشرافية تتعلق بعواقب البعد الديموغرافي في الضفة الغربية. وفي الممارسة العملية، نفّذَت حكومات الكيان أجزاء مختلفة من المقترحات، حسبما أملى الواقع الحاجة. ولم تكن هناك خطة عمل منظمة لمعالجة البعد الديموغرافي، وكان المبدأ الوحيد الذي يوجّه صناع القرار في الكيان هو خلق تواصل إقليمي للمستوطنات اليهودية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، من أجل ضمان خط حدودي مكون من “درع بشري” يهودي مجاور للمستوطنات العربية المحلية.
وليخلص في النهاية إلى أنه في ظل التوقعات الديموغرافية المستقبلية، وفي ضوء الدروس المستفادة من حروب الكيان في الماضي والحاضر، سوف تحتاج دولة الكيان إلى معالجة القضية الديموغرافية الملحة المتمثلة في ملايين الفلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، واتخاذ قرارات حازمة تضمن استقلالها كدولة يهودية وديمقراطية.
الديموغرافيا والاقتصاد في إسرائيل
وفي البحث الثاني عشر (الديموغرافيا والاقتصاد في إسرائيل)، Demographics and Economy in Israel، سعى الباحث تومر فضلون20 دراسة النموذج الصهيوني في السنوات الأخيرة باعتباره نموذجًا فريدًا من نوعه بكل المقاييس، حيث يجمع بين الاقتصاد المتقدم والمتطور مع معدل المواليد المرتفع، وهو أمر غير شائع في العالم الحديث، ولكن وفقًا لمعظم المؤشرات الاقتصادية، فإن استمرار النموذج غير مستدام. ليس فقط من تفرد الظاهرة الصهيونية: دولة تتمتع بمعدل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي للفرد يبلغ 2٪ بينما يبلغ النمو السكاني أيضًا حوالي 2٪ سنويًا، وإنما أيضًا من الظروف الطبيعية للكيان، والتي ستجعل من الصعب جدًا الحفاظ على الإنجازات الاقتصادية في ظل الظروف المتغيرة للكثافة السكانية المتزايدة. كما أن المساحة الصغيرة للكيان جنبًا إلى جنب مع النمو السكاني للمجموعات التي تساهم في الاقتصاد بشكل طفيف، سيجعل من الصعب الاستمرار في تحسين نوعية حياة السكان كل عام، إذا استمرت الاتجاهات الحالية. لذلك يوصي الحكومة الصهيونية بالتركيز على مجالين. الأول: الاستعداد للوضع الحالي حيث سيستمر النمو السكاني الحالي في الأمد القريب، ويتطلب الاستعدادات المناسبة. والثاني: التخطيط لكيفية خفض معدل النمو السكاني من 2% إلى هدف 1% سنويًا، وذلك من أجل التمتع بـ«العائد الديموغرافي» وتجنب السيناريو الذي يثقل فيه النمو السكاني كاهل الاقتصاد ويُضرّ به.
مستقبل الديموغرافيا الإسرائيلية واليهودية
وكان البحث الرابع عشر والأخير للباحث سيرجيو ديلا بيرجولا21، The Future of Israeli and Jewish Demography، عن (مستقبل الديموغرافيا الإسرائيلية واليهودية)، والذي كُتب قبل اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023م، والذي تناول بالتحليل التطورات الديموغرافية الحالية والمتوقعة في دولة الكيان حتى عام 2050م، إلى جانب نظرة واسعة النطاق على الشتات اليهودي. ويفترض الباحث أن السكان الصهاينة ليسوا نظامًا مغلقًا بل يستمدون مواردهم البشرية من المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم ومن سكان الشرق الأوسط. وأن الكيان بدوره، هو مصدر للموارد البشرية وغيرها من الموارد المهمة لهؤلاء السكان. والسؤال المركزي الذي تناوله هو أن التوازن بين اليهود والعرب داخل كيان جيوسياسي من المفترض أن يَفِيَ بشرطين: دولة يهودية، ودولة ديمقراطية -في الفضاء بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. وهناك سؤال آخر فرعي مهم يتعلق بالتوازن الداخلي بين مختلف شرائح السكان اليهود داخل الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك درجة تقاربهم مع الدين والتدين. وسؤال ثالث يتعلق بالعلاقات المتبادلة بين الدولة اليهودية الصهيونية الأساسية والشتات اليهودي في مختلف أنحاء العالم في الأمد البعيد.
واستنادًا إلى البيانات المستمدة من المسوحات السكانية والتنبؤات الديموغرافية، أستكشف عددًا من الآثار المترتبة، والتي ينبغي أن تكون في صميم أي تقييم استراتيجي لدولة إسرائيل في العقود المقبلة، هي:
1-إن فكرة الدولة الواحدة في الشرق الأوسط لشعبين، اليهود والفلسطينيين، في نفس المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، لا يمكن اعتبارها سوى استفزاز فكري لا يمكن تحقيقه. ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الواقع الحالي المتمثل في الاحتلال الصهيوني والإرهاب من قبل الفلسطينيين ليس بديلًا جيدًا، وله تكاليف باهظة على مكانة الكيان الدولية، ومكانته الأساسية بالنسبة للشعب اليهودي. وفي المستقبل، يظهر التحليل الديموغرافي أن كل من يهتم بمكانة الكيان كدولة يهودية وديمقراطية يجب أن يسعى إلى حل يحقق التطلعات الوطنية لكلا الجانبين، مع ضمان الأمن الشخصي والجماعي لجميع السكان في المنطقة.
2-إن التحدي المركزي لليهود خارج الكيان -يهود الشتات- سيكون تعزيز المجتمعات اليهودية القادرة على الحفاظ على المعنى الروحي الفريد والتماسك الاجتماعي والإبداع الثقافي. وهذه ليست مهمة سهلة، حيث تتمتع الأقلية اليهودية اليوم بمجموعة كاملة من الفرص التي توفرها البيئة المنفتحة والمتقبلة، والتي أصبحت قيمها وأنماط حياتها جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات اليهودية.
ويؤكد على أن الارتباط الهادف بين الكيان والشتات اليهودي غير الوطني على مدى الأجيال الماضية أحد أحجار الزاوية للهوية اليهودية. ومع ذلك، يبدو أن الأجيال الشابة تميل إلى التركيز على الجانب الديني لهويتهم اليهودية أكثر من الجانب الوطني، أو على الجانب الفردي أكثر من الجانب الوطني الجماعي؛ طالما أنهم ليسوا من بين أولئك الذين يتخلون عن أي شعور بالهوية اليهودية. كما يؤكد أنه من المفارقات الغريبة أن تحتوي حالة عدم اليقين الناجمة عن الآثار المستمرة والمتزايدة للتحيز المعادي للسامية والمعادي للكيان على إمكانية “إعادة” بعض الهوامش الأكثر بعدًا من الجماعة اليهودية.
من التحليل أعلاه، كما يقول الباحث، من الواضح أن بعض العمليات الديموغرافية التي تجري اليوم لها آثار إشكالية للغاية على مستقبل الكيان والشتات اليهودي، وعلى العلاقات المتبادلة بين الاثنين. هناك حاجة حقيقية لفهم هذه العمليات بشكل أفضل وتعميق فهم آثارها. لذلك من الضروري إنشاء منتدى لمراقبة ومناقشة المبادرات السياسية المحتملة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمليات الديموغرافية وظروفها. قد لا تكون الديموغرافيا قدرًا، لكنها بالتأكيد ضرورية للوجود المستقبلي لدولة الكيان والجماعة اليهودية العالمية.
خاتمة
بعد أكثر من أربعمائة يوم من الحرب المتواصلة على قطاع غزة العزة تتوالى الأسئلة الحيرى داخل الكيان الصهيوني، فكل لحظة تمر تضع بصمتها على نفس وجسد وعقل كل صهيوني غادِر. وتواجه دولة الكيان واحدة من أصعب فتراتها، سواء من حيث مكانتها الدولية أو وضعها الداخلي. ومن الصعب تصور تحسن في هذا الواقع دون اتخاذ قرارات عملية، استجابة لجملة التحديات التي يواجهها.
وتلهث أنفاس الصهاينة حكامًا ومحكومين، سواء الموجودين داخل فلسطين المحتلة أو الموزعين على بلدان العالم المختلفة؛ وفي القلب منهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم ما يقارب نصف اليهود في العالم، للبحث عن رؤى جديدة وطرق غير مسلوكة وخطط مدروسة لتأمين بقاء الكيان واستمراره. وهذا الكتاب واحد من آلاف الكتب والأبحاث والمقالات والمشروعات البحثية التي تحاول ذلك، فماذا عن أمتنا وعن شباب أمتنا الذين يريدون بعثها من جديد؟
تُعلّمنا مراكز البحث في الكيان الصهيوني في كل المراكز الاستعمارية القديمة والجديدة أن مؤشر الاتجاه الصحيح يوجّهه العلم والعلماء لا أدعياء العلم ولا من ينشغلون بالتوافه. والآن أكثر من أي وقت مضى، يحتاج صنّاع القرار في مجال الأمن القومي في قارتنا العربية؛ في الحكومات، وفي كل التجمعات التي نذرت نفسها لبعث جديد للأمة إلى باحثين جادين محترفين يتعمقون في قضايا أمتنا وزماننا ويخرجون بتوصيات قابلة للتنفيذ بناءً على تحليل احترافي وموثوق وهادئ لتوجيه الأمة نحو مستقبل أفضل.
إن القارئ لهذا الكتاب وغيره من الدراسات الصادرة عن هذه المراكز يلاحظ العديد من الملاحظات المهمة:
- أولا: المزج بين الخبرات المختلفة وجمعها في مشروعات مشتركة للخروج بصورة شبه متكاملة عن موضوع البحث.
- ثانيًا: تداخل الأجيال وتمازجها في العملية البحثية، وتبنّي الأجيال المخضرمة للباحثين الجدد واحتضان المراكز البحثية لهم لإعدادهم ليكونوا علماء المستقبل.
- ثالثًا: حجم التخصص الكبير لآلاف من الباحثين في شؤون قارتنا العربية وإجادتهم للغتنا العربية ومتابعتهم الدقيقة لما يُنشر فيها.
- رابعًا: المتابعة الدائمة والسريعة لقضايا أمتهم وأمنها ويرجع ذلك لوجود أرشيفات للمعلومات يتم تحديثها باستمرار ومتاحة للباحثين لإمداد صناع القرار بالمشورة في كل ما يواجههم من تحديات وقضايا.
- خامسًا: كيف يجمعون الباحثين مع بعضهم البعض من داخل الكيان وخارجه في عمليات بحثية مشتركة لمناقشة الوقائع والخيارات السياسية تجاهها وبناء النماذج والتصورات لمواجهتها والتعامل معها.
- سادسًا: إيصال الرسائل لمجتمعنا العربي، فهذا الكتاب المنشور على صفحات هذا المركز وغيره يحتوي رسائل سياسية؛ قبل منهجيته ومعلوماته ونتائجه العلمية، فلا يُنشر على هذه الصفحات إلا ما يفيد في رسم صورة محددة للكيان في عقول قارئي هذه الأبحاث، ولا تُنشر إلا بعد رقابة ذاتية من الباحثين ومن مسؤولي أمنهم القومي لتحديد ما ينشر وما لا ينشر، ومن ثم ما نلاحظه من تضارب في بعض نتائج أبحاث هذا الكتاب حتى لا يصل القارئ لرؤية محددة لكيف يفكر الكيان.
وليس ذلك فحسب هناك ملحوظة أخرى جديرة بالأخذ في الاعتبار والتدبر لمن يقومون على مراكز الأبحاث في أمتنا العربية، هي عدم نشر كافة البيانات الخاصة بالباحثين على الصفحات العامة، وما يُنشر عنهم هو فقط ما يُعرّف بهم ويؤدي الرسالة المطلوبة لدى القارئ، ويتم تغييب البيانات الهامة عن النشر؛ مثل عمل بعضهم في بعض المشروعات البحثية أو الجهات الأمنية أو توليهم بعض المناصب الاستشارية لقيادات الكيان.
وأخيرًا، وليس آخرًا، هذا ملخص فيه من النقص الكثير للكتاب؛ قيامًا بواجب الوقت وبذل المستطاع للبلاغ وإنذار شباب الأمة؛ ليتجهزوا لمهامهم الحالية والمستقبلية، فالكتاب مثله مثل غيره من الدراسات الصادرة عن الكيان الصهيوني يحتاج مراكز بحث تترجمه وتقف على كل صغيرة وكبيرة فيه بالبحث والدرس.
إن الخطب جلل، ومشوارنا نحو البعث الجديد طويل، وليس غير الوقوف على أرض الواقع ومواجهة التحدي الاستعماري ممثلًا في الكيان الصهيوني والعدوان الأمريكي وكل من يعاونهم خيارًا لكل شاب عربي مسلم يريد لأمته بعثًا جديدًا. يجب أن يؤمن كل شاب يعتنق الإسلام دينًا أن عليه دورًا لا بد يؤديه، وأن يجتهد في أن يسأل نفسه عن قدراته ومؤهلاته وكيف يوظفها لخدمة أمته، وأن الأفعال، وليس الأقوال، هي التي تؤكد هذا الإيمان أو تنفيه.
- البروفيسور كوبي مايكل هو باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي وأستاذ زائر في المركز الدولي للشرطة والأمن بجامعة جنوب ويلز بالمملكة المتحدة. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتور أوري ويرتمان محاضر وزميل باحث في المركز الدولي للشرطة والأمن في جامعة جنوب ويلز بالمملكة المتحدة. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- عرضت دراسات الكتاب حسب ترتيبها على موقع المركز وليس حسب ترتيبها في الكتاب الذي نشره. ↩︎
- البروفيسور أون وينكلر هو رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط والإسلامية في جامعة حيفا. مجالات بحثه الرئيسية هي التاريخ الديموغرافي والاقتصادي للشرق الأوسط الحديث. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- ألون مادانيس محاضر ومستشار في قضايا الأمن، حاصل على درجة البكالوريوس في القانون ودرجة الماجستير في العلوم الاجتماعية. يحمل رتبة عقيد (احتياط)، وفي آخر مناصبه في جيش الدفاع الإسرائيلي كان ضابط عمليات في القيادة المركزية وملحقًا عسكريًا في واشنطن. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتور أوفير وينتر باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي ومحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة تل أبيب. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- متدربة في معهد دراسات الأمن القومي، وطالب ماجستير في قسم اللغة العربية في جامعة بار إيلان، وحاصلة على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في اللغة والأدب العربي. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- حصل ياكوف فايتلسون على درجة الماجستير في الرياضيات من المعهد البوليتكنيكي في كاوناس في ليتوانيا. وهو خبير ديموغرافي متمرس، انغمس في دراسة الديموغرافيا في إسرائيل منذ عام 1986. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- البروفيسور إسحاق ساسون هو أستاذ مشارك في علم الاجتماع بجامعة تل أبيب. حصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع مع تخصص في الديموغرافيا من جامعة تكساس في أوستن. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- البروفيسور ألكسندر وينرب هو مدير الأبحاث في مركز تاوب لدراسات السياسة الاجتماعية في إسرائيل. حتى عام 2019 كان أستاذًا لعلم الاجتماع في جامعة تكساس في أوستن. قبل ذلك كان محاضرًا في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة العبرية في القدس. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتورة كارميت فالنسي باحثة أولى في معهد دراسات الأمن القومي ورئيسة برنامج الساحة الشمالية. وهي متخصصة في شؤون الشرق الأوسط المعاصر والدراسات الاستراتيجية والمفاهيم العسكرية والإرهاب، وقد ظهر عملها في هذه الموضوعات في منشورات أكاديمية ومهنية. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- إيدن كادوري هي مستشارة برلمانية لعضو الكنيست ميراف ميخائيلي. قبل ذلك عملت كمساعدة بحثية في معهد دراسات الأمن القومي. حصلت على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بامتياز من الجامعة المفتوحة ودرجة الماجستير بامتياز في الأمن والدبلوماسية من جامعة تل أبيب. شغلت عدة مناصب بحثية استراتيجية في وحدة النخبة في فيلق الاستخبارات. ↩︎
- تال أبراهام هو مساعد باحث في معهد دراسات الأمن القومي، تم تسريحه من الجيش برتبة ملازم بعد أن خدم كضابط في عدة مناصب في مديرية الاستخبارات العسكرية. ↩︎
- قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، دراسات الديموغرافيا، الجامعة العبرية. ↩︎
- قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، دراسات الديموغرافيا، الجامعة العبرية. ↩︎
- أفيفا حلميش أستاذة فخرية في قسم التاريخ والفلسفة والدراسات اليهودية في الجامعة المفتوحة في إسرائيل. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- عمري شافر رافيف مؤرخ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتور آدي شوارتز هو زميل ما بعد الدكتوراه في معهد عزرائيل للدراسات الإسرائيلية في معهد بن جوريون لدراسة إسرائيل والصهيونية، جامعة بن جوريون. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتورة أوريت ميلر كاتاف محاضرة وباحثة في دراسات الشرق الأوسط والسياسة الإسرائيلية في جامعة أرييل. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- الدكتور تومر فضلون هو زميل باحث في برنامج الاقتصاد والأمن القومي ومركز سياسة إسرائيل والصين – مؤسسة ديان وجيلفورد جلازر في معهد دراسات الأمن القومي. للمزيد: انظر تعريف الكاتب ضمن صفحة البحث الأصلي. ↩︎
- سيرجيو ديلا بيرجولا أستاذ فخري ورئيس سابق لمعهد أبراهام هارمان لليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس. وهو ديموغرافي وإحصائي وخبير في ديموغرافيا المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم. ↩︎