الثورة والجهاد!

الثورة بمعناها المجرد عبارة عن وعاء فارغ یمكن أن یُملأ بالحسن، ویمكن أن یُملأ بالقبیح، فیمكن أن یقوم الناس بثورة لأجل باطل، كما یمكن أن یثوروا لأجل حق، یمكن أن تكونالثورة جهادا ویمكن أن تكون فسادا، یحدد ذلك غایة الثورة وقیمها التي تعلیها، شأنها شأن كل كلمة لغویة تحتمل الخیر وتحتمل الشر، مثل كلمة (الغزو) هي كلمة لغویة یمكن أن یكون فاعلها مجاهدا ویمكن أن یكون فاعلها مفسدا، فإن الذین ( یغزون ) لتكون كلمة لله هي العلیا یكون ( غزوهم ) جهادا، وأما الذین ( یغزون ) لیصدوا عن سبیل لله فإن ( غزوهم ) كفر وفساد.

وكذلك لفظ ( الثورة ) كما شرحنا معناه ، لو افترضنا أن هناك طلیعة ثوریة أخذت على عاتقها مهمة التغییر الجذري وعملت من خارج المنظومة وواجهتها مواجهة حقیقیة على كل المستویات مصدرة لتحركاتها أهداف رسالة الإسلام المكتملة وقیمه الشاملة التي جاءت بحفظ الدین والنفس والمال والعقل والعرض بأسلوب یعقله الناس ویفهمونه فوصفها الشرعي أنها ( جهاد ) بدایة من نشر الوعي وحتى أكثر لحظات المواجهة التهابا.

والسلوك الذي سلكه المسلمون الأوائل بقیادة رسول لله محمد صلى الله عليه وسلم تجاه منظومة الجاهلیة الحاكمة لحیاة الناس وتصوراتهم ومعتقداتهم هو بالتوصیف السیاسي الحدیث : سلوك ثوري بامتیاز ! وهذا لایُضاد اسمه الشرعي بأنه ( جهاد في سبیل لله).

أما كون كلمة (الثورة) – الیوم – أصبحت مرتبطة بمعان أخرى لا علاقة لها بأصل الكلمة لا لغویا ولا سیاسیا، (كربط الثورة بالسلمیة المطلقة واللا عنف، وربطها بضرورة إقصاء الدین، وربطها بالسلوك الدیمقراطي) فهذا في رأیي متعمد، والسبب ببساطة هو أن (الثورة) كلمة تحمل دلالات جیدة في أذهان الشعوب ، بل حتى في أدبیات الغرب وأحادیثهم هم یعتبرون أن الثورات حق خالص للشعوب ولا یستطیعون ذمها، وقد طفحت الكتب بمدحها، وبالتالي فهم أمام معضلة ! كیف سیذمون إذن من سیثور ضدهم وضد نظامهم العالمي وعملائهم في الداخل، ألیست الثورة حق للشعوب كما یقولون! وبسبب هذه المعضلة أصبحوا یحرفون معنى الكلمة ویغیرون دلالتها لترتبط تدلیسا بمعان لاعلاقة لها بالكلمة الأصلیة بل قد تضادها أصلا، حتى یصبح من یسیر في فلكهم هو الثوري، بینما الثوري الحقیقي الذي یواجه مصالحهم یصبح متطرفا إرهابیا مخربا.. الخ.

ربط الثورة بالاستسلام للقتل ورفع شعارات السلمیة المطلقة واللاعنف الدائم وربطها بالدیمقراطیة هو ربط مضحك لا علاقة له بالواقع ولا بالتاریخ ولا بتعریف الثورة أصلا، فالثورة بالأساس كلمة منذ ولادتها ارتبطت ارتباطا وثیقا بحروب العصابات أو بالعنف الجماهیري، وهي سلوك انقلابي خشن یتخلله قطعا العنف تجاه المثار ضدهم ویصاحبه نشر للفكرة والرؤیة واستهداف عمیق للوعي الجماهیري مع إرادة التغییر الجذري، وغیر ذلك لیس بثورة، ومعظم “”الثورات”” التي رفعت شعارات اللا عنف والسلمیة لم تكن إلا ثورات بدعم إمبریالي غربي یصب في مصالح الغرب وهي الثورات التي تسمى “الثورات الملونة”!

والجهاد في اللغة هو بذل الطاقة والوسع، وفي الشرع هو بذل الطاقة والوسع في دفع الباطل وتحصیل الحق، وبهذا یتضح أن “الجهاد” لا یُعارض لفظ الثورة التي شرحناها ولا یناقضها، فالجهاد عنوان كبیر یضم تحته أفعالا كثیرة قد یكون لها أسماء لغویة مختلفة ومتعددة، استعمال هذه الأسماء لا یعارض وصفها الشرعي بأنها جهاد.

فمثلا: لو نظرنا إلى “الجهاد بالسلاح” فسنجد أن الشرع نفسه عبر عنه بألفاظ وتعبیرات لغویة مختلفة مثل: (القتال – الخروج – الغزو – النفیر – الفتح – العِقاب – الزحف – الضرب في سبیل لله – النصر) وكل هذه الألفاظ لا تتعارض مع وصفها بأنها جهاد في سبیل لله.

وكذلك استخدم الصحابة لفظا مثل: (المنابذة) للتعبیر عن جهاد الحكام الجائرين بالسیف وكذلك استخدم الفقهاء قدیما ألفاظ تدل على صور من هذا الجهاد مثل: (دفع الصائل – النكایة). وكذاك الجهاد باللسان .

فقد سمى لله تعالى تبلیغ القرآن ومحاججة الكفار به جهادا فقال : (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِینَ وَجَاھِدْھُمْ بِھِ جِھَادًا كَبِیرًا)، وسماه بأسماء لغویة أخرى: (الدعوة “ادع” – الإبلاغ – الجدال الخ .. ) وبذلك یتضح أن استخدام التعبیرات اللغویة مثل: (المقاومة – الثورة – نشر الوعي) لا ینافي ولا یُعارض التوصیف الشرعي لهذه الأفعال بأنها “جهاد” عند استیفاء الشروط، ونحن نستخدم مثل هذه المصطلحات لكونها دالة لغویا وعرفیا على مقصدنا.

اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية

أحمد سمير

ناشط ومهتم بالشأن الإسلامي والعالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى