وقفات وعبر من تقرير «مسلخ صيدنايا»: حكم التعذيب
أثار تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في شباط / فبراير 2017م تحت عنوان «المسلخ البشري: عمليات لشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسوريا» ضجة كبيرة وغضبًا واستنكارًا واسعا لدى المسلمين السنة على الخصوص.
والحقيقة أن ما يجري في سجن صيدنايا معروف لدى المسلمين منذ سنوات، حتى قبل انطلاق الثورة، وبتفاصيل أكثر عن التعذيب الوحشي البشع والاغتصاب والإعدام وبشهادة الكثير من السجناء.
التعذيب ممارسة ممنهجة في كل البلدان العربية وبعض الفصائل الإسلامية
والحقيقة الأكبر التي قلما يتم الحديث عنها هو أن ما يحصل في معتقلات صيدنايا هو نموذج للتعذيب المُمنهج والقتل الذي يمارس في كل البلدان الإسلامية، وخصوصا البلدان العربية، بدون استثناء، فأتحدى أن يأتيني شخص ببلد عربي واحد لا تُمارس في معتقلاته إهانة وتعذيب وحشي وانتهاك للأعراض!
والذين ينالون القدر الأكبر من التعذيب والتنكيل هم المعتقلين “الإسلاميين”! ودرجة التعذيب والانتهاك للأعراض تختلف حسب درجة التوتر والاضطراب الأمني في البلد، فكلما كان تهديد أكبر لأمن النظام كلما ارتفعت درجة التعذيب والقتل الممنهج. فنظام آل الأسد في سوريا ليس استثناء.
ونُذَكِّر هنا ببعض الأسماء لسجون ومعتقلات “سيئة السمعة” في البلدان العربية: سجن الرزين-الإمارات، سجن رومية–لبنان، سجن جو –البحرين، سجن برج الرومي–تونس، سجن الجويدة-الأردن، سجن العقرب-مصر، سجن القنيطرة ومعتقل تمارة–المغرب، سجن البرواقية–الجزائر، سجن تدمر–سوريا، سجن الكاظمية–العراق الخ! والتعذيب تمارسه حتى غالب الفصائل المقاتلة في ليبيا وثورة الشام! وبعض تفاصيل وطرق التعذيب في معتقلات البلدان العربية المختلفة يمكن لكل فرد الاطلاع عليها بالصوت والصورة على اليوتيوب!
مرض السادية متمكن من نفوس الكثير من المسلمين
والمشكلة هو أن التعذيب ليس سببه العنف والوحشية التي تتصف بها الأنظمة فحسب، بل المشكلة أكبر وأعمق من ذلك، فسببها مرض السادية الذي انتشر في نفسيات وعقليات نسبة كبيرة من المسلمين وأصبح صفة طاغية في مجتمعات المسلمين وأجهزة الدول التي تحكمهم، وهذه الصورة تظهر جليا في العنف اللفظي وأحيانا الجسدي داخل كثير من الأسر، وتظهر أكثر وضوحا في شوارع المدن والقرى في البلدان العربية، حيث لا يمر يوم دون ارتكاب جرائم قتل بشعة علنا أمام المارة دون أدنى ورع أو خوف، وحالات تعذيب خادمات وخدام البيوت متفشية في العالم العربي، وظاهرة السادية تظهر في طريقة التعامل مع المعتقلين أيًّا كانت التهمة الموجهة إليهم، إلا أنه إذا كانت التهمة متعلقة بالإسلام فوحشية التعذيب تصل قمتها!
إذًا المشكلة في مرض السادية الذي تفشى بين المسلمين وفِي أنفسهم، والعلاج من هذا المرض لن يتحقق إلا بالرجوع إلى أحكام الإسلام ومعرفتها والإيمان بها والالتزام بها.
ضبط حالة الغضب أحدُ طرق علاج مرض السادية
ومن الأحكام التي تقي المسلم من ارتكاب جرائم ومنها التعذيب، هو ضبط حالة الغضب، فقد قال رسول الله: “عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ”(مسند احمد)، وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ”(سنن أبي داود)، وقال رَسُول اللَّهِ: “لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”(صحيح البخاري). وقال اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)}(الشورى)، وَقَوْله سبحانه: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}(آل عمران).
والحل في الالتزام بأحكام الإسلام التي تُحرِّم التعذيب
تطرق الفقهاء قديما لمسألة “التعذيب” أو بالأحرى الضرب، ويمكن اختصار أهم ما قيل في هذا الشأن أن بعض الفقهاء جَوَّزوا ضرب المتهم حسب ما يُعرف عن سيرته. يقول ابن قيم الجوزية: [يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فإلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ. … وَيَسُوغُ ضَرْبُ الفاجر مِنْ الْمُتَّهَمِينَ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ، فِي قِصَّةِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: هَلْ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي، أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ لَا يُسَوَّغُ ضَرْبُهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَاضِي مِصْرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُمْتَحَنُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، وَيُضْرَبُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ. وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ هُوَ ضَرْبُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَسْبَابِهَا وَتَحَقُّقِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَا يُضْرَبُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَكَثِيرٌ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لَكِنَّ حَبْسَ الْمُتَّهَمِ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ مِنْ حَبْسِ الْمَجْهُولِ] (انتهى الاقتباس من الطرق الحكمية).
والأصح أنه لا يجوز ضرب المتهم، ناهيك عن تعذيبه، لأنه لم يرد قط عن الرسول أنه عذب متهما أو متهمة، لا عَدُوًّا في حالة الحرب ولا غيره في حالة السلم. فالذي شرَّعه الرسول هو أن الاعتراف لا يُأخذ بالقوة، وإنما على المُدَّعِي (ولو كان هذا المُدَّعِي هو الدولة) الإتيان بالبينة، قَالَ رسول الله:
“لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ”(جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي).
القول في الدليل المُستدل به على جواز الضرب
وأما الدليل شبه الوحيد الذي استدل به من أجاز ضرب صنف معين من المتهمين، كما ذكره ابن قيم الجوزية فيما نقلتُ عنه [وَيَسُوغُ ضَرْبُ الفاجر مِنْ الْمُتَّهَمِينَ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ، فِي قِصَّةِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ](أ.هـ)، فهذا الحديث بهذا اللفظ انفرد به البيهقي، ولا وجود له في كتب الصحاح.
والرواية كما أخرجها البيهقي هي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ، فَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ، وَالزَّرْعِ، وَالنَّخْلِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الصَّفْرَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ، وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِعَمِّ حُيَيٍّ: “مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ ؟”، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ، وَالْحُرُوبُ. فَقَالَ الرسول: “الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ”، فَدَفَعَهُ (أي عَمَّ حُيَيٍّ) رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً، فَقَالَ عَمُّ حُيَيٍّ: قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَهُنَا. فَذَهَبُوا، فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ (كتاب السنن الكبرى للبيهقي).
وأخرج الرواية داود في سننه بدون ذكر تعذيب عَمِّ حُيَيّ، عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ فَغَلَبَ عَلَى النَّخْلِ وَالْأَرْضِ وَأَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ وَالْحَلْقَةَ وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ كَانَ قُتِلَ قَبْلَ خَيْبَرَ كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ أُجْلِيَتْ النَّضِيرُ فِيهِ حُلِيُّهُمْ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْيَةَ: “أَيْنَ مَسْكُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؟”، قَالَ: أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ! فَوَجَدُوا الْمَسْكَ (سنن أبي داود).
أدلة تحريم التعذيب
كما أن الرواية المضطربة (في تعذيب عَمِّ حُيَيٍّ) التي انفرد بها البيهقي تناقض عدة أحاديث صحيحة تحرم التعذيب، أذكر منها:
عن هِشَام بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أنه مرَّ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ (أي لأنهم لم يدفعوا الجزية)، فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا”(صحيح مسلم).
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ: “صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: (ذكر منهما) قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ”(صحيح مسلم).
ونقل ابن تيمية عن الإمام أحمد أن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَ فذَكَر حَدِيثًا قَالَ فِيهِ: “أَلَا إنِّي وَاَللَّهِ مَا أُرْسِلَ عُمَّالِي إلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالكُمْ، وَلَكِنْ أُرْسِلَهُمْ إلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَنَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيَّ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إذًا لَأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ”، فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ رَعِيَّتَهُ، أَإِنَّكَ لَتَقُصَّهُ مِنْهُ؟ قَالَ عمر: “إنِّي وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إذًا لَأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، أَنَّى لَا أَقُصُّهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ؟ أَلَا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ”(السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية).
وقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي يقول: “اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!”، فَلَمْ أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: “اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ!”، فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: “اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ!”، فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا (صحيح مسلم).
وإذا كان الرسول أمر بدرء إيقاع عقوبة الحدود الشرعية عند الشبهة، فكيف يُتصور أنه يقر عقوبة أو تعذيب مُتَّهم؟
قال رسول الله: “ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ”(سنن الترمذي)،
خاتمة
فعلى المسلمين أن يوطدوا أنفسهم على الحق ولا يتبعوا هوى النفس، ليتمكنوا من الخروج من دوامة العنف والعنف المضاد، فعليهم أن يلتزموا بأحكام الإسلام التي تحرم التعذيب، فلا يمارسوا التعذيب حتى على أعدائهم، ولا على من مارس التعذيب على المسلمين، ليس حُبًّا فيهم ولا خوفا منهم، ولكن استجابة لله رب العالمين وطلبا لرضاه وحُبًّا في جناته، فالمسلم صاحب رسالة، يلتزم بها مهما كانت الظروف.
فالذي يميز المسلم ويجعله أستاذا للبشرية هو التزامه بالعدل والحق ولو لم يلتزم به غيره، وإلا ضاعت الرسالة وضاع الإسلام {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}(المائدة)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}(المائدة)!
فعلى الثوار في الشام، الذي يقودون ثورة إسلامية ويقاتلون لإقامة الإسلام، أن لا يُمارسوا التعذيب على المعتقلين أو الأسرى، أيًّا كانت انتماءاتهم وجرائمهم. أما من يُظن أنه يستحق عقوبة لجرائم ارتكبها، فيُقدم لمحكمة شرعية لتثبت بالأدلة جُرمه وتقضي فيه بشرع الله، فيقام عليه حد الله! ومن حُكم عليه بالإعدام، فيُعدم بأرحم وأسرع طريقة كما أمر الرسول ودون نشر صور الإعدام!
أما سجن صيدنايا ومئات، بل آلاف سجون ومعتقلات الإهانة والتعذيب والقتل في البلدان الإسلامية، فلن تزيلها الأمم المتحدة ولا منظمات حقوق الإنسان ولا منظمة العفو الدولية، بل الذي سيزيلها هم الثوار المؤمنون، يزيلونها بقوتهم وليس بالاستجداء، وذلك بقلع الأنظمة بكل مؤسساتها التي زرعها الغرب في بلاد المسلمين.
والى حين قلع تلك الأنظمة، فعلى الثوار فداء المعتقلين بأسرى نظام آل الأسد وحلفائه، فلذلك الأولى أسر أكبر عدد ممكن من العدو لاستبدالهم بالمعتقلين والأسرى من المسلمين وأهل الذمة لدى نظام آل الأسد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “فُكُّوا الْعَانِيَ (يَعْنِي الْأَسِيرَ) وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ”(صحيح البخاري).
مراجع:
سجون العرب: السجون الأسوأ سمعة في الدول العربية، ساسة بوست، 31أكتوبر 2015م.
سجن تدمر السوري. الأخطر ضمن 10 آخرين عالميا، الشرق الأوسط.
أشهر وسائل التعذيب في السجون العربية، عمّار المأمون، 25 يونيو 2015م.
أسوأ السجون في العالم العربي سمعة، موقع رصيف، 25 يونيو 2015م.