النظام السياسي في الإسلام
في النظام السیاسي في الإسلام القیمة العلیا هي: (حكم الحق) أو سیادة الحق وأما المعیار الملموس الذي یمكن أن نقیس به تحقق هذه القیمة على أرض الواقع (الثرمومیتر) فهو معیار نابع من كوننا مسلمین نؤمن بأن الإسلام هو دین الحق ولا نفصل بین السیاسة والدین ولذلك للمعیار ثلاثة أركان :
1 – إقامة الشرع فیما حسمه
2 – تفعیل الاجتهاد للمختصین في المجالات المختلفة ( البحث العلمي )
3 – إعمال الشورى التخصصیة بناء على الاجتهاد فإذا أقام النظام السیاسي الشرع في المسائل التي حسمها، وتم تفعیل الاجتهاد الحقیقي المستوفي للشروط في كل ما یحتاج المجتمع الاجتهاد فیه من أمور الدین والدنیا، ثم تم اتخاذ القرارات بناء على مشورة المجتهدین المتخصصین فهو إذن مجتمع یسوده الحق.
فإقامة الشرع تعني (الحكم بما أنزل لله) ، وأما بناء القرارات اعتمادا على اجتهاد المتخصصین وبحثهم العملي فهو (إسناد الأمر لأهله)، أي بعبارة مختصرة یمكن أن نقول أن معیار سیادة الحق وفقا لدیننا هو : ( الحكم بما أنزل لله وإسناد الأمر لأهله ) فإن الحاكم في الإسلام إذا اتخذ قرارا في شيء بدون علم به ولا اجتهاد ولا رجوع إلى أهل التخصص والعلم وإنما مجرد قرار صدر من رأسه بدون أي مقومات فقد حكم بهواه، والهوى عكس الحق كما قال تعالى: (یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِیفَة فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْھَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَنْ سَبِیلِ اﻟﻠﮧَّ ) وكذلك في الأمور التي جاء الشرع فیها بحكم محسوم لو حكم الحاكم فیها بغیر حكم الشرع فهو قد اتبع هوى نفسه أو اتبع أهواء غیره، قال تعالى : ( فَاحْكُم بَیْنَھُم بِمَا أَنزَلَ اﻟﻠﮧُّ وَلاَ تَتَّبِعْ أَھْوَاءھُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ) وفي أمور الدنیا الاجتهادیة الحكم بالحق معناه فعل الأصلح، وهو الشيء الواجب على الحاكم، فلا یجوز للحاكم أن یحكم في الناس بغیر الأصلح وإلا كان غاشا لهم مضیعا للأمانة، والوصول إلى الأصلح في كل شيء لیس بالأمر السهل وإنما یحتاج إلى اجتهاد حقیقي، ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد بالحاكم فقال : (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) إلا أن الاجتهاد لا یكون اجتهادا صحیحا إلا إذا كان المجتهد یمتلك من العلم والتخصص ما یؤهله لهذا الاجتهاد، ولذلك قال النووي تعلیقا على هذا الحدیث: “أجمع المسلمون على أن هذا الحدیث في حاكم عالم أهل للحكم ، فإن أصاب فله أجران : أجر باجتهاده ، وأجر بإصابته ، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده” وهذا لا یختص بالاجتهاد الدیني بل وفي الاجتهاد الدنیوي كذلك.
وبما أنه لا یمكن لشخص واحد أن یمتلك المعرفة التي تؤهله للاجتهاد في كل المجالات جاء تفعیل الشورى التخصصیة، فصار أهل المشورة المختصون نائبین عن السلطة أو الحاكم في الاجتهاد أو معاونین له إذا كان یمتلك العلم، فإسناد المشورة والاجتهاد للمختصین هو تنفیذ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد الأمر لأهله والذي لا تستقیم الحیاة إلا به.
وكأن دور الحاكم بالأساس هو اتخاذ القرار ولیس صناعة القرار، فالقرار یجب أن یصنعه مختصون خبراء عبر تراكم معرفي وبحث علمي متواصل حتى یخرج قرارا صائبا بقدر الاستطاعة، قرار ا تُخذت فیه كامل الأسباب لتحصیل المصلحة العامة، ومتى تم الوصول للأصلح فلا یجوز للحاكم حینها أن یترك ذلك دون علة معتبرة بجهل أو هوى، فالشورى إذن هي نوع من الاجتهاد ولا تعني مطلقا استفتاء من لا یعلم فیما لا یعلم، كما أنها لا تعني تخطي الثوابت التي هي خارج دائرة الاجتهاد أصلا، فلا علاقة نهائیا بین الشورى وبین ما تطرحه الدیمقراطیة من تحكیم الجمیع في كل شيء، ممتهنة قیمة العقل والتخصص، متجاهلة لفكرة البحث عن الحق وعن الأصلح، ومتخطیة للثوابت، لأن المصدر الوحید للشرعیة عندها هو إرادة الأغلبیة!
الثوابت في النظام السیاسي في الإسلام
إن الحیاة لا تستقیم بغیر ثوابت ومتغیرات، ولا تُتصور حیاة الناس إذا صار كل شيء فیها نسبیا متغیرا، كما أنها لا تُتصور إذا صار كل شيء فیها مطلقا جامدا، وفي تحدید هذه الثوابت ضمانة لعدم الانحراف، فالثوابت تضمن الحد الأدنى من الاستقرار المجتمعي مهما اتسعت رقعة الاجتهاد، بل حتى وإن كانت السلطة نفسها في طور التغییر.
بل إن النظم الدیمقراطیة نفسها تخطت إرادة الأغلبیة فیما رأوه هم ثوابت متناقضین بذلك مع قیمتهم الفلسفیة العلیا (حكم الشعب)، فعلى سبیل المثال في النظم الدیمقراطیة الرأسمالیة لا یُتصور أن تُطرح قیم الرأسمالیة الكبرى كحریة السوق أو الملكیة الخاصة للاستفتاء العام لأنها ثوابت عندهم لا تقبل التغییر! ولكن مع كل هذا فهناك بُعد آخر أهم لوجود هذه الثوابت في النظام السیاسي في الإسلام، هذا البُعد هو: أن لله عز وجل خلقنا لعبادته، ولم یتركنا هملا وسدى، وكل ما في الحیاة هو ابتلاء منه واختبار لمن یحسن عملا ومن یسيء، وإن إعلاء أمر لله وإنفاذ أحكامه في الشأن العام دلالة صادقة على الیقین من هذا المجتمع بشرع ربهم.
كما قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اﻟﻠﮧَِّ حُكْمًا لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ ) وفیه دلالة على علو شأن الإسلام فیهم، كما أنها علامة أولى تحدد هل بالفعل النظام السیاسي الموجود ینوي أن یحكم بمنهج حكمٍ صحیح ویرید الإصلاح أم أنه نظام تتلاعب به الأهواء والأغراض الشخصیة، فإذا ابتدأ الحاكم حكمه بحفظ الثوابت فهي دلالة خیر على اتباعه سیاسة تحقیق الأصلح في المتغیرات على النحو الذي شرحناه من الشورى والاجتهاد، وإذا ضیع الثوابت فهو للمتغیرات أضیع؛ فلن یقیم فیها شورى ولن یكون للبحث العلمي الصادق مكان بل سیكون الموجود هو الهوى والاستبداد فقط، ومن لم یكن فیه خیر لحق ربه فكیف ننتظر منه الخیر في حق الناس والشعب! ولذلك كان تضییع هذه الثوابت ناقضا للحكم فاسخا لعقد الولایة مستوجبا للخلع الفوري.
إن التسلیم لثوابت الإسلام الحاكمة هو المعنى الوحید لكلمة “إسلام”، فالإسلام هو الاستسلام الكامل والخضوع ﻟﻠﻪ، وقد قال لله عز وجل : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اﻟﻠﮧَُّ وَرَسُولُه أَمْرًا أَنْ یَكُونَ لَھُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِھِمْ وَمَنْ یَعْصِ اﻟﻠﮧََّ وَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِینًا) .. والخیرة: أي الاختیار، ولاحظ كیف جعل لله التخلي عن الثوابت سببا للضلال المبین، بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني الضیاع وفقدان الأصلح والشقاء الدنیوي ثم الأخروي.
وقال تعالى:- ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَھُمْ ثُمَّ لَا یَجِدُوا فِي أَنْفُسِھِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیمًا) فاﻟﻠﻪ مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم ینفي عن البعض صفة الإیمان حتى یحكّموا النبي صلى الله عليه وسلم ویرضوا بحكمه ویسلموا له تسلیما كاملا.
وفي نفس المعنى قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّھُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِه وَیُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَنْ یُضِلَّھُمْ ضَلالا بَعِیدًا) فقد جعل إیمانهم زعما أي حكم علیهم بعدم الإیمان لكونهم یریدون تحكیم غیر الشرع فیما ثبت للشرع حكم قاطع فیه.
والحق في الإسلام هو الذي یحدد الشرعیة، فلا شرعیة لشيء یخالف الحق، وسلب الشرعیة من الحق وإعطاؤها لأي مصدر آخر غیر الحق هو عین الخلاف الذي وقع بین الإسلام والجاهلیة الأولى، فقد اختلف كفار قریش مع النبي صلى الله عليه وسلم حول الشرعیة، فالنبي یحدثهم عن شرعیة الحق الذي جاء به الوحي وهم یحدثونه عن شرعیة ما وجدوا علیه الآباء والأجداد، قال تعالى: (وَإِذَا قِیلَ لَھُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اﻟﻠﮧُّ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْه آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُھُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَلا یَھْتَدُونَ ).
وبذلك نرد على من یرفض الحق بدعوى أن الأغلبیة یریدون شیئا آخر، سنقول لهم : أوَ لو كانت الأغلبیة لا تعقل شیئا ولا تهتدي!! ، إن الحق سیظل هو الحق الذي له الشرعیة حتى ولو أرادت الأغلبیة خلافه، وإن الباطل سیظل هو الباطل ولا شرعیة له حتى ولو أرادته الأغلبیة، هذا هو منهاج المسلم وعقیدته التي یجب أن یلقى بها ربه.
هل يمكن تطبيق الحق دون موافقة الأغلبية؟ ، الكلام ليس عن كونها تعلم أو لا تعلم لكن هل يجوز بمقياس الحق ان نجبرهم على عيش الحياة بمعايير الحق الذي ربما لم يعرفرها او يعلموا عنها شيئاً هنا هم تحت احتلال من قبل الحق لذلك لكي نحكم بالمشروع الحق بالسيادة للشرع و السلطان للأمة يجب على الأغلبية ان توافق ان وافقوا انتفى مفهوم الشورى لان الحزب الذي سيحكم بالحق هو من يطلب الشورى وفق اعلانات لكي لا يكون دولة لأهل الحق و الشورى دون الأغلبية