الصبر آلة النجاح… ولكن أي صبر نقصد؟
« وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ »
تُعرِّفُنا هذه الآية على آلة التفوق عند المسلمين، وتحثنا إلى الولوج عبر هذا الباب إلى التميز وتحقيق الغاية، وهي الصبر المقترن بالصلاة.
ولقد نشأنا ونشأت أجيال متتابعة تسمع حديث الصبر والرضا، وقيمته وفضله وثوابه، وظن المسلمون أن عليهم فقط أن يمارسوا هذه الفضيلة حتى يكون الفرج ويأتي النصر ويكونوا من أهل الفلاح.
ولكن الحقيقة أن أحوالنا لم تتغير، رغم تلال الصبر الممتدة من جيل لآخر، فما الذي يحدث، هل أخطأنا الوصفة، أم أن هناك شيئا لا نفهمه؟
لقد تبين أننا مارسنا نوعا آخر من الصبر لا علاقة له بما يريده الله فالصبر المطلوب يختلف تماما عن ذلك الذي تمرنّا عليه خلال سنوات القحط المديدة، فهو لا يعدو أن يكون نوع من الاستسلام والرضوخ والركون إلى كل عقبة صغرت أو كبرت، ومحاولة الرضا والتكيف من تلك العثرات واعتبارها حاجزا لا يمكن تخطيه.
أما الصبر المطلوب فهو صبر المصرّ على الوصول، صبر مرتبط بالصلاة وحضور القلب والروح فيها، لتبقى قادرا في تلك اللحظات التي تناجى فيها ربك على السكون والتوجه الكامل بلا نوازع أو أفكار تتنازعك، فتتلقى ذلك المدد الرباني الذي يبقيك صلبا مستقيما.
وهو صبر يصححه لنا الصوم، إذا يجعلنا يوما بيوم نهزأ بحاجتنا الأساسية من طعام ومتعة وركون إلى الراحة، ذلك الصبر الذي تظفر بنتائجه سريعا كي تجد حلاوته وتكمل دربك متسلحا به.
الصبر المطلوب إذن هو أن تصبر على ما يصيبك أثناء قيامك بمهمتك التي انتُدِبت لها على هذه الأرض، لا أن تتخلى عن مهمتك، وتترك غيرك يقوم بها ويؤديها بأي وجه أراد، ثم تصبر على ضياع همتك وتصبر على شقائك وعلى ضياع أيامك سدى.
لقد نجح غيرنا لأنه كان صابرا مرابطا على هدفه، تحمل ما يصيبه واستهان به حتى حقق ما أراد. ولقد رأينا كيف صبر أعداؤنا سنوات على تعلم ودراسة ديننا ولغتنا وثقافتنا وطباعنا وردود أفعالنا، حتى صار بإمكانهم التنبؤ بخطواتنا التالية، ومتى نفيق وكيف يمكن إعادتنا مجددا إلى النوم أو إلى النزاع والشقاق، وغير ذلك من علوم وتخصصات أتقنوها كي يبقى لهم التفوق، وتظل يدهم هي العليا.
ولذلك فإن محاولة تغيير واقعنا ستحتاج منا صبرا مُرًّا منقطع النظير، ما دام أمرنا منكشفا لهم، وما داموا يحسنون الضغط على نقاط ضعفنا. غير أن هذا النوع من الصبر مهما كانت مرارته إلا أنه يثمر لك ثمرا حلوا ولو بعد حين، أما صبر الاستسلام الذي اعتدنا عليه، فثماره هي الألم والندم والتحسر الذي يقطع القلب ويذيب الأكباد.
أما كأفراد وما يخص أهدافنا الخاصة فربما كان طريق الوصول فيها أيسر إلا إذا كنا قد ركنّا زمانا فسيتطلب الأمر صبرا مهولا كذلك.
وأمور الدنيا والآخرة سواء في الحاجة إلى الصبر، فإذا لم تصبر على علم لم تنله، وإذا لم تصبر على أداء عبادة لم تظفر بثمرتها، ولو لم تملأ مخزون صبرك وأنت تبدأ حياة زوجية أو تربى أبنائك لن تهنأ بسعادة أو قرة عين، ولن تفلح في دعوة أو فكرة أو بناء إذا كان الصبر ليس خيارك.
وهكذا سيكون الحال في كل أمور الحياة، لا أمل في النجاة ولا الفلاح بلا صبر على البذر والسقاء، حتى يحل موعد الحصاد، وتكون الجائرة التي قد تنالها في الدنيا فتسعد قدر بقائك فيها، وقد تُخبأ لك لتنعم بفضل الله في آخرتك بلا انقطاع أو توقف، وهنالك تسمع البشرى:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.