أعداؤنا يستخدمون ردود أفعالنا!

صحيح أن علينا أن نتابع دراسات مراكز التخطيط الغربية، ونطلع على ما يريدون أن يكيدونا به، لكن في الوقت ذاته علينا أن نحذر كل الحذر من أن تصبح ردود أفعالنا على دراساتهم هي الكيد ذاته ونصبح بذلك أدواتٍ لهم ونحن لا نشعر!

تعميق الفرقة بين المسلمين

أولًا: طريقةٌ أعتقد أنهم أصبحوا يستخدمونها معنا بكثرة، يريدون تعميق الفرقة بين المسلمين، فينشرون دراسة -على أنها موجهة للساسة الأمريكان فحسب- مفادها وجوب دعم الجماعة الفلانية (من المسلمين) لأن ذلك يخدم الأجندات الأمريكية.

نحن: نقرأ الدراسة، فنعتقد أننا اكتشفنا المؤامرة.. وتبدأ “النُّخب الفكرية الإسلامية” بالحديث عنها والإشارة إلى أن هذه الجماعة المعنية تمارس العمالة من حيث تشعر أو لا تشعر.

“أو لا تشعر” هذه تسقط عند التناقل بين الشباب الأقل ثقافة، وتُختزل العبارة في: (الجماعة الفلانية عميلة لأمريكا) … (صنيعة راند) … (فرخ راند) …إلخ.

والدليل: (دراسة مركز راند أو معهد واشنطن أو معهد كارنيغي الفلانية). وبهذا، قد نوصل الرسالة التي يريد عدونا أن نوصلها نحن بأنفسنا! ليُحدث -من خلالنا- مزيدًا من الفرقة والتخوين والتشكيك وسوء الظن بين الجماعات “الإسلامية” وأنصارها!

قد لا يستخدمونها للتشكيك في جماعات فحسب، بل وتوجهات فكرية وأنماط دعوية.. بحيث لا يبقى أحدٌ خارجَ دائرة الشك. بل وبعض الدراسات الحديثة أصبحت تنص على أن “أفضل طريقة لدعم التوجه الفكري الفلاني هو تركه وإفساح المجال له، دون دعمه بشكل مباشر”. إذًا، فالمطاردة والحرب الإعلامية ضد توجهٍ ما هو “تلميع له”، وتركه هو “إفساحُ مجالٍ له لتنفيذ الأجندات من حيث لا يشعر” وبهذا، فالكل مطعون فيه!

هات لي جماعة مسلمة لم تنص دراسةٌ غربية على استخدامها لضرب جماعات أخرى أو لتمرير أجندات غربية، بدءًا من الصوفية إلى الإخوان إلى الفصائل المقاتلة بما في ذلك جماعة الدولة إلى الجماعات “السلفية” وغيرها! معادو كل جماعة يطيرون بهذه الدراسة أو تلك فرحًا: (ها هو دليل جديد على إضراركم بالإسلام وعلى استخدام الغرب لكم)!

كنت أتساءل: (كيف تنشر مراكز التخطيط دراساتها التي فيها كيد واضح بالمسلمين؟!)، وأجيب نفسي: لعل من أهداف ذلك إظهار إنجازاتهم لجلب مزيد من الدعم المالي، فمؤسسةٌ مثل راند لها داعمون أفراد يدفعون لها عشرات الملايين، وهذا طبيعي في نظام رأسمالي تتنافس فيه المؤسسات على تحصيل الدعم.

أبعاد أُخرى

لكن أظن أن المسألة لها أبعاد أخرى مهمة، منها ما ذكرته أعلاه، ولا ننسى أن مركز راند ومعهد واشنطن ينشران دراسات لهما بالعربية! ثم لا ننسى أنهم يتابعون ردود فعل المسلمين على مواقع التواصل بشكل حثيث. فقد كثُرت مؤخرا تصريحات الساسة الأمريكان حول استخدام “الجهاديين” لمواقع التواصل لغايات استقطاب العناصر، وبعض هذه التصريحات يذكر عدد التغريدات المؤيدة لجماعةٍ ما يوميًا! ويبدو أن من أهدافهم في هذه المتابعة توجيه ردود الأفعال وتوظيفها بشكل غير مباشر.

كما يبدو أن هذه الدراسات أصبحت جزئيًا مثل تسريبات ويكيليكس وتسريبات السيسي التي يتناقلها الناس باهتمام شديد على اعتبار أنها خرجت رغمًا عن الخصم وتفضح أسراره، بينما هي أُخرجت في الحقيقة لإيصال رسالة خَفِيَّة.

أعود وأقول: لعلي كنت من أول من نبه إلى خطورة الدراسات الغربية مثل دراسات راند، لكني أخشى أن “ردود الأفعال الموجهة” أصبحت من المقاصد الرئيسية لهذه الدراسات. وهم في هذا كله يعتمدون على سوء الظن المتفشي بين المسلمين. يضاف إلى ذلك أن ما يصدر عن هذه الدراسات يتناقض أحيانًا مع حقيقة ما تتبناه الحكومات. فالمبالغة في الاحتفاء بها يعني الغفلة عن مؤامرات عدونا الحقيقية ويشغلنا بتبادل الاتهامات والطعون.

وهذا كله يؤكد على مبدأ مهم جدًا: أننا عندما نناقش منهج جماعة أو توجهًا فكري أو مواقفَ وسلوكًا، فينبغي أن يكون مرجعنا في ذلك كله نصوص الشريعة، لا مراد أعدائنا منا، ولا إلى ما قالته تلك الدراسة أو تلك.

والله تعالى أعلم.

د. إياد قنيبي

داعية إسلامي أردني ودكتور جامعي ومكتشف في مجال علم الأدوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى