دراسة للمؤسسة العسكرية الأمريكية: الإمبراطورية الأمريكية نحو الانهيار

دراسة للمؤسسة العسكرية الأمريكية: الإمبراطورية الأمريكية نحو «الانهيار» (أنتيمديا -الرأي)

كتبه Darius Shahtahmasebi

ترجمة الأستاذ محمد رشيد – خاص بـ «المراقب»


خلصت دراسة جديدة أجراها أعضاء في المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى أن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية آخذ «بالضعف» وربما يكون آخذ «بالانهيار» مع مواصلة الولايات المتحدة في خسارة موقعها القيادي في الشؤون العالمية.

يقول التقرير: «باختصار، فإن الوضع الراهن الذي نشأ وترعرع على أيدي استراتيجيون أمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية والذي كان منذ عقود الدعامة الرئيسية لوزارة الدفاع ليس آخذ بالضعف فقط ولكنه ربما في الواقع آخذ بالانهيار».

وقد قام هذا التقرير، الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكلية الحربية للجيش الأمريكي في حزيران / يونية، بتقييم نهج وزارة الدفاع لتقييم المخاطر على جميع المستويات في التخطيط السياسي للبنتاغون.

وقد تم «دعم» هذه الدراسة ورعايتها من قبل مديرية الخطط الاستراتيجية والسياسة للجيش الأمريكي وقيادة الأركان وفرع الاستراتيجية والسياسات ومكتب نائب وزير الدفاع لشؤون الاستراتيجية وتطوير القوة ومكتب إدارة برنامج دراسة الجيش.

الغطرسة الإمبريالية

وكما أوضح Nathan Freie، مدير المشروع والكاتب الرئيسي للتقرير، فإن الولايات المتحدة ومؤسستها الدفاعية «تعترضها فترة من المنافسة الشديدة». فمن وجهة نظر   Freierفإن العصر الحالي يشوبه معارك شرسة للظفر بموقع مميز في عدد من المستويات سواء كانت وطنية أو عابرة للوطنية أو خارجة عن الوطنية.

ويوضح Freie أن فشل أمريكا في التعامل مع الواقع هو نتيجة «غطرسة» تذكرنا بكتاب «الغطرسة الإمبريالية» قام بكتابته Michael Scheuer الرئيس السابق لوحدة بن لادن التابعة لوكالة المخابرات المركزية.

حذر هذا الكتاب الولايات المتحدة من الأسباب ذاتها المثيرة للجدل والمتسمة بالغطرسة التي أدت لأن تخسر الحرب على الارهاب (إن الغطرسة تعني «المبالغة في الفخر أو المبالغة في الثقة بالنفس» بحسب ميريام وبستر).

من الناحية الفنية، فإن التقرير لا يمثل البنتاغون رسميا. ولكنه على الرغم من هذا فإنه يمثل «الحكمة الجمعية» لهؤلاء الذين تم استشارتهم، بما في ذلك عدد من مسؤولين البنتاغون والمراكز الفكرية البارزة مثل معهد المشاريع الأمريكية ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومؤسسة راند ومعهد دراسة الحرب.

مع هذا؛ فقد تضمن التقرير التشاور مع وكالات مهمة في وزارة الدفاع والقوات المسلحة وشجعت الحكومة الأمريكية للاستثمار بشكل أكبر في المراقبة والدعاية بشكل أفضل من خلال «التلاعب الاستراتيجي» بالرأي العام والاستثمار أيضا في جيش أمريكي «أوسع وأكثر مرونة».

http://gty.im/829665600

يذكر التقرير ما يلي:

«كقاعدة عامة وبينما أن قادة الولايات المتحدة من كلا الحزبين السياسيين قد التزما باستمرار للحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي على جميع منافسي الدولة المحتملين، فإن واقع الفترة ما بعد التفوق يتطلب قوة عسكرية أوسع وأكثر مرونة يمكن أن تصنع ميزات وخيارات على نطاق أوسع للمطالب العسكرية.

فبالنسبة للقيادة السياسية الأمريكية، فإن الحفاظ على الميزة العسكرية سيحافظ على أقصى قدر من حرية التصرف … وأخيرا، فإنه يسمح لصناع القرار الأمريكي الفرصة لإملاء أو التأثير بشكل كبير على النتائج في المنازعات الدولية في ظل قدرة عسكرية أمريكية كبيرة والوعد الضمني بعدم قبول العواقب في حالة إطلاق العنان لتلك القدرة العسكرية».

وخلصت الدراسة التي دامت عاما كاملا إلى أن وزارة الدفاع يجب أن تتخلص من اعتبارات المخاطر التي عفا عليها الزمن وتغير الطريقة التي تصف وتحدد بها وتقيم عليها وتنسق من خلالها الخيارات ذات المستوى الاستراتيجي والقائمة على المخاطر.

وكما لاحظ صحفي التحقيق Nafeez Ahmed، أن هذه الاستراتيجيات هي التي أدت إلى تراجع قوة الولايات المتحدة في المقام الأول.

وأن زيادة تشريع هذه الاستراتيجيات الفاشلة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة ويبرهن على رفض أمريكا النزول دون قتال.

اللائمة تقع على الدول الممانعة

وفقا للسيد Freie وفريقه، فإن المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة حاليا لا تأتي فقط من دول مثل روسيا والصين (وحتى كوريا الشمالية وإيران) ولكن أيضا من خطر متزايد من أحداث مثل نمط “الربيع العربي” التي يمكن أن تندلع في جميع أنحاء العالم.

وهنا قد يتساءل المرء لماذا قررت الولايات المتحدة دعم عدد من هذه الأحداث لدرجة أنها أفادت بشكل كبير حركات جهادية معروفة كانت متواجدة داخل تلك الأحداث؟

http://gty.im/816363302

يشير Ahmed أيضا بشكل ذكي إلى أن التقرير لا يدعم في الواقع ادعاءاته بأن دولاً مثل روسيا تشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي فيما عدا حقيقة أن هذه الدول تسعى إلى تحقيق مصالحها الأساسية –كما تفعل معظم الدول بحرية تامة (في حدود المنطق).

ووفقا للتقرير فإن إيران وكوريا الشمالية «… ليسا من منتجات النظام المعاصر ولا هما راضيين عنه … وكثيرا ما يسعيان – في الحد الأدنى – إلى تدمير نطاق هيمنة النظام الذي تقوده الولايات المتحدة إلى ما يعتبرونه مجال النفوذ الشرعي لهما.

كما أنهما عازمَين على استبدال هذا النظام محليا بمجموعة قواعد جديدة هم يضعونها».

ومن الجدير بالملاحظة أن التقرير لا يضع إيران وكوريا الشمالية على أنهما تهديد نووي كما تدعي في كثير من الأحيان آلة البروباغندا للمحافظين الجدد– ولكنهما ببساطة يشكلان ظاهريا تهديدًا للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وجد التقرير أيضا أن الإطار الدولي أعيد تشكيله بطرق «غير مضيافة» وغالبا ما تكون «معادية» للقيادة الأمريكية.

فعلى سبيل المثال، ينظر إلى «تكاثر المقاومة الفعالة ضد الولايات المتحدة وتنويعها وجزرها»، فضلا عن «منافسة القوى الكبرى التي عادت إلى الظهور ولكنها تحولت» ينظر لها على أنها في قلب عملية إعادة الهيكلة الدولية الجديدة هذه.

فوفقا للتقرير فإن الولايات المتحدة غير مستعدة لهذه الظروف. ويسعى التقرير إلى تزويد الولايات المتحدة بكيفية التعامل مع هذه السيناريوهات الناشئة.

وبكل جدية فإن العداء للجيش الأمريكي لم يأت من فراغ -فمن الواضح تماما تضخم مستوى التعالي للقيادة الأمريكية وتدخلها المتواصل في الشؤون الخارجية التي أوجدت عددا من الخصوم الذين لم يعد لديهم استعداد للانحياز إلى المصالح الأمريكية.

المعسكر الجنوبي بالقرب من شرم الشيخ 21 سبتمبر 2012

الدعوة للاستيقاظ

على الرغم من أن التقرير يلقي كلمة «التكيف» في كثير من الأحيان فإن الولايات المتحدة من الواضح أنها ليست على استعداد للتكيف على الإطلاق إذا كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن التعامل بها مع قضاياها هي في ذاتها تقوية لأسباب المشاكل المذكورة.

إذا كانت الأداة الوحيدة التي في حوزة الولايات المتحدة هي المطرقة فكل مشكلة يجب أن تبدو وكأنها مسمار. فكلما زادت المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة كلما زاد عدد المسامير التي ترى أنها بحاجة إلى طرق.

وفي حين أن البعض قد يثني على تقرير اعترف فيه مستشارو الولايات المتحدة بوضع أمريكا كقوة ميتة فإن الحقيقة كما يتضح من هذا التحليل الأخير هي أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن مكانتها في الشؤون العالمية دون معارك.

وكما يذكر التقرير فإن واقع هذا الانهيار الذي يلوح في الأفق لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه هزيمة بل يجب أن يكون «دعوة للاستيقاظ».

خذ الصراع السوري، على سبيل المثال، فكلما زاد عدد القوات التي يحررها الأسد زاد عدد اللاجئين الذين يعودون إلى ديارهم ويجري تنظيم المزيد من الحفلات.

وقد حققت سوريا وروسيا وإيران هذه النجاحات المتصاعدة حتى في مواجهة التدخل الأمريكي المباشر. ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة ترفض مغادرة البلاد.

بغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها المحور المؤيد للأسد؛ فإذا كان الهدف النهائي هو الحد من المعاناة في سوريا وإنهاء الحرب، يجب على الولايات المتحدة أن تعترف بالهزيمة والمضي -خاصة عندما تنهار خلافة داعش تماما.

إلا ان الولايات المتحدة لا تريد أن تغادر بل تنوي الانخراط بشكل أكبر في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

الولايات المتحدة تعرف أنها على وشك الانهيار ولكنها ترفض النزول سلميا

من وجهة نظر القوى البديلة، فطالما أن كل مسمار للمقاومة يمكن كسره فسوف تستمر المطرقة الأمريكية لقيادة العالم في الشؤون الدولية.

ولكن كما يشير هذا التقرير فإن هذا بالضبط بسبب غطرسة أمريكا التي وجدت نفسها في هذا الموقف في المقام الأول.

وفي هذا السياق، فإن التقرير متناقض إلى حد ما ويشجع الولايات المتحدة على إثارة مزيد من العداء من قبل اللاعبين المتضررين على الساحة الدولية.

إن الاستمرار في هذه الممارسات وتفاقمها أمر لا معنى له تماما لكن ذلك لا يزال يمثل شعار آلة الحرب الأمريكية.

د. أكرم حجازي

كاتب وباحث أكاديمي ومراقب لأحوال الأمة وقضايا العالم الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى