كيف نحقق مقام الشكر؟

كفران النعم

أما كفران النعم، فإنه من سمات النفوس اللئيمة الوضيعة، ودلائل الجهل بقيمة النعم وأقدارها، وضرورة شكرها. وهذه صفة أكثر الخلق،

كما قال جل جلاله في ثلاثة مواضع من كتابه: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}، وفي موضعين: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}.

وهذا التصوير الرباني لواقع الناس يشعر بالحسرة الشديدة على العباد المنكرين الجاحدين، وحقاً إن الإنسان لظلوم كفار، يلبس ثياب النعمة فتكسوه من شعره إلى أخمص قدميه: صحة وعافية ومالاً وولداً وأمناً، ثم لا يلوي على صاحبها ومسبغها بالشكر والعرفان.

عن سفيان: {نستدرجهم} قال: نسبغ عليهم النعم، ونمنعهم الشكر

والجاحِدُ .. لا يهدأ له بالٌ .. ولا يرتاحُ له قلبٌ ولا ذِهنٌ؛ لأنَّه يشعرُ بألَمِ المعصيةِ وعُقدةِ الذنبِ ووَخزِ الضميرِ؛ ولأنه كذلك يرى نفسَه أهلاً لأن يُنعِمَ الله عليه بأكثرَ من هذه النعم! فكلُّ ذلك يُنغِّصُ عليه حياتَه ويُفسِد عليه سَعادتَه، ويُشعره دائماً بقلةِ ما هو فيهِ وانعِدامِ السعادة والهناء. ولو أُعطِيَ الدنيا كلَّها لم يُرضِه ذلك؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع»!.

وكذلك مَن يجحد نِعَمَ الله عليه؛ يُحْرَم نعمةَ الطمأنينة ولذةَ الشعورِ بالسعادة الحقيقية التي لا تكتمل إلا برضوانِ اللهِ عن العبدِ وإقبالِ العبدِ على ربِّه بالمحبة والرضا والذل والطاعة.

شكر الناس

ومن نعم الله تعالى على العبد نِعمٌ يسوقها له بواسطة عباد الله تعالى، كما أجرى إِحسانه تعالى إلينا على يد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكما ساق خيره لنا بواسطة والدَيْنَا ومربِّينا من المرشدين العارفين بالله تعالى.

فعلى المؤمن أن يشكر الله تعالى لأنه المنعم الحقيقي الذي سخر الناس لجلب الخير إليه، قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} [النحل: 53].

وعلى المؤمن أن يشكر أيضاً من جعله الله تعالى سبباً لنعمه، لذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».

وقال العلامة الخطابي رحمه الله تعالى، شارحاً لهذا الحديث: (هذا الكلام يتأول على وجهين: أحدهما: أن مَنْ كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس، وتركُ الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله وتركُ الشكر له سبحانه. الوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس، ويكفر معروفهم، لاتصال أحد الأمرين بالآخر).

فأيسر الشكرين شكر العباد، فمَنْ ضيَّع شكر العباد، كان لشكر الله عز وجل أضيع.

إن الحياة قائمة على الأخذ والعطاء، فكما نأخذ لابد وأن نعطي، وكما نعطي لابد وأن نأخذ، لنحظى بـ (الشكر) على ما أقدمنا عليه، فنحن وحين نأخذ لابد وأن (نَشكُر)، وحين نعطي فلاشك بأننا سـوف (نُشكر)، وما أجمل الشكر الذي يعرب معنى التقدير خير إعراب، ويوضح موقع ووقع الفعل الذي أقدمنا عليه، فيعزز رغبتنا بامتداد رقعة الإقدام على الفعل الذي سبق وأن فعلناه، فللشكر قيمة تسحر النفوس وتذيب كل الكتل الثلجية التي تُعسر المعاملات اليومية التي تفرزها حياتنا اليومية كل يوم، قيمة تبث في نفس مرسلها ونفس مستقبلها الفرحة التي تُلزم الابتسامة على البحث عن سكن تسكن من خلاله ذاك الوجه وكل وجه يستقبلها.

إن العلاقات التي توجد بين البشر يجب تتويجها ببعض اللمسات الرقيقة والتي من المستحيل أن تحكمها أية قواعد، فهي تنبع من داخل الإنسان، والإكثار من ممارستها يجعلها من إحدى سمات الشخصية، بل وجزءاً لا يتجزأ منها، ويصبح كل شخص مديراً للعلاقات العامة.

ولكي تستطيع إيصال الشكر بفعالية عليك اتباع الخطوات التالية

1- انطق كلمة «شكراَ» بصوت واضح ومسموع: هذا من شأنه أن لا يدع أي مجال للشك في عقل المستمع أنك تعني شكره حقاَ. كن سعيدا بأنك تقولها. عندما يسمعك الآخرون تعبر عن شكرك، فإن هذا يضاعف من قوة تأثير عبارة الشكر.

2- انظر إلى الشخص: فالتواصل البصري مع الشخص الآخر يؤكد إخلاصك له، وأن تربت بيدك خفيفاَ على مرفق الشخص الآخر سوف يؤكد ذلك شكرك، ويجعل من السهل تذكره أكثر.

3- استخدم اسم الشخص عند شكره: إضافة صيغة شخصية على شكرك أشد تأثيرا من جملة «إنني أشكرك» مجردة.

4- أرسل رسالة شكر مكتوبة: تعد هذه الطريقة أفضل طريقة للشكر، عندما يسمح الموقف بذلك، ويليها في قوة التأثير تقديم الشكر وجها لوجه، ثم الشكر عن طريق الهاتف.

كن صادقاَ عندما تشكر شخصاَ ما، وابحث عن فرص لشكر الآخرين ولو كان على أمور بسيطة، ولا تنس أن تكون مخلصاَ في تعبيرك عن الامتنان.

الشكر يعزز الصحة

لغة الشكر تعزز الصحة وتريح الأعصاب وتزيد من مناعة الجسم… كذلك قال «روبرت إيمونسن» الباحث في علم النفس في جامعة كاليفورنيا: أن الشعور المتواصل بالامتنان والتقدير لدى الإنسان، يحقق نتائج مفيدة له من الناحية الجسدية والنفسية. وأن الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان، عادة ما يتمتعون بصحة أفضل من غيرهم، كما تقل لديهم الأعراض المرضية، ولديهم طاقة كبيرة، ولهم علاقات اجتماعية أوسع، إضافة إلى تمتعهم بروابط زوجية أقوى، وربما بمدخول مادي أكبر، مقارنة بأشخاص من غير الشاكرين!

وأضاف الباحث – وفقاً لما نقلته صحيفة «ماكلاتشي تريبيون» الأميركية: إن الشاكرين يخلدون إلى النوم بسهولة، وينامون بعمق ولفترات أطول، ويستيقظون هانئي البال.

ونوه الباحث بأن زيادة مستويات الشعور بالشكر والامتنان تزيد من مستويات «إميونوجلوبولين أimmunoglobulin A »  في الحنجرة والأنف، الأمر الذي يزيد من مقدرة الجسم على مقاومة العدوى الخبيثة. كما أشار إلى دور الامتنان في تقليل هرمون التوتر في الجسم

د. خالد النجار

طبيب وكاتب، أعمل كاتبا منذ عشرين عاما في مختلف المجلات والصحف العربية والإسلامية، ولي مجموعة… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى