مجزرة خان شيخون: الغازات السامة والطرق العملية لمواجهتها بعيدا عن اللطميات

مجزرة جديدة تُرتكب بحق المدنيين في خان شيخون بمحافظة إدلب يوم 4 نيسان/أبريل 2017م، هذه المرة بقصف بصاروخ محمل بغازات سامة، على ما يبدو أنه غاز الأعصاب السَّارين، قُتل على إثرها حسب بعض الإحصائيات مائة شخص ولا زال المئات يعانون من أعراضه ويتلقون الإسعافات الطبية.

أهل الشام المسلمين يذوقون الموت عن طريق كل أصناف أدوات القتل والإرهاب، فلا ندري أي طريقة قتل أيسر، أهو الموت عن طريق البراميل المتفجرة، أو الموت حرقا بالقنابل الفسفورية، أو الموت بتمزق الجسم لأشلاء، أو الموت بالقنابل الارتجاجية، أو الموت خنقا تحت أنقاض البيوت والمساجد والمستشفيات والمدارس والأسواق التي تقع على رؤوس ساكنيها، أو الموت خنقا بغازات سامة، أو الموت جوعا، أو الموت بسبب أمراض وجروح لا يمكن علاجها بسبب الحصار ونفاد الأدوية وهدم المشافي، الخ

هل توجد أداة قتل تستحق اهتمامًا أكثر من غيرها؟

ولا ندري هل تستحق جريمة قتل جماعي بأداة معينة اهتماما واستنكارا أكبر من غيرها!؟ ولا ندري أي جرائم قتل جماعي تستحق اهتماما واستنكارا أكبر من غيرها، أهي قتل المدنيين على يد نظام آل الأسد الإرهابي، أو على يد الولايات المتحدة الأمريكية الإرهابية، أو على يد روسيا الإرهابية، أو على يد إيران الإرهابية، أو على يد حزب الله والحشد الشعبي والميليشيات الشعبية الإرهابية، أو على يد التحالف الدولي الإرهابي لمحاربة “الإرهاب”، الخ؟؟؟

جريمة القتل الجماعي الأخيرة بـ «خان شيخون» باستعمال الغازات السامة ليست الأولى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فقد سبقها العشرات، والإدانات الدولية وقرارات الأمم المتحدة واللطميات التي ترافقها كل مرة ما تلبث لتخمد وتُنسى المجازر ويُنسى الضحايا وكأن شيئا لم يقع! ولذلك أريد هنا الخروج عما تعودنا عليه من كتابات التنديد والشجب واللطميات والتباكي، بل أريد أن نتعامل بعقلية “الأخذ بالأسباب” و”الإيجابية” التي علَّمنا إيَّاها القرآن والسُّنة!

كيف كانت ردة فعل المسلمين على خان شيخون وأخواتها؟

فرَدَّات فعل شريحة واسعة من المسلمين، صحفيين ومشايخ وقيادات فصائل منخرطة في ثورة الشام الخ، آلمتني أكثر من صور ضحايا القصف بالغازات السامة، فالقتلى نحسبهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} (آل عمران).

لكن ردات فعل الكثير من المسلمين من السخافة والسطحية مما كان، وكأن الضحايا يُعاد قتلهم والتمثيل بجثتهم مرات ومرات، فلا تخرج ردات فعلهم عن عقلية الوصاية الغربية، يطالبون الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا، نفس الجهات العدوة للإسلام والمسلمين والمحارِبَة لهم، بالتدخل والتحقيق واتخاذ إجراءات ضد نظام آل الأسد!

بل والعجب وقمة الغباء والوقاحة أن تجد قيادات ومشايخ بعض الفصائل المنخرطة في ثورة الشام، وعلى رأسهم حركة أحرار الشام وجيش الإسلام، تُوعِزُ تجرؤ آل الأسد على ارتكاب مثل هذه الجرائم إلى غياب صحفيين غربيين عن أرض الأحداث بالشام لينقلوا حقيقة ما يقع للغرب! وتلوم من منعهم من الدخول إلى مناطق الثوار، وتطلب بفتح المجال أمام الصحفيين الغربيين للدخول والعمل في مناطق الثوار ليوثقوا وينقلوا جرائم نظام آل الأسد!

وبذلك، حسب زعم عقليات الوصاية وسذاجتهم وخبثهم، لن يجرؤ نظام آل الأسد على ارتكاب مثل هذه المجازر لأن عيونا غربية تراقب وتنقل الوقائع لِعَمِّهم “سام”!

كيف يكون عدوك هو وجهتك وملاذك؟!

فهؤلاء المميعة المحسوبين على الثورة، الساقطين عقديا وأخلاقيا وإنسانيا، لا يتركون فرصة إلا ويستغلوها للطعن بالثوار المخلصين من ناحية، ولاستجداء الغرب واستدعائه للتوغل أكثر في ثورة الشام من ناحية أخرى!

فحذارِ يا ثوار الشام المخلصين أن تستجيبوا لهؤلاء الخبثاء، فالصحفيون غالبيتهم الساحقة جواسيس، مثلهم مثل طواقم الأمم المتحدة، يجمعون تقارير للمخابرات الغربية، وثورة الشام وشعبها الثائر الشريف لا يريد عزاءً من الكفار، ولا يريد التجارة بصور ضحاياه، فهذا الصحفي يحصل على جائزة أحسن صورة وذاك يحصل على جائزة أحسن شريط وثائقي الخ، ولا يغير كل ذلك من استمرار نظام آل الأسد والغرب وأعوانهم في قتلهم للمسلمين على العلن، فهذه الدول المجرمة الإرهابية لا يوقفها عن إجرامها حتى النقل المباشر لجرائمهم، بل هم من ينقلون للعالم صور قصفهم للمسلمين!

http://gty.im/664343302

فاللطميات والتباكي والشجب لا ولم ولن يمنع حدوث مثل هذه الجرائم مرات ومرات أخرى! فلتكونوا يا مسلمين عمليين وتأخذوا بالأسباب لتفادي وقوع ضحايا من جراء القصف بالغازات السامة، وما أسهل وقاية الناس منها. فمن العار أن يموت الناس بسبب الغازات السامة وطريقة الوقاية منها سهلة وفِي المتناول، ولا حاجة للمسلمين بالأمم المتحدة ولا الغرب، فإن كانت البلدان الإسلامية وعلى رأسها تركيا وقطر والسعودية وآلاف المسلمين الأغنياء جادين في مساندتهم للمسلمين في الشام، فهذا واجبهم الذي يجب عليهم القيام به، وعلى المشايخ أن يضغطوا على هذه الدول للقيام به، بدلا من لطميات موجهة للغرب!

فإليكم بعض الإجراءات العملية التي يجب اتخاذها:

1. شراء ملايين من أقنعة وقاية التنفس وتوزيعها على الناس في المناطق المحررة في الشام، بحيث يحصل كل فرد على قناع. فهذه الأقنعة رخيصة الثمن ويمكن شرائها، ويمكن بسهولة تصنيعها، فأي شركة نسيج أو بلاستيك الخ في تركيا أو دول الخليج يمكنها بتعديلات بسيطة في بعض الآلات تصنيعها، كما يمكن للثوار إنشاء مصانع لصناعتها في المناطق المحررة، والأفضل أن تُنشأ تلك المصانع تحت الأرض حتى يصعب استهدافها من قِبل الأعداء المتربصين بأهل السُّنة في الشام!

فعلى الثوار أن يجتهدوا في توفير أدوات ومعدات وأسباب وقاية المدنيين، تماماً كما يجتهدوا في توفير أدوات القتال، فهذه من مسؤولياتهم وليست مسؤولية “المجتمع الدولي”.

2. شراء (وصناعة) وتوزيع ملايين من سترات وقائية تغطي الجسم كله في ثوب واحد متصل، يمنع وصول الغازات السامة للجلد، وتوزيعها على الناس، بحيث يكون بحوزة كل شخص سترة واقية للجسد.

3. شراء (وصناعة) ملايين نظارات وقاية العيون وتوزيعها على الناس في المناطق المحررة في الشام.

4. شراء ملايين عبوات الأكسجين وأدوات التنفس منها، وتُوَزَّع على كل بيت وأسرة، بحيث يكون كل بيت فيه على الأقل أنبوبة أكسجين واحدة، ويُدرب الناس على استعمالها، ليتمكنوا من إسعاف المصابين بسرعة. وحتى لا يظنني أحد أن هذا أمر صعب، فيكفي الإشارة إلى أن في بعض الدول الغربية يُفرض قانونيا احتواء كل بيت على مطفأة للنار!

5. شراء آلات ومحطات رصد وإنذار للغازات السامة، وتوزيعها على كل المدن والبلدات في المناطق المحررة، بحيث تنذر الناس عند تسرب غازات سامة من قاذفات.

6. شراء أدوية وحقن مضادة للغازات السامة (خصوصا السارين) وتوزيعها على كل المناطق المحررة في الشام، حتى يتم إسعاف الناس المصابين، فعلاج إصابات السارين سهلة إذا توفرت الأدوية المضادة للمادة السامة.

7. نشر وتوزيع معلومات عبر كل الوسائل المتاحة، ومنها المساجد ووسائل التواصل الاجتماعي الخ، تُعلِّم الناس كيف يتعاملون مع القصف بالغازات السامة، ومن بينها أنه لا يجوز الالتجاء إلى أقبية تحت الأرض، لأن الغازات السامة أثقل من الهواء وتتركز أكثر على سطح الأرض وتحتها، الخ… وعلى أهل الاختصاص أن يعدوا كتيبات مبسطة وبالصور تبين كيفية التعامل مع الغازات السامة.

ختامًا

فكل هذه المعدات والأدوات ليست أسلحة ولا تتعلق بأدوات قتال وهجوم، بل هي أدوات وقاية وإسعاف وإنذار يمكن شرائها دون قيد وشرط، فتركيا ودول الخليج الذين يتذرعون مثلا بعدم القدرة على تزويد الثوار بأسلحة نوعية كمضادات الطائرات الحربية لأن الأمم المتحدة والغرب يمنعهم، لا عذر لهم البتة بعدم تزويد أهل الشام والثوار بأدوات الوقاية والعلاج والإنذار من الغازات السامة.

وعلى كل المشايخ والفصائل الذين يتغنون ليل نهار بأردوغان وقطر والسعودية أن يوجهوا خطابات قوية لهذه الدول والى غيرها من البلدان الإسلامية والى الأغنياء من المسلمين (وليس إلى الغرب والأمم المتحدة)، ويضغطوا عليهم ليقوموا بواجبهم في توفير أدوات الوقاية والإنذار من الغازات السامة وتوزيعها على أهل الشام في المناطق المحررة! وإن لم يفعلوا وهم قادرون، فهم والله شهود وشركاء في قتل المسلمين {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}.

فكفانا تباكيًا ولطميات، وكفانا استجداء عند الغرب والأمم المتحدة، فقرارات الأمم المتحدة وخطابات التنديد والشجب، ولو صدرت من رئيس أمريكا، لا ولم ولن تقي المسلمين من القتل، لا البارحة ولا اليوم ولا غدا ولا بعد مليون سنة! فالحل يكون في أخذ المسلمين بالأسباب التي تقيهم فعلا وعمليا من القتل وتصد عدوان الأعداء! فالمسلمون بحاجة لنفسيات وعقليات عملية تبحث عن حلول عملية للمشاكل والمصائب والمخاطر وتوفرها بيدها، وليس نفسيات ترضى أن تعيش تحت وصاية الغير، تنتظر كالدجاج أن يأتي سيدها ليأخذها للذبح، وتكتفي عند كل مصيبة بالتباكي لدى الغرب، نفس الغرب الذي يقتلهم ويحاول إبادتهم!

فاروق الدويس

مسلم مُتابع للأحداث في البلدان الإسلامية خاصة، يحاول المساهمة في معركة الأمة المصيرية بأبحاث ومقالات… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى