اليهود في أمريكا

شاهدنا مرات عديدة كيف يسارع الرئيس الأمريكي المنتخب جديدا بالسفر إلى “إسرائيل” والوقوف عند حائط البراق في بيت المقدس وقد ألبسه اليهود قبعتهم الصغيرة، وشاهدنا مع ذلك ملامح الخشوع والتأثر التي تتجلى بوضوح على وجه كل رئيس يؤدي هذه الطقوس، والعجيب في الأمر أن حائط البراق هو الحائط الذي ربط إليه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم البراق  في ليلة الاسراء والمعراج ومنها جاءت هذه التسمية نسبة للدابة التي ركبها الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ربطها في حلقة على هذا الحائط دخل المسجد وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماوات العلى ليؤكد هذا مدى ارتباطه الوثيق بالمسلمين، كما أنه يقع على الجانب الغربي من الحرم القدسي، فهو إذن جزء من الحرم المحيط بالمسجد الأقصى

لكن بالنسبة لليهود، فهم يزعمون أنه الأثر الأخير المتبقي لهيكل سليمان، لهذا فهم يتوجهون إليه للصلاة والدعاء لأجل إعادة بناء هذا الهيكل ومجيء مُخلصهم “المسيخ اليهودي”.

ويعتقد الرؤساء الأمريكان ذات المعتقدات المسيحية الصهيونية خاصة إعادة بناء “الهيكل اليهودي و تحقيق حلم “إسرائيل” الكبرى لتشمل ليس فقط الأراضي الفلسطينية بل على الأساس الحرفي لسفر التكوين 15:18،  القائل: “في ذلك اليوم قطعَ الرب مع أبرام عهدًا، قائلاً: لِنسلِك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر الى النهر الكبير، نهر الفرات”.

ما سر العلاقة بين اليهود والنصرانية المسيحية

تأملت كثيرا في حقيقة هذه العلاقة وكيف يمكن أن يصادق المسيحي اليهودي وهو يعلم أنهم من قتل يسوع وحول كنيستهم إلى مكب قمامة! ولكنني بنظرة في التاريخ وجدت أن نفوذ الصهيونية قد بدأ يتغلغل في المسيحية عن طريق مارتن لوثر، أستاذ اللاهوت الألماني ورائد المذهب البروتستانتي المسيحي الذي هو انشقاق من المذهب الكاثوليكي المسيحي  وهو الذي أصدر كتابا بعنوان “عيسى ولد يهودياً” في سنة 1523م قال فيه:

“إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات مائدة أسيادها كالمرأة الكنعانية تماماً”.

وحين نعلم أن المذهب البروتستانتي هو المذهب الذي يدين به اليوم غالبية الأمريكيين والأوروبين، وحين نعلم أن هذا المذهب الواحد يشمل العشرات من الشيع التي لا يمكن فصل عقيدتها عن اليهودية أو الصهيونية لفرط الاشتباك والتفاعل بينهما، نعلم كيف تمكن اليهود من ضخ أدبياتهم التي تغلغلت إلى صميم العقيدة المسيحية البروتستانية: فأولها كان ترسيخ مفهوم أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكوّنون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم مهما فعلوا وعملوا لا يُمكن انتقادهم. ثم  أن ثمة ميثاقاً إلهياً يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام هو ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة،

ويدخل في هذا الميثاق واجبات تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وافتتاح مكاتب للهجرة اليهودية الى الأرض المقدسة. فضلا عن ربط الإيمان المسيحي بعودة يسوع بقيام دولة اليهود سنة 1948م. ومن أجل ذلك ينبغي تقديم كل أنواع الدعم المالي والعسكرية والسياسي والإعلامي لليهود.

وبهذا نجح اليهود في تسخير الاعتقاد الديني المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية، وهذا ما يفسر النفوذ الهائل للصهيونية المسيحية في الأمم المتحدة ووسائل الإعلام وكل الأجهزة المرتبطة بمصالحها.

ثم لا شك أن موقف الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذوكسية يخالف “المسيحية الصهيونية” ولكن اليهود أحكموا قبضتهم الاقتصادية، ووضعوا ثقلهم في مواقع القوى في أمريكا فلا ينفك التأثير اليهودي، على السياسة والاقتصاد الأمريكي وبالتالي على أمريكا لا يتأثر.

مشاهد لليهود في أمريكا

لفتت انتباهي بعض الأحياء الفاخرة التي تتميز عن غيرها بقصور وفلل يسكنها أثرياء البلاد، وحين سألت لمن هذه المنازل، قيل لي هذه أحياء يهودية، يسكنها أغنياء اليهود فحسب.

وفي المقابل هناك أحياء متوسطة الحال لكن يقطنها يهود متدينون تبدو عليهم آثار التعصب بشعورهم وألبستهم وقبعاتهم ونظراتهم الحادة، وأغلب النساء في هذه الأحياء لديها عدد كبير من الأطفال، ويحرصون على كثرة الإنجاب، نساءهم تلبس لباسا مستورا ولا يختلطون إلا باليهود ويبدو عليهم الحفاظ والالتزام بتعاليم خاماتهم، والجدير بالذكر أن هؤلاء اليهود يعارضون قيام دولة إسرائيل وبناء على اقتباسات من توراتهم فإن قيامهما يعني نهاية اليهود وسوء خاتمتهم لهذا لابد ألا تقوم وقد خرجوا في مظاهرات في مناسبات عديدة يعلنون رفضهم قيام هذه الدولة المشؤومة.

كذلك المستشفيات اليهودية تقوم على أساس التعاليم اليهودية، وخصوصا الطعام فهم يوفرون الذبح على الطريقة اليهودية ويحرصون على توفير الأجواء اليهودية فيه لمرضاهم ومع ذلك هم يستقبلون مرضى من كل الأجناس.

أما جمعيات تجميع الأموال لأجل “إسرائيل” فيجتهدون ويثابرون في تحصيل الدعم بشكل مثير للانتباه، لقد شاهدت العجائز اليهوديات يعرضن للبيع ملابس من صنع أيديهن فقط لأجل أن يذهب ربحها إلى دولتهم المشؤومة، ولا يخفى الاهتمام اليهودي بكل ما يعني أخبارهم ونفوذهم وأعداءهم لا يخفى على مقيم في أمريكا وجود اليهود ومدى تأثيرهم في الساحة الأمريكية ومدى ارتباط تحركاتهم بمشروعهم الخبيث في فلسطين.

موقف للتأمل

كان لدي موعد مع أحد الباحثين في مستشفى كبير يشمل قسما خاصا للبحوث الطبية والدراسات، وحين خروجي من الموعد تفاجأت برجل يهودي ينادي علي وكان من الباحثين في مركزه، فسألته ما الخطب فقال هناك طبيبة تريد مقابلتك!

توجهت لمكتبها فتفاجأت بامراة يهودية تلبس الأسود وعليها علامات التدين اليهودي، وأكثر ما شدّ نظري هي تلك الصورة الكبيرة في مكتبها لبيت المقدس وحائط البراق، لقد كان منظرها بالنسبة لي كالصدمة الحقيقية، فلم أكن أخالني سأشاهد مثل هذه الصورة في مكان كهذا.

كان أمام هذه الطبيبة جهاز حاسوب بشاشة كبيرة، وكان معها هذا اليهودي وهو رجل ضخم يضحك ويبتسم كثيرا بسبب وبدون سبب،

سألتهما ما الخطب، فقال لي اليهودي، قلت أنك فلسطينية! قلت كيف عرفت، قال حين كنت تحدثين الباحث الذي التقيته ! فعجبت لسرعة انتشار المعلومة فبالكاد خرجت من مكتب الباحث وصلته المعلومة!

سألته وأين المشكلة، قال لم يعد هناك من فلسطين إنها دولة إسرائيل. قلت هذا في ذهنك أنت فقط، فسألتني الطبيبة هل زرت فلسطين، قلت نعم زرتها. قالت وماذا بقي في ذاكرتك من هذه الزيارة ، قلت مواقف كثيرة وأهمها أنها بلدي وقد اغتصبت!

ملامح الانزعاج كانت واضحة على ملامحهما ولكن الابتسامة لم تختف من وجه اليهودي الذي كان ينظر لي بحماسة زائدة! قلت لعله يتحين فرصة للإهانة أو للتجريح وزرع الإحباط.

فجأة فتحت الطبيبة فديو على شاشة الحاسوب، وفيه صور من داخل بيت المقدس كانت مليئة باليهود!

قالت ما رأيك في هذا الفيديو : قلت مجرد حالة مؤقتة!

فتعجبت من ردي لها وأثار هذا غضبها -كان ذلك واضحا-، ولكنني سارعت في الرد فقلت: ولكن أليس هذا غريبا، أثير فضولكم لمجرد كوني من فلسطين وتستدعوني بطريقة غريبة لا لنقاش بحث أو عمل بل لمناقشة صراع !

أعتقد أن قلقكم واضح وخوفكم أوضح!

ثم خرجت دون أن أطيل معهم الحديث ولكن حين خروجي سارع اليهودي بالقول، إن احتجت أي مساعدة أو عمل معا فمكتبنا مفتوح لك، قلت لا لست مهتمة بالعمل معكم.

كانت الابتسامة تتلاشى من على وجه اليهودي ولكنها ظهرت على محياي، فقد علمت أن فلسطين ستبقى حاضرة في كل خطوة لي حتى في أمريكا وفي أبعد أرض، ذلك أنه صراع لن ينته إلا بسنن ربانية فأسأل الله أن يقر أعيننا ببشريات المسلمين التي حملتها لنا نبوءات خاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة والسلام!.

اليهود وفلسطين

نعم كنت ألتقي بهم في أمريكا كأكثر من أي أرض أخرى بعد فلسطين، كنت أجدهم في كل مكان وفي كل جامعة ومركز ومكتب، كانوا يذهلون لمجرد أنهم يسمعون أنني فلسطينية، كان هذا يثير انزعاجهم بشكل واضح وجلي فكيف لو أنهم قرأوا ما بداخلي من مفاهيم عن أرض ميعادهم!، لقد كانت أسماءهم دليل يهوديتهم وصور فلسطين في إطارات يزينون بها مناظرهم، يتمسكون بأرضنا المغتصبة ويعلنون أنها لهم متباهين بجمالها ورونق حضارتها وتاريخها، كل هذا حالة نفسية مؤقتة، هذا ما وصلت إليه ، وإلا فلما هذا التخبط حين مشاهدة فلسطيني واحد!

أما نحن فنحمل فلسطين في قلوبنا وفي أبصارنا وفي كل لحظة نفس وتفكير وتخطيط لهدف، لهذا لن يهنأوا بأرضنا أبدا، هذا وعد حق وليس حلم

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاكم الله خيرا
    الصليبيين مكثوا قرابة القرن اكثر من يهود
    نتيجة نوم المسلمين وغفلتهم عن عقيدتهم
    ثم بفضل الله افاقوا وبقوته سبحانه اخرجوهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى